صورة الأتراك العثمانيين في الكتب المدرسية الإيرانية"دراسة وصفية شاملة "

تسعى هذه  الدراسة  إلى  فهم  كيفية تناول الكتب المدرسية الإيرانية  لصورة العثمانيين ، حيث  لا بد من الوقوف عن كثب  على تلك التناولات لمعرفة ما يقوله الإيرانيون عن الخلافة العثمانية  ، وكيف يرسمون ملامح هذه الصورة ، و كيف يؤثر ذلك بطريق مباشر أو غير مباشر في عملية التنشئة لدى الإيراني . خصوصا أن الطلاب الإيرانيين يكتسبون القيم والتصورات والمعتقدات  الفكرية والثقافية والسياسيّة من خلال ما يتعرضون له من تنشئة، وما يتلقونه من أفكار وقيم من خلال المناهج المدرسيّة ، التي من شأنها أن تؤثر في سلوكهم ووعيهم وفعلهم السياسيّ تجاه الخلافة العثمانية وصورة الأتراك  ؛ خصوصا تجاه الدولة التركية حالياً  .... 

نشير أولا إلى أن النصوص المتعلقة بالخلافة العثمانية جاءت مركزة وضمن مباحث محددة ، وهذا التركيز الموضوعي  له أهمية  مهمة ومحورية ، حيث تعطي وحدة  النصوص  عضوياً وموضوعياً ترابطاً يقربه من واقع نظرة الإيرانيين لصورة الخلافة العثمانية ووريثتها الدولة التركية. لقد تم تناول هذه المجموعة أولاً من الناحية الموضوعية ؛ أي من حيث تصنيف المواضيع التي تتناولها هذه النصوص تبعا لأهميتها ، وتبعا للمساحة التي تشغلها ، وكيفية توزيعها بين مختلف الكتب المدرسية الإيرانية ،  و من ثمًّ القيام  بتحليل النص ، والسياق الذي وردت فيه هذه النصوص من حيث كيفية معالجتها ، والنقاط والمحاور التي كانت محل اهتمام هذه الكتب ، والجوانب التي تم إهمالها وإغفالها ، بل وتشويهها بشكل كبير ، ودوافع ذلك .

ولا شك أن هذه الدِّراسة تستمد أهميتها من  خلال أهمية الموضوع الذي تتناوله، والذي لم يتم تناوله سابقاً ،  وهو الكشف عن درجة توافر الملامح الصريحة والضمنيّة  لصورة الخلافة العثمانية  المضمنة في الكتب المدرسية في المراحل الثلاث الابتدائية ، والإعدادية ، والثانوية في إيران ، فهي تأتي في مواجهة السياسة التربويّة الإيرانية  تجاه خلافة سنية تعتبرها الكتب المدرسية أكبر كيان متآمر على الدولة الإيرانية ومشروعها الصفوي المذهبي   .لذا وجدنا ضرورة ابراز نماذج  من الكتب المدرسيّة الإيرانية و تحليلها ، بهدف إدراك الاتجاه  الذي يتم غرسه في عقول الناشئة الإيرانيين ووجدانهم تجاه هذه الدولة ماضياً وحاضراً.

وتنبع أهمية هذه الدراسة من خلال تناول  صورة الدولة العثمانية  من خلال ضرورة معرفة أوجه اهتمام الإيرانيين بدراسة  صورة هذه الدول   من خلال المنهج التعليمي و تحليلها  ، وذلك بغية التعرف بدقة ووضوح و من خلال تتبعها في المداخل والأساليب والأدوات التي يتناولونها  بها ، لأن ذلك كله مما يؤثر في فهم الدارسين للدولة العثمانية ماضياً ، والتركية اليوم  ، فلا بد من الوقوف عن كثب لمعرفة ما يقوله الإيرانيون ، وكيف يرسمون ملامح هذه الصورة ، وفي النهاية كيف يؤثر ذلك بطريق مباشر أو غير مباشر في عملية التنشئة لدى الإيراني ، وفي السياسات العامة والسلوك الإيراني السياسي والفكري والأيدولوجي تجاهها ، وكيف تسهم هذه العوامل في تشكيل وصياغة القرار تجاهها .

كذلك  فإن أهمية هذا الدراسة تتجلى من خلالّ تحليل النص الحاوى لمضمون الكتب المدرسية والذي سيكشف عن دور هذه الكتب في التعرف على صورة تركيا  التي تشترك مع إيران بجبرية جغرافية ،  ودورها في تدعيم وترسيخ قيم معينة ، خاصة أن جزءا مهماً من التكوين الاجتماعي الإيراني تعود جذوره إلى العرق التركي .

تهدف هذه الدراسة  إلى الكشف عن درجة توافر الملامح الصريحة والضمنيّة لمكونات صورة الخلافة العثمانية والأتراك   في المراحل الثلاث الابتدائية ، والإعدادية ، والثانوية في إيران ، والكشف عن مستوى التتابع والاستمرارية والتكامل للمكونات المتضمنة فيها، باستخدام أسلوب تحليل النص و المحتوى، مما يفيد في التعرف إلى الملامح التي تمّ التركيز عليها، وتلك التي ضمنت بدرجة (سلبية ، إيجابية )متدنية أو لم تضمن .

ستعتمد  هذه الدراسة  بشكل أساس على مجموعة من المصادر الأصيلة ، وقد تمثلت في الكتب الدراسية المعتمدة في المدارس الإيرانية للمراحل : الابتدائية  ، والإعدادية ، والثانوية ، حيث تمت  قراءة هذه الكتب، و من ثم ترجمة النصوص التي تتعلق بموضوع الدراسة الواردة في هذه المصادر من اللغة الفارسية إلى العربية ، ومن ثم تجميعها ضمن وحدة عضوية وموضوعية ، حتى يسهل فهم الموضوع  .

لقد تحدّد حجم الكتب المدرسية محل البحث في ضوء اعتبارات وضرورات عديدة .فضّلت أولا الاعتماد على كتب المرحلة الابتدائية والمرحلة الإعدادية والثانوية في مختلف المواد ،ليس فقط لضمان شمولية البحث،ولكن  لان هذه الكتب لها أهمية في تكوين صور وتثبيت الأحكام في أذهان تلاميذ لا يزالون في مرحلة مبكرة من عمرهم يسهل فيها التأثير فيهم .

لقد ارتأينا من خلال هذه الدراسة المختصرة ، توسيع نطاق العينات لتشمل مختلف الكتب ، وبهذه  المحاولة  سنحاول تناول ص كما جاءت في كل من كتب الابتدائي ، الإعدادي ، والثانوي ، وقد أتاح لنا ذلك استخلاص النواحي الثابتة والمتغيرة فيها . ويمكن وضع افتراض يتعلق بالمقارنة بين الصفوف : ابتدائي ، إعدادي ، وثانوي .

لقد بحثنا عن صورة الخلافة العثمانية  في المجموعة من خلال تحليل النص.وكان الهدف من هذا تحليل هو استخلاص المواضيع التي تتناولها الكتب عند تعرّضها لهذه الدول  ،ثم تبويبها ومقارنتها ببعضها ،وإبراز كيفية تقديمها . إننا نطلق من هذا المستوى للصورة المستوى المعدّ أو المبلور مسبقا ونقصد به ما أعده أو بلوره مؤلفو الكتب المدرسية وعرضوه .ويوجد مستوى آخر في صورة العرب ،وهو المستوى العميق الذي لا يتبدّى عند مجرد القراءة المتواصلة والتحليل البياني ،ولكن يتعيّن للتوصل إلية تفكيك كل من النصوص ومرفقاتها لاكتشاف الطريقة التي تم بواسطتها إنتاج الصورة .  حيث تتميز  النصوص  التي هي محل الدراسة  بعدة خصائص : الأولى أنها تتعلق بنصوص تربوية ، بمعنى أنها لا تكتفي بتقديم المعلومة ، ولكنها تسعى إلى التثقيف ، وبناء القيم ، وتكوين المواقف والانطباعات والأحكام . أما الخاصية الأخرى فناتج  من موضوع دراسة مايتعلق بالإمبراطورية العثمانية   " فالخلاف يدور حول هذا الموضوع بشكل كبير في إيران ، بسبب طبيعة العلاقة التاريخية التي نشأت بين الثقافتين " التركية والفارسية " وحتى المذهبين السني و الشيعي  . و لذلك فقد افترضنا  بصفة مبدئية أن الخطاب المدرسي حول هذه الإمبراطورية   ، لن  يخلو من الانفعال ، أو الانحياز ، أوحتى التشويه ، وأن تغلب عليه روح الحياد .

إن المواد التي يتم تحليلها من المفردات المتعلقة بموضوع دراستنا هذه تتكون من وهي المصطلحات ذات المدلول التي تتردد في معظم الكتب المدرسية في المواضيع المشار إليها ، مثل " العثمانيين   " " السلطنة العثمانية  " الإمبراطوريات الإسلامية  " الأتراك  "  السلاجقة الأتراك " السلاطين الأتراك " العثمانيين السنة  .... مقرونة بالأسماء التي تصفها .

لقد خضعت كلها لتحليل مفرداتي ، أمكن بواسطته استخلاص الحقل السياقي لكل منها ، مع تصنيفها في فئات دلالية تقوم على ما لها من صفات وأفعال ، ومن بينها من مشتركات ومتضادات ، مما سمح لنا بتحديد وضعها بالنسبة إلى مفردات أخرى ، وبتحديد حقل فعلها .

في الختام سوف نستخلص  حجم الصورة المقولبة التي تنسب للعثمانيين أو الأتراك  بالمقارنة مع الفاعلين الإيرانيين ، والشخصيات الإيرانية ، ونقصد بها القوالب ؛ وهي تشمل الأحكام والصفات والتقديرات العامة ذات الدلالات الايجابية أو السلبية .

لعل الدارس لطبيعة المجتمع الإيراني ، يلاحظ الملاءمة والتوافق القوي بين أهداف التربية والتعليم الإيرانية من جهة وأهداف الثورة الإيرانية وحاجاتها من جهة أخرى ، فلقد كانت التربية والتعليم الإيرانية بخلفيتها القومية والمذهبية  ، وبفلسفتها المستمدة من تعاليم  البعد القومي والمذهبي ، هي الوسيلة الأولى والأهم التي استخدمت لتحقيق أهداف الإيرانيين في انتصار الثورة الإيرانية وبقائها.

أهداف التربية والتعليم الإيرانية من التشويه المنظم لصورة الخلافة العثمانية  :

الأهداف  المعلنة التي نستنتجها والتي يسعى إلى تحقيقها جهاز التربية والتعليم  في  إيران  من خلال رسم  صورة العثمانيين :

أولاً: تعتبر الكتب المدرسية الإيرانية أن تشكيل الدولة الشيعية الصفوية من أهم المحطات التاريخية  للدولة الإيرانية ، وتنظر هذه الكتب إلى الدولة العثمانية على اعتبار أنها دولة فاسدة طاغية  متآمرة ، من خلال اعتبار الحرب السلطان العثماني سليم التي شنها على إيران في" معركة غالدريان " كان هدفها الإطاحة ليس فقط بالدولة  الصفوية ،  بل بالمذهب الشيعي ، وإبادة الشيعة  ، وتصف الإيرانيين " ليس المحاربين فقط " بل الإيرانيين عموماً  ، بأنهم قاتلوا ببسالة قل نظيرها ، وقدموا التضحيات في هذه المعركة ، لتحقيق النصر والدفاع عن دولتهم ودينهم ، لكن استخدام المدافع والبنادق التي افتقدها الجيش الإيراني الذي حارب بالسيوف ،هي التي أسهمت بانتصار العثمانيين . و توحيد رؤية  المجتمع الإيراني تحت راية ولي الفقيه وقيادته لمواجهة الخطر العثماني  التركي  الجديد . ثانيا: أهمية بناء إيران الدولة القوية المسلحة ، خشية من تكرار التهديد التركي مجدداً

ثالثاً: الحفاظ على  الذاكرة الجمعية القائمة على  الكراهية  ضد الخلافة العثمانية ، والتحريض ضدها ، من خلال التوسل بمعلومات وحقائق مشوهه ، وتعميقه لدى الطلاب في المدارس من خلال الكتب المدرسية  ، والتذكير دوماً بالدور السلبي للخلافة العثمانية ، التي لا تعترف بها أصلاً ، بل تعتبرها إمبراطورية  " تركية فاشلة " هددت  إيران ووجودها عبر التاريخ  ..

رابعاً: التذكير  بمركزية  إيران وشعبها عبر الدول التي تشكلت في مواجهة المشروع العثماني التوسعي ووقوفه ، بل والمساهمة في تدميره  .

خامسا :  تعزيز وتعميق الوعي التاريخي  والقومي والمذهبي  ، ودوره في تعزيز مفهوم  المقاومة والصمود ، واعتبار المشروع العثماني من أبرز التحديات  التي تواجه إيران ومشروعها ماضياً وحاضراً ومستقبلاً .

سادساً : تحاول الكتب المدرسية الإيرانية  خلق  نمط معين من الإدراك والتفكير قائم على الخشية من بعث  الإمبراطورية  العثمانية مجدداً  ، حيث أطرت تشابيه الدولة العثمانية   من خلال رسم ملامح الصورة التي نستنج منها الصفات التالية:

         الإمبراطورية الفاسدة

         إمبراطورية المجون

         إمبراطورية الفساد

         رجل أوروبا المريض

         دولة الطغيان

         الدولة المضطهدة للأقليات

         الدولة المتخلفة علمياً وحضارياً

         أخر الإمبراطوريات الإسلامية

.....

و مما تقدم نلاحظ أن الإمبراطورية العثمانية  وجزء كبير من شعوبها   في نظر هؤلاء الطلبة كارهون لإيران  و متآمرون  على التشيع و يريدون  محاصرته والقضاء عليه ، مما  ينمي في نفوسهم مشاعر القلق والتوتر والخوف  والتشكيك من العلاقة مع الدولة التركية الحالية .

سابعاً  -  محاولة ترسيخ جذور الشك من دور الإمبراطورية العثمانية  التوسعي استنادا إلى  تجربة الماضي ؛  على حساب المشروع الإيراني الذي يسعى لمجال حيوي ، يعتبر الأتراك أحد أهم القوى المهددة له ، وذلك لخلق أجيال إيرانية  تؤمن بأهمية مواجهة هذا المشروع   ،  وأن  هناك إمبراطورية عثمانية توسعية  في الماضي القريب كانت تسعى إلى تدمير  الوطن الإيراني ومنعت إعادة بناء الإمبراطورية الفارسية  «أرض إيران الكبرى » ، وأن الروابــط  التاريخيـــة والمذهبية  بين الإيرانيين والعثمانيين هي روابط  عداء  وحقد أزلية و أبدية.

ثامناً – التحذير من النفوذ التركي المتصاعد اليوم ، فيما يعرف بمحاولات البعث العثماني في أسيا الوسطى والقوقاز ، والمنطقة المتوسطة ، والخشية من مواجهة  المشروع الإيراني  القائم على فكرة هدم الحدود السياسية ، وبناء حدود أيدولوجية  جديدة ، على اعتبار أن إيران هي فقط دولة  أم قرى العالم الإسلامي ومركزه الروحي والحضاري ، وليس تركيا وريثة الإمبراطورية العثمانية .            أما الأهداف غير المعلنة للتربية والتعليم الإيرانية  بخصوص النظرة للإمبراطورية العثمانية وتركيا، والتي تفهم ضمناً من خلال تحليل محتوى الكتب المدرسية الإيرانية فهي  :

1- عدم  حق تركيا  بإعادة إحياء الإمبراطورية العثمانية ، واعتبار ذلك خطراً إقليميا ودولياً ، يستدعي إعادة حشد الطاقات والجهود ووضع الاستراتيجيات والسياسات، ورسم توازنات التحالف الإقليمي والدولي لمنع تحقيق ذلك  ، من خلال التكرار والتأكيد بالحديث  فقط عن الحق  القومي والمذهبي في إقامة دولة العدل " إمبراطورية المهدي الشيعي الإيراني  "  فقط ، واعتبار ما عدا ذلك من مشاريع باطلة  وغير شرعية من أساسها .

2- تحقيق  الوحدة  والتعبئة الداخلية في إيران إزاء ما يعرف بخطر إعادة البعث العثماني  من جديد ، ومحاولة تشويه صورة الدولة العثمانية وفسادها السياسي والديني والأخلاقي وتعصبها القومي المفرط .... ،   لضمان استمرار هذه الصورة المشوهة في ذهن ووجدان الطالب الإيراني ووجدانه.

3- إبقاء حالة  الاستعداد والتأهب  لدى الأجيال الإيرانية لمواجهة المشروع العثماني الصاعد  ومقاومته ، و تعزيز قيم كراهيته ؛ وذلك بحجة  أنه مشروع يسعى لمحاصرة الشيعة ووأد مشروعهم .

4- تأكيد الشعور بالقلق والتوتر لتحقيق استمرارية الإحساس بالمؤامرة والاستهداف  ، عند الأجيال الإيرانية المتعاقبة من جانب تركيا اليوم وسياساتها ، استناداً إلى تجربة الماضي القريب ، لضمان  حتى عدم ولاء الأقليات التركية الأصل  إلى  أي دولة أو نظام  آخر غير إيران .

5- إظهار التفوق الفارسي الحضاري على الأتراك عبر العصور لتكوين الإحساس بالتمايز والتفوق، والشعور بالاستعلاء عند الأجيال الإيرانية  الجديدة على الأتراك الذين يتم وسمهم بأقبح الصفات – من خلال معايشتي للواقع الإيراني -والتي توسمها بالتخلف  والدونية لدرجة أن التركي يقابله وصف "الحمار" في المثل الشعبي الدارج ، مع التركيز على دور العثمانيين في تراجع التقدم الإيراني ، وإدخال التخلف إلى إيران .

. 6-تشويه وتقزيم صورة الإمبراطورية العثمانية  ،  في نظر الطالب الإيراني مقابل التأكيد على صورة شجاعة الإيراني لمواجهة العثمانيين .

 

7- تربية وتنشئة أجيال إيرانية متعصبة جداً لقوميتها وشيعيتها  مقابل طورانية الأتراك ومذهبهم السني من خلال دور اليهود في  قرارات الإمبراطورية العثمانية  :

 أ- إيران ومشروعها للدفاع عن الإسلام الشيعي الصحيح في مقابل المشروع العثماني السني المتخلف القائم على الضم والتوسع القسري ، مع التركيز على حالة الفساد والانحطاط التي كان يعيشها السلاطين العثمانيون .

 

ب-تكريس أسطورة  الدفاع  الإيراني الذي يعتنق الإسلام الحقيقي الذي لديه رسالة سامية عظيمة قائمة على الوسطية والاعتدال ونشر قيم الفضيلة والأخلاق، ودعم المستضعفين ومقاومة المستكبرين ودعم القضية الفلسطينية  ، خاصة بعد انتصار الثورة الإسلامية ،  في مقابل دولة تركية وريثة لسلطنة عثمانية فاسدة وماجنة وتوسعية وعنصرية ،ولها علاقات مع إسرائيل وأميركا ، وتحالفات مشبوهة ....  .

ج- التذكير دوما بسعي العثمانيين لإبادة الشيعة لتعزيز فكرة تجسيد صورة الهلوكوست ضد الشيعة عموما ودور الإمبراطورية العثمانية لتحقيق هذا الهدف 

د- الارتباط التاريخي العضوي بين الإمبراطورية العثمانية  ، ورسالتها للتوسع والهيمنة من خلال التوسل بالبعد المذهبي "السني"   في حملتها العسكرية ضد الدولة الصفوية    والتعبئة ضدها  والتحريض عليها، وارتكابها لحملات إبادة للشيعة في كربلاء " و ذلك قصد التذكير بعقدة الهولوكوست  الشيعي  من جانب العثمانيين "الأتراك " .

ه- تزوير وتغيير حقائق التاريخ حول الإمبراطورية العثمانية بما ينسجم مع التطلعات الخاصة بالدولة و الثورة الإيرانية ،ولا تخفي مؤسسات صنع القرار عدم ارتياحها من عملية التقارب العربي التركي" المحور السني "  ، والتشكيك بأهدافها  التي تتركز على مواجهة إيران والتشيع .

 

و كل ذلك جعل الثورة الإسلامية في موقع الاحتمال الحتمي للحرب والمواجهة مع هذا المشروع ،  وحولها من دولة مؤسسات إلى ثكنة عسكرية، واستغلت هي ذلك لتغرس في نفوس أبنائها أن ليس هناك مفر من القتال  والحرب المقدسة بكل القوى وكافة السبل تحقيقا للوعد الإلهي لمواجهة السنة على مختلف أصولهم وعرقياتهم  ، واعتبار الدولة التركية  أحد المحطات المهمة التي ينبغي استنزاف قدراتها  ومواجهتها ؛ لأنها حرب مقدسة بين الحق والباطل ، وبين المهدي وجنوده والكفار بهالة من القداسة جعلتها عند مراجع التقليد العظام في مرتبة اليقين الذي لايجوز التشكيك به .

من هنا تسعى الثورة الإيرانية من خلال الكتب المدرسية  لخلق جيل إيراني شيعي متعصّب ، مشارك للأوساط الثورية الأخرى في تنفيذ المشروع الإلهي ،وترجمة الأفكار الغيبية إلى واقع. ، من خلال بوابة المواجهة مع تركيا . إنّها تنمّي شخصية الطالب وتعبئه على العدوان والعمل على التمسّك بترجمة الرسالة التي ورّثهم إيّاها الإله شخصياً، وذلك من خلال الكتب المدرسية .

 

المحاور التي تقوم عليها أسس الفلسفة التعليمية الإيرانية تجاه الإمبراطورية العثمانية سابقاً و تركيا  اليوم  :

1- أهمية  النظام التعليمي والتربوي في إيران   لتشويه صورة الإمبراطورية العثمانية وتركيا .

2- تحديد التحديات المهمة والمحورية التي تواجه إيران من خلال تصوير الإمبراطورية العثمانية سابقاً وتركيا اليوم  كأحد مصادر التهديد بالنسبة لإيران.

3- تحديد  وصياغة إستراتيجية  تربوية ذات أبعاد سياسية وعسكرية ومذهبية وقومية لمواجهة المشروع التركي .

4-تنظيم الاستراتيجيات والسياسات الخاصة بالنظام التعليمي والتربوي في إيران لكيفية تعزيز عملية مواجهة المشروع التركي  .

 

*صورة الإمبراطورية العثمانية في الكتب المدرسية الإيرانية

 

باستعراض هذه الكتب من الناحية الكمية ، أمكن قياس مدى الأهمية المعطاة لمادة العثمانيين   في الكتب المدرسية الإيرانية ، فخضعت المجموعة الكاملة للنصوص التي وردت فيها هذه الصورة لتحليل موادها ووقائعها ، وأمكن استخلاص المعاني الرئيسية والشخصيات وأدوارها " المهام والصفات " التي ساهمت في تشكيل هذه الصورة .

* الدلالة الاصطلاحية ، التاريخية للإمبراطورية العثمانية وتجنب وصفها بالخلافة العثمانية. 

 غالباً ما يتم وصف العلاقات التي تسود بين الإيرانيين والأتراك  ، ووصفها بأنها  تعيش حالة من الثأر والعداء ،و الصراع المثقل بمصادر التوتر  ؛ فعلاقة الإيرانيين مع الأتراك  منذ القدم تعيش حالة اشتباك ، وتناقض  –حسب الكتب المدرسية  الإيرانية- ، وذلك كما يبدو من خلال كتب التاريخ ، ويظهر هذا التناقض  بشكل يجعل التنافر والصراع هو الطابع السائد في العلاقة حيث يظهر الجندي الفارسي  في  الرسوم التصويرية  التي جسدتها الكتب المدرسية الإيرانية وهو يقاتل بشجاعة وإخلاص ، و تفاني ويقدم التضحيات  أثناء دفاعه عن  الدولة الصفوية .

بالمقابل قدمت الكتب المدرسية الإيرانية  تعميمات سلبية على الدولة العثمانية التي تعتبرها  إمبراطورية  قامت على العدوان والاغتصاب  ، والصراعات بين الحكام الأتراك أنفسهم ، المُغرقين بالملذات ومعاقرة الخمر والنساء .

ركزت الكتب المدرسية على المعنى الاصطلاحي  لوصف الإمبراطورية العثمانية  في الكتب المدرسية الإيرانية ؛ ممثلة بـ: "الفجور  ، والتخلف ، والإمبراطورية الفاسدة

و إمبراطورية المجون ، و إمبراطورية الحروب والتوسع   ، و رجل أوروبا المريض ، و دولة الطغيان  ، و الدولة المضطهدة للأقليات ، الدولة المتخلفة علمياً وحضارياً...... ، مع تجنب إطلاق وصف الدولة العثمانية " بالخلافة"  وهذا له مغزاه ودلالاته المهمة  على السلاطين الفاسدين ، السلاطين اللذين دبروا الدسائس والخدع .... .

تكشف صورة الإمبراطورية العثمانية  ونعتها   بـ" السنية الفاسدة "" و بالسنية التوسعية "   في الكتب المدرسية الإيرانية الوجه الحقيقي لإيران الثورة، وهذا يضعنا أمام مسئولية كشف هذه الصورة، وبيان الدوافع الحقيقية للكتب المدرسية الإيرانية في تشويه هذه الصورة بتوصيف مذهبي مقيت ، ومن الضروري أن تتم ترجمة هذه الدراسة إلى اللغة التركية  للكشف عن الوجه الحقيقي  لإيران وسياستها.

يمكن القول أن من  أهم أهداف الكتب المدرسية الإيرانية ، طمس اسم الخلافة  ، والتركيز فقط على  مفهوم الإمبراطورية العثمانية ، وإفراد فصل كامل في أحد الكتب المدرسية الإيرانية تحت عنوان " أخر الإمبراطوريات الإسلامية " ، ووسم  صفة العمالة على هذه الدولة من خلال إطلاق تسمية " رجل أوروبا المريض " له مغزاه ودلالاته المهمة   ، حيث تحرص  هذه الكتب على احتقار الدولة العثمانية والحط من شأنها ، وتزوير الحقائق التاريخية ؛ ومنحها صفة المسلمات  ؛ حيث تبدأ الكتب المدرسية  في تأسيس ذهنية  الطالب الإيراني على أساس التشكيك في كيفية نشأة الدولة العثمانية ، وأهدافها  التوسعية ، وسياساتها المذهبية ، وتحالفاتها المشبوهة  ، وتكالبها  لاستهداف الشيعة ، ونصب المشانق للأبرياء في عموم أقاليم الإمبراطورية العثمانية .

وتخلص دروس التاريخ  المدرسية ، إلى نتيجة مفادها أن   أحد أهداف الإمبراطورية العثمانية  ،  يعود لسبب  عسكري توسعي للسيطرة والهيمنة على الثروات ، ونفي أي سبب  ديني مبدئي  مرتبط  بجمع شتات الأمة  .   نستطيع القول أن عرض أية صورة إيجابية حول الخلافة العثمانية  لا يدخل ضمن برنامج تعليم التاريخ  في الكتب المدرسية الإيرانية ، حتى أننا لم ننتزع اعترافا بتسمية الخلافة العثمانية ، هذا عدا عن الجهد بين العثماني والمذهب السني ، وهي محاولة للإساءة إلى السنة على وجه العموم ، وتركز الكتب المدرسية على الجوانب التالية في محاولة رسم هذه الصورة من خلال نموذج لنص تناولت  فيه الجوانب التالية  :

1-  التركيز على لهو وفساد السلاطين العثمانيين

2- منع  قيام  الإمبراطورية العثمانية لأية إصلاحات أو سياسية – اجتماعية في الإقليم والدول الخاضعة لها  .

3- توقف الغزوات  مما أدى إلى بطالة بين الجيش العثماني ، وبعد ذلك زيادة ظلم قادة الجيش وكان معظمهم من ذوي الأملاك ، وتدخلهم في الأمور السياسية مما زاد من المشاكل في البلاد.

4-  تركيز الكتب المدرسية الإيرانية على  غرس مفهوم  الصراع الديني في توصيف حالة النزاع بين الإمبراطورية العثمانية وغيرهم ؛ فعلى سبيل المثال تصف هذه الكتب الحروب  ا بين الدولة العثمانية  و الدولة الصفوية  على وجه التحديد بأنها حرباً دينية وليست مذهبية  ، و تضيف أن ذلك كان سبباً  أيضا في  ضعف المسلمين ككل ، وتدعي أن الدولة العثمانية  قد أعطت الأقليات المسيحية في أقاليمها الحكم الذاتي والحرية السياسية والدينية  على عكس الأقاليم  الإسلامية الأخرى .

 إن إصرار الكتب المدرسية  الإيرانية على مفهوم العدوان العسكريالمتمثل بـ/ الاجتياح / الاحتلال / الغزو .... لوصف حالة التوسع العثماني ، لدليل واضح على  "فوبيا " النظرية التوسعية للمشاريع الأخرى ، و التي تعاني منها  إيران في الماضي وتعيشها اليوم، والذي يسعى من خلال الشرح والتكرار إلى تعزيز فكرة الحدود الإمبراطورية المضادة للتوسع الإيراني لدى الطالب الإيراني ، ومحاولة إحياء فكرة دفينة حول  حدود دولة إيران تاريخيا ، والتي كان العثمانيون ماضيا وحاضراً أحد أهم مهدداته .

*حجم توصيفات الإمبراطورية العثمانية حسب النصوص

*صورة الإمبراطورية العثمانية  في الكتب المدرسية الإيرانية :الدلالة الاصطلاحية :

رسخت الكتب المدرسية  في عقل الطالب ووجدانه، فكرة تخلف الإمبراطورية العثمانية ،  وأنها مصدر الهيمنة والتوسع  من خلال إظهار  أنها إمبراطورية متآمره على الأمة الإسلامية بغطاء مذهبي سني وهذه المؤامرة الأولى  ، أما الثانية  فهو صعود حزب العدالة والتنمية ، الذي يطلق عليه في كتب السياسة في مرحلة الجامعة " العثمانية الجديدة " والتي ما فتئت إيران التحذير من خطورة هذا المشروع على مصالحها وأمنها  .

          كذلك تحاول الكتب المدرسية الإيرانية الربط بين الإمبراطورية العثمانية والمذهب السني ، ولصق فكرة التخلف والتأمر  ،  ومحاولة إظهار أن العثمانيين   لم ولن يملكوا أيا من مقومات الحضارة ، والتقدم الفكري ، على الرغم من اعترافهم أن سبب انتصار العثمانيين في معركة غالديريان هو امتلاكهم للسلاح الحديث وأسباب التطور العسكري ،حيث عُكست هذه الصورة عن وعي متعصب مهجوس بكراهية الأتراك والسنة  أكثر من غيرها من الدول  ، والحط من شأنهم ، مع التركيز على إبراز أقبح الصفات لهم .

    إنها محاولة من النص للربط بين الماضي والحاضر، ليذكر القارئ أن قادة "الامبراطورية العثمانية  الأولى " هم أصحاب مؤامرة على إيران و الشيعة  " وأن الأردوغانية " أو العثمانية الجديدة هم من يقودوا مؤامرة جديدة على إيران لمنع مشروعها الصفوي  .

النتيجة أن منهجية الكتب المدرسية تتجه إلى تناول صورة " الإمبراطورية العثمانية  " باعتبارها جزءًا مشوهاً من التاريخ ،  وتعتمد إزاء الجوانب الأخرى من التاريخ على أسلوب التجهيل من جهة ، وتشويه الحقائق من جهة أخرى ، وأن تاريخ هذه الإمبراطورية  مليء بالفتن والتخلف والتعصب والتوسع العنيف بكل أنواعها ، وتقابل ذلك عملية تضخيم لدور الصفويين ونضالاتهم ضد العدوان العثماني   ، حيث تجدُّ وتجهد في سبيل الحفاظ على هذه الصورة .

نتائج الدراسة:

استطعنا من خلال ما سبق   فهم  كيفية تناول صورة الإمبراطورية العثمانية  في الكتب المدرسية الإيرانية ، حيث تم  الوقوف عن كثب لمعرفة ما يقوله الإيرانيون عن  العثمانيين " الأتراك "  ، وكيف يرسمون ملامح هذه الصورة  ، حيث أظهرت  الكتب المدرسية الإيرانية ؛  من دون شك أن معالجة الكتب المدرسية الإيرانية لصورة العثمانيين   ما هي  في الواقع إلا نوعٌ من التشويه والتزوير المنظَّم ، وهي مليئةً بالعيوب والنقائص والتشويه البعيد عن الموضوعية والتعقل والحكمة  ؛ بحيث يتقبلها الطالب الإيراني ، وتصبح عقيدةً لديه ، لا يمكن مناقشتها  ، ولا يمكن إزالتها أو تغيرها في المستقبل . والسبب في ذلك يرجع لطريقة تأليف الكتب ، فالأهم أن يقدموا مادة تتوافق مع شروط الثورة الإيرانية والقومية  ، والمذهب الشيعي ،وبصورة تتضمن تزوير التاريخ ،  و التشويه ، في  مضمون الكتب المدرسية ومحتواها .لا شك أن الكتب المدرسية الإيرانية  قد أسهمت في إيجاد حالة من التعبئة النفسية ضد العثمانيين قديماً  والأتراك حديثاً ، وأنهم أصحاب مشروع توسعي ، يوجهه فكر قائم على الهيمنة على حساب المشروع الإيراني   ، مما أدى  إلى خلق بيئة صراعية ، قائمة على تعزيز الكراهية والتحريض ضدها ، بدلا من تعليمهم قيم الحوار ، والمصالحة ، والتسامح والتعاون والمصالح المشتركة . كذلك لم تسهم  الكتب المدرسية  الإيرانية بأي شكل من الأشكال في تحسين صورة العثماني " التركي "  في الثقافة الإيرانية، أو حتى غرس مفاهيم للتقريب بين الإيرانيين والأتراك في الوقت الحالي .

كذلك توصلنا من خلال الدراسة إلى فهم أعمق  لكيفية تأثير  هذه المناهج بطريق مباشر أو غير مباشر في عملية التنشئة لدى الإيراني .  بحيث بدأ أن الصراع الإيراني – العثماني التركي ،   ليس  مجرد صراع عسكري ولا أمني، وسياسي فحسب ؛ بل هو صراعٌ تربويٌ أيضاً ، حيث يجب تنبيه أجيال الدارسين  الأتراك لتلك الحقيقة الشاملة ، ويجب التعامل مع هذا الخطر بشكل جدي وعلمي ، وإدراك  أبعاد هذا الصراع ومراميه. ولا بد كذلك من الاعتراف بالأثر السلبي لهذه المناهج على علاقات إيران بتركيا   ، وأنها نتاج الثورة الثقافية ، التي أفرزتها الثورة الإسلامية في إيران ، لهذا يجب تنبيه مراكز صنع القرار السياسي ،العسكري ،  التربوي  في تركيا   لهذه الحقيقة ، وعمل استراتيجيات فاعلة لمواجهتها .

د. نبيل العتوم

رئيس وحدة الدراسات الإيرانية  

مركز أميه للبحوث والدراسات الإستراتيجية

وسوم: العدد 727