صرف وإلهاء الشعوب العربية عن قضيتها الأولى القضية الفلسطينية

صرف وإلهاء الشعوب العربية عن قضيتها الأولى القضية الفلسطينية من خلال مؤامرة ما يسميه الغرب بالفوضى الخلاقة في الوطن العربي

لقد تأكد بما لا يدع مجالا للشك أن أعداء الأمة العربية بما فيهم الذين تسميهم الأنظمة العربية أصدقاءها وتحاول إقناع شعوبها بذلك  قد استغلوا حراك الربيع العربي للتآمر على  تلك الشعوب من خلال مؤامرة ما يسمونه الفوضى الخلاقة التي تهدف أساسا إلى خلق وضع سياسي في الوطن العربي يكون الكيان الصهيوني أكبر مستفيد منه . ومعلوم أن عبارة الفوضى الخلاقة والتي استعملها أعداء الأمة العربية تعكس ما عبر عنه الشاعر العربي الحكيم  أبو الطيب المتنبي في بيته الشعري المشهور :

إن كلمة الفوضى هي مصائب الأمة العربية ، وصفة الخلاقة هي فوائد أعدائها. ولقد كان قدر الأمة العربية أن يكتسحها الاحتلال الغربي في القرن التاسع عشر ، وهو احتلال بغيض قتل ونهب وسلب ودمر...  وكان أخطر ما اقترفه من جرائم في حق الأمة العربية  هو تسليم الأرض العربية الفلسطينية هدية على طبق من ذهب لقوم لم تكن لم أرض من قبل بشهادة السماء والأرض . ولقد كان تفويت أرض فلسطين إلى الطغمة الصهيونية عبارة عن تكريس للاحتلال الغربي  للأرض العربية ، حيث تعتبر تلك الطغمة  بالنسبة للغرب الذي استنبتها في قلب الوطن العربي بمثابة ما يعبر عنه  في الثقافة العربية بعبارة " مسمار جحا "  وهي مقتبسة من حكاية مشهورة ظاهرها هزل وباطنها حكمة . ولقد رحلت الجيوش الغربية من الأراضي العربية بعدما نال الغرب مراده من احتلاله لها ، وخلفت وراءها جيشا متعدد الجنسيات تحت قيادة صهيونية . ولقد أثبتت كل الحروب التي دارت بين العرب والكيان الصهيوني على مدار فترة الاحتلال  أن  من يسمى بالجيش الصهيوني هو جيش مكون من فرق غربية، ذلك أن الغرب لم يتأخر لجظة  في دعم هذا الجيش وإمداده بالآلة العسكرية التي تكسبه التفوق على الجيوش العربية وعلى كل حركة تقاومه . وقد لا يقبل البعض أن يقال إن الوطن العربي لم ولن  يتخلص من الاحتلال الغربي طالما ظل الكيان الصهيوني يحتل القلب النابض لهذا الوطن . وبيان ذلك أن السياسة التي يعتمدها الغرب في تعامله مع الوطن العربي تقوم أساسا على وجود هذا الكيان الذي يعتبر ذريعة الغرب  لتمرير كل قراراته في هذا الوطن  العربي البائس. ولقد اختلف المحللون في تفسير الربيع العربي ، فذهب البعض إلى أنه صناعة غربية ، والحقيقة أنه ربيع حقيقي ، وهو شكل من الأشكال  التي أخذتها المقاومة العربية ضد الاحتلال الصهيوني بالشكل الصريح ، والاحتلال الغربي بالشكل الضمني أو المتواري . ولم تكن ثورات الشعوب العربية  في ربيعها على فساد أنظمتها سوى انتفاضة كبرى على هذا الاحتلال، لأن هذه الشعوب ترى أن أكبر فساد اعترى أنظمتها هو مساهمتها في تغييب قضية الأمة الأولى، وهي القضية الفلسطينية ،وهو تغييب خطط له الغرب ليمكن للكيان الصهيوني وهو مسمار جحاه في الوطن العربي . ولقد ركب الغرب ثورات الربيع العربي ليحولها إلى ما سماه فوضى خلاقة، واستخدم لذلك  بعض الأنظمة العربية التي وجدت نفسها مهددة بالسقوط كما حدث لبعضها ، فسارع الغرب إلى إجهاض كل حراك في الربيع العربي بشكل أو بآخر ، وبأساليب تراوحت بين الانقلاب العسكري على الديمقراطية وبين الانقلابات الانتخابية  عليها ، وبين النفخ في نيران الحروب الأهلية المستعرة ، والتي تغذيها  النعرات الطائفية ،وتلك الأساليب هي ما سماه الغرب الفوضى الخلاقة التي تخلق الوضع السياسي  الذي يريده في الوطن العربي .  ومن أخطر نتائج تلك الفوضى الخلاقة فضلا عما فيها من تفكيك لأوصال الأمة العربية  وضرب وحدتها عن طريق تأجيج النعرات الطائفية المنتنة صراف الأمة عن قضيتها الأولى القضية الفلسطينية ،والتي تعني أن احتلال القلب النابض للوطن العربي هو في الحقيقة احتلال لكل هذا الوطن باعتبار ما يترتب عن هذا الاحتلال من سياسة غربية تجاه شعوبه  . أليس الغرب قد تورط مباشرة في كل بؤر التوتر في الوطن العربي من أجل تغذية الفوضى الخلاقة وتمديد فترتها أطول مدة لصرف الشعوب العربية عن قضيتها الأولى وعن التفكير في التخلص من الاحتلال الغربي  الذي يمارسه المحتل الصهيوني بالنيابة للوطن العربي الذي لا بد أن يبدأ من تحرير القلب النابض ليضخ الدم النقي في جسم الوطن العربي . وأكبر حيلة تنطلي على الأمة العربية هو اعتقاد شعوبها أن أقطارها  ليست محتلة  والواقع أنها محتلة بشكل ما طالما ظلت أرض فلسطين محتلة . وليس هذا الكلام من قبيل الحماس القومي، بل هو الحقيقة التي لا يريد الغرب ومن يدور في فلكه من أنظمة عربية أن يتداول بين الشعوب العربية، لأنه يضع اليد على الداء ويصف الدواء . وتعيش الشعوب العربية اليوم حالة فوضى عارمة وهي منشغلة بصراعات طائفية تنفخ فيها أنظمة عربية بإيعاز بل بأمر من الغرب . ولقد وفر الغرب الظرف المناسب لإنجاح ما سماه الفوضى الخلاقة ، فصنع ما يسمى عصابات داعش ، وقد تداولت مؤخرا وسائل التواصل الاجتماعي صورا وفيديوهات لمسؤول أمريكي شوهد وهو يجالس زعيم  هذه العصابات الإجرامية ويعطيه توجيهات . ولقد كان البعض ولا زالوا لا يصدقون أن تنتظيم داعش هو صناعة مخابراتية غربية اقتضاها ما يسمى بالفوضى الخلاقة حيث قدم هذا التنظيم  الإجرامي أكبر خدمة للهيمنة الغربية وللاحتلال الصهيوني من خلال تشويه عقيدة الإسلام وتوظيفها بطريقة خبيثة ماكرة لصرف الأمة عنها ولحملها على البراءة منها مخافة أن تصنف مع ذلك التنظيم الإجرامي . والغرب يعلم علم اليقين أن التخلص من الاحتلال الصهيوني في ظاهره والغربي في باطنه إنما هو مسؤولية الإسلام نظرا لارتباط فلسطين بهذا الدين . وزرع عصابات إجرامية في بؤر التوتر في الوطن العربي  إنما هو اختلاق ذريعة التدخل الغربي المباشر فيها. فالظاهر أن الغرب يحارب تلك العصابات والحقيقة أنه يدمر الأمة العربية وأرضها ويقتل شعوبها ، ويزرع الفرقة بينهم عن طريق النفخ في النعرات الطائفية المقيتة، كل ذلك من أجل صرفهم عن قضيتهم الأولى من جهة ، ومن جهة ثانية لصرفهم عن الإسلام الذي لن تتحرر أرض فلسطين دونه ، ولهذا يحرص الغرب على إلصاق تهمة الإرهاب  والعنف به ، ولهذا وظف عصابات داعش الإجرامية لتشوهه بفظائعها . ولقد بدأت آثار هذا التشويه تظهر في بلاد الغرب حيث صارت الجاليات العربية المسلمة مستهدفة، وتتعرض للمضايقة  والإهانة والتهديد لأن الشعوب الغربية تخلط بين تلك الجاليات وبين عصابات داعش الإجرامية ، وقد تم إقناعها بأن تلك الجاليات تلتقي مع تلك العصابات في النهل من مصدر واحد . وتتم اليوم المتاجرة بتلك العصابات الإجرامية  في العالم من أجل التمويه على أهداف الغرب  في الوطن العربي وعلى رأسها صرف الأمة العربية عن قضيتها التي هي مفتاح تحررها من الهيمنة الغربية ، وإبعادها عن دينها الذي هو ضامن استقلالها وعزتها وكرامتها وخلاصها من تلك الهيمنة  البغيضة . ولا شك أن حجم تفاعل الأمة مع ذكرى يوم الأرض ،وهي ذكرى تختزل فضية الأمة يعكس مدى نجاح أعدائها في صرف شعوبها عن قضيتهم الأولى وهي أوجب الواجبات من خلال شغلهم بصراعات مؤامرة الفوضى الخلاقة  التي أتت على أخضرهم ويابسهم . و مع ذلك ستظل قضية الأرض حية كل سنة وجذوتها مشتعلة  في  وجدان الأمة ، وفي الضمير العربي حتى تستعيد الأمة عافيتها ، وينجلي عنها الغبار الذي يحاول الغرب ذره  في عيونها . والأرض ستعود كما بشر بذلك وحي السماء بعز عزيز وذل ذليل ، وما ضاع حق وراءه طالب جاد في طلبه .

وسوم: العدد 714