قراءةٌ في المشهد السوريّ في ضوء اِتفاق وقف إطلاق النار الرابع

بتوقيع اثني عشر فصيلاً على الاتفاق الرابع لوقف إطلاق النار، الذي بدأ منتصف ليلة الخميس: 29/ 12/ 2016، و بضمانة روسية ـ تركية، تكون الأمور في المشهد السوري قد نَحَتْ باتجاه التبريد، و في ضوء ذلك يمكن للمراقبين قراءة جملة من الأمور:

1ـ لقد جاء هذا الاتفاق بعدما نالَ الوهنُ من الأطراف جميعها؛ و وصلت إلى حافة الهاوية في مراهناتها على حدوث تغيير يصبّ في مصلحة كلٍّ منها.

2ـ لقد ساعدت أطرافٌ عدة الرئيسَ الروسي في كتابة خطاب النصر المزعوم في حلب، و في مقدمتها تركيا، التي بادرت إلى فتح أبوابها لطيف وازنٍ من تلك الفصائل، و جمعتهم مع خبراء عسكريين روس، تحت سقف دفء علاقتها مع بلادهم، التي تنامت معها بشكل مطرد عقب المحاولة الانقلابية الفاشلة، التي كان لقاعدة حميميم دور مهمّ في كشفها؛ على الرغم من حراجة الموقف عشية مقتل السفير أندريه كارلوف.

3ـ لقد كان لتغييب الإيرانيين و النظام عن تلك المحادثات دلالاتٌ ذات مغزى؛ فكلاهما لم يَعُد صاحب الصوت العالي في حال حضرة الروس، فلقد تبلّغا النتيجة كشركاء ثانويين، و هو ما تجلّى من خلال عدم الأخذ بمطلب النظام باستثناء الغوطة و وادي بردى من الاتفاق، و من خلال الإشارة إلى المليشيات المدعومة من إيران بوصفها ( مليشيات شيعية ) ينبغي أن تخرج من سورية.

4ـ لقد تعزّزت القناعة لدى السوريين بأنّ على الفصائل أن تقترب من الحالة السوريّة الجامعة، و تنأى بنفسها عن المشاريع العابرة للحدود، حتى و إن كان الالتقاء معها مغلفًا بدثار الاندماج، الذي بات مطلبًا مُلحًّا بعد معركة حلب، فهذا المطلب على ضرورته ينبغي ألاَّ يكون شَرَكًا تقع فيه الفصائل، الأمر الذي يجعلها في مواجهة حتمية مع القرارات الدوليّة ذات الصلة بموضوع الإرهاب.

 و على أولئك الذين جاؤوا لنصرة السوريين أن يتخلوا عن تلك الأجندات التي يحملونها، ويثبتوا لهم أنهم قدموا حقيقة لنصرتهم، فلا يحملوهم على ما ليس في صالح ثورتهم.

5ـ ليس ثَمَّة تبريرٌ مقنعٌ لبعض الفصائل في أن تعلن بأنّها غير معنية بهذا الاتفاق، تحت ذريعة أنّها لم تُستشَر بشأنه؛ فتلك شِنْشِنةٌ باتَ السوريون يعرفونها عن بني جلدتهم، إنّهم ( يتمنَّعون إذا ما دُعوا، و يحرِدون إذا ما تُركوا ).

 فما ذكره الناطق باسم الجبهة الجنوبية ( الرائد عصام الريّس ) من رفضها هذا الاتفاق، لهو مندرجٌ تحت هذا النوع من الدَّلال، فالحواضن الاجتماعية قد سئمت العزف على أوتار الشحن العاطفي، و على قادة الفصائل أن يتحلّوا بالواقعية، و يسيروا على سير مَنْ يفترش الثلج و يلتحف الزمهرير في خيام النزوح.

6ـ يبدو أن ( أحرار الشام ) ما تزال تتأرجح في اتخاذ موقف بيّنٍ من الحالة الوطنية الجامعة، و مردّ ذلك إلى حالة التجاذب الحادّة التي تعيشها منذ مؤتمر الرياض، فلا هي تساوقت مع تطلّعات لبيب النحاس ( مسؤول علاقاتها الخارجية )، و لا أخذت بتحفّظات هاشم الشيخ ( أميرها الأسبق )، و حريٌّ بها أن تخرج من هذه الحالة الرماديّة، فلا يُقبَل من مندوبيها أن يجتمعوا مع الآخرين و يوقعوا، ثمّ يخرجون للإعلام و يقولون: ماااااا وقعنا؛ لتبدأ بعدها التصريحات المتناقضة.

و تفسير ذلك في نظر المراقبين: أنّها جسد كبير، و غير متجانس، و هناك غيابٌ واضح للرؤية المركزية لدى كوادرها، و هم عرضةٌ للتفكّك من جرّاء أيّة مواقف تتبنّانها، يكون فيها تباينٌ عن رُؤى إخوة المنهج.

7ـ لقد بات الحديث عن نظرية المؤامرة غير مقنع، فليس مقبولاً أن تجير أيّةٌ خطوة للخروج من عين العاصفة، لصالح إدارة أوباما التي ستبذل كل جهدها لوقف إطلاق النار إلى حين خروجه من البيت الأبيض، محققًا نصرًا موهومًا يُضاف إلى رصيده السياسيّ، على حدّ زعم ( عطاء بن خليل أبو الرشتة )، أمير حزب التحرير/ ولاية سورية في: 16/8.

8ـ ضرورة العودة بالثورة إلى روحها الأولى، بشعارات غير مثقلة بتمنّيات الآخرين، الذين تلاحقهم الإخفاقات حيثما حلّوا، و أين ارتحلوا، فجماهير السوريين قد خرجت يومها للتعبير عن أهدافهم بعفوية مطلقة، بعيدة عن مشاريع الأدلجة.

وسوم: العدد 701