هل ينبغي أن (يَقتطع) كلٌّ بحسَب شراسته من (تراب) الوطن.. أم أن (يشارك) كلٌّ بحسَب حجمه، في (قرار) الوطن !؟

( الأقليّات في البلاد الإسلاميّة : مداخل عدّة ، إلى مسألة غلط .. أو .. إلى لا مسألة ، أصلاً ) !

هذا هو السؤال، الذي يجب أن يطرحه قادة الأوطان ، على أنفسهم : قادة الدول, وقادة الأحزاب , وقادة التجمعات البشريّة " القبليّة- الطائفيّة- العرقيّة ", وقادة الرأي ..

 هذا - بالضبط - هو السؤال الذي ينبغي طرحه , وينبغي أن يجيب عليه طارحوه أوّلاً , قبل أن ينتظروا الإجابة من الآخرين .

 ليس في الدنيا كلها- فيما نعلم- دولة واحدة , يتحد مواطنوها في كل شيء: في العقيدة , وفي العرق , وفي المنبت القبَلي , وفي المذهب الديني , وفي الرأي السياسي أو الاجتماعي ..!

فكيف يعالج التعدّد في الدول !؟

هل يعالج بأن تأخذ كل فرقة " طائفيّة - عرقيّة - سياسيّة - مذهبيّة -" حصتها من الوطن, على شكل إقليم, أو محافظة, أو قرية, أو قطعة من الأرض": حدوديّة - داخليّة - بريّة - بحريّة -"!؟

هل يعالج بأن " تنبش " كل فرقة تاريخها القديم ، ولغتها القديمة , وعاداتها , وتقاليدها, وأساطيرها, وآدابها, وفنونها.. منذ مئات السنين, أو آلاف السنين .. لتبرز هذا " الركام " كله ، في ساحة الوطن .. ليكون الوطن أوطاناً , ويكون الشعب شعوباً , وتكون الدولة دولاً .. فيكون كل شيء في الوطن ، ذا قيمة وأهميّة , لدى أصحابه ، إلاّ الوطن نفسه !؟

 في سورية – مثلاً- فسيفساء طريفة ، من الديانات والمذاهب ، والأعراق والقبائل :

- المسلمون السنة - وهم الأكثريّة الساحقة -, والعلويون, والدروز, والإسماعيليّة, واليزيديّة...

ثمّ : النصارى بمذاهبهم المختلفة : الكاثوليك - الأرثوذكس - البروتستانت - ..

هذا على مستوى الديانات ، والمذاهب الدينيّة والعقديّة ..

أمّا على مستوى القوميات والأعراق , فثمة :

العرب - الأكراد - التركمان - الشركس - الأرمن - الآشوريون ..

أمّا على المستوى السياسي , ففي الأمر اختلافات طريفة : فالأسرة الواحدة ، قد تتفرّق، بين أحزاب شتى.. والحزب الواحد ، قد يجمع عناصر، من أعراق مختلفة، وطوائف متباينة ! فتنوب الأحزاب- في تجميع المواطنين- عن الطوائف والأعراق والديانات والأسر.. !

فكيف يعالج هذا التنوّع ، في الإطار الوطني , دون أن يمزق الوطن إلى أوطان, ودون أن يتشرذم الشعب إلى شعوب , ودون أن يصبح تاريخ الوطن , تواريخ شتّى : لمِلل , ونِحل , وطوائف , وأعراق , وقبائل , وعشائر , وأسر ..!؟

ودون أن تصبح اللغة الوطنيّة الواحدة ، لغات شتّى : لأعراق متباينة , وطوائف مختلفة !؟

 إن نظرة واحدة ، على واقع الحال في سورية - وعليها تقاس كل نظرة ، في واقع أيّ قطر عربي أو إسلامي - تكفي لبيان حجم الكارثة المتوقّعة , أو المنتظرة , أو التي يخطط لها أعداء الأمّة , من صهاينة ومتصهينين ، غرباء عن الأمّة , أو محسوبين عليها ..!

فهل يعي النافخون ، في هذا البوق ، ما يقولون !؟

إننا نرى - وبكل وضوح وجديّة -, أن ليس ثمّة مداخل ، إلى مسألة التعدّد الإثني والديني والمذهبي , إلاّ مدخلان :

الأول : هو الوطني , فالوطن كله بيت ، لأبنائه جميعاً ، بلا استثناء ولا تمييز, على اختلاف مللهم ونحلهم ..!

الثاني : هو ( الدين أو القومية ) :

 الدين : لمن كان أخاً في المعتقد ، لأكثريّة أبناء البلاد , سواء أكان كرديّاً ، أم شركسيّاً ، أم تركمانياً..! 

 القوميّة : لمن كان أخاً ، في الأصل العرقي , لأكثريّة أبناء البلاد , سواء أكان مسيحيّاً ، أم غير ذلك !

فكل مواطن ، من الأقليات العرقيّة والدينيّة ، له صلتان متينتان , توحّدان بينه وبين سائر مواطنيه :

الوطنيّة : وهي رباط لسائر المواطنين , مسلمين وغير مسلمين..عرباً وغير عرب . وهي البوتقة التي تصهر الجميع ! القوميّة : توحّد بين العرب مختلفي الديانات , والدين يوحّد بين المسلمين مختلفي الأعراق..    هذان هما المدخلان الوحيدان- فيما نحسب - لمعالجة التعدّد ضمن الأوطان .. وإلاّ    فهل ينفصل الأمازيغ ، في دول المغرب العربي , ويشكلون لأنفسهم ، وطناً خاصّاً بهم , لمجرّد أنهم يختلفون في العرق أو اللغة , عن أكثريّة أبناء البلاد, حتى لو كانوا معهم ، إخوة في الدين -كما ينـظّر لهم أبالسة الفُرقة ، من خارج بلادهم , وأعوانُهم داخل البلاد - !؟    وهل ينفصل الأقباط ، في مصر , ويشكلون لأنفسهم ، وطناً خاصّاً بهم, لمجرّد اختلافهم في الديانة , عن أكثريّة أبناء البلاد, حتى لو كانوا معهم ، إخوة في الوطن ، منذ ألف وأربعمئة عام - كما يريد شياطين الشرذمة والتمزيق ، من خارج بلادهم , وأتباعهم من داخلها -!؟     وهل ينفصل الأكراد , في سوريّة أو العراق , وهم إخوة في الدين أو الوطن, أو فيهما معاً , لسائر أبناء البلاد - لمجرد اختلافهم في العرق – كما يزين لهم دعاة الانفصال والتفتيت , من غرباء ومتغربين .. ويشكّلون لأنفسهم ، وطناً خاصّاً, على قطعة من أرض الوطن , ممزقين ، بذلك ، أواصر مودّة وحضارة وتاريخ , صنعوها ، مع أبناء البلاد ، عبر مئات السنين !؟   من قال هذا ؟ ولماذا ؟ ومن صاحب المصلحة فيه ؟ وما نتائجه المنتظرة ، على أوطان هذه الأمّة وشعوبها , وأجيالها اللاحقة !؟ وأيّ حكومة عاقلة مخلصة – غير حمقاء ولاشيطانيّة- تضطرّ فريقاً من مواطنيها ، بممارسات إجراميّة رعناء ضدّهم ، إلى التفكير، أساساً ، بمثل هذا السلوك المدمّر الرهيب ! ؟

لكن بالمقابل : ما الحلّ ؟

ما الحلّ النظري، الذي ينبغي السعي إلى تطبيقه ، عملياً على الأرض– والسياسة نظَر وفكر: أوّلاً .. وتطبيق : ثانياً - !؟

الحلّ الذي نزعم ألاّ حلّ سواه – على مستوى الإمكانيّة والجدوى : وكلتاهما تحسبان ، في إطار معادلة القوى والمصالح – هو :

سعي الأقليات – العرقيّة والدينيّة والمذهبيّة – المظلومة ، حقيقة أو افتراضاً، من قبل الحكومات التي تدّعي تمثيل الأكثريّة ، وهي لاتمثل إلا نفسها ، وتبطش بالأكثريّة قبل الأقليّة .. نقول : سعيُ الأقليات ، بالتعاون مع الأكثريات ، إلى انتزاع حقوقها - حقوق الأكثريات والأقليات معاً - من براثن سلطات فاسدة مفسدة متغوّلة ، تسحق العباد ، وتنهب ثروات البلاد ، وتنخر الأوطان وتدمّرها، من أجل مصالح الزمر الحاكمة وكراسيّها .. لتكون ، بعد ذلك ، البلاد والعباد والزمر ذاتها .، لقماً طريّة سائغة ، لقوى الشرّ ، في العالم ..!

هذا هو الحلّ : تعاون أبناء الوطن جميعاً ، أقلياتهم وأكثرياتهم ،لإقامة نظام حكم للجميع ، يأخذ فيه كل مواطن بقدر سعيه ، وكفاءته ، من خيرات الوطن .وينصهر الجميع – إخوة الدين ، وإخوة العرق ، وإخوة المذهب -، في بوتقة الوطن ..!

وإلاّ .. فالكارثة بانتظار الجميع ..!

وسبحان القائل :" واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصّة .." . 

وسوم: العدد 710