المسرح التافه يفقد الإحساس بالدم واللحم والعرض والشرف صافي ناز كاظم.. في حوار على خط النار

المسرح التافه يفقد الإحساس بالدم واللحم والعرض والشرف
صافي ناز كاظم.. في حوار على خط النار
 

صافي ناز كاظم المولودة بالإسكندرية في أغسطس عام 1937م، تملك رصيداً من الخبرة الكثيفة في تجارب ومشاهد.. قلَّ أن تتوافر في إنسان.. فضلاً عن توافرها بين يديه.. فقد خالطت أصنافاً من البشر، وقلبت صفحات من الفكر، وخاضت سباقات.. حتى لكأنها عاشت الحياة من المدار إلى المدار...

حصلت على الماجستير في النقد المسرحي من جامعة نيويورك بأمريكا عام 1966م، وقامت بتدريس المسرح بقسم اللغة الإنجليزية بالجامعة المستنصرية ببغداد من (75 1980م)، يخشاها الكثير من المثقفين وجميع العلمانيين. لأنها ذات قدرة خاصة في فك الطلاسم و"الضرب في المليان"... بحب دافق في نصرة الإسلام، ورغبة أكيدة في إحدى الحسنيين. أخرجت للمكتبة "رومانتيكيات" عام 1970م و"شهادة ضد عبدالناصر" و"الخديوي والناصرية"، و"شهادة ضد صدام" "يوميات بغداد" و"رساليات في البيت النبوي"، و"في مسألة السفور والحجاب"... ثم تتابع القطار... "عن الحب والحرية"، و.. "من ملف مسرح الستينيات"، و"مسرح المسرحيين"، و"من دفتر الملاحظات"، و"الحقيقة وغسيل المخ"، و"كتابة"، و"في الرؤى والذات" و"تلابيب الكتابة"... سكنت عش الدبابير العلماني فترة..

ثم أدت فريضة الحج صحبة أمها في يناير عام 1972م... ومن يومها والحجاب ظُلتها... وأقرب قرباتها ظل فسطاط في سبيل الله.تنتمي تراثياً إلى خالها الأديب الكبير محمد فريد أبوحديد... وتربوياً إلى شقيقها العالم التربوي الدكتور محمد إبراهيم كاظم... ورسالياً إلى "آل قطب" سيد ومحمد وحميدة وأمينة.. وتعقبها "نوارة الانتصار".. وحيدتها...


ناديت يوماً ما في كتابك "مسرح المسرحيين" قائلة: "ألغوا المسرح ووفروا نقوده!".. هل مازلت اليوم عند هذا النداء الغاضب؟
<< نعم.. مازلت عنده.. فمثل هذه الجلبة التي لدينا.. ومثل هذا الهرج والتخبط.. أفضل منه الصمت، وإن كان واقع المعنى وراء القول بمحو هذا المسرح القائم، هو الإدراك الكامل بحاجتنا الملحة إلى مسرح حقيقي يفي بحاجتنا الفكرية والفنية.... مسرح نحياه ويحيانا، مسرح نتأهل له بالعلم والوعي والتجريب والمسؤولية والبحث
والتضحية... فلم تعد الثقافة اليوم في العالم كله وعلى رأسها المسرح وجاهة أو مباهاة... وكذلك لا يمكن أن تُقبل الثقافة على أنها تجارة وترخص وابتذال... إنها لابد أن تكون وسيلة إنقاذ، بل وحشد وتطور وتعبئة.
إنني أرى حالتنا المسرحية اليوم بشكلها الراهن.. بمعاهدها ومجلاتها وكتابها وممثليها ومخرجيها... بل وبنقادها وكل المهيمنين عليها.. قد وقعت في هاوية "المسرح الميت"... ومن ثم فلا شيء فيها يمكن أن يتغير... بل كل شيء فيها يجب أن يتغير.


فهل يمكن أن نكنس كل شيء في مسرحنا اليوم.. ونلقي به من النافذة ونبدأ من جديد... بجنود حقيقيين.. فدائيين.. مؤمنين بقضايا الوطن والإنسان.. مستميتين في إثبات أحقيتهم في صياغة مصير الأمة التي تكالبت عليها أمم الأرض؟

إن المسرح المطلوب.. مسرح مغاير لما نرى ونشاهد تماماً... إنه إعادة نظر في أسلوبنا التربوي كاملاً..
وماذا تقصد "صافي ناز كاظم" بالمسرح الميت؟
<< المسرح الذي نغش به أنفسنا... فنتصور أنه يعطينا شيئاً... وهو في الواقع لا يعطينا إلا الوهم، بمعنى أننا نُستلب من أنفسنا لحساب هذا المسرح، على زعم أننا قد أخذنا ما نريد... ثم نفاجأ بأننا مازلنا عطشى... إنه المسرح الذي لا يحمل أي شراب فني يمكن أن يقدم لشعوب يتم اقتلاعها من أرض الله.. بل هو الملح الأجاج والشراب المهلك.
إنه نموذج للفن المسموم.. إلا فيما ندر.. ومن المعلوم أن الاستثناء لا يقاس عليه.. فهذا المسرح الميت.. هو تلك التجارة المسرحية الميتة المنتنة التي يشم الجمهور رائحة جثتها المتعفنة في كل مكان.إنه المسرح التافه الذي فقد الإحساس بالدم واللحم والعرض والشرف.


يقولون: هذا مسرح يتحدث بلغة الجمهور... والزبون دائماً على حق؟
<< هذه مغالطات وتشويشات.. ولا تحدث إلا في غياب حركة نقدية واعية، كان من شأنها لو وجدت على الأقل أن تنظم المرور، وأن ترشد الحركة المسرحية، وما هذا إلا تعميم للخطأ، وإفراز للمزيد من التهلكة.. القاتلة لرسالة المسرح وسفحها، والسير في جنازتها، لأن هذه العقلية المبتزة، قد نهشتها الأمراض فأعطبتها.. حتى
استسلمت لسكين الجزار.

وآخر مسرحية وقعت تحت "تلابيب" الكتابة لديك قراءة أو مشاهدة أو نقداً؟
<< أنا الآن مشغولة.. بل معتقلة "بمسرح الحياة" المرة التي نحياها في كل أقطابها العربية والإسلامية، وما يجري فيها تشريع للقهر محلياً وعالمياً فيما أطلق عليه بعض المثقفين.. "إعادة توفيق الأوضاع الدولية".. وكان آخرها "شرم الشيخ" قبل فترة وفيها تم تحضير روح "تيودور هرتزل" ليعلن الرئيس الأمريكي بكل استفزاز.. المسؤولية الأمريكية عن أمن "الدولة اليهودية"... وهو ذات المصطلح العنصري الذي كان يحلم به هرتزل.

 

حركات نسوان


لديك متابعات ثقافية بشأن حركة الأنوثة أو ما يعرف ب"الفيمنيزم" في رواياته وآلياته.. ما ملابسات هذا الدفع النسائي في شرايين المنطقة في هذا الوقت بالذات؟
<< هذه حركات نسوان.. وراءها قائمة من القبح القائم على تشويه الفطرة من الشذوذ والفواحش... والإجهاض، والجنسية المثلية والزنى وشراء الأجنة، وهدم مؤسسة الزواج رأساً على عقب.. وما مؤتمرات القاهرة وبكين ونيويورك وكوبنهاجن، وإسطنبول، ونيروبي.. إلا أجنة قبيحة مشبوهة "لحركة الفيمنيزم"... ولا يجوز لنا
أن نترك الحمار ونضرب "البردعة".
وأنا لا أنكر بعض المظالم الواقعة على النساء، لكن عليَّ حين أنهض للدفاع عنهن، أن أنهض كإنسان يدافع عن إنسان، وليس كأنثى تدافع عن أنثى من بني جلدتها، فأنا لا أعترف بقومية مستقلة اسمها "قومية النساء"، فالرجال والنساء بعضهم من بعض، كما علمنا القرآن الكريم.
وهذه الحركة وراءها شياطين من الإنس ممثلين في "الصهيونية" و"البهائية" و"الماسونية" و"الروتارية"، و"الليونزية" و"الإنرويلية"... إلخ.. إلخ. وما خفي كان أعظم... إلى الحد الذي يدفع كاتبة فلسطينية إلى أن تقول: "إن القضية الوطنية قد جنت كثيراً على قضية المرأة في فلسطين".. يعني حضرتها شايفة أن النار والدمار وتجريف الحياة في فلسطين.. أهم منه أن نرى كيف يتعامل زوجها مع حضرتها!!
ما رأيكم إذن في هذا الكلام النوعي التقدمي التنويري الأنثوي الحضاري!.المجتمع المسلم لا يعرف الفرز "الأنثوي" في مقابل الفرز "الذكوري".. هل تعلم أن "الجيتو" النسائي الفيمنيزمي قد وصل أذاه إلى الأنبياء؟! فقد وصلت رطاناتهم الفارغة إلى القول بمظلمة تاريخية تحت ظل كل الأديان... ذلك لأن الأنبياء والرسل كلهم رجال...!! وعليه فقد قررت المتحدثات باسم الحركة الأنثوية أن الأديان كلها فكر ذكوري معاد للمرأة، ومن ثم فلا تتردد ممثلات هذه الحركة في إعلان خصومتهن للفكر الديني، بل ومخاصمة المنطق الديني.. والتهجم على كل المقررات الدينية. وإليك هذه الأمثلة من هذا التفكير الانفصالي الأحمق... واحدة تقول: مرحباً بالعصر الأمومي الزاهر الذي حكم الكرة الأرضية من كذا مليون سنة...!
وواحدة تعلن أمام أحد المؤتمرات اتباعها لديانة "إيزيس" باعتبارها الديانة الوحيدة التي أنصفت المرأة.
ولقد سمعت إحداهن تشير في إحدى الندوات إلى المكائد المستهدفة للنيل من إنجازات المرأة، وإهدار طاقتها الإبداعية من وراء تفضيل لبن الأم على اللبن الصناعي، ومد فترة الرضاع إلى حولين كاملين!وهكذا.. هذا.. والجنون فنون.. وهذا كله ما هو إلا تمهيد للدخول الرسمي في مؤتمرات تطالب بوجود معترف به عالمياً للشذوذ الجنسي.
وقد بدت نذر هذا الشر المستطير، فيما طلبه اتحاد برلمانات أوروبا من مجلس الشعب المصري مؤخراً من ضرورة سن قوانين تحمي الشواذ، وتمنحهم حرية التمتع بالمثل!.
والحقيقة التي لا مرية فيها، أن حركة "الفيمنيزم" وراءها ساتر يخفي مطالب أخرى أشد بشاعة تخص الاعتراف بالشواذ جنسياً من الرجال والنساء، بحيث لا تجرم مطالبهم ولا يشعر أحد حيالها بالإثم شأن أمريكا وبريطانيا ومعظم دول أوروبا التي ألغت أي تجريم قانوني للشواذ... وعليه.. فقد تمت المناداة بأنماط جديدة للأسرة.. كرجل ورجل.. أو امرأة وامرأة... أو رجل وأولاد من دون أم رسمية... أو أم وأولاد من دون أب رسمي... أو رجل وامرأة وطفل أو طفلة من سواهم.. أو شراء أجنة من بنوك الأجنة.. إنهم إفراز لنزغ شيطاني.. ولا نستبعد بعد قليل أن يقول
هؤلاء الشواذ لنا: أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون (82) (الأعراف).

 

بيض الثعابين

 

إذن.. لابد من تجلية الخبيث من الطيب، وإظهار الحقائق.. ومواجهة غسل الدماغ، الذي يمارس بشأن المرأة حالياً...؟
<< ليته كان غسلاً للدماغ... إنه اجتياح وسحق وإبادة للوجود الآدمي للمرأة.. فمن المعروف أن المنطقة 245 الروتارية تحتوينا بهويتها ومفاهيمها التي تحاول أن توقعنا في "حيص بيص" لكي تضيع الحقيقة في أبسط القضايا، وقد أعطت هذه المنطقة لكل بقعة رقماً ورمزاً وعلماً ورئيساً ووزيراً أو محافظاً ومندوباً دولياً ومحلياً... بل ونشيداً وطقوساً ومراسيم وبروتوكولات!.. وهل يمكن لقوة دولية مجرمة خبيثة قررت أن تخفي أسرارها وأحزابها وخلاياها... أن تسمح لحضراتنا نحن البسطاء الواضحين كضياء الشمس، أن نفضح أسرارها... وأن ننزع أقنعتها وأستارها.. وأن نكشف أسماءها الحركية؟.
والحمد لله أنها تكشفت عن أفاعي وثعابين.. وحيات وعقارب تكيد وتنهب .. وتسرق وتسلب.. فمعظم لصوص البنوك وسراق المال العام في مصر مؤخراً... تبين أنهم من رؤوس الروتاري في المنطقة 245. وأن أبناءهم ما هم إلا بيض الثعابين.. فخذوهم.. واحصروهم.. واقعدوا لهم كل مرصد.
المجرمون "السمر" والمجرمون "الحمر"توفرت فترة مهمة من حياتك على التغلغل في المجتمع العراقي في أثناء تدريسك بجامعة بغداد لمدة خمس سنوات.. من عام 1975م إلى عام 1980، حتى أصبح الملف العراقي لديك يمثل "دراسة حالة"..

 

 فكيف ترين توصيف هذه الحالة المعقدة في صبحها الغائم؟
<< نعم هي دراسة حالة لأسوأ ملف فجور سياسي معاصر... والملف العراقي يمثل أعقد شجرة شيطانية، أغصانها من أئمة الكفر القتلة الظلمة الذين حكموا بشريعة "حمورابي" وفتحوا ملف الجاهلية في حميته الدموية لتكون بديلاً للإسلام في دار الخلافة، فتم سرقة شعب من أرضه ودينه لحساب شياطين الفتنة في نظام وثني جاهلي خلال عقود من الذبح والسحق والمقابر الجماعية، ونحن جميعاً نتعامل معه على أنه "شأن داخلي".لقد جاء صدام إلى الحكم عام 79.. وهو آخر أعوامي الخمسة بالعراق فقررت العودة إلى مصر لأدخل سجن القناطر، وأنا مفصولة من العمل.. وهذا أرحم لي ألف مرة مما شهدته بالعراق... في هذا "المسلخ" الذي نصبه هذا المجرم لشعبه وأهله.. ويجب أن
يعلم الناس جميعاً أن ملف جرائم صدام هو أسود ملف في تاريخ البشرية المعاصرة.. لقد قتل 21 شخصاً من القيادة الجماعية لحزب البعث التي أوصلته للحكم في يوم واحد.. لينفرد بمقعد الشياطين في جهنم الحمراء، التي أقامها للعراقيين.. لقد كان أشهر من ينهي المناقشة مع معارضيه برصاصة من يده في الرأس.
وفي هذه "المذبحة" لا يمكن بالطبع أن نقول: إن البديل هو الاحتلال المتوحش "للأنجلوأمريكيين".. فالمقبرة العراقية قد فتحت ولما يخرج كل ما بداخلها بعد... فأنا أتوقع مصارع كثيرة.. وكما أضيرت أرض وسماء ونخيل وماء وأسماك العراق من هؤلاء الذين حاربوا الله في أرضه.. فسوف تضار العراق على كل المستويات، مرة أخرى، بل مرات من الشياطين الجدد الذين يديرون المنطقة وفق تعاليم التوراة المحرفة، في ترسيم جديد للحدود، وشق للقنوات، وإقامة للسدود لضمان المستقبل "العبري" بشقيه الغذائي والعسكري.وهنا تحضرني عبارة للشهيد سيد قطب.. حين قال إبان قيام ثورة يوليو: نخشى أن نستبدل الإنجليز "الحمر" بالإنجليز "السمر"، يقصد أن هؤلاء المستبدين الجدد..
لا يقل خطرهم ولا ضررهم عن المستبدين السابقين.. فالعراق سيعيش المحنة حتى يتم "تحميصه" لأنه استبدل طاغية بطاغية... ولكنني أرى أن الطاغية الجديد سيكون التخلص منه أسهل ألف مرة من المستبد السابق.. لأن الأمريكان مهما كان خطرهم.. لا يصبرون على النهش الدائم الذي بدأ العراقيون يمارسونه بحقهم... ولكن التركة ثقيلة وتداعياتها مزلزلة.. وكان الله في عون هذه الأمة المبتلاة بعجز الأدعياء وكيد الأعداء.. ولكن لابد أن نوقن لغة وشرعاً أن المستقبل لهذا الدين.شهادتي لوجه الله


وآخر كتاباتك في هذه الوليمة المربكة بشكل مزعج.. والتي تضاعف مسؤولية الكاتب المسلم في التصنيف والفرز والمراجعة؟
<< أن يتوقف الكاتب فترة للتأمل.. مستجمعاً لنفسه لقراءة المشهد برويّة وعمق.. فليس معناه أنه توقف.. ولكن معناه أن يبحث لامتلائه عن مصب مثمر، ويضن بهذا الامتلاء أن ينسكب مهدوراً.وأنا الآن.. أدلي بشهادتي لوجه الله... وهي شهادة لا أستطيع كتمانها.. وأحمد الله أنني توفرت على أهم الملفات الملتوية.. فقرأتها من الداخل والخارج وأهمها الملف الأمريكي، والعراقي.. والإيراني.. والمصري.. والفلسطيني.. وأصبحت لدي قدرة البوح بالمسكوت عنه في هذه الملفات المتورمة إلى حد الخبث.كما أنني أكاد أكون "شاهد إثبات" بخصوص الملفين الإسلامي والعلماني.. بل والشيوعي والناصري.. لأنه لابد من الإدلاء بالشهادة في زمن "الأوبئة" لإلقاء حجر في بئر العجز والتخاذل الذي يوجب فتح دفتر الملاحظات ناصعاً أمام الرساليين والاستشهاديين الذين عرفوا طريق الحق وسلكوه، مقدمة شهادتي لله والتاريخ.. ولروح الشهيد سيد قطب في عليين.