من فيافي نجد إلى المدينة

من فيافي نجد إلى المدينة

للشاعر التركي : محمد عاكف

ترجمة : د. عبدالعزيز فهمي

ـ مررنا من المناخة ساعة العصر ، فما إن ظهر أمامي ذلك المقام النضر ،

مقام الحبيب حتى نسيت كل شيء ، وهرعت إلى حرمِهِ الجذّاب .

ـ وقد اخترقت الصفوف حتى ارتميت بجانب الأعمدة ،

وما أن استقر بي المقام في ذلك المكان حتى شعرت بالخشوع يستولي عليّ والخشية تملأ قلبي .

ـ وكأنما تجمدت ثورة نفسي ،

إذ انفجرت من روحي رعشة ارتجفت منها كل ذرّة مني .

ـ أما العالم الممتد أمامي فعالم من السكون مكوّن من ظلال جامدة ، قد تراصّت واحتضنت الخشوع .

ـ ذلك العالم العظيم ، فيه التونسي والأفغاني والترنسفالي والبخاريّ ، والصيني والسوداني والحبشي والجنوي والكاشغري والتركي والهرسكي والسرنديبي والجاوي والمغربي .

ـ فيه فروع تلك الشجرة المباركة ،

التي تظلل الغرب وأقصى الشرق وما بينهما من العوالم .

ـ وقد ترك هؤلاء الأبناء البررة ،

هذا المحشر المتلاطم في سكون متبوع بالاطمئنان .

ـ يا إلهي مِنْ ذلك المنظر ، بل ذلك المحشر الصامت ، الذي هاج من رؤيته عالم الملكوت .

ـ فجاشت المآذن المتولّهة دفعة واحدة ،

وأثارت هذه الأفواج الغارقة في بحار الرحمة .

ـ فإذا بهذا الحشد الساكن يفور ويموج ، كأنما المآذن ذلك الصدر ! وما إن نطقت المآذن بالشهادة الأولى حتى تسامت الجباه إلى السماء .

ـ وشعر كل إنسان كأنما الروضة الشريفة تردد تلك الشهادة بصوت هاتفي ،

فاتجهت الجباه إلى صاحب المقام ، ثم ماجت موجة الشهادة الثانية كأنما كان قلب الأرض يوحّد خالقه .

ـ وجاءت الشهادة الثالثة ، فانتشر في الأبعاد ،

صوت أبدي ، هو صوت النبيّ .

ـ يا إلهي من الولولة التي تلت تلك الشهادة ،

أتراها لاتنبّه الحبيب من رقدته !!!

ـ ها هم أولاء يئنون ويئنون حوله ،

ألا يكفي ذلك ، أم تراه لا يقوم من رقدته حتى الحشر ؟

ـ ثم وحدت المآذن بارئ النسمات كرّة أخرى ، فإذا بالصفوف المتراصة

على الأرض ،

قامت قومة واحدة في حضرة الله ، وانتشرت في الأبعاد أنّات ساكنة .

ـ والآن أنا بجانب حبيبي وأمته المظلومة ،

وفي عينيّ سيول الدموع ، وفي قلبي جراح وأنين .

ـ لا أنا مالك لإرادتي ، ولا أنا منقاد لنفسي ،

لأني وسط هذه الأمواج من العباد المسبّحة بحمد الله ؛

ـ كأني قطعة من سفينة تناولتها التيارات ،

فهي تصعد بها تارة إلى سطح البحر ، وتارة تهبط بها إلى أعماقه ؛

ـ ثم تظهر من بعيد مرة أخرى فتتناولها الأمواج ،

تحملها ، وتضربها ، وتقذفها بعيداً .

ـ وقد لبثت على هذا النحو أصعد وأهبط ،

وأطفو وأسير إلى أن سقطت على أرض العجز

هامداً ...