الصديقان

أحب يوما قط وديك بعضهما بعضا حبا خالصا عميقا . يعزف القط على كمانه ، فيغني الديك على ألحانه . ويخرج القط بحثا عن الطعام للاثنين ، ويبقى الديك للعناية بشئون البيت . وألف القط كلما خرج أن يقول للديك : لا تسمح لأحد بدخول البيت ، ولا تخرج بنفسك مهما كان المنادي !

فيرد الديك : لن أفعل ! طمئن بالك !

ويدخل البيت ، ويمكث فيه حتى يعود القط .

ورأت ثعلبة الديك يوما ، فاعتزمت إغواءه بالخروج من البيت لاصطياده . وانتهزت غياب القط ، وأطلت من النافذة ونادت : تعال أيها الديك ! سأعطيك قمحا وماء صافيا عذبا .

فأجابها الديك : يغنيني الله عن قمحك ومائك . وعدت صديقي القط بألا أخرج .

وأيقنت الثعلبة أنها ما هكذا يجب أن تفعل معه ، فانسلت في ليلة لاحقة إلى البيت ، ونثرت بعض القمح تحت النافذة ليراها الديك ، واختبأت وراء شجيرة . وما لبث القط أن خرج للصيد وفق عادته . وفتح الديك النافذة وأطل منها ، فلم يرَ أحدا ، ولمح حب القمح اللذيذ  منثورا ، فاشتهى التهامه ، وحدث نفسه : سأخرج وألتهم هذا الحب في سرعة . المكان خالٍ ، ولن يراني أحد ، فيخبر صديقي القط بما فعلت .

وما أن خطا فوق العتبة حتى انقضت عليه الثعلبة ، فأمسكت بمؤخر عنقه ، وعدت به صوب بيتها ، فراح ينادي القط : " الحقني يا أخي القط ! في عرضك ! الثعلبة تجري بي الآن . ذيلها الكثيف يحجب عني الطريق . حياتي رهن قدومك يا أخي ! " ، لكن القط بعيد عنه الآن ، وليس في وسعه سماع استنجاده . وعندما عاد إلى البيت كان وقت إدراكه الثعلبة فات ، ومع ذلك حاول إدراكها إنما بلا فائدة ، فرجع إلى البيت ، وبكى فيه وناح على صديقه الديك . وبعد قليل شرع يفكر في ما حدث ، ولم يطل تفكيره ، وحمل كمانه وكيسه المزين بالصور والرسوم المتألقة ، وقصد بيت الثعلبة . كان للثعلبة أربع بنات وولد . وقبل أن تخرج ذاك اليوم للصيد ، أمرت صغارها بملاحظة الديك ملاحظة وثيقة ملازمة ، وبإحماء إناء ماء لتذبح الديك عند رجعتها من الصيد وتطبخه ليتعشوا به ، وختمت بالقول : حذار من السماح لأحد بدخول البيت في غيابي !

ومضت لنيتها ، ومضى القط نحو بيتها ، ووقف تحت النافذة وأخذ يعزف ويغني : " بيت الثعلبة كبير عالٍ ، وبناتها الأربع كلهن مثال الجمال ، وابنها الوحيد بيليبكو يغري العيون بالنظر إليه لوسامته الفائقة . اخرجي أيتها الثعالب الصغيرة ، وسأغني لك أغنيات أخرى ! " . وشعرت كبرى البنات بأنها يجب أن تخرج لترى من الذي يعزف ، وقالت لإخوتها : ابقوا في البيت ، وسأخرج لأرى من الذي يعزف هذا العزف الفتان !

وخرجت ، فضربها القط على خطمها ضربة عنيفة ، ودسها في كيسه ، وعاد يعزف ويغني نفس الأغنية .

وخرجت ثانية البنات لترى العازف ، فضربها القط على خطمها ودسها في كيسه ، وحدث للبنتين الباقيتين ما حدث لأختيهما . ومكث أخوهن بيليبكو في البيت يتنظر عودتهن ، فلم يعدن ، فحدث نفسه : سأخرج وأعيدهن إلى البيت وإلا جلدتني أمي جلدا قاسيا حين تعود .

وخطا خارجا ، فضربه القط على خطمه وحشاه في كيسه ، وأتبع ذلك بشنق الجميع على صفصافة يبست أغصانها ، واقتحم بيت الثعلبة ، وعثر على الديك وحل قيده ، وأكل الاثنان جميع طعام الثعلبة ، وقلبا وعاء الماء الغالي . وحطما كل الصحون ، وعادا جريا إلى بيتهما . ومن يومها التزم الديك بأوامر القط ولم يعصها .

*من القصص الشعبي الروسي .

وسوم: العدد 646