سوريا وأوباما وبوتين

نيويورك تايمز

30\9\2015

سيدي, أعود مرة للدفاع عن سياسة الرئيس أوباما في سوريا.

لقد كان أوباما محقا في تحفظه حيال التورط بصورة أعمق في سوريا. ولكنه لم يمتلك الشجاعة يوما ما لكي يبين سبب تحفظه للشعب الأمريكي. فهو يسمح للآخرين باستمرار بفعل وقول أمور تقول له نفسه من الداخل أنها لن تنجح, لذلك فهو يحصل دائما على ما هو أسوأ في كلا الاتجاهين: خطابه يتجاوز سياسته, وسياسته غير ناجحة.

في هذه الأثناء, منتقدو أوباما من الجمهوريين يفتقرون تماما إلى الحكمة النابعة من تجربتنا السابقة. وهم يدعون دائما إلى التدخل العسكري في سوريا دون أي سبب للاعتقاد بأن أسلوبهم سوف ينجح هناك بصورة أفضل مما حصل لنا في العراق أو ليبيا. الناس الذين لا يعرفون كيف يصلحون وسط مدينة بالتيمور يعقتدون أنهم يعرفون كيف ينقذون وسط مدينة حلب – من الجو.

شخصيا, سوف أختار الزعيم الذي يفتقر الشجاعة أمام تحفظه في مواجهة نقاده الذين يفتقرون إلى التعلم من الخبرة السابقة. ولكن التحفظ ليس رخصة لعدم التحرك. يمكننا القيام بأمور من شأنها أن تصنع الفارق, ولكن فقط إذا نظرنا إلى أعدائنا وحلفائنا في سوريا بعين مبصرة

في كل يوم من أيام الأسبوع, قراءة  افتتاحيات الصحف وأعمدة الرأي, وكتابات هيئة التحرير في صحيفة التايم والكتاب الآخرين,  تشحذ الفكر.

على سبيل المثال, فإن العناوين السائدة هذه الأيام هي أن الثعلب الماكر, الرئيس فلاديمير بوتين, هزم الأمريكان مرة أخرى, وذلك من خلال نشرة بعض الجنود والطائرات والدبابات في سوريا لدعم نظام الرئيس بشار الأسد وقتال قوات الدولة الإسلامية التي تهدده. لو كان عندنا فقط رئيس جرئ وقوي وذكي.

حقا؟ لنفكر في ذلك: دعونا نقل أن الولايات المتحدة لم تقم بشئ الان, وأن بوتين بدأ للتو في قصف داعش ودعم الأسد. كم من الوقت سوف يمضي حتى يضع كل مسلم سني, ناهيك عن الجهاديين بوتين كهدف مباشر له؟

المسلمون السنة يشكلون الغالبية العظمى في سوريا. وهم الطائفة المهيمنة في العالم العربي. سوف ينظر إلى بوتين وروسيا على أنهم يعملون على حماية الأسد, وأنهم مجرمو حرب ومرتكبون للإبادة الجماعية موالون لإيران وللطائفة العلوية. وسوف يستعدي بوتين عليه  كل العالم الإسلامي السني, بما في ذلك المسلمون الروس.

علاوة على ذلك, دعونا نقول أنه بمعجزة ما سوف تهزم روسيا داعش. الطريقة الوحيدة لضمان استمرار هزيمتهم هو أن يحل مكانهم السنة المعتدلون. من هم المعتدلون السنة الذين يمكن أن يقفوا إلى جانب روسيا في حين ينظر إلى بوتين على أنه أكبر المدافعين عن مجرم البراميل المتفجرة الذي قتل من السنة أكثر مما فعل أي شخص آخر على هذا الكوكب, بشار الأسد؟

لقد ذهب بوتين إلى سوريا بحثا عن إنجاز رخيص ليظهر لشعبه أن روسيا لا زالت قوة عالمية. حسنا, لقد أصبح الآن فوق الشجرة. على أوباما وجون كيري أن يتركاه هناك لشهر – هو والأسد يقاتلان داعش لوحدهما- ومراقبته وهو يصبح العدو رقم واحد في العالم الإسلامي السني, وأن يسألاه :" بوتين, كيف تسير الأمور عندك؟".

الطريقة الوحيدة التي يمكن إنزال بوتين فيها من فوق الشجرة هو مساعدتنا في صياغة حل سياسي في سوريا. ويمكن لذلك أن يحدث فقط إذا أجبر الروس والإيرانيون الأسد – بعد مرحلة انتقالية- على التنحي ومغادرة البلاد, وفي المقابل أن توافق المعارضة على حماية أمن ومصالح طائفة الأسد العلوية, وأن يرحب كلا الطرفين بقوة دولية على الأرض لضمان الاتفاق.

ولكن لتحقيق ذلك يجب أن يوافق خطابنا لمصالحا في سوريا أيضا. مصالحنا تتمثل الآن في تدمير أو احتواء اثنين من أكبر التهديدات وهما داعش – التي يمكن لنموها أن يهدد الجزر الآمنة الباقية في المنطقة مثل لبنان والأكراد والأردن- ومأساة اللاجئين السوريين, الذين تتزايد أعداداهم بصورة كبيرة بحيث أغرقوا لبنان والأردن, إذا استمر الأمر , فإن من شأنه أن يزعزع استقرار الاتحاد الأوروبي, شريكنا الحيوي الرئيس في العالم.

إذا كنا نريد ما هو أفضل – ديمقراطية متعددة قريبا في سوريا- فإن علينا أن نبدأ ببنائها بنفسنا. إن فكرة أن الأمر يتطلب تسليح المزيد من المعتدلين السوريين فكرة مجنونة.

خلال عطلة نهاية الأسبوع, أوردت صحيفة التايمز بان "حوالي 30000 مقاتل أجنبي توجهوا إلى العراق وسوريا من أكثر من 100 دولة منذ عام 2011", حسنا, 30000 مقاتل ذهبوا إلى سوريا للانضمام إلى داعش لتعزيز الجهاد ودولة الخلافة. كم هو عدد العرب والمسلمين الذين توجهوا إلى سوريا لتعزيز الديمقراطية التعددية؟ صفر, على ما يبدو.

لماذا يتوجب علينا أن نبحث عن المعتدلين وندربهم, في حين أن لا أحد يتوجب عليه تدريب الجهاديين, ما الذي يجري هناك؟ تجري الأمور كذلك لأن الجهاديين يتبعون المبادئ والمثل, على الرغم من أنها منحرفة. ليس هناك كتلة كبيرة من المعتدلين السوريين الذين يحملون المبادئ و المثل؛ حيث سوف يقاتلون دفاعا عن بيوتهم وعائلاتهم, ولكن ليس من أجل مثل مجردة مثل الديمقراطية. حاولنا القيام بذلك من خلال التدريب العسكري, ولكن ذلك لم ينجح. 

هل هناك ديمقراطيين حقيقيين في المعارضة السورية؟ نراهن على ذلك, ولكن ليس بصورة كافية, وليس بتنظيم ودافعية وضراوة خصومهم.

الجميع يريد التدخل المثالي في سوريا, حيث يبدو أنك تقوم بشئ ما, ولكن دون تقديم الكلفة السياسية في وضع قوات على الأرض أو تقديم تنازلات غير جيدة مع أشخاص بغيضين. لا يوجد مثل هذا  الخيار.

أعتقد أن هرولة بوتين إلى سوريا ربما يجعله في نهاية المطاف أكثر حاجة للوصول إلى اتفاق, أو على الأقل إطلاق نار طويل الأمد, يوقف تدفق اللاجئين. إذا كان بوسعنا القيام بذلك حاليا, فإننا سنكون قد فعلنا الكثير. 

وسوم: 636