هل راعى قانون العفو العام قواعد العدالة والإنصاف للضحية؟

مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات

 الجانب المهمل دائما في قوانين مثل قانون العفو العام هو ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان وتجاهل حقهم في الحصول على إنصاف عادل وفعال في جبر الضرر، ويجب أن يكون هذا المفهوم هو نتيجة لمسؤولية الدولة في حالات انتهاكات حقوق الإنسان، كما أن واجبات الدول في ضمان جبر الضرر عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان هو واجب أساسي لا يمكنها التنصل عنه في أي حال من الأحوال.

 وبما إن الانتهاكات التي طالت حقوق الإنسان لا تؤثّر على الضحايا المباشرين فقط، بل على المجتمع ككلّ وذوي الضحايا بصورة خاصة، فمن واجب الدول أن تضمن، حقوق الضحايا وحق المجتمع إلى جانب تجاوزها عمن ارتكب الانتهاكات ضد حقوق الإنسان وفي مقدمة تلك الحقوق الحق في الحياة، وضمان عدم تكرار تلك الانتهاكات، وهو واجب خاص يقضي بإصلاح المؤسّسات التي كان لها يد في هذه الانتهاكات أو كانت عاجزة عن تفاديها.

 فبعد جدل سياسي طويل بين الكتل السياسية في العراق واتفاقيات وتوافقات على مصالح سياسية وحسابات انتخابية، أقر مجلس النواب العراقي في جلسته المنعقدة 25/آب-أغسطس الماضي قانون العفو العام والذي يقضي بإطلاق سراح المحكومين والمودعين في السجون الذين صدرت بحقهم أحكام حضورية أو غيابية أو الذين لم تصدر بحقهم أحكام باتة، كخطوة نحو إيجاد حلول سياسية لخروج العراق من أزمته السياسية الراهنة، لأن بعض الأطراف السياسية تدعي إن احتضان بعض المناطق العراقية لتنظيم داعش الإرهابي والجماعات المسلحة المعادية للعملية السياسية في العراق كان سببه "الظلم" الذي لحق بأبناء تلك المناطق عن طريق التهميش وزج أبنائهم في السجون.

 وهنا نتساءل: على إثر الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، هل يحقّ للضحايا وذويهم أن يروا معاقبة المرتكبين للانتهاكات ومعرفة الحقيقة والحصول على جبر ضرر كجزء من تحقيق العدالة وحماية حقوق الإنسان؟

 في مجتمع مثل المجتمع العراقي، والذي يتكون أغلب نسيجه من العشائر المدربة تدريباً عاليا على أنواع مختلفة من الأسلحة، ووجود جهات مسلحة ومنظمة عسكرياً خارج نطاق الجيش والشرطة والقوى الأمنية الدستورية، وبوجود تاريخ حافل بالانتهاكات الجسيمة التي لم تُعالج آثارها الاجتماعية والنفسية، ومن ثم تأتي الدولة لتقوم بإطلاق سراح المنتهكين لحقوق الإنسان من السجون، سيؤدي ذلك إلى انقسامات اجتماعية وسيولّد حالة من غياب الثقة بين المجتمع ومؤسسات الدولة، فضلاً عن زعزعة الأمن عن طريق أخذ الحق خارج نطاق مؤسسات الدولة الدستورية وعرقلة الأهداف الإنمائية أو إبطاء تحقيقها.

 وهنا يمكن أن نتساءل أيضاً عن الالتزام بسيادة القانون، وكيف ستؤول في نهاية المطاف، هل تؤول إلى حلقة مفرغة من العنف في أشكال شتّى خاصة وإن هناك تحفظات كثيرة على فقرات هذا القانون حتى من قبل رئاسة الوزراء والذي أضحى -أي قانون العفو العام- بضاعةً لترويج الدعاية والانتخابية وتحقيق المصالح السياسية للكتل والأحزاب مع اقتراب موعد الانتخابات؟.

 من خلال محاولة تحقيق المحاسبة وتعويض الضحايا، تقدّم العدالة الانتقالية اعترافاً بحقوق هؤلاء الضحايا وتشجّع الثقة المدنية، وتقوّي سيادة القانون والديمقراطية، وبالتالي لا بد أن تسير الحكومة العراقية باتجاهين متوازيين، فمثلما سنت الحكومة قانوناً للعفو العام وتم إقراره من قبل مجلس النواب، عليها أيضاً إنصاف ضحايا الإرهاب وتعويضهم مادياً ونفسياً للوصول إلى حلول تعالج المشاكل بصورة متوازنة، وأول خطوة يجب أن تقوم بها الحكومة العراقية هي إنصاف الضحايا وذويهم وتعويضهم عن الضرر المادي والمعنوي الذي لحق بهم جراء العلميات الإرهابية.

 وبالتالي ينبغي أن لا ينظر للأمر بعين واحدة حيث تعطى حقوق المجرم كاملة ويترك الضحية وذويه يعانون مرارة المصيبة التي لحقت أثناء وقوع الجريمة ومرارة الإفراج عن المجرمين من السجون دون أن يتم معاقبتهم وأخذ الحق منهم وتحميلهم المسؤولية الكاملة عن جرائمهم التي ارتكبوها.

 ولكي لا يتم الرقص على جروح الضحية بإيقاع سياسي تقف خلفه مصالح حزبية وانتخابية، فان العدالة تقتضي أن لا يتم العفو عن الذين ارتكبوا فعال إجرامية دون أن يسبقه إنصاف وتعويض مجزي لذوي الضحايا، كي يتم إجبار الضرر وتخف روح الانتقام لدى ذوي الضحايا حتى لا يتم معالجة المشكلة بمشكلة أكبر منها، لأن عدد الضحايا يفوق بكثير عدد المجرمين الهاربين من العدالة والمجرمين الذين تم إيداعهم في السجون.

 وعلى الدولة متمثلة بمؤسساتها الدستورية، أن تتحمل التزاما متعدد الأبعاد من أجل ضمان التمتع بحقوق الإنسان، فبالإضافة إلى واجب اتخاذ كل ما يلزم من إجراءات تشريعية وغيرها من الإجراءات، فإنه عليها أن تتدخل في أربعة مجالات رئيسة هي: منع الانتهاكات، واحترام، وحماية، وتعزيز حقوق الإنسان.

 فواجب الاحترام يقوم على التزام الدولة بالامتناع عن الأعمال التي من شأنها أن تنتهك حقوق الإنسان، أما واجب الحماية فيقوم على التزام الدولة بحماية الأشخاص من الأعمال التي من شأنها أن تحول دون تمتعهم بحقوقهم، وواجب التعزيز الذي يقوم على التزام الدولة باتخاذ إجراءات لنشر حقوق الإنسان، والتدريب عليها، وتعليمها، ويمكن القول إن جميع حقوق الإنسان تفرض على الدولة اتخاذ تدابير إجرائية توفر ما يكفي من سبل الإنصاف والعدالة وفي مقدمتها إنصاف الضحية وعدم السماح بتكرار انتهاكات أخرى ضده.

 إن الحق في الإنصاف يعطي الضحايا بشكل فعلي إمكانية الدفاع عن أنفسهم ضد الانتهاكات التي تقع على حقوقهم وحرياتهم، والحق في معرفة الحقيقة يلزم الدولة بالتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان وكشف الحقيقة للعموم، أما الحق في العدالة فينطوي على معالجة سريعة وفعالة ضد انتهاكات حقوق الإنسان، والتزام الدول بمكافحة الإفلات من العقاب وتقديم الجناة إلى العدالة، ويضم الحق في جبر الضرر الحقين الأولين، ولكنه يذهب إلى أبعد من ذلك حيث يضمن الحق في التعويض، والإرجاع، وإعادة التأهيل والإرضاء، وضمانات عدم التكرار.

وسوم: العدد 691