التقي هو السعيد ...

عبد الرحيم عبد الرحمن منصور

اجتمع بعض الأصحاب عصر أحد الأيام عند نبع ماء وأخذوا يتجاذبون أطراف الحديث ويتمتعون بما حولهم من جمال ورونق الطبيعة الأخاذة , وهم محمد ديب ( ديبو) ويعمل خبازا في فرن

حمدان ( خمدو) ويعمل خضريا

عبد الغفور ( أبو الحاج ) ويعمل سمانا في دكان له في السوق

ديبو : بالأمس كان عرس جارنا اسماعيل  الله يهنيه إنه شاب يستأهل كل خير

حمدو: ومن كانت صاحبة الحظ المصونة ؟

ديبو : تزوج ابنة أبو سعيد الخياط

حمدو : أبو سعيد (ما غيرو) والله والنعم منه رجل تقي , ورع . وخلوق , ولا نزكي على الله أحد

أبو الحاج : يا جماعة الذي أعرفه أن ابا سعيد الخياط ليس عنده بنات عنده ثلاثة شبان : سعيد , ومحمود, وخليل

ديبو: كلامك صحيح أخي وعنده أيضا هذة البنت ولكن لا تعرفها لأنها درّة مصونة داخل بيتها المهم أن جارنا اسماعيل حظي بزوجة صالحة يغبط عليها الله يهنيه ويهنيها

حمدو : بالمناسبة  ما هي أخبار ذلك الشاب الذي كان يتعزل بابنة أستاذ المدرسة ويقول الأشعار والقصايد بجمالها

أبو الحاج : شاب مهستر ما فيه عقل الله يعينه  أصلا أستاذ المدرسة المقصود ليس عنده بنات لم يرزق ببنات ديبو : صحيح ما هي أخبار هذا الأستاذ   ماذا كان اسمه ؟

حمدو : اسمه على ما أظن الأستاذ سري ديبو : نعم ..نعم الأستاذ سري صدقت ما هي أخباره  ؟ لم نعد نره أو نسمع عنه

أبو الحاج : يا سلام .. ما عاد الأستاذ سري على ما كان عليه!!  صار الأستاذ سري أفندي!!  سيارة  وقيللا  وأموال   أفندي عن حق وحقيق عايش بسعادة ونعيم الله يهنيه

حمدو : الله فتح عليه باب رزق سافر إلى الخليج  درّس هناك عدة سنوات وعاد معه ثروة صغيرة الله يهنيه فيها

ديبو : آمين .. والله الرجل يستأهل كل خير فهو جادّ ومخلص في عمله كثّر الله من أمثاله

أبو الحاج: لكن الله يعينه على حقظ النعمة وعلى شكر المولى لأن نعمة الغنى ليست سهلة , في أحيان كثيرة تفتن صاحبها وتحرفه عن جادة الصواب  أنا لاأقصد الأستاذ سري ذاته  ولكن بشكل عام ( درهم مال يحتاج إلى قنطار عقل )

حمدو :خلونا بحالنا يا جماعة حتى لا نغلط بحق أحد ثم نندم    خلونا نشكر نعمة ربنا علينا

ديبو : الحمد لله نحن كذلك في نعم لاتعدّ ولا تحصى الحمد لله والشكر له

ابو الحاج: منذ عدة أيام سمعت شيخ جليل تبدو عليه سيما الصلاح والتقى يحدّث الناس ,قال: يقول الله عزّ وجلّ : (إن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا الفقر  ولو أغنيته لأفسده ذلك ..

المهم أن الإنسان يبقى على درب الاستقامةوالصلاح ما استطاع إلى ذلك سبيلا فالله عزّ وجلّ لم يأمر الإنسان بطلب الغنى ولا السعي وراء متاع الحياة الدنيا          يما أمره يا ديبو ؟ ديبو : أمره بالطاعة وحسن العبادة والتوكل على الله وطلب الكسب الحلال ..

ابو الحاج: ووعده بأن يكفيه هم الدنيا وهم الرزق " إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين "

حمدو : العمر والرزق محتومان وهما بيد الله لا ينتهي الرزق حنى ينقضى الأجل  ولن يموت أحد ناقص رزق  طالما أن الإنسان في هذة الحياة فإن له فيها رزق سواء كان مؤمنا أو كافرا  الدنيا للجميع ولكن الآخرة لأهل الإيمان والتقوى والصلاح

ديبو : صحيح إن الله يعطى الدنيا للبر والفاجر ولكن لا يعطي الآخرة ونعيمها إلا لأهل البر والإيمان  وله في ذلك حكمة بليغة سبحانه وتعالى ابو الحاج : ما أريد التأكيد عليه حتى نخرج بفائدة من هذة الجلسة الممتعة هو أن المؤمن الحقيقي يحلق في أجواء السعادة والنعيم يحلق بجناحين اثنين :

إن أصابته ضراء صبر فله أجر الصابرين

وإن أصابته سراء شكر فله أجر الشاكرين , وليس ذلك إلا للمؤمن كما جاء في التوجيه النبوي

حمدو : ومن لا يصبر فليناطح السحاب ومن لا يشكر فليتوقع النوازل .. الموضوع منتهي  والأمر من قبل ومن بعد لله عزّ وجل .  صار وقت الشاي لحظات وتكون جاهزة .

المشهد الثاني :

يعلو الدخان من حول الجلوس ويسمع صوت نشيش إبريق الشاي فوق النار الموقدة من الأغصان والأخشاب

ديبو مخاطبا حمدو : هل صارت طبخة الشاي مثل طبخة خروف محشي ؟ ماذا حلّ يها ؟

حمدو ساخرا : مثل طبخة البهلول وأنت الصادق .. ها  ها  ها

ابو الحاج : على مهلك يا ديبو كلما كانت النار هادئة تحت إبريق الشاي تكون النكهة أزكى وأشهى ثم أن حمدو معلم وفنان في صنع الشاي

حمدو : هه .. هذه هي الشاي صارت جاهزة ولكن أنت على الدوام ( بصلتك محروقة ) ابو الحاج : صب شاي أخي صب دعنا نستمتع بهذا الجو وبهذه الجلسة الرائقة لا تعكروا علينا صفوها أدام الله عزّكم

حمدو: تفضلوا  تذوقوا  واشكروا

ديبو: يا ابوالحاج أنت فتحت علينا باب الرزق والشكر والغنى والفقر ولم تكمل لنا الموضوع  أكمله سيدي أكمله

ابو الحاج : أستغفر الله .. أن فتحت عليكم الباب ؟ الباب أصلا مفتوح  انظروا حولكم نبات  وأزهار  أوراد  فراشات  عصافير  نحل .. كل يسعى  وكل يحصّل رزقه ويشكرخالقه حمدو : لاحظوا هذه فراشة تقّّبل وردة بحنان وحب  وهذه نحلة تسّلم على زهرة والسعادة بادية عليهما وهذه العصافير انظرواكيف تسرح وتمرح .. سبحان الله ديبو : الآن بدأت الفلسفة !! بدأ أخونا حمدو يتفلسف علينا  دعنا نسمع من أبو الحاج ابو الحاج : أريد أن أسأل سؤالا , هل هذه الدنيا دار إقامة وقرار أم دار ممر ورحيل

حمدو : والله الكل سوف يرتحل منها عاجلا أو آجلا

ابو الحاج : والسؤال الأهم   ماذا يجب على المسافر في هذه الحالة ؟

ديبو : عليه أن يتزود لسفره

حمدو : وما هو الزاد النافع المفيد يا عدو نفسه ديبو: قال الله تعالى : وتزودوا فإن خير الزاد التقوى

ابو الحاج : لكم عندي مفاجأة .. هي بشرى .. هي موعظة .. هي نصيحة .. كل واحد يفهمها على " كيفو" حمدو : هات يا أبا الحاج حياك الله  و رفع الله مقدارك .. هات

ابو الحاج :  يا أخوان يقول الله في الجديث القدسي الذي بدأته أول الأمر :

( إن من عبادي من لايصلح إيمانه إلا الفقر ولوبسطت  له" أغنيته" لأفسده ذلك ...

ديبو: لا إله إلا الله  حكمة بالغة  أكمل سيدي ابو الحاج ( وإن من عبادي من لايصلح إيمانه إلا الغنى ولو افقرته لأفسده ذلك ..

حمدو : الحمد لله في الغنى والفقر,  السعادة في التقوى   التقي هو السعيد ابو الحاج : ( وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا الصحة ولو أسقمته لأفسده ذلك , وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلاالسقم " المرض" ولو أصححته لأفسده ذلك ..

ديبو : لا إله إلا الله .. سبحانه ما أعظم شأنه وأجل رحمته ورعايته لعباده ..

ابو الحاج : ( وإن من عبادي من يطلب بابا من العبادة فأكّّفّه عنه لكيلا يدخله العجب .

إني أدبر أمر عبادي بعلمي بما في قلوبهم إني عليم خبير ) .

*خرجه الطبراني من حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم * حمدو : هذا يوضح أن الإنسان مخلوق غير متروك في هذه الدنيا إنما يحظى بالعناية والرعاية من الله الذي لا يريد له إلا الخير والهناءة والسعادة ديبو:فمن أسلم واستسلم  ورضي وقنع  وصبر وشكر  حاز على السعادة والنعيم في الدارين

ومن تمرّد وعصى فله ذلك فلن يعجز الله في الأرض طلبا ,  بالنهاية هو في يد الله

ابو الحاج : الحمد لله على السراء  الحمد لله على الضراء  الحمد لله في الغنى  الحمد لله في الفقر  الحمد لله على الصحة والسقم  كل ذلك بيد الله سبحانه

ولست أرى السعادة جمع مال     ولكن التقي هو السعيد

حمدو : ليس بعد هذا البيان بيان (..إني أدبر أمر عبادي بعلمي بما في قلوبهم إني عليم خبير )

فلان غني    فلان فقير   فلان معافى صحيح    وفلان مريض مبتلى كله بأمر الله وعلمه وفي مصلحة الإنسان وصالحه ..

ابو الحاج : اللهم اكلأنا بعين رعايتك ولا تحرمنا من رحمتك ولا تكلنا إلى غيرك آمين .. آمين ..  هيا نستعدّ لصلاة المغرب بارك الله فيكم   انتهى 

وسوم: 637