تشتت في عقول و قلوب المتمردين السوريين

تشتت في عقول و قلوب المتمردين السوريين

آن بيرنارد

نيويورك تايمز

15/1/2013

بيروت- لبنان- مع اقتراب دخول الحرب الأهلية السورية عامها الثاني, فإن معارضي الرئيس بشار الأسد و داعميهم الدوليين فشلوا في كسب دعم الكثير من مؤيدي الحكومة, من ضمنهم الأقليات, و هي شريحة من السكان تعتبر مساعدتهم أمرا ضروريا ليس فقط لحل الصراع, و لكن للحفاظ على سوريا دولة غير فاشلة, كما يقول المحللون.

قادة المعارضة السورية في المنفى قدموا مرارا و تكرارا وعودا بأن سوريا المستقبل سوف تضمن حقوقا متساوية لجميع المواطنين بغض النظر عن الدين و العرق, من بينهم أعضاء الأقلية العلوية التي ينتمي إليها الرئيس الأسد, و أن المسئولين الحكوميين غير الملطخة أيديهم بالدماء سوف يكونون في أمان. و لكن هذا الأمر لم يكن له الأثر الكبير في كسب ولاء كتلة كبيرة من السوريين الذين يشعرون بالقلق من الانتفاضة.

يقول بيتر هارلنغ, و هو محلل يعمل مع مجموعة الأزمات الدولية كان قد التقى مع أناس في سوريا من جميع أطراف الصراع :"إن المعارضة في واقع الأمر تساعد في توحيد النظام. يبدو أنهم لا يملكون إستراتيجية للحديث عندما يتعلق الأمر بالحفاظ عما سوف يتبقى من الدولة, و التودد للعلويين داخل النظام أو التواصل مع أولئك الذين لا يعرفون من يكرهون أكثر, النظام أو المعارضة".

محللون في سوريا قالوا أن المعارضة فشلت في تحديد كيفية التعامل مع التحديات السياسية في قضايا مثل مصير حزب البعث و ملف الجيش و القطاع العام  - الذي يعمل فيه ما لا يقل عن 1.2 مليون سوري- أو كيف سوف يقوم بكبح جماح العنف و الانتقام. المعارضة, كما يقول المنتقدون, أضاعت الفرصة لتقسيم دعم الحكومة من الداخل و سمحت للسيد الأسد بتصوير نفسه على أنه السياج الآمن و أفضل رهان للحفاظ على وحدة الدولة.

هذا الفراغ, كما يقول بعض المحللين, توضح في لهجة السيد الأسد الواثقة في الخطاب الذي ألقاه في 6 يناير عندما عرض الدخول في حوار سياسي مع المعارضين الذين اعتبرهم مقبولين.

يقول السيد هارلنغ أن الخطاب سمح للسيد الأسد بمحاولة إقناع المحايدين بأنه لا زال خيارا مقبولا, و عكس اعتقادا داخل دائرة الرئيس الخاصة – لربما يكون خاطئا- بأن " الناس سوف يعودون في نهاية المطاف إليهم, لأنهم يقدمون الرؤية الأفضل للدولة".

يوم الأحد, دعا وزير الخارجية الروسي المعارضة لتقديم اقتراحات مقابلة للحل السياسي عوضا عن التذمر من رفض السيد الأسد للتفاوض. و يوم الاثنين, انتقد كوفي عنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة الولايات المتحدة و روسيا بسبب عدم عمل ما يكفي لجمع الأطراف مع بعضها, محذرا أن إصرار المعارضة على تنحي السيد الأسد كشرط لبداية أي مفاوضات يؤدي إلى إدامة حالة الانسداد و يهدد بالهبوط مزيدا نحو الفوضى.

إن المخاوف ليست قادمة من روسيا فقط, حليفة الأسد الوثيقة, و السيد عنان الذي استقال من منصبه كمبعوث دولي إلى سوريا و ذلك عندما ذهبت وساطته أدراج الرياح. إنهم يتقاسمون هذه المخاوف مع محللين من الشرق الأوسط و مثقفين سوريين و مع مستشار سوريا السابق في إدارة أوباما, التي اعترفت بالمعارضة كممثل شرعي للبلاد.

مستشار سوريا السابق في إدارة أوباما السيد فريدرك سي هوف, كتب الشهر الماضي أنه في الوقت الذي تقدم فيه المعارضة ضمانات عامة لثلث السوريين الذين ينتمون إلى الأقليات, " إلا أن مجموعة صغيرة فقط " تؤمن بذلك, خصوصا مع تنامي المجموعات الجهادية في أرض المعركة و إصدار مقاطع فيديو تدعو إلى إعادة الخلافة الإسلامية.

و قد كتب أيضا في مقالة نشرت من قبل المجلس الأطلنطي, و هو معهد دراسات مقره واشنطن.  :"و لماذا يتوجب عليهم فعل ذلك؟ ما الذي يشكل ثقلا أكبر على عقول العرب غير السنة (أو العرب السنة الملتزمون بالحكم العلماني):  هل هي الكلمات العابرة حول أولوية المواطنة , أم الهتافات المتلفزة من قبل المقاتلين ذوي الشعور الطويلة؟".

جزء من المشكلة هو أن المعارضة, على خلاف الحكومة, لا تتحدث بصوت واحد. إنها منقسمة ما بين عناصر علمانية و متدينة , و عناصر في المنقى و أولئك الذين يقاتلون داخل سوريا, و داعمون و معارضون للكفاح المسلح. حتى بعد الاعتراف تحت الضغط من قبل الغرب, فإن التحالف لم يتفق على تشكيل حكومة في المنقى لحد الآن.

و مع إدراك التحالف للمخاطر كما يقول سمير نشار و هو عضو في التحالف  في مقابلة أجريت معه في تركيا فإن " الجميع يشعر و يعلم أن هناك معضلة حقيقية و خطرا عندما يتعلق الأمر بمعنوية المواطن السوري. لسوء الحظ, فإننا لا نمتلك أي شئ على الأرض يمكن أن يخفف من المخاوف و القلق الذي تعاني منه الأقليات في نفس الوقت. و للأسف فإن الطائفة العلوية قد أخذت رهينة من قبل النظام".

و رفض النشار الانتقادات الموجهة للمعارضة, قائلا بأن تطرف المقاتلين على الأرض هو خطأ السيد الأسد  في المقام الأول بسبب "تصويره  للثورة على أنها ثورة سنية" إضافة إلى فشل الولايات المتحدة و آخرين في دعم المعارضة المسلحة العامة من خلال التدخل العسكري.

و يضيف :"إن أفضل طريقة لتطمين الأقليات, تتم من خلال القوات المعتدلة على الأرض".

لقد دعت الولايات المتحدة طويلا لتشكيل حكومة تعددية تحافظ على هيكل الدولة, و يبدو أنها تريد معالجة هذه القضية بشكل عاجل. في لقاء جمع ويليام بيرنز نائب وزير الخارجية الأمريكي مع نظيره الروسي يوم الجمعة شدد على أن المعارضة في المنفى عملت على التواصل مع التكنوقراط في الحكومة من أجل معرفة كيفية إدارة "اليوم التالي" – على سبيل المثال الحفاظ على إمدادات الكهرباء و الأمن و إدارة باقي أمور البنية التحتية.

و لكن يزيد صاغية و هو محلل في مركز كارنيغي الشرق الأوسط في بيروت, قال بأن الوقت قد أهدر من قبل الولايات المتحدة و المعارضة و ذلك من خلال المطالبة بتنحي الأسد قبل الحوار, مضيفا بأن هذا " لا يعتبر حلال سياسيا, إنه انتصار".

باول سالم و هو مدير مركز كارنيغي, دافع عن المعارضة قائلا بأنه من الصعب تغيير الديناميكية التي عملت عائلة الأسد من خلالها لعقود من أجل القضاء على أي قيادة علوية بديلة أو معارضة معتدلة من أجل إقناع العلويين و الآخرين بأن مصيرهم مرتبط بمصير الحكومة".

إن جهود المعارضة في التطمين و التواصل كانت مختلطة كما يقول المحللون. في 17 ديسمبر بدا أن نائب الرئيس السوري فاروق الشرع وكأنه يشير إلى تسوية من نوع ما, مصرحا لصحيفة الأخبار اللبنانية أن البعض في الحكومة و حزب البعث و الجيش يعتقدون أنه " ليس هناك أي بديل للحل السياسي, و أنه لا يمكن العودة إلى الماضي".

و كان رد التحالف العلني هو مجرد بيان يقول بأن ملاحظات السيد الشرع تظهر " أن النظام في أيامه الأخيرة و هو يواجه صعوبات و يريد أن لا يموت وحيدا".

يقول السيد هارلنغ بأن المتظاهرين في سوريا رفعوا لافتات تدعو إلى العفو عن جميع مؤيدي النظام الذين لم تتلطخ أيديهم بالدماء, وهو كما يقول أمر يراد منه التطمين و لكن مع الإيحاء بأن مجرد تأييد الحكومة يعبر جريمة تتطلب العفو.

في هذه الأثناء, استثمرت الحكومة مزيدا من الجهود في الإقناع. فهي مستمرة في دفع الرواتب و الضمان الاجتماعي في بعض المناطق التي يسيطر عليها المتمردون. منذ خطاب السيد الأسد, أصدرت وسائل إعلام الدولة تقارير مستمرة حول الإعداد للحوار الوطني.

هذه العملية قد "تهدئ من روع السكان في المناطق الحضرية" وفقا لما كتبه  إيميلي حكيم المحلل الذي يعمل مع المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في الفورين بوليسي مؤخرا , حيث يضيف أيضا :" إن غمر مستمعيه بوعود التقدم السياسي أمر لن يكلفه شيئا , بغض النظر عن مدى خلوها من المعنى الحقيقي".