راشيل في المخاض

*

بقلم الأديب الكبير: علي أحمد باكثير

- 1 -

في مقهى (كنج جورج) بتل أبيب. تقبل فتاة يهودية رشيقة فيقوم لها جندي بريطاني كان جالساً مع نفر من أصحابه، فينتبذ بها ركناً منعزلاً.

ستيفن: زيارة غير متوقعة يا هنريتا!

هنريتا: هل ضايقتك بمجيئي؟

ستيفن: لا يا حبيبتي. ولكني تمنيت لو علمت من قبل لأستعد لك بما يجب.

هنريتا: لا تخف فلن أرزأ جيبك بأي طلب هنا.

ستيفن: بل لا بد أن تطلبي شيئاً

هنريتا: كلا.. هلم معي فاتبعني!

ستيفن: إلى أين؟

هنريتا: إلى حانة جابو تنسكي الكبرى.. ستقام هناك الليلة حفلة رقص جامعة.

ستيفن (يتضاحك): ويلك أهذا تدبير منك للتخلص من حياتي.

هنريتا: لعلك تخشى الإرهابيين على حياتك.

ستيفن: طبعاً.. إنني ما شبعت منك بعد حتى أغامر بحياتي.

هنريتا: كلا لا خوف عليك من الإرهابيين الليلة... لن تمتد إليك يد بأي سوء. هذه ليلة مقدسة عندنا، ولقومك فيها الفضل الأكبر أما تذكر تلك الليلة التي احتفلنا فيها بانتصارنا في ليك سكسيس؟

ستيفن: تلك الليلة التي رقصنا فيها إلى الساعة الثانية ثم ارتمينا معاً على قارعة الطريق؟

هنريتا: نعم، فما أيقظنا من نومتنا إلا الصبيان يتفرجون علينا ويتضاحكون فهيا بنا يا ستيفن.. هيا بنا.

ستيفن: لكن...

هنريتا: لكن ماذا؟

ستيفن: ليس معي الليلة نقود يا عزيزتي هنريتا.

هنريتا: لا بأس إني سأصحبك وأمتعك الليلة بدون مقابل.

ستيفن: وثمن الشراب والعشاء.

هنريتا: لا تهتم بهذا أيضاً.

ستيفن: كلا، لا أريد فتاة مثلك تدفع عني.

هنريتا: لن أدفع عنك شيئاً من عندي كل شيء الليلة على حساب الوكالة اليهودية.

ستيفن: عجباً.. بأي شيء تحتفلون الليلة؟

هنريتا: بانتقال عمتنا راشيل الكبرى غداً إلى بيت لحم.

ستيفن: إلى بيت لحم؟ ماذا تصنع هناك؟

هنريتا: ستقيم في الموضع الذي ولد فيه مسيحكم.

ستيفن: (يبدو على وجهه شيء من الاستياء): لكن هذا موضع مقدس عند المسيحيين، فكيف تقيم فيه عمتكم؟

هنريتا: أنتم تعتقدون أنه مقدس، ولكنا نعتقد أن مدنس، وأن راشيل الكبرى هي التي ستقدسه حين تضع مولودها فيه.

ستيفن: مولودها! هل هي حبلى؟

هنريتا: في شهرها التاسع، وبذلك نحتفل الليلة.

ستيفن: إني لم أعلم أنها تزوجت قط، فمن ذا تزوجها؟

هنريتا: أوه.. لم يتزوجها أحد.

ستيفن: فمن يكون أبو الجنين الذي في بطنها؟

هنريتا (يتمعر وجهها): هذا سؤال سخيف يا ستيفن، وإلا فقل لي أنت من أبو سيدكم المسيح؟

ستيفن (ينهرها غاضباً): ويلك لا تتعرضي للسيد المسيح أيتها اليهودية الجاحدة!

هنريتا: فلا تتعرض أنت لمسيحنا.

ستيفن: أي مسيح تعنين؟

هنريتا: المسيح الحق الذي ستضعه راشيل الكبرى.

ستيفن: وامسيحيتاه! ما كنت أعلم أن بريطانيا العظمى قد كفرت بدينها إلا اليوم (يغلبه الوجوم).

هنريتا: ماذا تقول؟

ستيفن (بصوت خافض): لا شيء.

هنريتا (في دلال): أف لك يا ستيفن! أأغضبك مني أن جهرت لك بعقيدتي؟ ما شأن اختلاف العقيدة في الحب؟ ألم نتعاهد على أن يحترم كلانا عقيدة الآخر؟

ستيفن: لا لوم عليكم، وإنما اللوم على الدولة التي ارتضت لنفسها أن تخون دينها في سبيلكم!

هنريتا (في تلطف وغنج): دع عنك هذه الكآبة يا حبيبي، وهلم نشرب ونرقص ونبتهج!

ستيفن (يلين لهجته): أنجد كثيراً من الخمر هناك؟

هنريتا: ما شئت.. سنعب منها حتى نرتوي...

ستيفن: ثم ننام...

هنريتا: على قارعة الطريق.. هئ هئ هئ هئ.. حتى يوقظنا الأطفال!

-2-

في مقر المندوب السامي بمدينة القدس

المندوب السامي: هذا نائب رئيس الهيئة العربية العليا قد جاء يا أماه.

المندوب السامي: سمعا.

جونا بولا: دعه يدخل هنا عندي.. سأكلمه بنفسي.

(يدخل نائب الرئيس)

جونا بولا: أهلاً (تصافحه وهي جالسة) اعذرني إذ لم أقم إكراماً لك، فأني كما ترى ثقيلة الحركة.

النائب: ما يكون لنا أن نجهل عذرك ونحن نلقبك بالعظمى!

جونا بولا: إن كثيراً من الناس يفهمون لهذا اللقب معنى آخر غير هذا.

النائب: ولكنا معشر العرب لسنا من أولئك الناس!

جونا بولا: حسناً.. تفضل اجلس. إني دعوتك يا سيدي لتساعدنا على حفظ النظام في البلاد.

النائب: إن الذي يحكم البلاد مكلف بحفظ النظام فيها.

جونا بولا: أنكم تزعمون إنها بلادكم، فعليكم أن تساعدونا في ذلك.

النائب: هي بلادنا وبلاد آبائنا قبل أن تكون الجزيرة البريطانية بلاد آبائكم. فاخرجوا من بلادنا، ونحن نحفظ النظام فيها في خلال أسبوع واحد.

جونا بولا: قد أعلنا قرار انسحابنا، وسننسحب فعلاً، وكل ما نريده منك أن تخلدوا إلى السكينة وتكفوا عن التعرض لليهود حتى يتم انسحابنا.

النائب: إن العرب لن ينتظروا حتى تضع راشيل طفلها في قلب بلادهم.

جونا بولا: ولكني قد تعهدت شخصياً بتوليدها، ولن ننسحب حتى تضع الطفل.

النائب: ولِّدِيها في بلادك.. ولِّدِيها في قصر بكنجهام إن شئت أما بيت لحم فهو مكان مقدس عندنا ولن نسمح لهذه الداعرة اليهودية أن تلوثه.

جونا بولا: هذا مكان مقدس عند المسيحيين، فما شأنكم أنتم المسلمين بذلك؟

النائب: لا تحاولي التفرقة بين مسلمي العرب ومسيحييهم، فهم جميعاً يد واحدة في حماية هذه الأماكن المقدسة.

جونا بولا: لا تنس أننا مسيحيون، وقد ارتضينا أن تضع راشيل طفلها في هذا المكان المقدس عندنا.

النائب: كلا لستم مسيحيين إلا بالاسم، وإنما أنتم عبيد اليهود الذين اضطهدوا سيدنا المسيح عليه الصلاة والسلام.

جونا بولا: إن لم تكفوا عن الاعتداء على اليهود فسنوجه قواتنا لمحاربتكم.

النائب: قد نفذت هذا الوعيد بالفعل، فمنذ خمسة وعشرين عاماً وأنتم تحاربوننا من أجل الصهيونيين، فما منعنا ذلك من المضي في جهادنا المقدس.

جونا بولا: هذا غير صحيح فقد التزمنا الحياد دائماً، وما زلنا نلتزمه إلى اليوم. وقصارى ما نقوم بعه هو منع حوادث الشغب والفوضى ما دمنا منتدبين على هذه البلاد.

النائب: أيها الجبناء، لا تجمعوا بين الأجرام والنفاق. صارحوا العالم بحقيقة موقفكم.. صارحوه بأنكم تحمون مجرمي اليهود من بطشنا، فذلك أكرم لكم. ألا تخجلون من هذا الادعاء وصحف العالم تنشر كل يوم كيف تخف قواتكم لحماية الإرهابيين اليهود كلما هاجم العرب مستعمرة من مستعمراتهم؟

جونا بولا: إنما نقوم في ذلك بما التزمنا من حفظ الأمن حتى يتم الانسحاب.

النائب: ونحن قد آلينا ألا تدع راشيل  تضع مولودها في بلادنا المقدسة ما دام فينا عرق ينبض.

جونا بولا (في غضب): ستندمون على تحديكم هذا سلطتنا.

النائب: سترين غداً أننا أكثر ندماً.

-3-

جونا بولا والمندوب السامي

المندوب السامي: ماذا نصنع يا أماه؟ إن العرب ماضون في الحيلولة دون ولادة راشيل في بيت لحم. وقد امتلأت الجبال بالمتطوعين من جميع الأقطار العربية.

جونا بولا: اضربوهم بالقنابل من الطائرات، واسحقوهم بالدبابات، ولا تأخذهم في ذلك رحمة ولا شفقة حتى تضع راشيل في بيت لحم.

المندوب السامي: قد فعلنا كل هذا فما رهبوا ولا استكانوا، بل ازدادت هجماتهم على المستعمرات اليهودية عنفاً وشدة، وهم يركزون هجماتهم خاصة على بيت لحم.

جونا بولا: دافعوا عن بيت لحم بكل ما أوتيتم من قوة. إياكم أن يصلوا إلى راشيل. يجب أن تمكنوني من توليدها وحدي، وإلا تدخلت في ذلك. إنها لا تحب راشيل كما أحبها، ولكنها تبتغي أن تجد لها سبباً لمشاركتي في هذا الشرف.

المندوب السامي: لكن جنودنا لا يمكنهم الاستمرار على هذا الحال. لقد قتل منهم آلاف في الدفاع عن راشيل وعن مستعمرات أبنائها.

جونا بولا: أمدوا الهاجانا بالسلاح، وادفعوهم إلى مقدمة الصفوف.

المندوب السامي: لا خير في هؤلاء، إنهم سرعان ما يهربون حين يرون بأس العرب، ويتركون جنودنا يتلّقون الموت وحدهم. يجب أن تضعي حداً لهذا الحال يا أماه، فإننا في كرب شديد، ولا قبل لي بتحمل هذه المسؤولية الضخمة إلا إن أمرت بتعزيز قواتنا بقوات جديدة.

جونا بولا: لكن الرأي العام في بلادنا يحول دون هذا .

المندوب السامي: وأنا لا أستطيع البقاء في منصبي على هذا الوضع، فإما أن تعززوا القوات وإما أن أستقيل.

جونا بولا: هون عليك يا بني، فسنجد من هذا المأزق مخرجا.

المندوب السامي: لا مخرج بغير مضاعفة القوة.

جونا بولا (تحك رأسها الاشمط بأصابعها المعروقة): دعني أفكر قليلاً يا بني.

المندوب السامي: فكري ما شئت يا أماه، فلن تجدي مخرجاً سوى ما ذكرت.

جونا بولا (تلمع عيناها الغائرتان لمعاناً غريباً): بل قد وجدته يا بني.. وجدت المخرج...

المندوب السامي: ما هو؟

جونا بولا (تتجرد من ثيابها فجأة): هذا هو المخرج!

المندوب السامي (يغطي بصره بذراعيه): ما هذا يا أماه؟

جونا بولا (تقهقه بقهقه غريبة): هذا  وأنت ابني لم تطق أن تنظر إلي، فما بالك بالعرب لو رأوني هكذا؟

المندوب السامي: ماذا؟ أتريدين أن تتجردي هكذا أمامهم؟

جونا بولا: نعم، سأتجرد من ثيابي، وأدع ثلة من بنات راشيل يتجردن معي، ونقف هكذا حول مكان راشيل في بيت لحم إلى أن تضع طفلها، فإن العرب سيتحرجون من النظر إلى عوراتنا فيولون عنا فراراً.

المندوب السامي: أواثقة أنت يا أماه من نجاح هذه الخطة؟

جونا بولا: مبلغ علمي أن العرب لا يزالون على فطرتهم الصحراوية، ولم تهذبهم المدينة بعد إلى حد أن يفتحوا عيونهم على مثل هذا المنظر دون أن يتراجعوا.

المندوب السامي: ولكن..

جونا بولا: دعني من "لكن" هذه.. ليس أمامنا غير هذا السبيل على كل حال. فإن راشيل ستضع غداً أو بعد غد على الأكثر.

-4-

على مقربة من بيت لحم.. جماعة من المجاهدين العرب يقودهم فوزي القاوقجي يتشاورون في تدبير الهجوم على بيت لحم، بعد أن قضوا على القوات البريطانية وقوات الهاجاناه التي كانت تحرس حدود المنطقة، وينتظرون رجوع العيون الذين بثوهم للاستطلاع.

أحد المجاهدين: ها هم أولاء عيوننا قد أقبلوا.

القاوقجي (للعيون): ما ذا وراءكم؟

العيون: لم نجد في طريقنا أحداً.

القاوقجي: هل وصلتم إلى المكان المقدس؟

العيون: نعم وقفنا على مرأى منه فوجدنا نساء عاريات يحطن بالمكان من كل جانب.

القاوقجي: أمر عجيب.

أحد المجاهدين: ما هذا؟ هذا شيء لا يصدق.

العيون: هذا ما رأيناه هناك بأعيننا.

القاوقجي: قد فهمت.. هذا تدبير جونا بولا لحراسة راشيل بعورات النساء حين أخفقت في حراستها بقوات الرجال. ولكنا سنحبط تدبيرها بأي حال.

فقيه الجماعة: ماذا تريد أن تفعل يا فوزي؟ أتريد أن تهجم بنا على النساء العاريات؟ هذا منكر عظيم.

أحد المجاهدين: معاذ الله.. معاذ الله!

آخر: لم لا؟ علينا ألا يصدنا ذلك عن هدفنا الأكبر.

الفقيه: هذا حرام.. هذا لا يجوز.

مجاهد ثالث: إننا في ساحة جهاد ولسنا في حلقة فتياً.

القاوقجي: تذكروا أيها المجاهدون إنني أنا قائدكم، فكفوا عن الجدال، فأنى ما استشرت أحداً منكم فيما يجب أن نفعل. وثقوا جميعاً بأنني سأحبط تدبيرهم هذا، وسنصل إلى هدفنا دون أن نخل بآداب ديننا وتقاليدنا العربية.

أصوات: سمعنا وأطعنا، فافعل ما بدا لك.

الفقيه: إن كان هذا ما تنوي القيام به فامض بنا.

القاوقجي: هيا انطلقوا معي.. خففوا خطاكم جهدكم حتى إذا رأيتم المنظر الكريه فأغمضوا عيونكم.

-5-

فوزي القاوقجي ورفاقه المجاهدون واقفون على غلوة سهم من المكان المقدس في بيت لحم، وقد أشاحوا بوجوههم عن منظر النساء العاريات من بعيد.

جونا بولا (تصيح): ويلكم أيها العرب المتوحشون! إلا تستحيون أن يقتحموا على النساء وهن عاريات؟

القاوقجي: ابتعدن عن طريقنا وإلا فلا تلمن إلا أنفسكن!

جونا بولا: كلا.. لن نبتعد.. سنبقى مرابطات هنا، فإن كان فيكم بقية من المروءة والحياء فابتعدوا عنا.

القاوقجي: لن ندع خدعتك تجوز علينا أيتها العجوز الشوهاء. ورب عيسى ومحمد، لئن لم تتنحين عن طريقنا إلى حيث راشيل لنقتحمن عليكن!

جونا بولا: أتحلفون برب عيسى ومحمد وأنتم لا ترعون الحرمات؟

القاوقجي: أية حرمة بقيت لكن يا كاشفات السوءات؟

جونا بولا: ابتعدوا عنا أيها المتوحشون، يا رجالاً لا يعرفون الشرف!

القاوقجي: اطمئني أيتها العجوز اللخناء، فلن نرى عورتك ولا عورات بناتك ولكن حذار أن تصيب رماحنا بطونكن العارية!

جونا بولا: أف لكم يا عديمي الشرف!

القاوقجي: أيها المجاهدون.. سيراً إلى الأمام.. هنا الطريق.. اتبعوا صوتي!

يتقدم وخلفه المجاهدون وهم مغمضو  العيون يتبعون صوته وهو يترنم:

هيا بنا إلى الهدف    ولا نخل بالشرف!

جونا بولا: يا للنذالة! ابتعدوا عنا!

النساء (يتصايحن): ابتعدوا عنا يا متوحشون!

القاوقجي: تنحين عن طريقنا وإلا أصبناكم برماحنا دون أن نرى.

جونا بولا (تصيح صيحة منكرة): آه! لكزتني برمحك أيها العرب القذر!

القاوقجي: أنت التي تعرضت للهوان أيتها العجوز اللخناء! تنحي عن طريقنا!

(يتفرقن خوفاً، ويتركن راشيل وحدها وهي منبطحة على الأرض تزحر لتلد)

راشيل (تصيح) جونا بولا! جونا بولا! أغيثيني، أنجديني! إنهم سيقتلونني!

جونا بولا (من بعيد): اهربي من مكانك! إنهم مغمضو العيون.. انهضي واهربي منهم!

راشيل: لا أستطيع الهرب.. لا أقدر على الحركة.. إنني في الطلق الأخير.. آه.. آه.. الغوث، الغوث! النجدة، النجدة!.

جونا بولا: ازحفي على بطنك.. اهربي بأي سبيل!

راشيل: عليك اللعنة أيتها العجوز الغادرة.. لو كانت الدبة الحمراء هنا لأنقذتني.. أنت التي منعتها من المجيء... أين عمة أسامة؟ أنقذيني يا عمة أسامة.. أغثني يا ترومان! يا تشرشل! يا سمطس!

القاوقجي: يا داعرة الأبد، لن ينجيك منا أحد!

راشيل: ابتعد عني أيها العربي القذر!

القاوقجي: إن الذين استنجدت بهم هم القذرون.

راشيل: يا ليتهم هنا.. إذن لما جرؤت على اقتحام مثواي.

القاوقجي: أجل، يا ليتهم هنا ليلقوا عليك نظرة الوداع!

راشيل: أين أنتم يا أبنائي الهاجاناه، أغيثوني!

القاوقجي: سلى عنهم أفواه الكلاب، وبطون الغربان!

راشيل: أيها البدو المتوحشون.. إنني في الطلق الأخير.. إنني عارية.. ألا تستحون؟ ألا تخجلون؟

القاوقجي: استري عورتك، وإلا فتحت عيني!.

راشيل: كلا، لا أفعل.. اذهبوا أنتم عني إن كنتم ذوي شرف.

القاوقجي: من أين تعرفين الشرف يا داعرة استري عورتك وإلا...

راشيل: كلا.. لا أفعل.. لا أفعل أنا الأم الموعودة، لا تقدرون على قتلي حتى ألد الطفل الموعود.

القاوقجي: لنقتلنك والطفل الموعود معاً.. لنخمدن أنفاسه في بطنك.

جونا بولا (من بعيد) تشجعي يا سيدتي راشيل... ازحري قليلاً، وضعي طفلك!

راشيل (تزحر بشدة): أأ.. أأ.. أأ..

جونا بولا: ها هو ذا قد ظهر رأس الطفل.. أزحري قليلاً أيضاً ليخرج كله!

القاوقجي: والله لأفتحن عيني، وليكن ما يكون!

بعض المجاهدين: هل نفتح عيوننا نحن أيضاً؟

القاوقجي: كلا.. ابقوا كما أنتم.. لا يباح المحظور إلا على قدر الضرورة.

جونا بولا: ازحري يا راشيل!

القاوقجي (يفتح عينيه): لا فائدة من الزحير الآن (يطعن بطنها برمحه فيخترق الطفل في أحشائها) الله أكبر!

المجاهدون (بصوت واحد) الله أكبر!

راشيل (بصوت كالحشرجة): آه.. قتلني العربي المتوحش، وقتل المسيح الموعود! يا ذل صهيون إلى الأبد!

القاوقجي (يلقي عليها عباءته فيسترها) : أيها المجاهدون افتحوا عيونكم، فأني قد سترتها بعباءتي.

المجاهدون (يفتحون عيونهم): الله أكبر.

القاوقجي (يرفع الجثة على رمحه): هيا بنا يا رفاق.. لقد حمينا هذه البقعة المقدسة من الدنس.. هيا بنا يا رفاق!

المجاهدون: إلى أين؟

القاوقجي: إلى البحر نقذف هذا الرجس فيه!

مجاهد مسيحي (يهتف بأعلى صوته): المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة!

(ستار)

        

* جريدة (الإخوان المسلمون)  المصرية  بتاريخ :  04 / 02 / 1948