قصيدتان من الشعر الكوردي المعاصر

الشاعر محفوظ مايي (يمين)مع المترجم بدل رفو (يسار)في مدينة اربيل 2013

الشاعر:محفوظ  مايي

ترجمة: بدل رفو

النمسا

1 ــ  انا والليل والصمت

1

هنا ليلٌ

نهاره إلتهمه الحوت

الظلام التحف بقريتنا

وارتشف الصمت كل أغانينا

ولم يَبقَ إلا الوجوم

ما وراء الجبل السري

يهطل الثلج

يستحيل كتلا..

والمطر يهطل ثلجاً

الثلج

 الثلج

أنهارنا تجمدت

وغدت كالصخور

        كالمرمر

وظل البرد ،

لم يمت ،لم يمت

والدفء قد توارى

وصيفنا قارس

واختفت السماء من فوقنا

والجبال صمتت

صمت ووجوم

لا آذان يُرفَعُ

ولا صوت لناقوس يقرع

         من الكنائس

ولا نجوم تتراقص في السماء

ولا الغيوم من فوقنا على عجلة

                         من أمرها

ولا حفيف الأوراق  يقدم

ولا خرير النهر الكبير

ولا بكاء طفل يصرخ،

 ولا الأطفال يعدون في القرية

أنا

     والليل

          والصمت

نحلّ ضيوفاً على أزقة القرية

وتصيخ آذان هذه القرية

لصوت ديوك الصباح.

من الصمت

        والوجوم

لا أثرٌ للناس

بعضهم يصعدون

وآخرون يهبطون

وآخرون صوب اليمنى

 آخرون صوب اليسرى

هروب...

     هروب

جميعهم يهرعون ويهربون

وشابت جدائل والدتي

مكابدات الثلج واوجاع الماضي

غدت في اعيني نسيجاً

وصرخت ماهذا !!!

وفي ذاكرتي،

سمعت صدى صوت والدتي

حين كنت صغيرا:ً

صه...صه

لا تخرج يا ولدي

"انه الليل ..الليل

والذئب يكشر عن انيابه

وسيخطفك الى وكره"

في بعض الاحايين..

كانت الاصوات

 ترتطم  في راسي

هلم واذهب واهرب انت

فلا شئ في هذه القرية

غير الهروب

وكنت اردد: لا لن ابرح المكان

ولن اغادر القرية

فأنا في صراع مع الصمت

                     والظلام

ولي آذان والصمت أصم

ولي عيون والظلام أعمى

فإذهب عني ودعني

نعم...نعم

مهما طال الليل

فسيبزغ الفجر ويمتص الظلام

ومهما كان الشتاء قارسا

سيهل الربيع وينضح دفئاً

وقتها..ايها الملأ

سيطلق قلبي اغنية

وموال جديد يردده لكم.

2

صرخت..

رغم انف الصمت

فلم ارى غير نفسي

فانني لثمة لصخر

      او مبسم

ونافحت الظلام..

ازمعت ان احيل الليل نهاراً

كفارس صنديد

كي اغدو فارس الشمس انا

فرايت نفسي في شقوق

افكار راسي

وكلي ليل

ولهذا اقلعت عن صراعي مع الليل

وهربت مخيلتي معها

قافلة الهزيمة

هكذا ..انا

في قرية اعراسها تغدو

                    انيناً

ساهجرها بعيداً  وبعيداً

وانأى بنفسي

لأن في النوى

آذاني ترتشف من الحان الدفء

فمنذ الازل

قالها الحكماء:

ما اجمل واعذب صوت الدف

من بعيد،

ما اجمله

ما اجمله.

2 ــ الهائمة

1

إيه ايتها الهائمة

بقيت هائماً

في رحلة عشقك

كطائر قادم من الأعالي

متجها صوب الارض

من دون اجنحة هوى

بين ثنايا الهموم والمكابدات

كناسك...

غيّر اتجاهه من المسجد

صوب دير واحاله

بيت عشق

واضطجع فيه.

2

حدقي فيّ ايتها الهائمة

فخرجت من فجر اليأس

وانطلقت...

الرحيل يلتهم خطواتي

في هذه المدينة الساهدة

فلا الرحيل يغدو

ولا عدم الاقامة تروح

فأزمع الذهاب

من اجلك

من اجل البقاء مع الهوى

لترديد الاحلام

لعتباتنا

من اجل فطام اطفالنا

لأجل تلك الاماسي

التي غمرتنا بالطمأنينة

في غربتنا.

3

رحيلي ..

لأجل مصالحة وتوافق

بين الريح والثلج

لأجل عودة القلب الحرون

لتحرير العصافير

من اقفاصها

صوب سماء الحرية والغناء

رحيلي..

من اجلك

لمعرفة الهوى والعشق

لأقاصي دنيا الوحدة

في تلك الغربة

ستتعرفين على عشقي لك

ومن جديد

   ستلحقين  بهواي

وتقدمين نفسك

من تكونين.

4

لاتقولي اين المسير

فاعلمي من قماط الهوى

داخل نواة روحي

خلفت ورائي

نفساً عميقاً

من عشق خاو

انطلاقتي كانت

لاجل ان تشعرين

داخل فراغ تلك النسمة

بعشقي

وكي تعلمين مدى هواي لك

ولتكوني بانتظار

عودتي في الاماسي

لاجل ان تألفي انت

عتبات ذكرياتنا

بين حنايا الشعر.

5

اذا غدوت

اصطحبت معي زنزانة

الشك

وابقيها في بيداء الوحدة

لتكشر الذئاب المحيطة بك

عن انيابها

وتفترس الفراغ

حين كنت اخبرك.

حذار...

فالذئاب تعوي من حولك

كنت تقولين لي

بانه صوت المؤذن

رحت لأبقى

عواء الذئاب

لأسفار اليم المدلهم

الايام سوداء قاتمة

لمن كانت قلوبهم

اكثر اسودادا من عباءاتهم.

6

ذهبت كي اخلف لك

ورائي ربيعا.

وفيه..

كي لا يعود عواء الذئاب

في نظرك صوت ناسك

وتخفين به

وفيه تلمحين الوان الورود

الزاهية

والبراعم دون اشواك

واعقب خلفي

اوراقاً بيضاء

كي تنقشين فيها مذكراتك

من دوني

واترك على نافذتي

بيتنا المهدم وردتين

لك.

كي تتنفسين من خلال عبيرهما

وكي تبصرانني

في عينيك

وبعدئذ...

ساترك لك

عيناي

كي تغدوان لك

نبع ربيع

وترين عبرات الذكرى

ساترك لك

صورة لي

في خضم ذكرياتك

لكي ترمقي المي

ووجعي

وساترك نفسي لك

موجة من صوتي

في الحان اغنية احببناها معا

كي تحسين بي

عندما تمتزج الاغنية

بامواج الروح.

7

انطلقت...

فانتبهي

لنفسك

كي لا تغرقين في يم خيالاتي الراكدة

واعتن بالوردتين

كي لا تذبلان

وتترعرعان دون اشواك

واحذر من ذكرياتنا المرة والحلوة

فانها قوت لوجودنا

وانتبهي لصوت الباب

كي لا يخدع خطواتي

واحذري من مرآة غرفتك

خشية ان يريك

صوري القبيحة

وانتبهي لشجرة الرمان

وزهور الروض

وبراعم الصباح

كي تجددين ايامك بها.

ـــــــــــــــــــــــ

الشاعر في سطور:

ـ مواليد 1956 ،منطقة البرواري ـ كوردستان العراق

ـ ترك مقاعد الدراسة في معهد الادارة ،بغداد والتحاقه بالثورة الكوردية

ـ عضو اتحاد الادباء الكورد ـ فرع دهوك

ـ عضو نقابة صحفيي كوردستان

ـ نشر عدة دواوين شعرية ومنها ( انا والليل والصمت)،الانسان الجديد ـ جبال ناطقة)

ـ نشر نتاجا كثيرا في الصحف والمجلات الكوردية في كوردستان والسويد حيث قضى في المنفى سنوات طويلة

ـ يعمل الان عضوا في المكتب المركزي للاعلام لحزب الديمقراطي الكوردستاني  في كوردستان