أيها اللاهثون وراء الاستوزار دونكم قانون الفاروق رضي الله عنه

مما روي عن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه  أنه قال : " لا يبقى وال على مصر أربع سنين ، فإن كان عدلا ملّه الناس ، وإن كان جائرا ، فيكفي من الجور أربع سنين" إنه القانون العمري الذي لا زالت البشرية لم ترق إلى مستواه، لأن كل الأنظمة في عالم اليوم تجيز أكثر من فترة في الحكم سواء تعلق الأمر برئاسة أم بوزارة أم  بولاية أم بما دون ذلك من المسؤوليات . والمعهود في بلادنا أن من انتهت فترة مسؤوليته  الأولى بالنسبة للوزارة وما دونها أو أعفي وسرّح، يغادر وهو شاك متبرم من ذلك كأشد ما يكون التبرم ، ولا يخفي شكواه مما حل به ، بل قد يحتجب عن الناس لأنه يرى في إنهاء مهمته وإعفائه  من مسؤوليته معرة كبرى، وفضيحة مدوية ، و قد يعزيه المعزون  لذلك جبرا لخاطره المنكسر . ويود المسؤولون في بلادنا مهما كانت مسؤوليتهم لو يعمرون ألف سنة ، ويرون أن مكوثهم في مناصبهم أطول فترة ممكنة  يعتبرمزية وشرفا لا يضاهيه شرف . فما أحوج هؤلاء إلى القانون العمري الناهل من عدل الفاروق رضي الله عنه . ويرى الفاروق ألا يبقى وال على مصر من الأمصار أكثر من أربع سنين لأنه ربما احتاج إلى سنة كاملة ليلمّ بالمسؤولية المنوطة به ،  وليتمرس بها، وهو الذي  قد لا  يكون له عهد  بها من قبل ولا خبرة  . وقد تكون هذه السنة كافية ليطلب الإعفاء من مهمته إن كان لبيبا وقد تأكد من عدم أهليته وكفاءته ، واستيقن بالفشل فيها . وإن كان ممن يأنس من نفسه القدرة عليها ،بذل الجهد والوسع في مسابقة ما بقي من فترة مسؤوليته ليحقق أكبر قدر من الإنجازات الممكنة في حدود المتاح من الإمكانات، وما تسمح به الظروف . وقد يلجأ خلال هذه الفترة إلى التماس الإعفاء من مهمته أيضا إذا طرأ ما يثبت فشله وعجزه ،علما بأن الفشل والعجز يقاس من خلال مقابلة ما أنجزه مع ما وفّر له من إمكانات وظروف . وإن كان خلال فترة أربع سنين ناجحا في مهمته ثابت الكفاءة والأهلية حسن به أن ينصرف أيضا ، وهو في عز النجاح حتى لا يملّه الناس كما جاء في القانون العمري ، ولا يجب أن ينخدع بمدح المادحين وفيهم من قد يصدقه المدح وفيهم المتملق المغرض . وذو المسؤولية وإن كان عدلا يملّه الناس إذا جاوز الفترة التي حددها قانون الفاروق لأن الناس إذا طال بهم عهد عدله بدا لهم عدله عاديا ومملا ،وبلي كما يبلى الثوب الجديد ويخلق مع كثرة اللبس ، ولهذا يحسن به أن يغادر موفور السمعة والكرامة، لأن ما بعد والتمام سوى النقصان وصدق من قال : " لكل شيء إذا ما تم نقصان " . ولا يندم لبيب على المغادرة بعد الفترة المحددة في قانون المسؤولية العمري ، وينصرف موفور الحمد والثناء إن كان موفقا ، أما إن كان دون ذلك، فالمغادرة خير له ولمن ولي أمرهم أو تولى شأنهم ، أما هو فيضع حدا بمغادرته لخزي وعار وذم  يلاحقه ، ويكفيه ما لقيه في أربع سنين من مذمة ، وأما من استأمنوه أمرهم، فيضعون  عنهم وزرا، وساء وزر المسؤول الجائر لأنه يكفي من الجور أربع سنين كما قال الفاروق ،و لا يوجد  في الناس مثله  خبرة بالعدل والجور . ويجدر باللاهثين وراء الاستوزار في بلادنا  من الذين كانوا في الحكومة السابقة ،وقد أراقوا من أجلها ماء الوجه رغبة في فترة ثانية  حتى صاروا حديث الألسنة بسبب ذلك أن يستفيدوا من النصح العمري سواء كانوا من ذوي العدل الموفقين  أو من ذوي الجور الفاشلين لأن مغادرة المسؤولية بعد أربع سنين تلزم هؤلاء وهؤلاء . وأختم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنكم ستتنافسون على الإمارة من بعدي ، وإنها ندامة يوم القيامة ، وإنها نعم المرضعة ، وبئس الفاطمة ). وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ورضي الله عن الفاروق ، ورحم الله مع سمع فوعى .  

وسوم: العدد 714