تعقيب على خطيب

أحمد الجمّال الحمويّ

من الأمور العجيبه في عصرنا وما أكثر عجائب هذا العصر أنّ بعض الناس يخوضون في أمور علميّة خطيرة، ويستشهدون على رأيهم بآية كريمة أو حديث نبويّ شريف, ناسين أو جاهلين أنّ في المسأله عشرات النصوص وأنّهم ليسو أهلاً لفهم تلك النصوص أصلاً.

وهذا الاجتزاء أو الاختزال تضليلٌ للأمّة, والذين يقدِمون عليه يظنّون في أنفسهم أهليّة تناول الأحكام من الكتاب والسنّة, واضعين أنفسهم في مرتبةِ أئمّة الإسلام العظام على الرغم من أنّ بينهم وبين هذا المقام مابين المشرق والمغرب.

ولاريب أنّ تناول الأحكام من الكتاب والسنّة شيءٌ لا يصلح له الا قلّة قليلة من العلماء، كما أنّ المسلمين منذ عهد الصحابة الى أيّامنا يعلمون أنّ هناك من يصلح للاجتهاد والإفتاء ومن لايصلح الا للسؤال والاستفتاء، قال تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) وقال أيضًا: (ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم).

هل سمعتم أو بلغكم أنّ صحابيًا من علماء الصحابة رضي الله عنهم جاءه مستفتٍ فقال له أنت عربيٌّ وتستطيعُ أن تفهمَ الكتاب والسنّة فيجبُ عليك أن ترجع إليهما، ولايجوز لك أن تسألني ولا أن تقلدني. إنّ هذا لم يحدث قطّ.

لكنّ بعض المتحمّسين في زماننا يعتقدون أنّهم قادرون على استنباط الأحكام من المصدرين الرئيسَيْن في مسائل يعَدّ الخوض فيها في غاية الخطورة لتعلقها بمصير الأمّة وهكذا يتطاولون إلى مقام لايصلحون له. وأرجو ألا يكون الخطيب الذي سنتناول بعض أفكاره في البحث في مقالتنا هذه من هذا الصنف.

في كندا خطيبٌ قرّر في خطبة له عدم جواز الخروج على الحاكم ولو جلد ظهرك وأخذ مالك, وأنّ الخروج عليه يُفضي إلى عواقب أوخم وأشدّ, وضرب مثالاً لهذا بما يجري في سوريا، زاعمًا أنّ الحاكم فيها ليس كافرًا كفرًا بواحًا, كما أنّ السورين غير قادرين على النيل منه، لذلك أدّى الأمر الى تدمير سورية.

وكلام الخطيب مجموعة أخطاء بعضها فوق بعض.

أولاً: إنّ الصبر على الحاكم الذي يجلدُ الظّهر ويأخذ المال لو أنّ الحاكم كان مسلمًا يُدافع عن الإسلام والمسلمين ويحمي بلادهم, أمّا إذا لم يكن هكذا فلا صبر عليه ولا كرامة.

ثانيًا: ما أرى إلا أنّ هذا الخطيب يجهل عقائد الشيعة والنصيريين وتاريخهما في عداوة الأمّة وخيانتها, ويجهل أنّ علماء الأمّة متّفقون على كفر النصيريّين وكفر كلّ من يزعم أنّ القرآن محرّف، وليس في هذا أقوال وآراء؛ بل هذا حكم ليس محلاً للنزاع.

ثالثًا: هذا الخائن وريث الخيانة (بشار) من هذه الطائفة الكافرة فهو كافر إذن، إلا أن يكون عند الخطيب تعريفٌ للكفر نجهله وتجهله الأمّة. قال تعالى: (لقد كفر الذين قالوا إنّ الله هو المسيح ابن مريم) أفلا يكون الذين يقولون إن الله هو عليّ ابن أبي طالب كفارًا من باب أولى. ومن الثابت أنّ تأليه عليّ رضي الله عنه هو في رأس عقائد النصيريين, وليقرأ من شاء كتاب الدكتور عبد الرحمن بدوي المصريّ الذي وضّح فيه عقائدهم وبينها.

رابعًا: ولئن قيل إنّ حافظ أعلن إسلامه فالجواب: إنّ علماءنا قالوا إنّ من أراد أن يتوب من النصيريين وأمثالهم من الباطنيين فلا يُقبَل منه أن يُعلِن تركه لدينه فحسب, بل لا بدّ له أن يذكُرَ عقائدَه التي تركها بالتفصيل ويتبرأ منها واحدةً واحدةً. فهل حصل هذا من بشار أو من أبيه حافظ من قبل أو أنّهما خدعا الأمّة بكاملها بعبارات موهِمَة مائعة. وأسارع إلى القول أنّنا نحن المسلمين لا نبني على كفر النصيريين أو القول بأنّهم سلالات المرتدّين الدعوة إلى إبادتهم أو استحلال دمائهم وأموالهم كما هو شأن الشيعة الرافضة معنا, حيث لم يكتفوا بتكفيرنا بل بنوا عليه أنّ قتلنا بلا سبب قربةٌ وطاعةٌ، وأن أموالنا غنائم. بل نترك النصيريين ومايدينون وحسابهم على الله تعالى, إلا إذا قاتلونا واعتدوا علينا فالأمرحينئذ يختلف.

خامسًا: وإذا كان تأليه عليّ رضي الله عنه ليس كفرًا عند الخطيب المشار إليه فما هو الكفر إذن؟ والمصيبة الكبرى إذا كان الخطيب يُنكِر وجود كفّار أصلاً ويرى أنّ أهل الملل جميعا مؤمنون, فهذا تكذيب لكتاب الله تعالى الذي أكّد وجود كافرين في كثير من آياته وأكّد أنّهم مُخلَّدون في جهنم.

سادسًا: ماهو الكفر البَوَاحُ في رأي الخطيب؟ وكيف فهم الخطيب الحديث النبويّ الشريف الذي استشهد به؟ إنّ الحديث النبويّ الشريف الذي لم يفهمه الخطيب لا يتحدث عن حاكمٍ كافرٍ؛ بل يتحدّث عن حاكمٍ مسلمٍ يضرِبُ بعضَ الرعيّة ويأخذ من أموالها، ولم يكن كافرًا، ولم يظهر منه كفر ألبتّة, أمّا الحاكم الكافر الذي سرق أبوه سورية بالخيانة، ثم ورّثه إيّاها , فلا مكان له في هذا الحديث.

ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقصد الحاكم الكافر, ويُوصِي بعدم الخروج عليه لكان معنى الحديث: لامانع أن يتولّى عليكم حاكمٌ كافرٌ فإن تولّى فجلَدَ ظهوركم وأخذ أموالَكُم فلا تخرجوا عليه إلا أن تروا منه كفرًا بواحًا. وكأنّ رسولَ الله حسب هذا الفهم يُوصي بقبول حكم الكافر وعدم الخروج عليه إلا إذا رأينا منه كفرًا بواحًا.

وإذا كان هذا الحاكم كافرًا أصلاً فكيف نقبل حكمَهُ؟ وكيف ننتظر حتى نرى منه كفرًا بواحًا؟ هل يصدِّق عاقلٌ يفهم اللغة العربيّة أنّ هذا هو المعنى المراد؟ وهل ينسجم هذا مع القرآن الكريم والسنة الشريفه ومع بلاغة النبيّ صلّى الله عليه وسلم؟

سابعًا: إنّ كلّ من كتب في السياسة الشرعيّة يؤكّد أنّه لايجوز أن يحكمنا كافر . وعندما يتكلّمون عن طاعة وليّ الأمر فإنّما يتحدّثون عن حاكم مسلم، وهذا الذي تجب طاعته في رأيهم ولو ظلم.

قال تعالى: (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)، وللننتبه إلى كلمة: (منكم)، فهل كلمة (منكم) لها معنى عند الخطيب, ثم ألم يسمع الخطيب بقوله صلّى الله عليه وسلّم: (سيّد الشهداء حمزة بن عبد المطلب, ورجل قام إلى إمامٍ جائرٍ، فأمره ونهاه فقتله) إنّ هذا الرجل قام إلى إمامٍ مسلمٍ جائرٍ يأمرُهُ بالمعروف وينهاه عن المنكر فقتله ذلك الإمامُ فكان بمنزلة سيّد الشهداء فكيف بمن يُواجِه حاكمًا كافرًا ابن كافرٍ وخائنًا ابن خائنٍ.

ثامنًا: إنّ من أولى واجبات الحاكم المسلم رعاية الدين وحفظه ورعاية البيضة, فكيف يمكن أن يقوم كافرٌ برعاية الإسلام وحفظه وهو لايؤمن به؛ بل هو عدوٌّ له.

إنّ خطورة سارق سوريّة مضاعفةٌ، فهو أولاً كافرٌ خائنٌ لايجوز أن يحكم المسلمين، وثانيًا أراد هذا الحاكم أن يخرج شعب سورية من الإسلام إلى الكفر فاستقدم مئات العلماء من الشيعة الرافضة الذين انفلتوا في بلادنا يدعون إلى ضلالهم وخرافاتهم بترغيب الناس بالمال ونكاح المتعة، والكتب التي توزّع مجانًا والتباكي على آل البيت وغير ذلك من الأساليب الرخيصة.

بعد هذا يُصبِح من السخف أن يتكلّم أحدٌ عن جواز الخروج عليه أو عدم الجواز والصواب أن يقال إنّ الخروج عليه وإزاحته فرض مهما كلفنا ذلك, وإنّ الشعب السوري لو قدّم مليون شهيد ليتخلّص من الاستعمار المجوسيّ الفارسيّ والنصيريّ والروسيّ لكان هذا نصرًا كبيرًا لأمّتنا.

وقبل الانتقال إلى معنى آخر أُورِدُ بعض ما جاء في حديث شريف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو قوله: (ألا إنّ الكتاب والسلطان سيفترقان فلا تفارقوا الكتاب, ألا وإنّه سيكون عليكم أمراء إن أطعتموهم أضلّوكم وإن عصيتموهم قتلوكم, قالوا: وماذا نفعل يارسول الله؟ قال: كما فعل أصحاب عيسى بن مريم, حُمِلوا على الخشب ونشروا بالمناشير, فوالذي نفسُ محمدٍ بيده لموتٌ في طاعة الله خير من حياة في معصيته).

وبعد أن شرحنا معنى الحديث الشريف وقرّرنا الحكم الشرعيّ نتكلم الآن بمنطق العصر الذي يُنادي بالديمقراطيه وحكم الأكثريّة:

هل يُمكِن لأقليّة لا تبلغ نسبتها 10% من الشعب السوري أن تحكم سورية حكمًا فرعونيًّا بانتخابات ديمقراطيّة غير مزوّرة؟ ولأنّ هذا مستحيل وللطائفة النصيريّة مشروعٌ طائفيٌّ ما كان منها إلا أن سرقت سوريّة بالخيانة والتآمر مع الصهيونيّة والصليبيّة وحكمت سورية بظلم وفساد ليس له مثيل في الدنيا.

فهل من المعقول أن تقبل الأكثريّة الأصيلة بحكم الأقليّة السارقة بينما لم تقبل الأقليّة بحكم الأكثريّة؟ فلا عجب أن تسير الأكثريّة في طريق استرداد حقوقها، وخلع الخونة الذين باعوا سورية لإسرائيل والشيعة والروس وغيرهم.

كأنّ هذا الخطيب لا يعرف ما يجري في سورية والمنطقة كلّها, فكيف يعرف تاريخ النصيريين والشيعة وعداوتهم للأمّة وحربهم لها ومساعدتهم لكل من يغزوها خلال مئات السنين؟

ومن الثابت أنّ الذي بدأ باستخدام القوّة هو الحكم النصيريّ ويعرف أقلّ متابع للأحداث أن المظاهرات بدأت سلميّةً تُطالِبُ بإصلاح النظام فصبّ عليها الحاكم الكافر الحمم, وعندما عجز عن إسكات صوت الحقّ استعان على الشعب بكلّ كافر، ولايزال، ممّا أجبر الناس على حمل السلاح للدفاع عن دينهم وأنفسهم, والعجب أنّ الخطيب يُطالِبُ الشعب أن يتوقّف عن الدفاع عن نفسه ولا يُطالِب الحاكم النصيري بالكفّ عن القتل والتدمير. ألا يعلم الخطيب أنّ الطائرات التي يدمّر بها بشار بلادنا هي من أموالنا، أمّا الثوار فإنّهم لا يملكون طائرات ولا صواريخ لإسقاطها, وأنّ الذي يستخدم الأسلحة الكيميائيّة والبراميل المتفجّرة, والقنابل الفسفوريّة والعنقوديّة؛ والذي يهدم العمارات على ساكنيها ويدمّر بلادنا ومدننا ليضعَ مكان أهل البلاد خنازير الأرض ويقتل الرجال والنساء والأطفال هو الحاكم الخائن ومؤيّدوه من الشيعة والروس الأرثوذكس. أمّا غيرهم من هنا وهناك فهم متآمرون وليتهم كانوا على الحياد.

أمّا الثوار الذين يطالبهم الخطيب بألاّ يُدافِعوا عن أنفسهم ودينهم وأعراضهم فهم لا يملكون ثمن الطعام فضلاً عن ثمن السلاح لكنّ الله أعانهم فغنموا كثيرًا من أسلحة الشعب التي سرقها الحاكم وجيشه الطائفيّ ليقتلهم بها، وهي من أموالهم.

إنّ الدعوة الى التوقّف بحجّة الإضرار بالبلاد هي حجّة الطغاة الذين هم أصل البلاء وحجّة علماء السلاطين والمتخاذلين على مرّ العصور, وهي مطالبة المظلومين والمسحوقين بالاستسلام والقبول بالظلم.

أمّا القول إنّ الشعب غير قادر على إزاحة عميل إسرائيل وإيران معًا فهو قولٌ غير صحيح؛ إذ أنّ الشعب السوري انتصر في السنة الأولى من الثورة، وكاد أن يدخل قصر الخائن ويدوسه بالأقدام، فما كان من بشار إلا أن استعان بجيوش أعداء الأمّة.

وإنّ مجرد استعانته بإيران وحزب الشيطان ومليشيات الشيعة العراقيّة والأفغانيّة دليلٌ على انهزامه وإفلاسه, فجاء الأعداء يدافعون عنه ويحمونه, ألا يُؤكِّد هذا كلَّه وجوب الخروج عليه؟

أمّا إذا كان الخطيب يقصد أنّ توقيت الثورة لم يكن صحيحًا فإنّما يُقال هذا لو كان الشعب هو الذي بدأ بحمل السلاح أو كانت الثورة بقرارٍ من حزب أو جماعة لكنّ المعروف أنّها كانت بصيحة ربّانية بعد أن حدث ما حدث في درعا, فليوفّر الخطيبُ وأمثالُهُ نصائحَهُم التي تدلّ على عدم فهمِ النصوص وآليّات الاستنباط منها، وعدم إدراك الواقع ومآلاته، وإلى الله المشتكى.

 وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم.

والحمد لله رب العالمين.

أحمد الجمّال الحمويّ

نائب رئيس جمعيّة العلماء في حماة سابقًا

عضو مؤسّس في رابطة أدباء الشام

عضو مؤسّس في رابطة العلماء السوريّين

عضو الاتّحاد العالميّ لعلماء المسلمين

وسوم: العدد 678