ليلة 15 مايو

من المسرح السياسي (7)

ليلة 15 مايو

بقلم الأديب الكبير: علي أحمد باكثير

       

-1-

بهو الاستقبال في قصر إسرائيل بتل أبيب.

بنجوريون: (يستقبل جونبول) مرحباً بك يا سيدي جونبول.

جونبول: هل وضعت مولاتك راشيل وكيف حالها؟

بنجوريون: نعم يا سيدي قد وضعت وهي بخير.

جونبول: في الساعة التي حددناها؟

بنجوريون: بالضبط يا سيدي في الساعة الرابعة بعد الظهر تماماً.

جونبول: جميل!.

بنجوريون: لقد كنا نخشى أن يتأخر وضعها فينتهي الانتداب قبل أن يخرج الطفل الموعود إلى عالم الوجود. ولكن إله إسرائيل لطف بنا فأظهر لنا هذه المعجزة في آخر لحظة.

جونبول: (مبتسماً) إنك إذ تنسب ذلك إلى إله إسرائيل إنما تنكر فضل مكروه من البشر قد أتقن حساب الزمن الذي تضع فيه راشيل فأصاب في التقدير.

بنجوريون: صدقت.. لو كان من إله إسرائيل لما جاء بتلك الصورة...

جونبول: ما تقول؟

بنجوريون: لاشيء يا سيدي لا شيء.

جونبول: حسناً.. هل لك أن تستأذن لي عليها؟

بنجوريون: الآن؟

جونبول: نعم.

بنجوريون: لكنها الآن مشغولة.

جونبول: فإني لن أشغلها.. سأقول لها كلمة واحدة ثم أنصرف.. سر أمامي إلى مخدعها!

بنجوريون: كلا يا سيدي.

جونبول: عندها أحد؟

بنجوريون: نعم.

جونبول: أيكون العم سام؟

بنجوريون: نعم..

جونبول: خشي أن يسبقه الدب الأحمر!

بنجوريون: (ينادي) جولدا!.. جولدا!

(تدخل جولدا)

جولدا: نعم يا بنجوريون..

بنجوريون: هل لك يا جولدا أن تؤانسي السيد جونبول ريثما تنتهي مولاتك من شغلها؟

جولدا: حباً وكرامة!

جونبول: كلا يا بنجوريون.. لا وقت عندي للانتظار.. ادخل فأسرر إليها أنني هنا.

بنجوريون: هل الأمر مستعجل إلى هذا الحد؟

جونبول: نعم.

بنجوريون: انتظرني لحطة (يخرج).

جولدا: (تدنو من جونبول) أليس من الجفاء يا سيدي أن ترفض ما عرضه عليك بنجوريون؟ هي نفسها.. أما أنا فلا!

جونبول: أشكرك يا جولدا.. إنما جئت في مثل هذه الساعة من النهار لأمر هام جداً.

جولدا: مثل الأمر الذي جاء بالعم سام قبلك! ما أسمج هؤلاء الرجال! إنهم لا يتقززون أبداً من شيء!

-2-

(تدخل راشيل متحاملة على ذراع بنجوريون)

جونبول: كان بودي أن تأمري فأدخل إليك لا أن تتكفلي هذه المشقة وأنت متعبة من الوضع.

راشيل: (تشير إلى الداخل) كيف والخنزير الغبي في مخدعي؟

(تتهالك على كرسي أمام جونبول فتقعد عليه) ادخلي إليه يا جولدا.

(تخرج جولدا)

جونبول: ماذا يصنع في هذه الساعة؟

راشيل: كالعادة.

جونبول: كالعادة!

راشيل: نعم.. إنه لا يميز..

جونبول: مخلوق قذر!

راشيل: لا تشتمه أمامي فإنه يحبني وقد اعترف بشرعية ابني قبل الناس أجمعين.

جونبول: وماذا يفيدك اعترافه؟

راشيل: تقول هذا لأنك لا تريد أن تعترف به ولو شئت لكنت أول السابقين. إنك يا جونبول أصبحت تكرهني!

جونبول: حاشاي يا راشيل.. إني لأحبك ولكني لست خنزيراً غبياً فأفعل ما فعل العم سام! العبرة يا راشيل بسلامة الطفل وقوته لا باعتراف الأغبياء به.

راشيل: فماذا صنع العقلاء لي وأنت منهم؟

جونبول: ألم أنذرك بأن جنينك هذا سيخرج مشوهاً؟ فكيف رأيت صدق تقديري؟

راشيل: إنك لم تره بعد.

جونبول: لو رأيته لما ازددت به علماً.

راشيل: إي والله لقد كان تقريرك شؤماً علي ولولاه لما خرج ابني بتلك الصورة الـ...

جونبول: ذلك شؤم المرض الخبيث يا راشيل لا شؤم تقديري.

راشيل: فقل لي ماذا أصنع الآن؟ إن سفراء الدول سيأتون غداً لتهنئتي فكيف أعرض على أنظارهم هذا المسخ؟

جونبول: هذا ما جئتك من أجله.

راشيل: فبأي شيء جئتني؟

جونبول: هل تذكرين الطفل العربي المقمط؟

راشيل: ما باله؟

جونبول: سأحضره لك الساعة لتعرضيه على أنظارهم بحسبانه ابنك.

راشيل: فكرة مدهشة! أتدري يا جونبول أن هذا الطفل..

جونبول: نعم سيؤيد خرافتك بكلامه في المهد.

راشيل: هل كنت تقصد هذا التدبير؟

جونبول: بالطبع يا راشيل.

راشيل: ما أبعد نظرك واقدرك على تسيير الأمور وفق مشيئتك! آه لو كنت تهواني!

جونبول: إن مودتي يا راشيل لخير لك من هواي.

راشيل: لقد حيرتني يا جونبول في أمرك لا أدري على التحقيق هل تضمر لي وداً أم تبطن لي عداوة؟ ليت شعري متى تريحني من هذا الشك؟

جونبول: ما دام في إمكانك أن تغدري بي فلن أريحك من هذا الشك أبداً.

-3-

في بهو الاستقبال... سفراء جواتيمالا ويوغوسلافيا وتشكوسلوفاكيا ينتظرون الإذن لهم بدخول مخدع راشيل..

جواتيمالا: (متذمراً يذرع البهو جيئة وذهاباً) هذا شيء لا يطاق! إلى متى أنتظر الإذن بالدخول؟

يوغوسلافيا: اصبر قليلاً.. أنا مع المنتظرين!

تشكوسلوفاكيا: أجل.. نحن هنا سواسية.

جواتيمالا: كلا.. لا يقاس بي أحد غيري. يجب على راشيل أن تعرف لي مكانتي!

يوغوسلافيا: إنها مشغولة بالثلاثة الكبار.. أفتريد أن تكون مثلهم؟

جواتيمالا: أنا أكبر من هؤلاء مقاماً. راشيل تعرف والدنيا كلها تعرف أنني أعظم عاهر في هذا العصر الذري!

يوغوسلافيا: ولكنك تمثل أصغر دولة في الأرض!

جواتيمالا: إنما تعظم الدول بنوابغها لا بمساحة أرضها. إني أتحدى أمم الأرض جميعاً أن تنجب إحداها عاهراً مثلي!

 تشكوسلوفاكيا: والدب الأحمر!

جواتيمالا: ماذا يصنع لها ذاك الكبير البطن؟

تشكوسلوفاكيا: حذار أن تدع أحداً يعرف أنك قلت هذا الكلام أمامنا.

يوغوسلافيا: ويل لنا من الدب الأحمر إن عرف!

جواتيمالا: إني ما قلت إلا الحق.

تشكوسلوفاكيا: والعم سام. ما تقول فيه؟

جواتيمالا: أيقاس بي ذاك الغبي الذي تحتقره أمته قبل غيرها من الأمم؟

تشكوسلوفاكيا: وجونبول؟

جواتيمالا: هذا له شأن آخر. هذا قواد وليس بعشيق! هذا يهيمن على مخدعها ولا يدخله!

يوغووسلافيا: وأنت.. أين مقامك الذي تدعيه؟ ما أرى إلا أنها أهملتك وأهملتنا بسببك؟

جواتيمالا: بسببي!

يوغوسلافيا: نعم.. لولا وجودك معنا لكانت قد أذنت لنا.. إنك أعلنت فضيحتها في كل ناد ومجمع!

جواتيمالا: ويلكما.. أتعدان ذلك فضيحة؟ لقد قلدتها شرفاً تتحدث به الأجيال إلى الأبد!

تشكوسلوفاكيا: كفى تبجحاً يا جواتيمالا! لقد صدعت رؤوسنا بدعاويك الفارغة!

جواتيمالا: حسناً.. سأريكما الآن من أنا! (ينادي بأعلى صوته) بنجوريون! بنجوريون! بنجوريون!

(يدخل بنجوريون مسرعاً)

بنجوريون: ما خطبك؟ ما هذا الصياح؟

جواتيمالا: أين سيدتك؟ هل أعلمتها بأني هنا؟

بنجوريون: نعم يا سيدي من أول ما جئت.

جواتيمالا: فكيف تركتني إلى الآن؟

بنجوريون: إنها ما تزال مشغولة.

جواتيمالا: أبغيري تشغل عني؟

بنجوريون: خفض عليك يا سيدي.. ستخرج وشيكاً إليك.. وإلى زميليك الكريمين.

جواتيمالا: ستخرج لي؟

بنجوريون: نعم.

جواتيمالا: أين؟ هنا في البهو؟

بنجوريون: نعم.

جواتيمالا: كلا.. لا أريد.. أريد المخدع.. قدني إلى المخدع! (يمسك بتلابيب بنجوريون) قدني إلى المخدع يا وغد.. وإلا.

(يدخل الدب الأحمر من الباب الموصل إلى داخل القصر)

الدب الأحمر: (مشمئزاً يبصق يميناً وشمالاً) حيوان قذر!!

جواتيمالا: فيم تشتمني يا سيدي؟ إني لم أسيء إليك.

الدب الأحمر: (مستغرباً) أشتمك؟ من تكون يا هذا؟

جواتيمالا: أنا جواتيمالا!

الدب الأحمر: (باحتقار) جواتيمالا!

جواتيمالا: الحائز للقب أعظم عاهر في هذا العصر الذري!

الدب الأحمر: (يقهقه ضاحكاً) جواتيمالا!

جواتيمالا: ماذا يضحكك يا سيدي؟

الدب الأحمر: هئ هئ هئ هئ هئ هئ

جواتيمالا: وتضحكان أنتما أيضاً!

تشكوسلوفاكيا: أنت الذي أضحكتنا.

يوغوسلافيا: هل تريد أن تمنعنا من الضحك؟

جواتيمالا: (للدب الأحمر في ذلة وانكسار) اصفح عني يا سيدي إن أسأت إليك..

الدب الأحمر: ماذا يقول هذا الأحمق المأفون..

جواتيمالا: إنك قلت عني حيوان قذر.

الدب الأحمر: أنت؟

جواتيمالا: نعم.

الدب الأحمر: ويلك.. ما قيمتك فأشتمك؟

جواتيمالا: فمن ذا قصدت يا سيدي بشتيمتك؟

الدب الأحمر: حيوان آخر أقذر منك؟

يوغوسلافيا: من هو يا سيدي؟

الدب الأحمر: العم سام.. ما أقذره وما أوقحه!

يوغوسلافيا: ماذا صنع يا سيدي؟

الدب الأحمر: يأتي المنكر أمامي ذلك الحيوان القذر.

بنجوريون: (يدنو منه متملقاً) يعز علينا يا سيدي أن تلقى في قصرنا ما يكدر خاطرك.. هذه حقاً قلة ذوق من العم سام. ولكنك تعرف حمقه وطيشه فأعرض عنه يا سيدي من أجل راشيل.

الدب الأحمر: فليرتكب ما شاء من حماقاته في مغيبي.. أما في مشهدي...

بنجوريون: إنك واسع الحلم والمغفرة، وقد استطاعت مولاتي راشيل أن تزيل ما بينكما من الخصومة والخلاف لمصلحة السلام العالمي: فلا تدع حمقه يتغلب على حكمتك.

الدب الأحمر: لكن هذا لا يحتمل!

بنجوريون: لا بأس أن تحتمله يا سيدي من أجل راشيل حتى لا يستغل أعداؤنا العرب ما بينكما من الخلاف في هذا الظرف الدقيق الذي يتقرر فيه مصير إسرائيل!

(تدخل راشيل وخلفها العم سام كاللائذ بها)

راشيل: مرحباً بكم جميعاً يا ضيوفي الأعزاء (تصافح الثلاثة واحداً واحداً) أهلاً بك يا جواتيمالا.

جواتيمالا: نفسي فداؤك يا روحي.

راشيل: رويداً يا جواتيمالا. كفكف قليلاً من غلوائك!

جواتيمالا: أنا عبدك يا راشيل أقبل تراب قدميك يا راشيل.

راشيل: ما أعذبك يا جواتيمالا.. أيها الداعر العتيق.

جواتيمالا: (يلتفت إلى الدب الأحمر) أسمعت يا سيدي كيف شهدت لي راشيل؟، هذه شهادة أعتز بها مدى الحياة.

(الدب الأحمر ينظر شزراً إلى العم سام دون أن ينبس بكلمة).

العم سام: افخروا ما شئتم بشهاداتها القولية.. أما الشهادة الفعلية فلي فيها القدح المعلَّى!

جواتيمالا: القولية يا سيدي تعلن على الناس.. أما الفعلية فلا يراها أحد..

العم سام: لقد رآها اليوم رجل كبير المقام جداً.

الدب الأحمر: أيها الحيوان القذر، أما كفاك سوء ما صنعت حتى تتبجح به؟

العم سام: (يضحك ضحكة المنتصر) تذم هذا العمل لأنك أردت أن تسبقني إليه فسبقتك.

الدب الأحمر: (يبصق يميناً وشمالاً) قذارة تثير الاشمئزاز في النفس.

العم سام: إن أثار هذا الأمر الاشمئزاز في نفس المحروم فقد أتاح اللذة للمحظوظ السعيد.

الدب الأحمر: صدقت.. إن أسعد الخنازير لهي تلك التي تتمرغ في أقذر الحظائر.

(يدخل جونبول فجأة).

جونبول: لقد سمعت طرفاً من تلاحيكما، وليس يعنيني ما يقوله أحدكما للآخر ولكن عليكما أن تراعيا شعور راشيل.

الدب الأحمر: ماذا تعني يا سيد جونبول؟

جونبول: قد نعذرك في قولك أسعد الخنازير.. أما أقذر الحظائر فهذه كبيرة منك.

الدب الأحمر: أيها الدساس المحترف إني ما قصدت المساس براشيل فيما قلت فلا تحاول الوقيعة بيننا.

العم سام: يتهمني الدب الأحمر بجهل آداب السلوك وهو الذي يجهل آداب السلوك مع سيدة محترمة.

راشيل: إني أعفيكم من مراعاة آداب السلوك معي.. على ألا تتلاحوا بسببي فإني بحاجة إلى كل واحد منكم.. إن العم سام قد اعترف بشرعية ابني فهلا تصنعون مثله؟

جواتيمالا: أنا أقدم اعترافي على شرط أن يكون لي نصيب فيما استأثر به العم سام فليس أحد خيراً من أحد!

راشيل: لك عندي يا جواتيمالا ما تحب من ذلك.

جواتيمالا: إذن فأسجل اعترافي بماء عيني ومخ ساقي!

راشيل: بورك فيك يا جواتيمالا إنك لسباق إلى المكرمات! (لتشوسلوفاكيا ويوغسلافيا) وأنتما يا صديقي العزيزين!

يوغسلافيا: لا يحق لنا أن نتقدم في ذلك على عميدنا الجليل.

راشيل: (للدب الأحمر) ماذا ترى يا عزيزي؟

الدب الأحمر: هل تشكين من تلبيتي لهذا الطلب منك؟ وطالما دعوت الناس إلى تأييدك؟

راشيل: أتعترف؟

الدب الأحمر: بلا قيد ولا شرط.

راشيل: ما أبرك بي وما أكرمك.

الدب الأحمر: لا تطريني يا أخت ماركس ولينين فإنما أقضي بعض دينهما علي.

يوغوسلافيا: وأنا أعترف بلا قيد ولا شرط.

تشكوسلوفاكيا: وأنا كذلك.

راشيل: وأنت يا جونبول؟

جونبول: لا أستطيع ذلك الآن.

راشيل: دعوه الآن فسيعترف بابني في حينه.

الدب الأحمر: اسمعي يا راشيل.. إني خذلت العرب في سبيلك، وصارحتهم العداوة وأعرضت عن مصالح لي كثيرة عندهم، فلا وحق ماركس لا أدع أحداً يغشى المعسكرين معاً ويحاول أن يفيد من هذا وذاك على حسابنا جميعاً، فعلى جونبول أن يحدد اتجاهه، فإما إليك يا راشيل وإما إلى عدوك؟

العم سام: إن الدب الأحمر لعلى حق فيما يقول، وإني لأهنئه على صراحته.

الدب الأحمر: يسرني ثناؤك هذا، بيد أن من حق راشيل عليك –وقد أشبعت جونبول من جوع وأغنيته من فقر- أن تهدده بقطع المعونة عنه إن لم يكف عن إرسال الأسلحة إلى العرب.

راشيل: كلا هذا كثير على جونبول.. ثقوا أنه سيعترف بابني في الحين الملائم.

الدب الأحمر: يجب أن يعترف به الآن وإلا فلا قيمة لاعترافه.

جونبول: إن الاعتراف الذي لا قيمة له هو مالا يبالي صاحبه أصح ذلك الاعتراف أم بطل. أنا صديقك يا راشيل، وأنت ربيبة أمي فلا أستطيع أن أغشك.

الدب الأحمر: صديق!

جونبول: نعم.. إن صديقك من صدقك لا من صدّقك.

الدب الأحمر: لا يخدعنك هذا يا راشيل فهو إنما يؤجل اعترافه حتى يتمكن العرب من إعلان دولتهم في فلسطين فيسارع هو إلى الاعتراف بها!

جونبول: هذا صحيح.

راشيل: ماذا تقول؟

العم سام: حذار يا جونبول.. لئن فعلت ذلك لأقطعن عنك معونتي فلا يصل إليك دولار واحد.

جواتيمالا: لقد صرح جونبول الساعة بعداوته لحبيبتنا راشيل، فعلينا جميعاً أن نعاديه ونقاطعه.

جونبول: أيها السادة لو فهمتم قصدي لما تهجمتم هذا التهجم علي؟

الدب الأحمر: إن قصدك واضح.

جونبول: واضح لمن يفهمه!

الدب الأحمر: إنه يرمينا بالبلادة وقلة الفهم.

العم سام: إني أحتج على ذلك.

جونبول: إن الأمر أبسط من أن يجرنا إلى هذه المشادة.. وهاكم البيان.. إن العرب لن يعلنوا قيام دولتهم في فلسطين حتى تكون لهم السيطرة التامة على فلسطين كلها.

الدب الأحمر: وحينئذ تعترف أنت بدولتهم؟

جونبول: بالطبع.. لأنها ستكون حينذاك دولة قائمة بالفعل سواء اعترفت بها أو لم أعترف.

بنجوريون: لن نمكن العرب من ذلك أبداً.. لنمضين في قتالهم حتى نبيدهم جميعاً!

جونبول: بحسبي أن تقهروا العرب وتحولوا بينهم وبين خنق هذا الطفل الوليد لأعترف لكم بقيام دولته كما تريدون.

بنجوريون: لا حاجة بنا حينئذ إلى اعترافك.

جونبول: ذلك ما أتمناه لكم أن تكونوا في غنى بقوة وجودكم عن اعترافي واعتراف غيري.

الدب الأحمر: إياك أن تصدقيه يا راشيل فإنما قال هذا ليبرر تقصيره في حقك وليحملنا على سحب اعترافنا.

جونبول: كلا ليس في وسعي أيها السادة أن أحمل أحداً منكم على سحب اعترافه ولكن الأيام هي التي سترغمكم جميعاً على ذلك.

الدب الأحمر: انظروا إلى هذا الكاهن الجديد الذي يدعي معرفة ما في بطون الأيام.

جونبول: كلا إني لا أدعي الكهانة ولكن نذر اليوم تفصح عن وقائع الغد، إني أنصحكم أن تسحبوا اعترافكم قبل أن تذروه رياح الزمن فتكونوا أضحوكة الأجيال!

راشيل: حسبك يا جونبول.. إن كلامك هذا ليملأ قلبي رعباً!

الدب الأحمر: إنه يريد تخويفك يا راشيل وتخذيلنا عن نصرتك وهو يدعي مع هذا أنه صديقك وأعجب من ذلك أنك تميلين إلى تصديقه!

راشيل: كيف لا أصدقه وقد سلم إلي الطفل المقمط.

جونبول: (ينظر إليها نظرة زاجرة) راشيل! هذا سر لا ينبغي أن تفشيه!

الدب الأحمر: الطفل المقمط!

العم سام: ما الطفل المقمط يا راشيل؟

جونبول: أما وقد أفشيته لكم فاعلموا أنها تعني حيفا.. قد اصطلحنا على تسميتها بالطفل المقمط.. إياكم أن يعلم العرب بهذا فيتخذوه حجة لهم علي وعلى راشيل!

راشبل: (تتنفس الصعداء) أجل.. كيف لا أصدقه وقد خدع العرب عن حيفا وسلمها لرجالي؟

الدب الأحمر: يسلمها لك ويبقى هو مرابطاً بجنوده فيها! ياله من تسليم عجيب!

جونبول: ستعلمون غداً أن هذا لمصلحة راشيل.

الدب الأحمر: (يستشيط غضباً) هذا شيء لا يطاق! انظروا ما يقول هذا الرجل! احتلال بلاد راشيل لمصلحة راشيل! تخويف راشيل لمصلحة راشيل.. عدم الاعتراف بسيادة راشيل لمصلحة راشيل.. ما بقي على جونبول إلا أن يقول: ذبح راشيل لمصلحة راشيل! أوه.. أكاد أجن!

جونبول: (بهدوء) هدئ من أعصابك قليلاً يا هذا لعلي أستطيع أن أقنعك بأن اعترافكم هذا هو الذي سيقضي على راشيل وعلى ابن راشيل فإن كنتم تحبونها حقاً فاسحبوا هذا الاعتراف ودعوا هيئة الأمم المتحدة تواصل مساعيها للتوفيق بين الفريقين.

الدب الأحمر: مساع غير مجدية.

جونبول: من الخير أن تكون كذلك.. من مصلحة راشيل أن تطول المفاوضات والمناقشات حتى تؤجل الدول العربية تنفيذ قراراتها العسكرية من حين إلى حين ريثما يصير قرار التقسيم حقيقة واقعة فيصعب على العرب بعد ذلك إنكارها.

الدب الأحمر: من شاء منكم أن ينخدع بكلام هذا المنافق فليفعل، أما أنا فسأوعز إلى سفرائي في مختلف بلاد العالم أن يعلنوا اعترافي بدولة إسرائيل، سأسبقكم جميعاً إلى هذا الشرف.

العم سام: هذا شرف لا يسبقني إليه غيري.

بنجوريون: (ينظر في ساعته) ويلكم.. الساعة الآن الحادية عشرة لقد شغلتموني بجدالكم هذا عن إعداد الكلمة التي سأذيعها الليلة على العالم.. سأسبقكم إلى قاعة الاحتفال (يخرج بنجوريون).

راشيل: دعوني ألبس حللي وحليتي (تنهض).

الدب الأحمر: ازداني بها على رغم جونبول!

- 4 -

في قاعة الاحتفال حيث احتشد كبراء القوم، وقد بدت راشيل جالسة على أريكتها يحف بها العم سام والدب الأحمر و جواتيمالا والسفراء الآخرون، ويرى بنجوريون واقفاً أمام الميكروفون ليلقي كلمته.

جونبول: (ينهض من مجلسه) أيها السادة هل لي أن أنصحكم النصح الأخير؟

الدب الأحمر: كلا.. لن نسحب الاعتراف.. اهتفوا معي.. يسقط جونبول!

الجميع: (يهتفون) يسقط جونبول!

جونبول: ليس هذا ما أريد أن أنصحكم به.

الدب الأحمر: فماذا تريد؟

جونبول: أن تطفئوا هذه المصابيح الوهاجة فإني لا آمن أن تطرقكم الآن غارة عربية من الجو!

الدب الأحمر: إن جونبول يريد أن يكدر صفو حفلتكم فاطردوه!

بنجوريون: سكوتاً أيها السادة! الساعة الآن اثنتا عشرة تماماً.. بعد دقيقة واحدة سأزف إلى العالم بشرى ميلاد مسيحنا الموعود وأعلن قيام دولة إسرائيل.. توجهوا بأبصاركم جميعاً إلى وجه أمنا الكبرى راشيل الخالدة.

صوت: (يهتف) أرونا وجه الطفل الموعود! نريد رؤية المسيح الموعود!

الجميع: (يرددون) أرونا وجه المسيح الموعود، نريد رؤية الطفل الموعود!

بنجوريون: هو الآن نائم في مهده يباركه إله إسرائيل. وغداً ترونه جميعاً في يوم الحفل الأكبر (تطفأ المصابيح فجأة).

 راشيل: (تصيح) لا تطفئوا المصابيح الآن لم يحن وقت إطفائها بعد. أطفئوها في آخر الحفلة.

(تسمع صفارات الإنذار وأزيز الطائرات)

راشيل: (تصيح) يا ويلنا.. ما هذه؟

جونبول: هذه الطائرات المصرية قد أنذرتكم بها من قبل!

بنجوريون: آلو! آلو هنا تل أبيب.. أنا دافيد بنجوريون أعلن للعالم قيام دولة إسرائيل.. (تسمع أصوات انفجار القنابل)

بنجوريون: أدركونا يا محبي اليهود! أغيثوا دولة إسرائيل.. هذه غارات العرب وهذه أصوات قنابلهم.. دولة إسرائيل في خطر!

جونبول: اقطع إذاعتك يا بنجوريون وإلا استهدفنا الخطر!

راشيل: (يسمع صوتها في الظلام) أين أنت يا عم سام؟ ضمني إليك.. إني خائفة!

العم سام: أين أنت يا راشيل؟

راشيل: أنا هنا في مكاني.. هلمَّ إليّ.. ضمّني إليك.. هأنذا.. ضمني إليك.. إني خائفة.

العم سام: أين أنت يا راشيل؟

راشيل: ألست العم سام؟ من أنت يا هذا إذن؟

الدب الأحمر: أما تعرفين ضمتي يا راشيل؟ أنا الدب الأحمر.

(ستار)