جنيف 4، مفاوضاتٌ، أَمْ مساومات ؟

في الوقت الذي باتَ ينظرُ فيه السوريون إلى الهدنة الهشة، كنوع من ترف العيش، لدرجة أنّ إحداهنّ تخبرُ ولدها أنّها تشعر هذه الأيام، حيث لا قصفَ أو غارات جوية على منطقتها، كأنّها تعيش في سويسرا؛ نرى الأطراف التي وصلت إلى جنيف، للبحث في سبل الحلّ للأزمة، و هي تقف على أبواب سنتها السابعة، غير واقفين على أرضية مشتركة، تأخذ الأمور نحو نهايات لها.

فوفدُ النظام ما يزال ينظرُ إلى تلك اللقاءات على أنّها لا تعدو ( مساومات )، لن تحظى فيها أطراف المعارضة، بأكثر من المشاركة في حكومة يتمّ تشكيلها، بمرسوم من الرئيس الأسد، على غرار ما جرت العادة مع أحزاب الجبهة الوطنية و القومية التقدمية، مستقويًا في ذلك بالانتصار العسكري الذي تحقّق له في حلب، على حساب الفصائل، بدعم جويّ روسيّ، و أرضيّ إيرانيّ غير مسبوق.

و هذا ما عبرت عنه تصريحات نائب وزير خارجيته ( فيصل مقداد ) عشية تلك المحادثات: الانتقال السياسي، و تغيير القيادة هو مجرد حلم للمعارضة و لا نقبل به إطلاقًا.

و لا أدلّ على هذا التوجّه، ترؤسُ بشار الجعفري الوفد إلى هذه المحادثات؛ إذ يرى فيه المراقبون مؤشرًا على عدم الجدية في التوصل إلى حلول مقبولة مع المعارضة، فهو شخصية خلافية، لا يهمها أن تصل الأمور إلى نهاياتها، بحكم ميوله إلى الرغبات الإيرانية في شكل الحلّ.

من غير أن يلتفت هذا الوفد إلى جملة التغيّرات التي تشهدها المنطقة، و لاسيّما في عهد الرئيس ترامب، الذي يباين بالكليّة سلفه أوباما في التعامل مع الملفات الخارجية، و من بينها ملفات المنطقة الشائكة، و في مقدمتها الملف السوريّ، و الإعلان عن تكفّل عدة أطراف ( الخليج في مقدمتها ) بتمويل المناطق الآمنة التي أعلن عنها، و التطورات الميدانية الأخرى التي يأتي التدخل التركي عنوانًا أبرز فيها، و كانت آخر منجزاته طرد تنظيم داعش من مدينة الباب، و التلويح السعودي بإرسال قوات خاصة لمحاربته و طرده من بقية المناطق، في ظلّ تفاهمات جديدة حول معركة الرقة تأخذ بعين الاعتبار الهواجس التركية، المستندة إلى تفاهمات الرئيس أردوغان بعد جولته الخليجية الأخيرة.

في الوقت الذي ما يزال فيه وفد المعارضة متمسكًا بالشروع في مباحثات الحلّ السياسيّ، من خلال الولوج بمرحلة انتقالية يُتفق على أمدها، تُفضي إلى رحيل الأسد و دائرته الضيقة؛ و ذلك استنادًا إلى مضمون القرار 2254، ذي المرجعية الأممية.

من غير أن تضع في حساباتها التراجعات الميدانية التي مُنيت بها بعد معركة حلب، و الأحداث التي حفلت بها مناطق الشمال، بعد سلسلة الاقتتال الفصائليّ البينيّ، و الاصطفافات التي أعادت رسم الخارطة لصالج جماعات الجهاديّة العالمية، الأمر الذي أحدث تشظيات جغرافية ليست في صالح الفصائل ذات البعد المحليّ.

هذا فضلاً على أنّها ـ متعمّدة أو متغافلة ـ معرفة أبعاد أن يقبل النظام بالتخلي عن رأسه بهذه السهولة، فالأنظمة الشمولية القائمة على الهرميّة الشديدة، لا تقبل بأيّة حال أن يمس التغيير فيها رأس الهرم، لإدراكها أنّها لاحقةٌ به في مرحلة تالية، ناهيك أن النظام لم يضع في حسبانه يومًا ما، أن يكون الانتقال غير عموديّ في عائلته، فضلاً عن طائفته، و لاسيّما بعدما كان من أسلمة الثورة في مرحلة، ثم تطييفُها في مرحلة تالية، ثم شيطنتُها في المراحل الأخيرة، من خلال تظهير الجماعات المصنّفة إرهابية عليها.

لذلك كان التدخل الدولي لفرملة اندفاعة كلا الطرفين، غير خاف على المراقبين؛ فجاءت تهديدات المبعوث الأممي ( دي مستورا ) إلى المعارضة في اجتماعه المغلق معهم: " إنْ فشلت المفاوضات؛ فإنّ الأسد سيفعل بإدلب ما فعله بحلب".

في الوقت الذي أُعلن فيه عن أن مجلس الأمن، سيصوت في الأسبوع المقبل على حزمة من العقوبات، التي ربما تطال الأسد نفسه، و أخاه ماهر، و عددًا من الشخصيات العسكرية، و المؤسسات المتورطة في هجمات الكيمياوي على الغوطة و غيرها من مناطق المعارضة.

هذا في الوقت الذي ما يزال فيها الحديث متصاعدًا عن التصفيات الجسدية، بحق السوريين في السجون و المعتقلات التي يشرف عليها النظام، بناء على تقرير أعدته منظمة العفو الدولية مؤخرًا.

و ذلك في رسالة لن يتجاهلها النظام، في حال شعر بالجديّة في الحديث عنها، فضلاً عن رسالة أخرى جاءته من حليفه الروسيّ، من أنّه غير معنيّ بالحفاظ على رأس النظام، كعنايته ببقاء مؤسسات الدولة في سورية.

و ذلك في ظلّ التهديد الأوروبيين، من أنّهم غير معنيين ببرامج إعادة الإعمار في سورية، مالم يتمّ الشروع بالانتقال سياسي فيها، مترافقًا مع التجاهل الأمريكي للمساعي الروسية لإيجاد حل فيها بمرجعيات غير أمميّة.

إنّ التحديات لدى طرفي الأزمة غير خافية، بيدَ " أنّ الثابت الوحيد فيها هو أنّ كلّ شيء يتغيّر "، وفق ما تقول الحكمة الصينيّة.

وسوم: العدد 709