في مدينة الرسول

في مدينة الرسول

"صلى الله عليه وسلم"

شعر:د. محمد إقبال

ترجمة: أبو الحسن الندوي

لقد عاش الدكتور محمد إقبال شاعر الإسلام وفيلسوف العصر –مدة حياته- في حب النبي صلى الله عليه وسلم، والأشواق إلى مدينته، وتغنى بهما في شعره الخالد، وقد طفح الكأس في آخر حياته، فكان كلما ذكرت المدينة فاضت عينه وانهمرت الدموع.

ولم يقدر له الحج، وزيارة الرسول صلى الله عليه وسلم بجسمه الضعيف، الذي كان من زمان يعاني الأمراض والأسقام،

ولكنه رحل إلى الحجاز بخياله القوي، وشعره الخصب العذب، وقلبه الولوع الحنون، وحلق في أجواء الحجاز، وتحدث إلى الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم بما شاء قلبه وحبه، وإخلاصه ووفاؤه(1)، وتحدث إليه عن نفسه، وعن عصره، وعن أمته، وعن مجتمعه.

الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم بما شاء قلبه وحبه، وإخلاصه ووفاؤه(1)، وتحدث إليه عن نفسه، وعن عصره، وعن أمته، وعن مجتمعه.

وقد فاضت في هذا الحديث قريحة الشاعر، وانفجرت المعاني، والحقائق التي كان الشاعر يغالبها ويمسك بزمامها، وينتظر فرصة إطلاقها، وقد رأى أن فرصتها قد حانت، وهذا أوانها ومكانها، فخاطب نفسه بقول الشاعر:

حمامة جرعى دومة الجندل، اسجعي   فـأنـت بـمرأى من سعاد iiومسمع

فكان شعره في النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه من أبلغ أشعاره وأقواها، وكان حشاشة نفسه، وعصارة علمه وتجاربه، وكان تصويراً لعصره، وتقريراً عن أمته، وتعبيراً عن عواطفه.

لقد قال محمد إقبال هذه الأبيات، وهو يتخيل أنه مسافر إلى مكة والمدينة –شرَّفهما الله- يهوي به العيس، ويسير به الركب على رمال وعساء، يتخيل، بشدة شوقه وحبه، أنها أنعم من الحرير وأن كل ذرة من ذراتها قلب يخفق، فيطلب من السائق أن يمشي رويداً ويرفق بهذه القلوب الخفاقة.

ويحدو الحادي بما لا يفهمه، فتثور أشجانه، وتترنح أعطافه، وتهيج شاعريته، وتنطلق قيثارته بشعر رقيق بليغ.

ثم يسعد بالمثول بين يدي الرسول، فيصلي ويسلم عليه بما يفتح الله به عليه.

وينتهز الفرصة، فيحدثه عن نفسه، وبلاده، والفترة التي يعيش فيها، وعن أمته، وعن الأزمات، والمشكلات التي تعانيها، وما فعل بها الزمان وطوارق الحدثان، وما فعلت بها هذه الحضارة الغربية، والفلسفات المادية، وما فعلت برسالتها والأمانة التي حملتها، وأين هي من ماضيها وخصائصها، يرثي لها تارة ويبكي ويشكرها مرة ويعاتب، ويشكو غربته في وطنه ووحدته في مجتمعه، وضيعة رسالته في أمته.

وقد سمى هذه المجموعة بـ (هدية الحجاز)، كأنها هدية حملها من الحجاز لأصدقائه وتلاميذه، ولا شك أنها هدية مباركة للعالم الإسلامي، ونفحة فائحة من نفحات الحجاز.

يقوم الشاعر بهذه الرحلة الحبيبة، وقد أربى على الستين ووهنت قواه، في سن يفضل فيها الناس الراحة والإقامة، فما باله يسافر وهو شيخ، وقد أضعفه المرض والشيب؟ والسفر إلى الحجاز شاق مضن، وقد نصحه الأطباء، والأحبة بالراحة والهدوء، ولكنه يعصيهم ويطيع أمر الحب، يلبي منادي الشوق ويقول:

(لقد توجهت إلى المدينة رغم شيبي وكبر سني، أغني وأنشد الأبيات في سرور وحنين، ولا عجب فإن الطائر يطير في الصحراء طول نهاره، فإذا أدبر النهار، وأقبل الليل رفرف بجناحيه، وقصد وكره ليأوي إليه، ويبيت فيه).

كأنه يقول:

- لماذا تعجبون إذا قصدت المدينة –وهي وكر طائر الروح ومأرز(2) المؤمن- في أصيل حياتي، وفي سن أشرفت فيها شمس الحياة على الغروب، أما رأيتم الطائر إذا جن الليل أسرع إلى وكره.

بدأ محمد إقبال سفره، وهو شيخ مريض، وسارت به الناقة بين مكة والمدينة سيراً حثيثاً، وقد قال لها:

(رويدك يا حبيبتي! فإن راكبك لاغب، ومريض، وكبير السن، فمشت في نشوة وطرب ولم تبال، كأن الصحراء حرير تحت أرجلها).

يسير الشاعر في هذا الركب الحجازي الذي يحدو بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

ويريد الشاعر أن يسجد سجدة على هذه الرمضاء، يدوم أثرها في جبهته طول حياته، ويقترح ذلك على أصحابه وزملائه.

ويملكه الشوق، فيحدو، وينشد أبياتاً من شعر العراقي(3) والجامي(4) فيتساءل الناس: من هذا الأعجمي الذي يغني ويحدو بلغة لا نفهمها، ولكنها نغمة تشجي القلوب، وتملؤها إيماناً وحناناً، حتى يذهل الرجل في هذه الصحراء عن الغذاء والماء؟!

ويلذ الشاعر بكل ما يعتريه في الطريق ولا يستبطئ الوصول، بل يقترح على سائقه أن يأخذ طريقاً أطول، حتى يعيش في هذه الأشواق، وفي هذا الحنين مدة أوسع، وتشتد لوعة الفراق، لأنها زاد العشاق ونزهة المشتاق.

وهكذا يطوي محمد إقبال هذه المسافة في سرور وحنين، حتى يصل إلى المدينة، فيقول لزميله:

- تعال يا صديقي! نبك سروراً ونتحدث ساعة، ونرسل النفس على سجيتها فإن لنا شأناً مع هذا الحبيب، الذي أسعدنا به الحظ، بعد طول فراق وشدة اشتياق.

ويقبل على نفسه، فيتعجب كيف اختص، من بين أقرانه، بهذه السعادة، ثم يقول:

(لا عجب فإن المحبين المتيمين أكرم هنا من الحكماء المتفلسفين، يا سعادة الجد، ويا حسن الطالع!! لقد سمح لصعلوك مملوك، أن يدخل على السلاطين والملوك).

ولا يلبث محمد إقبال –وهو في هذا الفيض من السرور والسعادة- أن يذكر أمته المسلمة، والشعب المسلم الهندي،يذكر آلامهما وآمالهما، فيذكر كل ذلك في بلاغة الشاعر، وحقيقة الرائد، وما أجملهما إذا التقتا. يقول:

(إن هذا المسلم البائس، الذي لا تزال فيه بقية من شمم وإباء، وأنفة الملوك وعزة الآباء، لقد فقد مع الأيام، يا رسول الله! لوعة القلب وإكسير الحب، إن قلبه حزين منكسر ولكنه لا يعرف سر ذلك).

(بماذا أحدثك يا رسول الله؟ عن آلامه ورزيئته؟

حسبك أنه هوى من قمة عالية، إنه هبط من تلك العلياء التي وصلت به إليها، وكلما ارتفع المكان الذي يسقط منه الإنسان كان ألمه شديداً، وكانت الصدمة عظيمة، فلطف الله بهذه الأمة المنكوبة، الهاوية من قمة المجد العالية).

(إنه لا يزال الزمان يعاديه، ولا يزال ركبه تائهاً في الصحراء، بعيداً عن غايته ومنزله، حسبك من هذه الأمة، وما يسود فيها من الفوضى والاضطراب، إنها تعيش من غير إمام).

(إن غمده فارغ ككيسه، فهو أعزل فقير، وإن الكتاب، الذي فتح به العالم، وضعه في بيته الخرب، على طاق تراكمت عليه الأتربة، ونسج عليه العنكبوت).

(إنه أصبح، بطول عهده بالمغامرات والبطولات، لا يفهم لغة المغامرين، وإهابة الشجعان المجاهدين، وقد ألف نغمة المغنين، وعاش بين الزفرات والأنين).

وإن عينه فقدت النور، وإن قلبه حرم السرور، إن رزيئته أنه يعيش ولا يعرف لذة الوصال والحضور).

ثم يذكر الفرق بين ماضية العظيم، الذي كان فيه موضع رعاية وعناية واحتفاء، وحاضره القاسي الكالح، وكيف صعب عليه أن يتقشف، ويعتمد على نفسه، ويكدح في الحياة.

وما أبلغ قوله:

(إنه طائر مدلل، كنت تطعمه بيدك، وقد ربيته بالفواكه، فشق عليه البحث عن رزقه وقوته في الصحراء).

 ويتذكر محمد إقبال فتنة اللادينية التي توجهت إلى العالم الإسلامي، ويعرف محمد إقبال –وهو من كبار علماء الفلسفة والسياسة وعلم الاقتصاد- أن سببها النظر المادي البحت، خواء الروح، وبرودة القلب، وباعثها هو الحياة المترفة الباذخة التي يعيشها كثير من الناس.

ويعتقد أنه لا سبيل إلى محاربة هذه اللادينية، والفلسفة الاقتصادية المادية إلا الحياة التي تقوم على الحب والزهد، والحياة التي كان يعيشها أبو بكر الصديق، المحب الزاهد، فيتمنى للمسلمين هذه الحياة المثالية التي يسيطر عليها الحب والزهد: وإذا وجدت هذه الحياة اضطر الناس إلى تقديرها وإجلالها.

إنه لا يعلل انحطاط المسلمين بالفقر، والضعف في المادة، بل يعلله بانطفاء تلك الشعلة التي التهبت في صدورهم، ويقول:

(إن أولئك الفقراء –المسلمين الأولين- لما عرفوا كيف يقومون أمام ربهم في صف واحد، استطاعوا أن يمسكوا بتلابيب الملوك، ولما انطفأت هذه الجذوة في صدورهم انطووا على نفوسهم، وأووا إلى الزوايا والتكايا).

إنه يستعرض تاريخ المسلمين، فيرى فيه ما يخجل كل مسلم، يرى فيه ما لا يتفق مع الرسالة المحمدية وتعاليمها ومثلها العليا، ويرى فيه من شرك وعبادة لغير الله، وخضوع للجبابرة والطغاة ما يتندى له الجبين حياء.

يذكر (إقبال) ذلك كله ويطرق رأسه حياء وخجلاً، ويقول في صراحة واعتراف، وبلاغة وإيجاز:

(إن جملة القول، ما كنا جديرين بك يا رسول الله).

ويلقي نظرة على العالم الإسلامي، وقد جال في أنحائه، وعرف مراكزه، فيشكو ضعفه وفقره المعنوي، ويقول في إجمال:

"إن المراكز الروحية (الرباطات والزوايا) أصبحت فقيرة، لا تملك غذاء القلب، ولا تحمل رسالة الحب.

والمراكز العلمية (المدارس بمعناها الواسع) طغى عليها التقليد، فهي تردد ما تلقنته في الماضي، في غير إبداع وابتكار؛ وهي كثور الطاحون يدور في دائرة واحدة.

أما أندية الشعر والأدب، فقد خرجت منها كئيباً حزيناً، فليس في نغماتها وأفكارها ما يبعث الروح، ويثير الطموح؛ إنه شعر بارد، يخرج من قلب بارد، وأدب ميت يصدر عن أديب ميت".

ويقول:

"قد ضربت في مشارق الأرض ومغاربها، فوجدت المدن تغص بالمسلمين الذين يفرقون من الموت، أما المسلم الذي يفرق منه الموت، فلم أرَ له عيناً ولا أثراً".

ويذكر السر في ضعف المسلمين، وتشتت أهوائهم وخمودهم، فيقول:

"لقد شقّ عليَّ ما أراه من سوء حال المسلمين يوماً، وشكوت إلى ربي، فقيل: ألا تعرف أن هؤلاء يحملون القلوب، ولا يعرفون المحبوب؟! يعني أنهم يملكون مادة الحب، ولكنهم لا يعرفون من يشغلونها به، ويوجهونها إليه.

فقلوبهم تائهة، وعقولهم مضطربة، وجهدهم ضائع وعملهم ضعيف، وحياتهم لا لذة فيها ولا سرور".

وهي حياة من رُزق القلب وحُرم الحب، أو حياة من عرف الحب، وجهل المحبوب؛ إنها، لا شك، حياة عذاب وشقاء، وحياة حَيرة وضلال.

ولكنه رغم ذلك كلّه غير يائس من المسلمين، وغير قانط من رحمة الله؛ بل ينتقد رجال الدين في يأسهم من المسلمين، وقطعهم الرجاء من نهضتهم، وتعليقهم الأمل بغيرهم، ويقول في عتاب وتألم:

"إن أحوالهم وأحاديثهم تنم على أنهم يائسون من جميع أسباب الخير، وأنهم متشائمون، ينظرون إلى المسلمين، وإلى الحياة بمنظار أسود.

ويقول:

"إن المسلم، وإن كان قد تجرد عن أبهة الملك والسلطان، ولكن ضميره وتفكيره، لا يزالان ضميرَ الملوك وتفكيرهم، وإنه إن قدر له أن يعود إلى مركزه، كان جماله جلالاً، وكانت له سطوة لا تطاق".

وهنا يقبل محمد إقبال إلى نفسه، فتحكي حكايتها، ويشكو ما يعانيه من أهل عصره ومجتمعه.

يقول:

"إني أستحق العطف والعناية، فإني في صراع عنيف، وحرب دامية، مع عصري المادي".

ولا شك أن إقبال قضى حياته في صراع مع العصر الحاضر، وقد كفر بالحضارة الغربية والفلسفة المادية، وتحداهما وانتقدهما، وزيفهما في شجاعة وعلى بصيرة وخبرة.

وقد كان مربي جيل جديد،مؤمن بالله، واثق بنفسه، معتد بشخصيته وشخصية الإسلام، كافر بالأسس المادية والتفكير المادي، الذي قامت عليه الحضارة الغربية، وحق له أن يقول:

"لقد أذنت في الحرم، كما أذن بالأمس جلال الدين الرومي، فقد تعلمت منه أسرار الروح والحب، لقد كان ثائراً على فتن عصره، وكنت ثائراً على فتن عصري".

ويذكر تمرده على العلوم الغربية، وتفلته من شباكها، واحتفاظه بعقيدته، وإيمانه وخصائصه، ويقول بحق وجدارة:

"كنت كطائر يقع على شبكة، فيقرض الحبال، ويأخذ الحب، ويطير بسلام".

وكذلك كان، فقد ظفر بلب العلوم الغربية ولبابها، ورمى بقشورها، وخرج من حبائلها سالماً.

ثم يقول في افتخار واعتزاز:

"يعلم الله! أني رحلتُ في أعماق هذه العلوم، واكتويت بنارها، من غير أن أرزأ في عقيدتي، وخلقي وصلتي بك، وقد جلست في نارها بشجاعة، وخرجت منها بسلامة، كما كان شأن إبراهيم –عليه السلام- مع نار نمروده".

وهنا يتذكر الشاعر حياته التي قضاها في أوروبا، بين الكتب الجافة، والفلسفة الدقيقة، والعلم الواسع، والجمال الفاتن، والمظاهر الخلابة؛ فيقول:

"لقد بقيت هذه المدة ذاهلاً عن نفسي، جاهلاً لشخصيتي؛ حتى لما وقع بصري عليّ لم أعرف نفسي".

ويقول:

"لقد اقتطفت من علوم الغرب شيئاً كثيراً، وتناولت من خمر حانته كأساً دهاقاً، يا له من صداع اشتريته! لقد عشت بين علمائه وفلاسفته، وبين غيده الحسان، يا لها من فترة مظلمة قضيتها من حياتي! حرمت فيها لذة الحب ونعيم القلب.

إن دروس الحكماء قد صدعت رأسي، وكدرت بالي؛ ذلك لأني نشأت في حضانة الحب والإيمان، فلا يناسبني ولا يملأ فراغ نفسي إلا العاطفة والحنان".

وهنا يقبل الشاعر إلى الطبقة التي تمثل العلم والدين، فينتقد فيها الجفاف، واتساع العلم وتضخمه على حساب العاطفة والحب ولوعة القلب، فيقول:

"إن العالم الديني لا يحمل هماً، إن عينه بصيرة، ولكنها جافة لا تدمع، لقد زهدت في صحبته لأنه علم ولا همّ، وأرض مقدسة ولا زمزم".

لقد شبهه محمد إقبال بالحجاز، لأنه يحمل علماً كثيراً، وعقلاً كبيراً، ولكنه مع الأسف رمال جافة، وجبال جرداء ليس فيها زمزم؛ ومكة ببيتها وزمزمها، ليست برمالها وبطحائها وجبالها فحسب.

فما أفقر العالم الديني الذي يحمل علماً جماً، ولساناً بلغياً، وعقلاً مستنيراً، ولا يحمل دمعة في عينه، ولا لوعة في قلبه، إنه أخذ من الأرض المقدسة خشونتها وصلابتها، ولم يأخذ منها رطوبتها ونداها.

ثم يحكي عن نفسه، ويقول:

"إنني لم أبع نفسي وضميري لأحد، ولم أستعن بأحد في حل مشكلاتي، ذلك لأني اتكلت على غير الله مرة واحدة، فسقطت عن مقامي، وعوقبت بالهوان مئتي مرة".

ويندفع يشكو عصره ومجتمعه في حزن وألم، فيقول:

"إني أحترق بنار شوقي وحبي، وأستغرب أني خلقت في عصر لا يعرف الإخلاص، ولا يعرف سوى المادة والأغراض؛ في عصر لم يعرف لوعة القلب، ولم يذق الحب. أنا غريب في الشرق والغرب، أعيش وحدي، وأغني وحدي، وقد أتحدث إلى نفسي وأخفف من أشجاني وآلامي".

ويقول:

"إن إخواني لم يعملوا بما قلت لهم، إنهم لم يجنوا الرطب من نخل شعري، إليك أشكو يا سيد الأمم! من أناس لا ينظرون إليّ إلا كشاعر أو متغزل.

لقد أمرتني يا رسول الله! أن أبلغ إليهم رسالة الحياة والخلود، وأنشدهم بما ينفخ فيهم النشاط والروح، ولكن هؤلاء القساة يقترحون عليّ أن أنوح على الأموات في الشعر، وأنظم تاريخ الوفاة، فأين هذا مما أمرتني به".

ويشكو، في توجع وحزن عميق، زهد أبناء عصره في العلم الذي كان يحمله، والرسالة التي يقوم بها في شعره، ويقول:

"عرضت قلبي عسى أن يستأسره أحد، فلم أر فيه راغباً ولا له طالباً، وأبحت ثروتي، وما يحويه صدري فلم أر لها مقدراً؛ فليعمر حبك قلبي، وليشغل حديثك لساني، فإني لا أجد في العالم من هو أشد وحدة وأعظم غربة مني".

ويختم قصيدته بأبيات يوجهها إلى المرحوم الملك عبد العزيز بن سعود –باعتباره ملك الحجاز في عهده- وهو خطاب موجه إلى جميع ملوك العرب، وزعمائهم، وعظمائهم يحذره من الاستعانة بالأجانب، والدول الأوروبية، ويدعوه إلى الاعتماد على الله، ثم على ما عنده.

يقول:

"اضرب خيمتك حيث شئت في الصحراء، ولتكن خيمتك قائمة على عمدك وأطنابك؛ ولا تنس أن استعارة الأطناب من الأجانب حرام".

         

 (1) ليس هذا الحديث من الاستغاثة في شيء، إنما هو أسلوب من أساليب الشعر والحب، استعمله شعراء إيران والهند     قديماً وحديثاً.

(2) المأزِر: الملجأ.

(3) شاعر فارسي، له قصائد وأبيات سائرة في الآفاق في مدح النبي صلى الله عليه وسلم.

(4) شاعر فارسي، له قصائد وأبيات سائرة في الآفاق في مدح النبي صلى الله عليه وسلم.