وثائق "سي آي إيه": هكذا أوصلت أمريكا مؤسس الثورة الإيرانية للسلطة

كشفت وثائق أمريكية جديدة رفعت عنها وكالة المخابرات الأمريكية السرية، عن الدور الكبير الذي لعبه الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، في إيصال مؤسس "الثورة الإيرانية" الخميني إلى سدة الحكم بعد فرار الشاه من البلاد عام 1979.

مفاوضات مباشرة

قالت إن الوثائق التي كشفت عنها "بي بي سي" أوضحت أن كارتر كان من كبار

الداعمين لفكرة استبدال نظام الشاه، الذي كان يعاني من اضطرابات بنظام الخميني

مؤسس نظام ولاية الفقيه بإيران.

وبيّنت الوثائق أن الخميني الذي كان يعتبر أمريكا "الشيطان الأكبر" كان يتلقى

دعماً خاصاً من إدارة الرئيس الأسبق كارتر من خلال إجبار الشاه محمد رضا بهلوي

على مغادرة إيران وصعود معسكر الخميني بدلا عنه. وتضيف الوثائق أن الإدارة

الأميركية مارست ضغوطا كبيرة أوصلت الشاه إلى طريق مسدود قبل أن تجبره على

التنازل عن الحكم ودخول الخميني بدلا عنه. وفي إشارة إلى مفاوضات جرت خلف

الستار بين المقربين من الخميني والإدارة الأميركية ذكرت الوثائق أن الخميني لم

يكن معارضا لبيع النفط إلى إسرائيل.

بموازاة ما كان يجري في أروقة واشنطن وطهران من أجل الإطاحة بالنظام البهلوي

كان معسكر الخميني في نوفل لوشاتو يسابق الزمن وبحسب الوثائق فإن الخميني بدأ

منذ 15 يناير/ كانون الثاني 1979 لفترة أسبوعين مفاوضات مباشرة مع الإدارة

الأميركية تمهيدا لمغادرته باريس إلى طهران لإعلان نظام ولي الفقيه.

وبموازاة ما كان يجري في باريس ففي طهران كانت السفارة الأميركية تسابق الزمن

للتنسيق بين مساعدي الخميني مهدي بازرغان ومحمد بهشتي من جهة وقادة السافاك

(جهاز المخابرات) وجنرالات الجيش من جهة أخرى.

القرار الحاسم

في سياق مواز، كشفت الوثائق لغزاً جديداً من ألغاز سبقت الثورة الخمينية بأيام

قليلة وهو مؤتمر غوادلوب في يناير 1979 وأظهرت الوثيقة أن الثورة الإيرانية

كانت من محاوره الرئيسية.

ووفق رواية "بي بي سي" الفارسية فإن كارتر في اجتماع غير معلن لمجلس الأمن في

واشنطن سبق مؤتمر غوادلوب أخبر نظراءه الأوروبيين عن قرار نهاية محمد رضا بهلوي

ولزوم مغادرته إيران.

وإذا ما صحت رواية قناة "بي بي سي" من تلك الوثائق فإنها تعيد كتابة تاريخ

الثورة الإيرانية بزعامة الخميني، إذ ساندته إدارة كارتر من أجل الوصول إلى

مبتغاه، كما أنها تأتي في وقت كثرت الشواهد فيه على وجود خلافات عميقة في هرم

السلطة الإيرانية بشأن إعادة العلاقات مع أميركا.

وبحسب وثيقة مؤتمر غوادلوب في الخامس من يناير 1979 (قبل 36 يوما من الثورة)

فإن الرئيس الأميركي لم يكن قلقا على خسارة حليفه. وإنه كان يعتبر إيران بعد

رحيل الشاه مصدرا للاستقرار. وفي إشارة إلى استبعاد إيران من الاتحاد السوفياتي

الذي كان يشكل قلقا لواشنطن يضيف التقرير أن كارتر كان يعتبر إيران مستقلة وغير

تابعة لأي من القطبين.

وبعد محادثات شهدها اليوم الأول حول علاقات حلف الغرب والشرق فإن كارتر برفقة

مستشار الأمن القومي الأميركي زبغنيو بريجينسكي تناول إيران باعتبارها أكثر

المناطق اضطرابا في العالم.

وحسب محضر الاجتماع السري الذي نشر مؤخرا فإن الرئيس الأميركي اتخذ القرار

النهائي قبل لحظات من السفر إلى غوادلوب في الثالث من يناير في اجتماع غير رسمي

مع كبار مستشاريه. وذكرت الرواية أن كارتر كان قد تلقى برقية عاجلة من السفير

الأميركي في طهران ويليام ساليوان يخبره بأنه "حان وقت اللحظة التاريخية" وأن

محمد رضا بهلوي على مفترق طرق بين أن يسلم زمام الأمور إلى رئيس الوزراء شابور

بختيار أو يصدر أوامر للجيش لقمع أنصار الخميني.

ويحذر ساليوان في رسالته من انقلاب يعده قادة الجيش ضد الشاه بسبب تردده في

إدارة البلد. تشير الوثيقة إلى أنه إثر إطلاع كارتر على رسالة ساليوان فإن

الرئيس الأميركي اجتمع مع كبار مساعديه لاتخاذ القرار حول إجبار الشاه على

مغادرة إيران، وفي النهاية على الرغم من معارضة بريجينسكي فإن وزير الخارجية

الأميركي الأسبق سايرس فانس ورئيس "سي آي إيه" استانسفيلد ترنر تمكنا من إقناع

الرئيس بضرورة رحيل الشاه من إيران.

وفي النهاية تقرر أن يطلب كارتر من الشاه بشكل غير مباشر مغادرة إيران. ووفق

الوثيقة المذكورة فإن مساعد الرئيس الأميركي فالتر مانديل قال حينها: "يجب

تشجيع الشاه على الرحيل بطريقة لا يعرف أن أميركا وراءها".

ترويج للتطبيع

الوثائق تشير في محتواها إلى سعي الرئيس الأمريكي آنذاك إلى إقناع العالم بنظام

الخميني، إذ تقول الوثائق إن كارتر شدد في كلمته على أن "الأحداث في إيران

تتطور باتجاه الوصول إلى بلد أكثر استقرارا وعلاقات جيدة مع الغرب ومصدر دائم

لتصدير النفط إلى الدول الغربية ومصان من التدخل الأجنبي وراق على الصعيد

الداخلي".

وطبقا للوثيقة بدأ كارتر يتحدث بقناعة عن ضرورة مغادرة الشاه لإيران وتذكر

الوثيقة في ختامها أن "الولايات المتحدة تعتقد أن اجتماع غوادلوب كان فرصة

مناسبة لتبادل وجهات النظر الرسمية لبرنامج عمل واضح، عار من الأزمة في علاقات

الحلفاء والقرارات أو البيانات الرسمية".

وفي وثيقة أخرى فإن كارتر لم يقدم ضمانات باستمرار النظام الملكي في إيران وهي

إشارة منه إلى حلفائه الغربيين حول تأييده للجمهورية الإسلامية بزعامة خميني.

لكن في نفس الوقت يقدم كارتر ضمانات بحفظ سلامة الأراضي الإيرانية والتعاون مع

الحكومة المؤقتة بعد مغادرة الشاه.

وبحسب وثيقة أخرى فإن القلق الأميركي من انقلاب الجيش على الشاه تراجع بعد

استقالة الجنرال غلام علي أويسي في الرابع من يناير 1979. وفي نفس اليوم يطلب

كارتر من محمد رضا بهلوي ألا يتردد في تسليم الأمور لرئيس وزرائه شابور بختيار

ومغادرة إيران باتجاه كاليفورنيا. وبذل كارتر مسعاه من أجل الحفاظ على وحدة

الجيش الإيراني وبقائهم في إيران بعد مغادرة الشاه.

النفط والنهاية

ووفق وثيقة أخرى فإن المساعد العسكري لبريجينسكي الجنرال ويليام أدوم طلب في 31

أكتوبر (تشرين الأول) أن تضع الولايات الأميركية تصورا لضمان تدفق النفط

الإيراني إلى الغرب وكذلك العقود العسكرية. وتذكر الوثيقة أنه بعد ذلك بتسعة

أيام أخبر السفير الأميركي إدارته بأن الحل الوحيد لإدارة الأزمة وحفظ المصالح

الأميركية المجيء بالخميني وتأسيس نظام الجمهورية الإسلامية والربط بين الخميني

وقادة الجيش.

وتظهر الوثائق أن موضوع التغيير في إيران وصعود النظام الجديد بقيادة الخميني

كان الشغل الشاغل للإدارة الأميركية حينها، وتظهر الوثائق أنه على مدى شهر

ديسمبر/ كانون الأول تابعت واشنطن عبر سفارتها في طهران الاستعداد لتبديل

الخميني بالشاه.

وبحسب الوثائق فإن شاه إيران تسلم الرسالة النهائية حول ضرورة مغادرته إيران في

11 يناير 1979. وأن ساليفان هو من أخبر شاه إيران بأن لديه أوامر حول توصيته

بمغادرة إيران. بنفس الوقت كان مجلس الأمن القومي في واشنطن يقيم اجتماعا عاجلا

برئاسة فالتر مانديل. وبحسب محضر الاجتماع فإن الإدارة الأميركية والأجهزة

الأمنية كانت قد توصلت إلى إجماع وقناعة تامة للتعاون مع معسكر آية الله

الخميني. وبحسب تقرير "بي بي سي" نقلا عن رئيس جهاز المخابرات في الخارجية

الأميركية فليب استودارد، فإنه "بعيد عن الإنصاف أن نعتقد أن الخميني رمز فصل

الجنسين في النظام الدراسي أو معادٍ لحقوق المرأة. الخميني غير مهتم بالسياسة

الخارجية ولا يهمه كثيرا بيع النفط لإسرائيل".

في التزامن مع ذلك، كانت الإدارة الأميركية قد بدأت مفاوضات مباشرة في المنفى

الفرنسي للخميني بمدينة نوفل لوشاتو لوضع آخر اللمسات على سيناريو صعود نظام

ولي الفقيه وإسقاط النظام البهلوي وفي طهران كانت مفاوضات غير عادية تجري

برعاية السفير الأميركي بين مساعدي الخميني في الداخل وقادة المخابرات (جهاز

السافاك) وجنرالات الجيش.

وسوم: العدد 671