من هم الإخوان المسلمون

جماعة جمعت الخير من كل جوانبه، فلم تهمل الروح على حساب العلم، ولا العلم الشرعي على حساب التخصص، ولم تهمل الفرد على حساب الجماعة، ولا التربية على حساب السياسة، ولا السياسة على حساب المبادئ، وذلك دون إفراط أو تفريط أو غلو أو عنف، ولعل هذا ماجعل الأعداء بكل أشكالهم أن يقفوا منها موقفاً حاداً ومجانباً للحق والصواب، ولولا صلابة قواعدها ومتانة أسسها لما بقي لها وجود أو أثر بعد هذه الهجمات الشرسة عليها على مر السنين.

ومن زمن بعيد في الخمسينيات من القرن الماضي، أرسل عبد الناصر إلى شيخ الأزهر في حينه الشيخ محمد خضر حسين يستفتيه في وصف جماعة الإخوان المسلمين وهل هي من الخوارج؟

فما كان من الشيخ إلا أن صعد منبر الأزهر وخطب في الناس قائلاً: لقد عشت خادماً لديني لا مستخدماً له، ويكفي العبد الفقير كسرة خبز وشربة ماء، وإني أشهد الله أن الإخوان المسلمين دعوة ربانية عرفتهم ميادين البذل والعطاء والجهاد والتضحية، لم يخونوا ولم يغدروا بما علمت عنهم، وها أنا ذا أعلن استقالتي من كل منصب يحول بيني وبين إرضاء ربي.

فالإخوان منذ نشأتهم لم يغيروا ولم يبدلوا، ماضون على العهد ثابتون على الحق مهما تكالب عليهم الأعداء، وتآمر عليهم طلاب الدنيا بزخارفها ومتاعها، فقد شهد لهم الكثير الكثير من المنصفين؛ ممن لا يمكن إحصاؤهم في ورقة موجزة.

ولعلَّ السرّ وراء الموقف المعادي من الجماعة أن النظام السياسي العالمي لم يعد يتقبل تنظيماً جامعاً بين السياسية والدعوة، والعلم والعمل، والتربية والإعداد، كما لم يعد يتقبل تنظيماً يحمل على عاتقه مشروعاً متكاملاً، يتواصل أفراده عبر العالم، يحمل هموم الأمة كلها؛ فتتوالى الضغوط على أبناء الجماعة في كل مكان؛ قائلة: إنه لا بدَّ إذا أردتم مكاناً في عالم السياسية من أن تحلوا أنفسكم وأن تتشظى الجماعة تنظيمياً وفكرياً، وأن يفصل فصلٌ تامٌ بين الدعوة والسياسة، وأن تكونوا كأي حزبٍ سياسي عامٍ، يقوم على مبادئ أقرب ما تكون إلى العلمانية الغربية، وهنا تتعالى الأصوات من مشفقٍ محبٍ تارةً، ومن مغرضٍ معادٍ تارةً أخرى أن لا بدَّ من الحل.

ولكن الإخوان ليسوا مجرد جماعة من الوعاظ تلهب مشاعر الجماهير بالخطب البليغة، وإن كان الوعظ والإرشاد من وسائلها، ولا محض جمعية خيرية تعمل لخدمة المجتمع، وإشاعة البر، ومساعدة الفقراء والضعفاء، وإن كان فعل الخير جزءًا من أعمالها، ولا حزبًا سياسيًّا فحسب يدعو إلى الحرية وإن كانت الحرية فريضة من فرائض الإسلام والحكومة جزء منه، ولكنها كما قال الإمام البنا:

"نحن فكرة وعقيدة، ونظام ومنهاج، لا يحده موضع ولا يقيده جيش، ولا يقف دونه حاجز جغرافي، ولا ينتهي7 بأمرٍ حتى يرث الله الأرض ومَن عليها؛ ذلك لأنه نظام رب العالمين ومنهاج رسوله الأمين. 

ونحن أيها الناس - ولا فخر - أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحملة رايته من بعده، ورافعو لوائه كما رفعوه، وناشرو لوائه كما نشروه، وحافظو قرآنه كما حفظوه، والمبشرون بدعوته كما بشروا ورحمة الله للعالمين ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ 7﴾ (ص: 88). 

وسوم: العدد 692