طاقة ورد من أمير الشعر الروسي بوشكين

النبي والمولد

زهير سالم*

[email protected]

في ذكرى مولد النبي الرحمة نطوف في حدائق الوجود لنقدم أضمومة وفاء في زمن الجحود، أضمومة وفاء من أمير الشعر الروسي بوشكين..

ولد الشاعر ألكسندر سيرغيفيتش بوشكين في 1799 من أسرة أرستقراطية. ونفاه القيصر لأسباب سياسية إلى الجنوب القوقازي فيمكث بين ظهراني المسلمين من 1820 – 1824. يتعرف على المسلمين وعقائدهم وأخلاقهم وشعائرهم . ويستمع القرآن ويقرأه ويتعرف على سيرة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وقومه العرب فيراهم بناة مجد يتمسكون بأخلاق سامية يتواضعون عليها، ويضحون للوفاء بها. فيكتب عن ليلى العربية. وعن محاكاة العربي في صورة الفتى المصري ( علي ):

فتى جذاب دمث الأخلاق..

لا تخجل مني فنحن أهل

وبداخلنا لهب عاصف

ونعيش حياة واحدة

لقد تآلفنا معا..

تماما مثل فصيْ جوزة..

داخل قشرة واحدة...

بوشكين أمير الشعر الروسي يكتب مكثرا عن النبي وسيرته ويقتبس القصص والأمثال والتعابير من القرآن الكريم ويقسم بالشفع والوتر والنجم والفجر حتى لتحسبه واحدا من خلص المسلمين أو من المتصوفة العاشقين، بل من يستطيع أن يزعم أنه لم يكن كذلك؟!!

يتابع في قصيدة النبي صورة الرسول الكريم يحمله همومه الروحية، ويتابعه وهو يتابع صورة جبريل يتجلى له في كبد السماء، أو وهو يضمه أو يغته حتى يبلغ منه الجهد أو وهو يشق صدره الشريف فينفث على لسانه كلمات الحكمة ، ويغسل قلبه بالنور ويودع فيه جذوة من الحكمة ، هذه قصيدته (النبي) :

الروح.. هم وظمأ

كنت أنثر خطابي في صحراء غير ذات زرع

عندما ظهر لي في مفترق الطريق

ملاك ذو أجنحة ستة

وبأصابع من نور، في مثل الحلم،

لمس حدقتي عيني،

فاتسعت الحدقتان النبويتان،

كما لو كانتا لنسر مذعور

ولمس أذنىْ

فأمتلأتا بضجة وصليل،

وسمعت رعود السماء

وحفيف أجنحة الملائكة تحلق في الأعالي

وسريان زواحف البحر تحت الماء

وتبرعم الكروم الأرضية.

وألصق الملك نَفَسَه بشفتيْ

وانتزع لساني

وبيده اليمني المضرجة

زرع بين شفتي المتجمدتين

لسان الحكمة

وشق صدري بسيفه

وانتزع قلبي الخفاق

وفي الصدر المفتوح

أدخل جمرة ملتهبة

وارتميت في البرية مثل جثة

وجاء صوت من الله يناديني:

« أيها النبي قم ، سميعا وشهيدا»

وأنفذ إرادتي،

وجُب البر والبحر

وألهب بكلماتي قلوب الناس...

وفي قصيدة أخرى عن دار الإسلام اسطنبول يقول بوشكين منددا منذ القرن التاسع عشر بذهاب رسوم الإسلام وبانهماك أمة الإسلام بما لا يرضاه الإسلام. ولنذكر أن الشاعر ينكر على المسلمين عقوقهم ومعاصيهم والحرب كانت دائرة بين قومه وبين سلطان المسلمين. ونسأل لماذا سقطت الدولة العلية

 تنكرت اسطنبول للنبي

اسطنبول!! ولأجل ملذات الرذيلة

غيّرت السيف والدعاء

تنكرت اسطنبول لفريضة الجهاد

وأخذت تشرب الخمر في وقت الصلاة..!!

وفي قصيدته أو مقطوعاته الثمانية قبسات من القرآن يطوف بك بوشكين في رياض القرآن مقتبسا وشارحا ومتعلما ومعلما..

لماذا يتكبر الإنسان؟

ألئنه جاء إلى هذه ا لدنيا عاريا ؟!

أم لأنه يعيش عمراً قصيراً ؟!

أو لأنه يموت ضعيفاً كما ولد ضعيفاً ؟!

ألا يعلم أن الله يميته وأنه بمشيئته يبعثه؟!

 

وفي مقطوعة أخرى متأثرة بسورة النور يقول:

لقد أضاءت الشمس في الكون

وغمر النور أيضاً السموات والأرض

مثل حبة زيتون مفعمة بالزيت

تضيء في مصباح بلوري

صل للخالق فهو وحده القادر

وهو يحكم الريح في يوم القيظ

ويثير السحب في السماء

ويهب الأرض فيمد ظلال ا لأشجار

ثم يقول في إشارة واضحة إلى النور الذي أنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم :

إنه الرحيم قد كشف

لمحمد القرآن الساطع

فلننطلق نحن أيضاً نحو النور

ولننزع الغشاوة عن أعيننا

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية