أذرع الأسد الطويلة.. لوبي النظام في دول حقوق الإنسان

شنت وكالة الصحافة الفرنسية هجوماً على تلفزيون أورينت بعد بثه فيديو ساخر انتقد التغطية المتحيزة للوكالة ومحاولاتها المستمرة لتجميل صورة النظام، وهددت الوكالة بمقاضاة القناة مالم تقم بحذف الفيديو من صفحاتها على شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.

وأرسل المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الوكالة، كتاباً تضمن تهديداً صريحاً بمقاضاة تلفزيون الأورينت، بسبب الفيديو الساخر من أداء الوكالة في الشأن السوري، وبالأخص مقابلتها الأخيرة مع رأس النظام السوري بشار الأسد.

الفيديو الذي أثار حفيظة القناة، هو حلقة من سلسلة ساخرة، تعرض على وسائل التواصل الاجتماعي، تقدِّمها الإعلامية نور حداد بتقنية السيلفي، ويتناول البرنامج بشكل عام الأحداث الساخنة من منظور كوميدي نقدي ساخر، إلا أن الحلقة التي عرضت بتاريخ الثامن عشر من نيسان جاءت بعنوان “صحافة الملاهي الليلية” في إشارة منها لفرانس برس، وسخرت المذيعة الشابة من تقارير سابقة للوكالة الفرنسية هدفها تحسين صورة النظام بحسب رأيها، واستعرضت المذيعة مقتطفات من تقارير أعدتها وكالة فرنس برس، عن موضوعات تهم المثليين والراقصين ورواد دار الأوبرا و لعبة البوكيمون، وهو ما رأته المذيعة بعيد كل البعد عن الواقع السوري الغارق بالدم، كما سخرت الحلقة أيضاً من المقابلة التي أجرتها فرنس برس مع رأس النظام السوري بشار الأسد.

واتهمت الوكالة تلفزيون أورينت وأرسلت له كتاباً جاء فيه:

لفت انتباهنا أن صفحة “فيسبوك” التابعة لتلفزيون أورينت، نشرت شريط فيديو هو عبارة عن تركيب صور مأخوذة من موضوعات سوريا، أعدها قسم الفيديو في وكالة فرانس برس، وهو ما يشكل انتهاكاً فاضحاً لحقوق النشر، كما أن الشريط يشكل بحد ذاته حملة تشهير غير مقبولة بوكالة فرانس برس وبأحد صحفييها، ويستهدف بكلام ينطوي على إيحاءات عنصرية.

وبالتالي، نطلب منكم بإلحاح سحب هذا الشريط، كحد أقصى الأربعاء في الــ 26 من نيسان ونحتفظ بحقنا في نقل القضية إلى محامينا وإلى القضاء الإماراتي.

بدورها نفت “أورينت نت” انتهاكها لحقوق الوكالة، وقالت في معرض ردها على ادِّعاءات الوكالة أنها لم تنتهك حقوق النشر في الفيديو المذكور، ولم تكن وحدها التي انتقدت المقابلة وإنما فعل ذلك العديد من وسائل الإعلام والشخصيات البارزة العالمية، حتى أن قناة CNNالأمريكية رفضت بثَّ المقابلة معتبرة إياها مشاركة في نشر دعاية لسفاح متهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وذكرت “أورينت نت” أن وكالة الصحافة الفرنسية رفضت الرد على عشرات الاتصالات الهاتفية، ورفضت التحدث إلى موفد أورينت عندما توجه إلى مقر الوكالة في باريس.

كما وجه إعلاميون وناشطون سوريون اتهامات إلى مدير مكتب الوكالة في بيروت الفرنسي سامي كيتس بأنه يعمل بشكل ممنهج على تأييد نظام الأسد، فقد زار دمشق عدة مرات، واجتمع مع بثينة شعبان مستشارة الأسد التي تربطه بها علاقة وثيقة تعود إلى أيام شركة العلاقات العامة التي كانت تتبع لميشيل سماحة، والتي تعهدت بحملة دعاية لتبييض صفحة النظام السوري في فرنسا 2007 بعد العزلة الدولية التي واجهاها إثر اتهامه بالتورط باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الشهيد رفيق الحريري في شباط من عام 2005 بحسب صحفي سابق عمل بالوكالة.

إضافة لاتهامها بمحاباة النظام وتركيزها في تقاريرها المصورة والمكتوبة عن دار الأوبرا والمراقص والملاهي الليلية وغيرها، وهذا ما جعل من تقاريرها موضعاً لسخرية السوريين.

أنصار للطاغية في بلد الحرية وحقوق الإنسان

استطاع الأسد كسب تأييد العديد من السياسيين ومفكري اليمين الفرنسي عبر تصوير نفسه على أنه البطل العلماني الذي يحارب الإسلاميين الإرهابيين.

وتعد المرشحة للرئاسة الفرنسية مارين لوبان من أبرز الداعمين والمطالبين بالحفاظ على نظام الأسد، حيث قالت في احدى مقابلاتها «استمعوا إلى السوريين، وسترون أن ما ينتظرونه هو أن يربح بشار الأسد هذه الحرب ضد الأصوليين الإسلاميين».

كما دافع والدها جان ماري لوبان الزعيم السابق للجبهة الوطنية الفرنسية من قبل عن حملة الأسد في أعقاب الاحتجاجات التي انطلقت في 2011.

لوبان قال في مقابلة له على الراديو الفرنسي في 2012 «بشار الأسد هو رئيس الحكومة الذي يواجه تمرد سلمي ومسلح، وأنا لا أجد أنه من غير الطبيعي أن تدافع الحكومة السورية عن نفسها».

من جهته، اعتبر جيروم لامبير، أحد النواب الفرنسيين الذين زاروا الأسد، أنه من الواجب خلق جبهة موحدة مع النظام السوري لمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية” في معرض تصريح من دمشق للإذاعة الفرنسية. كما زار النائب اليميني جاك ميار الأسد برفقة بيار فيال عضو مجلس الشيوخ عن المعارضة اليمينية وفرنسوا زوشيتو عضو مجلس الشيوخ عن يمين الوسط في عام 2014،

كما نشرت صحيفة “سلايت” الفرنسية، تقريراً حول مساندة النائب اليميني “تييري مارياني” لبشار الأسد وفلاديمير بوتن، وذكرت الصحيفة أن النائب تربطه علاقة قرابة بعائلة بوتين.

واستطاع النظام استغلال قلة إلمام العديد من اليساريين في العالم بالوضع السوري، وعمل على كسب تأييدهم ودفعهم لمناصرته والدفاع عنه، ولم يكن تيري ميسان الكاتب الوحيد الذي قدم خدماته للنظام.

فقد وقف المفكر اليساري الكبير ريجيس دبريه وعالم الاجتماع فريدريك لوبارون ضد التدخل العسكري لإسقاط الأسد بعد استخدامه السلاح الكيماوي بحسب صحيفة النهار.

وكان رئيس لجنة الصداقة الفرنسية السورية في البرلمان الفرنسي، النائب الاشتراكي جيرار بابت، ضمن الوفد البرلماني الذي قام بزيارة دمشق، وقال بابت في شباط 2015، إنه يطمح إلى إعادة بناء علاقات جديدة مع الدولة السورية، لكنه لم يذكر اسم بشار الأسد في حديثه.

بي بي سي ليست أفضل حالاً

لا يختلف الحال كثيراً في بريطانيا فما يزال لوبي النظام في أوج نشاطه، وينفّذ بكلّ حريةٍ أجندة الأسد في الترويج لـعلمانيته، والتحذير من مخاطر سيطرة المعارضة الإسلامية على السلطة. ويتحدَّث سوريون معارضون عن لوبي عربي وسوري موال للنظام يسيطر على قناة “بي بي سي” الناطقة بالعربية.

واتهمت منظمة “ريثينك ريبلد سوسايتي” البريطانية في دراسة لها بعنوان تبديل الاتجاهات: التغطية المتحيزة للبي بي سي في الأزمة السورية، هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” بالانحياز في تغطياتها إلى نظام الأسد وحلفاءه، وفق دراسة موسعة نشرتها المنظمة.

وأوضحت المنظمة في الدراسة التي نشرت أواخر شباط الماضي أنّ تغطية “بي بي سي” للأحداث لا تعكس حجم الجرائم المرتكبة من قبل الأسد وحلفائه ضد المدنيين، عندما تقارن مع الجرائم الأخرى المرتكبة داخل سوريا.

وأضافت الدراسة أنها تشك بأن وكالة “بي بي سي” تبتعد عن تحديد هوية الأسد أو روسيا كمرتكبين للاعتداءات والجرائم في عناوين المادة الإخبارية، بينما يتم تحديد هذه الهوية بشكل واضح عندما تكون داعش أو جماعات معارضة أخرى هي المسؤولة عن الجرائم المذكورة في التقارير.

كما تم جمع المقالات التي تذكر اسم الأسد في عناوينها، ثم تحليلها على أساس تكرار ذكر هوية مرتكبي الجرائم في عناوين هذه المقالات ونصوصها، وأيضًا حسب مضمون ودلالات العناوين التي ذكرت الأسد على وجه التحديد.

وتبيّن إثر تحليل النتائج، أن تحديد قوّات الأسد وروسيا كمرتكب للجرائم، ذُكر في عناوين أربعة مقالات، من أصل 38 مقالاً حول هجمات للأسد وحليفه، أي بنسبة 11%.

فيما وصلت نسبة تحديد المسؤولية ضمن العناوين في الهجمات التي تتهم فيها فصائل المعارضة إلى 80%.

وارتفعت إلى 100% في حال تعلّق الأمر بتنظيم الدولة الإسلامية، أو “التحالف الدولي” الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية.

وكانت من نتائج وجود هذا اللوبي ما أوردته القناة قبل سقوط مدينة حلب، عندما عكست الوقائع وقدّمت مشاهد من مناطق المعارضة بحلب على أنّها من المناطق التابعة للنظام، إلا أن حملة ناشطين وإعلاميين سوريين أجبرت القناة على التراجع والاعتذار.

بدورها كشفت صحيفة “التلغراف” البريطانية، أن السفير البريطاني السابق في سورية، بيتر فورد، الذي ظهر على قناة “بي بي سي” ليدافع عن نظام الأسد مؤخراً، عُيّن مديراً لـ “الجمعية البريطانية – السورية” التي أسسها فواز أخرس، والد زوجة رئيس النظام السوري بشار الأسد، قبل أسابيع فقط من ظهوره في الإعلام للدفاع عن مجزرة خان شيخون. وبيّنت الصحيفة أن فورد أصبح مديرا لـ “الجمعية البريطانية السورية” المثيرة للجدل، والمتهمة بدعم النظام السوري والدفاع عنه في بريطانيا.

من جهتها، دافعت قناة “بي بي سي” عن استضافتها السيد فورد كمعلق على الأحداث في سورية. وقال المتحدث باسم القناة إنه «عندما ظهر بيتر فورد على القناة في هذا العام، تم وضع رأيه الشخصي في المقدمة».

وكانت “الجمعية السورية البريطانية”، قد أثارت كثيراً من الجدل في السنوات الأخيرة، بخصوص دورها في تقديم الدعم لنظام الأسد، وأدى كشف بعض المعلومات حولها، إلى سلسلة من الاستقالات لسياسيين بريطانيين، كانوا قد تولوا مناصب في مجالس إدارتها. وفي عام 2012 استقال أندرو غرين، وهو سفير بريطاني سابق في سورية، بعد أن شارك في رئاسة الجمعية أيضاً، وبعد أن أظهرت رسائل البريد الإلكتروني، نصائح وجهها فواز أخرس، للأسد عن كيفية دحض الأدلة التي تظهر تعذيب قواته لمدنيين، كما شملت سلسلة الاستقالات أيضاً، أمين صندوق الجمعية، برايان كونستانت، وسير غافين آرثر، عمدة لندن السابق.

كما زار “نيك غريفين”، الزعيم السابق للحزب القومي البريطاني اليميني المتطرف سوريا، لحضور مؤتمر لمكافحة الإرهاب، بعد زيارته الأولى التي كانت في بعثة تقصي الحقائق.

وسوم: العدد 718