ثلاث قصائد للشاعرة العبرية الراحلة

ثلاث قصائد للشاعرة  العبرية الراحلة

 

دالية رابيكوفتش *

ترجمة: د. فاروق مواسي

[email protected]

أم تتمشى

 تتمشى أمّ مع طفل ميت في البطن

هذا الطفل لَمّا يولد .

في أوانه سيولد الطفل الميت

الرأس أولا ،ثم الظهر والعجز

وبيديه لن يلوّح

وهو لن يصرخ صرخة أولى

ولن يربتوا له على قفاه

ولن يقطروا قطرات في عينيه

ولن يقمطوه

بعد استحمامه

هو لن يكون كالطفل الحي .

وأمه لن تكون هادئة وفخورة بعد الولادة

ولن تكون قلقة أيضًا على مستقبله ،

ولن تسأل نفسها كيف ستعيله

وهل لديها حليب كاف

وهل لديها ثياب كافية

وهل في الغرفة متسع لمهدٍ آخر

هذا الطفل صِدّيق جدًا ،

لم يُخلق من قبل أن يُخلق .

وسيكون له قبر صغير في طرف المقبرة

ويوم ذكرى صغير

وتذكار ليس كبيرًا .

هذه هي سيرة حياة الطفل

الذي قتلوه في بطن أمه

في شهر كانون الثاني 1988

في ظروف سياسية أمنية .

*   *   *

تهليلة

تغني الأم والجدة الناصعتان

طرف منديل الأم

يكاد يمس الغطاء .

تغني الأم والجدة

لحنًا قديمًا ومتوهجًا

في التخوم المظلمة في جباليا

جلس هذا يمسك بذا

الأب مكسور ويبصق دم رئته

وابنه ابن الخامسة عشرة .

يلف جسده طوفًا من حول

الجسم الممعوك – بقايا أبيه .

عاشقان

زوج حمام

سخر منهما آسروهما

الأم والجدة تغنيان لك أغنية

حتى تنام بلا أذى أيها الطفل اللطيف

راحيل تبكي [ابنيها] بصوت

نحيب مرير. صوت كآبة

وأنت تكبر وتصبح رجلاً

وأسى جباليا لن يُنسى

وفقر الشاطي لن يُنسى

وقرية بيتيا وقرية حواره

وبلاطة والجلزون

لأن استغاثتهم دوّت ليالي كثيرة

*   *   *

الحكاية عن العربي الذي مات حرقًا

إذ شبّت النار في جسده ، لم يحدث هذا تدريجيًا

لم يكن سابقًا تيار حراره

أو سيل جارف من دخان خانق

وإحساس في غرفة أخرى يُرغب أن يُهرب إليها

شبت النار فيه حالاً

ليس لهذا تشبيه ،

قشرت ملابسه ،

شبت في لحمه

أعصاب الجلد أول ما أصيبت

الشَّعر كان طعمة النيران .

صاح : يا الله ! يحرقون

وهذا  كل ما قدر للدفاع عن نفسه .

اللحم كان قد التهب بين أخشاب الكوخ

التي أسست اللهيب في المرحلة الأولى .

ولم تعد فيه درايه .

طُعمة النيران في اللحم

شلت الإحساس بالمستقبل

وذكريات عائلته .

ولم يعد له ارتباط بطفولته

ولم يطلب الانتقام ، الفرج، أن يرى فجر اليوم القادم .

أراد فقط أن يتوقف احتراقه

لكن جسمه – هو – أقات اللهيب

، وكان هو مثل الموثَّق والمربوط

وفي ذلك أيضًا ما فكّر

وظل يشتعل في قوة الجسد

المصنوع من لحم ودهن وعروق

واشتعل برهه

وانطلقت من حلقه أصوات غير بشريه

لأن وظائف إنسانية توقفت لديه ،

باستثناء الألم الذي تسري به الأعصاب

في تيارات كهربائية إلى مركز الألم والدماغ .

وهذا لم يستمر أكثر من يوم واحد .

وحسنًا لأن روحه فاضت في هذا اليوم

لأنه آن له أن يستريح .

           

* دالية رابيكوفتش : (  1936) -     2005)  ولدت في رمات غان ، وتثقفت في كيبوتس ( جيبع ) . درست في الجامعة العبرية ، ثم عملت في سلك التعليم . حصلت على جائزة إسرائيل للشعر سنة 1999 .من الكتاب والشعراء اليساريين الذين ناضلوا ضد الاحتلال بلا هوادة ....عثر عليها  وقد توفيت انتحارًا يوم  21 / 8 / 2005 .