عجائب وغرائب في طريق اكتشاف المسلمين لأمريكا

أقـوال عن حضارتنا

    قالت د. عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ)- علينا أن ننصف تاريخنا الذي طواه الاستعمار، ونحرر أبناءنا من عقدة النقص التي أرهقتهم ، وجعلتهم يحسبون أن شرقيتهم مظهر تأخر وتخلف ورجعية وجمود .                    

- وأقول :

   منذ ستمئة سنة لم يكن أحد يعرف اسم امريكا، لأنها لم تكن معروفة في الخرائط الجغرافية، أو هكذا توهم الناس، ولهذا وقفت فتوحات المسلمين عند الساحل الشرقي للمحيط الأطلسي حين قال عقبة بن نافع وقد وطئت قدماه أرض الساحل المغربي : " لو كنت أعلم أن وراء هذه الأرض أرضاً أخرى لاقتحمت البحر بفرسي هذا لأنشر فيه اسم الله تعالى. وقد ذكر الأستاذ محمد سعيد العريان في كتابه العرب لا خريستوف كولمبس أن اكتشاف المسلمين لأمريكا كان قبل اكتشاف خريستوف كولمبس، وذكر ذلك آخرون منهم مجلة الأهرام المصرية في 25/ 4/ 1961م س 87 ع 27163 ص 6 ، ومجلة النيوزويك الأمريكية، ومجلة نيويورك الأمريكية، وهذه تحدثت عن المؤتمر(171) للجمعية الشرقية الأمريكية الذي ذكر فيه العالم ( د . هوى لين لي )الصيني الأستاذ بجامعة بنسلفانيا الأمريكية أن العرب المسلمين سبقوا اكتشاف خريستوف كولمبس لأمريكا بـقرنين أو ثلاثة قرون، ولكن العرب المسلمين في الأندلس كانوا  في ذلك الوقت مشغولين بخلافاتهم، وبالفتن والحروب التي كانت في بلادهم فلم يلتفتوا إلى ما قاله الفتية المغرورون في القرن الثالث عشر الميلادي، أو ما تحدث به غيرهم، وذكر أن آخرين ذهبوا أيضا إلى أمريكا من الدار البيضاء في مراكش( المغرب حاليا) ، وأيده في ذلك العالم الصيني د.( لي) بوثيقتين صينيتين من وثائق القرن الثاني عشر الميلادي، وبوثائق من  القرن الثالث عشر الميلادي ، وقال العالم (لي ) إنه ورد في هذه الوثائق اسم مدينة ( مولان بي) على الساحل الشرقي لأمريكا الجنوبية، وإن بعض المحاصيل التي لم تكن تعرف قبل خريستوف كولمبس في أوربا ذكرها العرب المسلمون منها القرع العسلي والجوافة والأناناس والذرة الهندية ، وقد أيد هذه النظرية أيضا د. ( لين شيخ يانج) أستاذ التاريخ واللغة الصينية بجامعة هارفارد ووصفها بأنها مثيرة للغاية ، كما أيدها د. ريتشارد رودلف رئيس المؤتمر الذي عقدته الجمعية الشرقية الأمريكية وقال : " والآن ينبغي على الأساتذة العرب أن يتابعوا دراسة تاريخهم وليبدؤوا من هذه النقطة " .

   وذكرت الأهرام أنه بعدما عاد الفتية المغرورون وانتشر نبأ رحلتهم سمع خريستوف كولمبس بخبرهم بعد قرون عديدة، ورأى الشارع المسمى باسمهم، وسمع عن المخطوطات العربية التي تتحدث عنهم وتذكر تفصيلات الحدث،  فقام برحلته في عهد الملك فرديناند وزوجته إيزابيلا ، وحثت المجلة على أن تجمع هذه الأقوال والبحوث من مصادرها من كتب المؤرخين والجغرافيين العرب وغير العرب . وقد ذكر العريان من العلماء الذين تحدثوا عن هذا الموضوع ابن رشد والبيروني وأبا القاسم الأصفهاني المصري، وابن فضل الله العمري في كتابه مسالك الأبصار في ممالك الأمصار،  والشريف الإدريسي في كتابه نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، وما نشره الباحث أحمد زكي باشا، والأب أنستاس ماري الكرملي، وما ذكره شكيب أرسلان في كتابه الحلل السندسية في الآثار الأندلسية، وهناك مراجع إسبانية وفرنسية ومراجع دول من شمالي أوربا نقل بعضها إلى العربية . وحث العريان على أن يقوم بدراسة هذا الموضوع علماء متخصصون في جامعات عربية .

 وهذه نصيحتي إلى أطفالنا  …  بناة أجيالنا …

    هؤلاء أجدادنا قد عرفوا أمريكا قبل أن يعرفها الأوربيون بثلاثة قرون وما عليكم إلا أن تقرؤوا تاريخنا لتعرفوا حضارتنا الإسلامية العظيمة حتى تزول عقدة النقص من عقولكم وقلوبكم فأنتم حفدة علماء عظماء عاملين .

الشخصيات الفاعلة والمذكورة(أبو حمدان  وأم حمدان وأولادهما حمدان وأحمد وراشد وسلطان وهدى  

2-   محمد ابن الجيران

3-  الفتية المغرورون الثمانية

4-  عقبة بن نافع

5-  هارون الرشيد

6-  شارلمان

7-  الريس كمال

8-  السلطان العثماني مراد الرابع

9-  أسعد بن أبي كرب الحميري اليمني " ذو القرنين "

10-الإسكندر

11-فرديناند ملك إسبانيا والملكة إيزابيلا

12-  شخصيات من إشبيليا

13-ملك عرب مالي ورئيس البحارة ، والبحار خَلَف والبحارة الآخرون

14-الوزير

15-الشريف الإدريسي، والمسعودي وابن بطوطة محمد بن عبد الله الطنجي " مؤرخون "

16- بطليموس عالم يوناني

    17-رودريكو

    18-خريستوف كولمبس

    19-الترجمان في أمريكا

    20-ملك في قارة أمريكا ، وناس من عامة شعبها

المشهد الأول

في حضارتـنا عزتـنا

أبو حمدان وأولاده في منزلهم يتحادثون :

    جلس أبو حمدان يحدث أولاده كعادته عما يقرأ من قصص هادفة ، أو خبر هام ، يوجههم بهما إلى السلوك القويم ، والهدي المبين ، ويعرفهم على تاريخ الأجداد ، وحضارة المسلمين، فقال في إحدى جلساته :

- لا شك أنكم سمعتم بسفر ابن جيراننا محمد إلى أمريكا .

أحمد  : أجل يا أبتِ وأعانه الله وحفظه .

سلطان  : ولكن أليس في بلادنا جامعات ؟

الأب   : بلى في بلادنا جامعات كثيرة ، ولكن الإنسان يريد أن يتزود من علوم أخرى     هامة لا توجد في بلاده .

حمدان   :وهل سيعود إلى بلادنا ؟

الأب  : نعم سيعود طبعاً ، ألم تسمع قول الشاعر :

      وحبَـبَ أوطـانَ الـرجـالِ إليـهم    مـآربُ قـضَّاها الشـبابُ هنالكا

سلطان : ما معنى هذا القول يا أبت؟

الأب  : معناه أن حب الوطن مغروس في القلوب ، لأن للإنسان ذكريات فيه تدعوه إلى   العودة إليه .

حمدان   : أنا أحب بلادي .

الأب  : وكل إنسان يحب بلاده .

سلطان : ولكن أليس للسفر مشقات يا أبتِ .

الأب  : نعم للسفر مشقات ، ولكن أترون السفر إلى أمريكا الآن أسهل أم سفر الفتية المغرورين، والرحالة المراكشيون ؟

أحمد  : ومن هم الفتية المغرورون يا أبت ؟ ومن هم الرحالة المراكشيون ؟

سلطان  :لم نسمع بهما من قبل .   

الأب  : سأحدثكم عنهما الآن ، ولكن .

أحمد  : ولكن ماذا يا أبت.

الأب  : ولكن بعد أن أطَلع على واجباتكم المدرسية وأطمئن إلى صحتها .

أحمد  : لقد تأكدت أمي من واجباتي .

سلطان : وأنا كذلك يا أبت .

راشد  : أما أنا فلم أنهِ ما علي إلا منذ قليل ، فانظر إليها يا أبت             

حمدان: ذكرت لنا يا أبت الفتية المغرورين، والرحالة المراكشيون، وأنا مشوق إلى سماع أخبارهم .

الأب  : لم يكن الفتية مغرورين يا بني، ولكن الناس سمَوُهم كذلك .

راشد  : في أي زمن عاشوا .

الأب : في القرن السابع الهجري ، الثالث عشر الميلادي ، أي منذ حوالي سبعمئة سنة .

سلطان : أوه منذ زمن بعيد .

الأب   : نعم يا بني منذ زمن بعيد جداً ، وكان المسلمون فيه سادة الدنيا وكانوا ينشرون الخير والعدل في البشرية جمعاء .

وأردف : وكان العلم منتشراً بتشجيع الإسلام .

أحمد   : نعم يا أبت لقد أخبرنا مدرس التاريخ أن المسلمين كانت لهم حضارة عظيمة ، وأن علومهم  كانت كثيرة ، وأنهم اخترعوا ساعة ظنها ملك فرنسا يومذاك أنها تتحرك عن طريق الجان .

ضحك الأولاد وقالوا :  جان … جان ..

الأب   : كان ذلك في العصور الوسطى حين كانت أوروبا تعيش في ظلمات الجهل ، وكانت علوم المسلمين وحضارتهم تنقل إلى البلاد الأوربية لتحضيرها .

أحمد   : وحدثنا مدرس التاريخ أيضاً أن الخليفة هارون الرشيد الذي أرسل الساعة إلى الملك شارلمان ، كان يحج سنة ويغزو سنة .

الأب   : نعم هذا صحيح ، ولكن العداء شوَهوا صورة هذا الخليفة العظيم .

وأردف: تصور يابني أن هذا الخليفة العظيم نظر إلى سحابة في السماء تمشي، فقال لها: " سيري أنَى شئت فخراجك يجبى إليَ " .

سلطان : ما معنى هذا يا أبت .

الأب   : معناه أن بلاده كانت واسعة ، فأينما سقط المطر الذي ينزل من الغمام في السماء فإنه يسقط على أرض إسلامية ، وخيرات هذا المطر ستعود إلى الدولة الإسلامية التي كان يحكمها .

الأولاد : يا الله  .

حمدان   : وكيف حلَ بنا هذا الضعف .

الأب   : رمانا العدو حين اتحد ضدنا ، وشغلنا بزخرف الحياة الدنيا ومتاعها .

راشد   : حب الدنيا وزخرفها !!! أوضح أكثر يا أبت .

الأب   : حب الدنيا جعل العدو يتربص بنا حتى استعمر بلادنا وأخذ خيراتنا .

هدى   : وهل الفتية مغرورون لأن الاستعمار خدعهم .

الأب   : لا ، ولكن اسمعوا مني أحدثكم عن قصتهم واكتشافهم .   

      وتابع :

- منذ سبعمئة سنة لم يكن أحد يعرف أمريكا ، وكان عقبة بن نافع .

سلطان يتعجل في السؤال :

         من عقبة بن نافع …… يا أبت ؟

الأب   : هو مجاهد مسلم فتح إفريقيا ، وضمها إلى البلاد العربية الإسلامية منذ ألف وأربعمئة سنة تقريباً .

هدى  : حدثنا عنه .

الأب   : سأحدثكم عنه في وقت آخر ، ولكن سيكون حديثنا اليوم عن الفتية المغرورين

سلطان : نعم فإننا نشتاق أن نعرف قصتهم .

الأب   : عقبة بن نافع لما فتح إفريقيا الشمالية ، ووصل إلى بلاد المغرب قال :

" والله لو كنت أعلم أن أرضاً أخرى وراء هذا البحر لاقتحمت بفرسي هذا المحيط لأنشر فيه اسم الله تعالى

سلطان  : ألم يكن يعرف أمريكا .

الأب    : لم يكن يخطر على بال أحد من الناس أن هناك أرضاً غربي هذا البحر …

تابع الأب : انظروا إلى هذه الخريطة إنها خارطة العالم ، وهذه أمريكا ، والبحر إليها مديد واسع ، ولذلك كانوا يسمونه بحر الظلمات ، لكثرة مياهه وعمقها .

الأولاد  : إيــه ….

الأب    : ولذلك لم يدخله المسلمون وتوجهوا إلى الأندلس .

    وهذه هي على الخريطة

راشد    : وكيف دخلوها ؟

الأب    : كان حاكم إسبانيا يومذاك رجلاً ظالماً قاسي الطبع ، وقد انتشر الفساد في بلاده ، فلما سمع أهالي البلاد بعدل المسلمين ورحمتهم ، وشريعتهم العظيمة جاء واحد منهم وطلب من المسلمين أن يفتحوا بلاده ، وينشروا فيها دينهم ، ووعدهم بمساعدتهم ليتخلصوا من الحاكم الظالم .

سلطان  : وهل استجاب المسلمون لذلك .

الأب    : نعم استجابوا وفتحوا تلك البلاد .

راشد   : ولكن اسمها على الخريطة " إسبانيا " .

الأب   : نعم لقد ضاعت منا لانشغال أهلها بالدنيا ، وتكالب العدو علينا .

سلطان : أيعني هذا أن المسلمين زالوا عنها ؟

الأب : نعم يا بني ، ونأسف لذلك كثيراً ، لقد فقدناها ، وقضي على الإسلام فيها .

       ويتحسر الأب وهو يقول مشيراً إلى أراضي الأندلس :

         " هذه الأرض الواسعة سلبت منا "

الأب   : نعم ، وقد استولى عليها الإسبان في عهد ملكهم فرديناند والملكة إيزابيلا، وهذان غدرا بالمسلمين وقاما بجرائم وحشية ضدهم ، ولا يزال التاريخ يذكر محاكم التفتيش التي أقيمت للقضاء على المسلمين وعقيدتهم فيها .

   وتابع الأب : 

      - إن قصة الفتية المغرورين الذين عاشوا في الأندلس السليب تعني اكتشاف المسلمين لأمريكا ، وتعني أيضا عظمة المسلمين في ذلك الحين .

سلطان : ما معنى اكتشاف أمريكا يا أبت .

الأب   : عندما يتعرَف الناس على شيء جديد للمرة الأولى نسمي ذلك اكتشافاً .

هدى   : إذاً القصة مهمة يا أبت .

الأب   : نعم ، ولا سيما إذا عرفتم أن الأوربيين يدَّعون أنهم أول من اكتشف أمريكا .

سلطان : وهل يكذبون  ؟

الأب   : كم كذبوا يا بني ، وكم شوَهوا تاريخنا وحضارتنا .

أحمد   : وكيف ينكرون شيئاً حقاً ، وينسبونه إليهم .

الأب   : استغلوا جهل أبنائنا وعدم قراءتهم لكتبهم القديمة ، لقد شغل أبناؤنا ولا يزالون يشغلون بالتلفاز وبلعب الكرة ، وا أسفاه على ثقافة الجيل .

 ويتحسر الأب ثم يقول :

-   وليست هذه هي الفرية الوحيدة لهم .

سلطان : ما معنى فِرية يا أبت؟

الأب   : فِرية تعني كذبة ، ألم تقرأٌ في القرآن الكريم " أفترى على الله كذباً؟ " .

أحمد   : حدثنا عن هذه الافتراءات .

الأب   : هذا حديث يطول كثيراً ، ولكني أذكر لكم الآن ما له علاقة بموضوع الفتية

          المغرورين أو شبيه به ، ثم أنتقل بكم إلى حديث الفتية .

 سلطان : كم تعرف يا أبت عن تاريخنا ؟

الأب    : من لم يعرف تاريخ بلاده فلا قيمة له في الوجود .

أحمد    : أسمعنا مما تعرف فأنت أب عظيم .

الأب    : العثمانيون يا أولادي اكتشفوا القارة السادسة، انظروا إلى الخريطة .. ومع ذلك يذكر الأوربيون أنهم اكتشفوها ، وكذلك الحال في اكتشاف أمريكا .

ويتابع   : كان الريس " كمال " الجغرافي العثماني المسلم يستخدم عنده في الدولة العثمانية رجلاً نصرانياً هو رودريكو ، وقد ترك رودريكو الريس كمال وذهب إلى "خريستوف كولمبس " وهو بحار إسباني في زمن الطاغية فرديناند ، وعرَّفه على ما كان يقوله الريس كمال حول اكتشاف أراضٍ وراء بحر الظلمات .

أحمد    : وماذا كان العثمانيون يقولون .

الأب    : كانوا يقولون إن المسلمين عرفوا أرضاً وراء بحر الظلمات ، وهي ما نسميه اليوم بأمريكا

سلطان  : أحقاً هذا يا أبت .

الأب    : نعم، علِم خريستوف كولمبس هذا من "رودريكو " ، وعرف أن الريس كمال رسم خريطة لأمريكا وعين عليها منطقة فلوريدا الأمريكية . وعلم أن بحارة من الدار البيضاء في مراكش، والتي تسمى اليوم المغرب، ذهبوا لاكتشاف أمريكا أيضا .

 راشد : ما هذه المعلومات التي لم نكن نعرفها من قبل ؟

أحمد : وهذا يعني أن العثمانيين والمسلمين العرب أيضاً لم يكونوا جاهلين كما كنا نظن .

الأب : كنا في ذلك الوقت أكبر من أمريكا، كنا أكبر دول العالم ، وقد اخترع العثمانيون  الطائرة منذ القرن الحادي عشر الهجري في عهد السلطان مراد الرابع رحمه الله، ولكنهم لم يصنعوها ، لقد اعتمدوا على قوة السيف لا على قوة الطيران كما هو الحال في حروبنا المعاصرة التي يقصف فيها العدو المناطق الآمنة بطائراته الحربية .

سلطان : وكيف زال ملكهم إذا .

الأب : زال بالخلافات والخيانات وبتآمر العدو واتحاده ضدنا .

سلطان : وماذا فعل خريستوف ؟

الأب متابعا : وكان البحار الإسباني خريستوف يعلم أن المسلمين لا يكذبون  .

سلطان   : إيــه .

الأب    : وكان يعلم أيضا خبر الفتية المغرورين الذين وطئوا أراضي أمريكا قبل أن يطأها هو الذي نسب إليه اكتشافها فيما بعد .

الأولاد : إيه ! ! ...

الأب : القصة طويلة وقد حان الآن موعد النوم .

الأولاد : غدا ستحكي لنا إذا عن الفتية المغرورين إن شاء الله ، وجزاك الله كل خير  يا أبت المؤرخ المثقف .

المشهد الثاني

مَنْ هم "  الفتية المغرورون  " ؟

     في عشية اليوم الثاني جلس الأب يحادث أبناءه عن حضارة المسلمين …

فقال حمدان : حدثنا يا أبت عن الفتية المغرورون كما وعدتنا .

الأب   : أجل يا بني سمع الناس عن علوم المسلمين أن الأرض كروية ، فأرادوا معرفة ما وراء بحر الظلمات ،  و كذلك سمع الفتية المغرورون بذلك .

حمدان   : من هم الفتية المغرورون ؟ لقد تشوقنا كثيرا لسماع أخبارهم .

الأب   : هم ثمانية أفراد من إسبانيا " الأندلس الإسلامية الضائعة " سمعوا بأن الأرض كروية ، وأن هناك أراضيَ خلف هذا البحر الواسع ، الذي يسمونه الظلمات لكبره، فأرادوا السفر إليها بالسفن ولا سيما بعدما سمعوا بمحاولة سبقتهم فشجعتهم على ذلك، وتوقعوا أن يروا بها من يعرف اللغة العربية من هؤلاء المسافرين .

هدى : من هم المسافرون ؟

الأب : هم من عرب مالي وصلوا كما توقع الفتية المغرورون إلى أمريكا قبلهم .

أحمد   : أين تقع أراضي مالي يا أبت ؟

الأب   : " يشير إلى الخريطة  " ، هذه مالي على الخريطة ، إنها في أواسط إفريقيا الغربية .

أحمد   : وهل وصل المسلمون إلى هناك يا أبت .

الأب   : نعم وصلوا إلى هناك

أحمد   : وهل ضعفت هذه البلاد أيضاً ؟

الأب   : نعم ضعفت هذه البلاد كما ضعفت بلاد المسلمين ، وكانت من قبل تملك أسطولاً بحرياً ،وكان ملكهم يريد أن يعرف ما وراء بحر الظلمات ، فقال لرئيس بحارته :  " أيها الرئيس إنني أريد أن أنشر الإسلام في أراضي ما وراء هذا البحر ، فإني أظن أن هناك أراضيَ واسعة، لأن الأرض كروية،وأريد أن يكون للمسلمين فضل السبق في ذلك".

رئيس البحارة : لو وجدنا هناك أراضيَ لكان لنا في ذلك نصر مؤزر من عند الله سبحانه ولكن !

الملك : ولكن ماذا يا ريّس  .

رئيس البحارة : أريد سفنا كثيرة، وأمهر البحارة ، وأشدهم تحملاً ، وأقواهم عزيمة .

الملك: هذا أمر طبيعي ، وسأزودك بما تحتاج إليه من رجال وعتاد ومُؤْنة تكفيك عدة أشهر .

أحمد     : وهل ذهبوا ؟

الأب     : نعم يا بني ، ذهبوا في اتجاه الغرب بعد أن ودعهم الملك وهو يقول لهم :

" اتجهوا غرباً ، لا شمالاً ولا جنوباً ، حتى تصلوا إلى الأرض الجديدة "

سلطان   : وهل وصلوا يا أبت ؟

الأب    : أبحر البحارة الماليون باتجاه الغرب ، وطال غيابهم سنة كاملة ، بل أكثر من

          السنة .

سلطان  : فهل ماتوا ؟

الأب    : لقد كانوا شجعاناً أقوياء ، ولهذا لم ييأس الملك ، ولم ينفذ صبره بل راح ينتظرهم طويلاً

سلطان : فهل عادوا يا أبتِ ؟

الأب  : لا، بل جاء أحد الرجال إلى الملك فلما رآه قال له :

-حمداً لله على سلامتك ياخَلَف ، هل وصلتم إلى الأرض الجديدة ؟ أين باقي رفاقك ؟

الرجل : عظّم الله أجركم يا مولاي ، وعوّضكم عنهم خيراَ 

راشد   : هل اعترضهم لصوص البحر ؟

سلطان : هل غرقت سفنهم ؟

أحمد   : ماذا حدث لهم يا أبت ؟ هل ماتوا ؟

الأب   : نعم  ..  وأجابه الملك  :  " غفر الله لنا ولكم ، استرح قليلاً يا خَلَف من وعثاء السفر ومتاعبه  ثم خبّرني عن أمركم ؟

وسكت قليلا ثم قال :

            النفس تطمع والأسباب عاجزة    والنفس تهلك بين اليأس والطمع

الملك  : هل ماتوا ، قل ، أسرع ..

خلف : يا مولاي ، إن تياراً جارفاً جرف السفن إليه ، ولم تستطع الخلاص منه .

الملك  : هل ماتوا في دوّار المياه ؟ وكيف نجوت أنت ؟

خلف : كانت سفينتي آخر السفن ، فلما رأيت التيار يجذب السفن واحدة تلو الأخرى وجهت سفينتي وجهة بلادي لأخبركم يا مولاي بما حدث ، فنجوت و … ودمعت عيناه .

الملك : رحمهم الله تعالى … لقد كانوا أمهر بحارتي ، ماتوا شهداء في سبيل الله مجاهدين لنشر الدين .

وتابع وهو يتحسر  :

يمضي الخيار من الأنام تهافتـا       يتسـاقطـون تساقـط الأوراق

الأولاد بحزن : رحمهم الله تعالى يا أبت .

الأب  : آميـن .

راشد  : فماذا فعل ملك مالي .

الأب   : الملك كما قلت لكم عزم على إرسال حملة أخرى في البحر، وقال ينبغي ألا نيأس من محاولة واحدة، وربما نعثر على بعض الناجين في الأرض الجديدة .

قال له وزيره : ولكن البحر غدّار يا مولاي ، ولا يعلم أحد ما خلف هذا البحر ولا خبر صحيح عنه .

الملك  : وغدره يجب أن يقابل بدراسة واسعة، ولا بد من التجربة .

الوزير : لقد فقدنا أعظم بحارتنا كفاءة وشهرة ، إنه بحر هائج ، وموجه كالجبال ، وحيتانه

        كالوحوش .

الملك  : لا تحاول يا وزيري ، فلن أيأس أبداً ، ولا بد من المحاولة الثانية، ولعلها تكون أجدى وأنفع .

الوزير : ولكني أخشى ألا يتطوع أحد ليكون طعمة للحيتان .

الملك  : ماهذا التقاعس يا رجل ؟ لم أعهدك من قبل خذولاً ، وسأكون أول المتطوعين .

الوزير : أنت !!  مولاي  .

الملك : (يقاطعه )  نعم … أنا   .

وأردف : وستكون نائبي على عرش مالي حتى أعود مظفراً بإذن الله .

الوزير : مولاي .

الملك  : ( يقاطعه ) ، سنتعلم من أخطائنا السابقة، ولنصبر فإن الزمن سيكشف لنا عن كثير .

الوزير : رافقتك السلامة يا مولاي وأعادك إلينا سالماً مظفراً .

الملك  : مر الناس ليتطوع من يشاء للذهاب معي .

وأردف :

إن الشجاع يخوض البحر مقتحمـا       كأنمــــــــا الموج أزهـار و أدواح

وموجة النهر في عين الجبـان بها       غــــــول وحوت وتــنِّــين وتمساح

الأولاد :  وهل اكتشف الأرض .

الأب   : لا تستبقوا الحوادث ، اسمعوا مني أبين لكم ، ولكني الآن متعب .

سلطان : سامحني يا أبت ، لقد أثقلت عليك .

الأولاد : قم يا أبت واسترح ، فأنت قد كبرت وشِبتَ ..

الأب   : حقاً يا أولادي فأنا متعب ، ولو طال عمري إلى الغد لحدثتكم عن نهاية المحاولة       الأولاد : أطال الله عمرك يا أبت الحبيب .

المشهـــــد الثــــــالث

المــلك البحّـــار

أحمد : هل أنت مستريح يا أبت حتى تحدثنا عن رحلة ملك مالي كما وعدتنا البارحة .

الأب : نعم .

راشد : إن كنت متعباً يا أبت فإننا نؤجل سماع الخبر .

الأب : لا يا أحبتي هأنذا سأحكي لكم .

      إن الملك أعد عدة السفر وجهز السفن وزودها بكل ما تحتاج إليه في عام كامل ، وقد حاول الوزير أن يثنيه عن عزمه هذا فقال له : ألا زلت عازماً على رأيك ؟

الملك : وهل يتراجع ملك عما عزم عليه؟

 وتابع :

-  كم بلغ عدد المتطوعين للرحلة .

-ثلاثة آلاف يا مولاي أو يزيدون قليلاً . 

- سيكون السفر بعد أسبوع إن شاء الله ، فإن عدتُ سالماً فالحمد لله وحده ، وإن لم أعد فالعرش من بعدي لك .

 وأردف :

-عليك أن تنادي بالناس أن موعد الرحيل سيكون في الأسبوع القادم ، وأنشد :

إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة       فإن فساد الرأي أن تتردَّدا

وإن كنت ذا عزم فأنفذه عاجلا       فإن فساد العزم  أن تتقيّدا

ثم قال للوزير :

  -    وعليك أن تعامل الناس بشرع الله الحكيم ، وأن ترفق بهم ، وان تعلمهم حفظ القرآن الكريم والعلوم النافعة كلها ، وأن تحبب إليهم البذل والعطاء وفعل الخيرات .

-سأقوم بذلك في غيابك كأحسن ما تحب إن شاء الله حتى تعود سالماً محققاً لأمانيك بإذن الله .

-لا تعامل الناس على أنهم ملائكة ، فتعيش مغفلاً ، ولا تعاملهم على أنهم شياطين فتعيش شيطاناً ، ولكن عاملهم على أن فيهم بعض أخلاق الملائكة ، وكثيراً من أخلاق الشياطين .

   وأردف :

   ولا يغرنك بشاشة امرئ حتى تعلم ما وراءها ، فإن دفائن الناس في صدورهم ، واعلم أن الله إذا أراد بك خيراً أو شراً أمضاه فيك .

الأولاد : وهل سافر الملك ؟

الأب   : نعم سافر يا أولادي ولكن !

أحمد   : هل عاد الملك يا أبت ؟

الأب   : بكل أسف لم يرجع ، وغاب كما غاب مَن قبله في البحر المحيط ، ولم يدر الناس أوصلوا إلى الأرض الجديدة أم لا .

راشد  : ربما أكلتهم حيتان البحر .

الأب  : ومن يدري فلعلهم وصلوا ولم يستطيعوا العودة ، فقد وجد في الآثار الأمريكية لوح سجلت عليه سورة الفاتحة .

حمدان : إذاً وصلوا .

الأب  : لسنا ندري فالله وحده هو الذي يعلم .

وأردف :

ما حوى العلم جميعاً أحد       لا ، ولو مارسه ألف سنة

إنما  العلم كـبحر  زاخر       فاتخذ من كل شيء أحسنه

سلطان  : ماذا تقول يا أبت ؟

الأب    : أقول : لا أحد يعلم الحقيقة إلا الله .

سلطان  : وماذا بعد يا أبت . أخبرنا ما الذي جرى للملك والوزير .

راشد   : نعم  يا أبت .

الأب   : لم يعد أحد من البحارة كما عاد في الرحلة الأولى ، ليخبرنا بما حدث .

أحمد   : وهل ذهب الفتية المغرورون .

الأب   : نعم يا بني …  لقد قام شباب مسلمون سمعوا بالأرض الجديدة ، فأرادوا أن  يرحلوا لاكتشافها وقال بعضهم لبعض .

- إن الله إذا وسّع على عبد في الدنيا فعليه أن يستفيد من ماله وعلمه فيما يرضي الله سبحانه وليس كصالح الأعمال ذخر للإنسان، ولعل أعظم ذخر لنا هو أن نذهب لننشر اسم الله عالياً في مناطق لم يصلها الإسلام من قبل .

الأولاد : وهل هؤلاء مغرورون ؟ !!..

الأب   : هؤلاء يا بني هم الذين سافروا لنشر دين الله، وسمّاهم الناس بذلك ظلماً وزوراً .

راشد   : ولم سمّاهم الناس كذلك يا أبت ؟

الأب   : لقد أخطأ الناس في ذلك. إن هؤلاء كانوا يريدون نشر الإسلام في الأرض الجديدة التي لم يدخلها دين الله قط  .

سلطان : بارك الله بهم .

الأب   : نعم وذلك ليضمنوا لأنفسهم الجنة ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من أسلم على يديه رجل فقد وجبَتْ له الجنة "

أحمد   : وهل سافروا .

الأب   : طبعاً سافروا يا بني كما أخبرتكم لأنهم أيقنوا بوجود أرض بعد بحر الظلمات .

    وتابع :

    هذه لشبونة ، انظروها على الخارطة ، وهي الآن عاصمة البرتغال .

    وتحسر ، ثم قال :

- لقد كانت البرتغال وإسبانيا دولة واحدة للمسلمين تسمى الأندلس ، وكان فيها علماء ومؤدبون ، وقد سمع ثمانية فتية هم أولاد عم بكروية الأرض ، وكانوا يرون البحر يقذف كل عام ذهباً وتبراً ومخلفات حيوانات وطيور، فقالوا لابد من وجود أرض بعد هذا البحر العميق .

أحمد  : ذهباً وتبراً ومخلفات حيوانات وطيور ؟ أهذا صحيح يا أبت ؟

الأب  : نعم يا بني وهذا ما جعلهم يوقنون بوجود أراض وراء هذا البحر المديد ، فهيؤوا أنفسهم لرحلة طويلة في بحر الظلمات، واستأجروا سفينة كبيرة وحمَّلوها من الزاد والمتاع مايكفيهم لأشهر طويلة .

راشد  : ولم يذهب معهم غيرهم .

الأب  : كانوا ثمانية، ولكن همتهم كثمانين أو ثمانمئة ، والإنسان بذكائه وبقوته .

أحمد  : وهل عاد هؤلاء الفتية المغرورون .

أحمد   : لا تقل بعد اليوم إنهم مغرورون .

راشد   :  هم رحالة مكتشفون  .

الأب   :  أحسنت يا بنيَّ الوصف .

وتابع  : لقد قال أهل الأندلس عنهم يومذاك : هؤلاء شبان مغرورون، وقال آخرون : خدعهم الشيطان وزين لهم أعمالهم .

الابن  : وهل يعقل أن يقول الناس هذا عن فتية مكتشفين .

الأب  : كفانا الله شر الأقوال، الناس يسمّون الأشياء بغير حقائقها وأكثرهم لا يعلمون .

أحمد  : ولهذا قالوا إنهم " الفتية المغرورون " .

الأب  : أجل يا بني ، وسموا الشارع الذي يسكن فيه أولاد العم هؤلاء " شارع الفتية المغرورين "

سلطان : جهلاء .

الأب   : إي والله

هدى : ألم يوضحوا للناس أفكارهم .

الأب   : بلى ، قال أحدهم في نقاش لهم في مسجد المدينة، انظروا إلى الرياح التي تأتينا من الغرب، إنها تحمل آثار أشجار وحيوانات برية تدل على وجود أراض وبشر وحيوانات خلف هذه البحار الكثيفة .

وقال آخر : انظروا إلى أسراب الطيور التي تأتينا في الربيع ، ألا يدل هذا على وجود أراض تنطلق منها هذه الأسراب ؟

وقال ثالث : إن ملك مالي لم يعد وسيكون مصيركم كمصيره .

أحد الفتية : إن عدم عودته لا تعني عدم وجود أراض فيما وراء البحار، وغرق سفنه ليس    دليلا على عدم وجود برٍّ هناك، فإن السفن تغرق كثيراً في المناطق المعروفة ، ويصل بعضها إلى أراض عامرة ، ولا بد من متابعة المحاولات فلعل واحدة تفيد وتثمر .

أحمد  : فعلاً يا أبت ؟

الأب  : وهذا ما فعله الفتية ، إذ انتظروا بضعة أيام حتى تهب الرياح الشرقية على المحيط الأطلسي .

سلطان : ولم يا أبت ؟

الأب  : لأن الرياح الشرقية تدفع السفن بإذن الله باتجاه الغرب ولهذا سافروا معتمدين على الله سبحانه بعد ماقالوا " باسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم ، باسم الله مجراها ومرساها إن ربي على صراط مستقيم "

راشد  : لقد علمنا الأستاذ هذا الدعاء لنقوله عندما نركب سيارة .

الأب  : نعم ويقولها المسلم عندما يركب أي أداة طيارة ، أو سيارة ، والمسلم يذكر الله في كل حال .

حمدان : وما الذي حدث للفتية ؟

الأب  : اسمع يا بني الخبر ولا تتعجل ، فالعجلة من الشيطان ، والتأني من الرحمن ، وهذا من أدب الحديث يا بني .

سلطان : فعلاً يا أبت

أحمد   : هل وصلوا إلى أمريكا .

الأب  : استمر الفتية يسيرون في البحر الواسع مدة أحد عشر يوماً وكانوا يرون في هذه البحار مخلوقات عجيبة ، ويصطادون حيتاناً كثيرة ، إذ جلبوا معهم رماحاً لها ثلاثة رؤوس ينشبونها في حيتان البحر ، وكان لهم دربة وحكمة سبقوا إليها .

سلطان : وهل كانوا صيادين .

الأب   : أهالي البحار كلهم صيادون يا بني ، فهم منذ نعومة أظفارهم يرون البحار ويألفونها ، ولأهالي لشبونة وسبته وباقي مدن تلك البلاد دربة وحكمة سبقوا إليها .

راشد  : وهل يعيشون يا أبت على السمك فحسب ؟

الأب  : لا يا بني فهم يزرعون القمح والشعير والقطن ، ويتاجرون مع المناطق المجاورة وتذهب تجارتهم بين موانئ البلدان ، وكانوا يسمون الموانئ " المراسي " وقد حدثتنا كتب الجغرافيا عن تجارة أهالي هذه المناطق أثناء حديثهم عن الرحلات .

هدى  : أنا أحب حديث الرحلات يا أبت .

حمدان : وأنا كذلك .

راشد : وأنا أحب أحاديث الرحلات فهي مشوقة .

الأب  : اقرؤوا إذاً عندما تكبرون كتاب " نزهة المشتاق في اختراق الآفاق للشريف الإدريسي " ففيه طرائف عن البلاد شيقة وجذابة .

أحمد  : وهل يوجد هذا الكتاب في مكتبتك يا أبت ؟

الأب  : لا ، ولكني اطلعت عليه في المركز الثقافي .

أحمد  : خذني معك يا أبت إلى هذا المركز لأقرأ فيه  .

الأب : نعم سآخذك إن شاء الله أنت وأخوتك لتطلع على المكتبات فهي تنقل إلينا العلم والمعرفة .

راشد : وماذا فعل الفتية المغرورون ؟

الأب : الحديث يطول عما رأوه من حيوانات وعجائب المخلوقات، وقد طال الليل، وغدا عندكم دوام في المدرسة ولذلك سأتابع غداً إن شاء الله ، واذهبوا الآن إلى النوم .

الأولاد : تصبحون على خير

المشهد الرابع

عجائب في جزر الخالدات

سلطان : حدثنا يا أبتِ عما رأى الفتية وعما جرى لهم وهم في طريقهم لاكتشاف الأراضي الجديدة ، فقد ذكرت البارحة أنهم رأوا عجائب وغرائب كثيرة في طريقهم .

الأب   : نعم .. إن هؤلاء الفتية سافروا مدة اثني عشر يوماً كما أخبرتكم ، ثم اتجهوا بسفنهم في البحر اثني عشر يوماً إلى الجنوب .

أحمد   : ألم يروا جزراً خلال هذه المدة كلها ؟

الأب   : بلى يا بني رأوا مجموعة جزر في البحر تسمى "الخالدات " وكان أكبرها جزيرتان ، والعجيب أن هاتين الجزيرتين عرفتا في الآثار العربية، إذ ذكرت أن اسميهما هو مسفها ، ولغوس .

أحمد   : في الآثار العربية .

الأب   : نعم يا بني ، فللعرب كما ثبت خبرة طويلة في علم البحار .

سلطان : وما الذي حكي أو رأوا يا أبت في هذه الجزر ؟

الأب   : رأوا أصناماً كبيرة طول إحداها مئة ذراع ، وفوق كل صنم منها صورة من نحاس تشير بيدها إلى الخلف .

أحمد   : إذاً كان هناك ناس في الجزر.

الأب   : نعم يا بني لقد وصل العرب إلى تلك المنطقة، وهذا التمثال الذي يشير إلى الخلف يدل على نهاية ما وصلوا إليه وكأنهم كانوا يقولون للآخرين تابعوا مسيركم فيما وراء هذه المناطق التي وصلنا إليها .

سلطان : هل وصل العرب القدامى إلى تلك الجزيرة ؟

الأب   : أجل يا بني لقد قلت لك إن العرب وصلوا ، وسجلوا على الصنم عبارات باللغة العربية .

أحمد   : باللغة العربية

هدى : إذاَ لغتنا العربية قديمة جداً .

الأب   : لغتنا يابني لغة حضارة وعلم ، وقد كتبت بها علوم البلدان وحضارات الأمم القديمة والحديثة، ولكن المستعمر يهاجمها ويدعي أنها لاتستوعب معاني الحضارة المعاصرة .

راشد  : ولم يا أبتِ يهاجمها .

الأب  : لأن اللغة العربية لغة القرآن الكريم ولغة تراثنا العربي وإذا ما أضعناهما أضعنا شخصيتنا وقوتنا وهويتنا ، وحينذاك يستطيع العدو أن يغلبنا ويسيطر علينا .

راشد : ولم ؟

الأب : لأننا لو أهملنا لغتنا أهملنا كتبنا وما فيها من قيمنا وذكر عظمائنا ، وقرأنا عن أفكارهم وعظمائهم فننسى ماعندنا .

سلطان : لن أقرأ اللغة الإنكليزية بعد اليوم .

الأب   : لا يا بني احفظها لكن احفظ لغتك العربية قبلها جيداً فهي الأصل ، والانجليزية أو غيرها الثانية ، ومن تعلم لغة قوم أمن شرهم، وعرف مكرهم، وأخذ من علومهم، وقد كان الناس أيام الحضارة العربية والإسلامية يتعلمون اللغة العربية ليستفيدوا من حضارتنا .

- سلطان : نصائحك قيمة دائما يا أبت الحبيب .

   وتابع:

- وماذا فعل الفتية عندما رأوا الصنم ؟

الأب  : عجب الفتية المكتشفون لما رأوا هذه الكتابات  العربية ، ولما قرؤوها وجدوا أن باني هذا الصنم هو أسعد بن أبي كرب الحميري اليمني .

أحمد   : وهل كانت اليمن ذات حضارة عظيمة ؟

الأب  : نعم يا بني .. وقبر أسعد هذا موجود فيها في هيكل مبني من المرمر والزجاج الملون .

سلطان : الزجاج الملون ؟

الأب : نعم يا بني ألم يذكر الله سبحانه وتعالى في قصة سليمان وبلقيس أنه بنى لها صرحاً ممرداً من قوارير " أي من زجاج "

أحمد  : سبحان الله … مانراه من حضارة اليوم فعله أجدادنا في القديم .

الأب  : ولذلك عليكم أن تعتزوا بأمتكم العربية والإسلامية وحضارتها المجيدة .

وتابع  :

-       وهذا الحاكم اليمني هو الذي وصل إلى طرفي الأرض ولذلك لقب بذي القرنين .

أحمد  : أهو ذو القرنين الذي وردت قصته في سورة الكهف ؟ .

الأب  : لا يا بني بل هو شخص آخر ، وكل من وصل إلى طرفي الأرض أي إلى أقصى منطقة عرفها الناس في عصره يسمى بذي القرنين ، وأسعد لقب بذلك لأنه وصل إلى أقصى منطقة برية في بحر الظلمات ، وقد بنى في كل جزيرة وصلها صنماً له ، ومات في هذه الجزيرة فوضع في هيكل من المرمر والزجاج الملون .

سلطان : إذاً كان في البحر ناس يعيشون .

الأب   : بل قل كان في البحر جزر يعيش عليها ناس ، وقد ذكر في التراث العربي أيضاً أن هذا الملك عولج بأحجار لها علاجات طبية .

راشد  : سبحان الله .. أحجار لها علاجات طبية .

الأب  : "وربك يخلق ما يشاء ويختار "

سلطان : صدق الله العظيم .

الأب  : وذكر أن الناس في هذه الجزيرة كانوا قلائل ، ولهذا لم نسمع لهم اتصالات بالأمم الأخرى .

راشد : ولم يا أبتِ ؟

الأب  : لأن مياه الجزيرة قليلة ، وقد ذكر أسعد الحميري في آثاره هذا السبب ، وقال : إن الناس كانوا يموتون من العطش لقلة المياه ، ولعله مات فيها عطشاً .

راشد  : هي جزر الخالدات والناس يموتون فيها من العطش ؟

أحمد : لعل الناس سموها خالدة لأن من لا يموت فيها يكون عمره طويلاً .

     ويضحك الأولاد .

سلطان : وماذا جرى للفتية بعد ذلك ؟

الأب :  رأى الفتية في الجزيرة ناساً ، وكان رئيسها يلبس تاجاً من الذهب ويرتدي حلة منسوجة من الذهب وحوله   مئة امرأة ، ورجال يلبسون قراطف ذهبية وأساور من الذهب والفضة في أيديهم وأرجلهم، ويطيلون شعورهم كالنساء .

راشد  : ألم يتحدثوا معهم ؟

الأب  : لا يا بني فلغتهم ليست عربية .

أحمد  : ألم تقل يا أبت أن اللغة التي كتبت على الصنم عربية .

الأب  : أجل يا بني ، ولكن لعل مستعمراً دخل إلى هذه المناطق وغيّر لغة أهلها ، فالمستعمر إذا حل في بلد غيّر عاداته ولغة أهله، ونشر فيه لغة قومه .

سلطان : ولهذا غيّر المستعمر لغة أهالي الصومال وجزر القمر .

الأب   : أجل يا بني ، وكانتا دولتين مسلمتين ينطق أهلهما اللغة العربية .

راشد   : علينا أن نتمسك بلغتنا ونحارب الاستعمار .

الأب   : أجل يا بني  .

راشد   : وماذا رأى الفتية  بعد ذلك ؟

الأب   : رأوا أيضاً قصراً كبيراً واسعاً ، فيه حجرات كثيرة ، ويجلس فيه ملك مهيب ، وقد وضع خارج القصر جرساً كبيراً .

سلطان : ولم هذا الجرس .

الأب   : قيل إن الملك وضعه لمن أراد منه حاجة ، فإذا أراد الرجل أمراً حرك الجرس ، فيرسل الملك حاجباَ له ليدخل المظلوم إليه فينال حقه .

راشد  : وكيف عرف الفتية ذلك ؟

الأب  : لم يعرفوا سبب وضع هذا الجرس ، فسحبه أحدهم ليرى أمره فجاء خادم الملك وأمسك بيده ، وأخذه إلى الملك .

راشد  : هل سجن ؟

الأب  : لا ، وإنما قدم له الطعام والشراب ، ثم مسح على رأسه، وجعل الملك يكلمه فيبتسم له الفتى ، ثم صافحه وعاد ، ولم يفهم منه شيئاً .

سلطان : الحياة صعبة إذا لم يفهم الإنسان لغة من يلتقي بهم .

الأب   : نعم ، هذا حق يا بني .

وتابع الأب : ثم سار الفتية في البحر فرأوا على بعد جزيرة يلوح فيها نار ودخان .

سلطان : وهل ساروا إليها؟ .

الأب   : نعم يا بني .. اقتربوا ورأوا عجبا .

أحمد : ماذا رأوا ؟

الأب : رأوا ناساً رؤوسهم كرؤوس الدواب .

راشد   : كرؤوس الدواب ؟ .

الأب   : تلك مخلوقات بحرية يا بني ، اسمع خبرهم ولا تستعجل .

راشد  : تفضل يا أبت فأحاديثك شيقة .

الأب  : هذه المخلوقات تغوص في البحر فتخرج دواب البحر لتأكل .

سلطان : ماهذه الأعاجيب يا أبت ؟

الأب   : ورأوا أيضاً ناساً لهم أنياب بادية ، وأرجلهم كالخشب المحروق ، وهم يعيشون على دواب بحرية أيضاً يستخرجونها ويأكلونها .

راشد   : هذا عجيب غريب يا أبت ، لم نسمع بمثله من قبل .

الأب   : لقد قرأت ذلك في كتاب نزهة المشتاق ، وأعجب من هذا أن هناك جزيرة تسمى جزيرة الأخوين الساحرين .

سلطان : جزيرة الأخوين الساحرين؟

الأب  : أجل يابني، ويقول المؤلف إن هذين الأخوين كانا يقطعان المراكب ويهلكان الناس ، ويأخذان أموالهم فمسخهما الله حجرين قائمين على ضفة البحر .

راشد  : الله أكبر يا أبت ؟

الأب  : إن الله سبحانه يعاقب الظالمين ، وقد مسخ اليهود قردة عندما عصوا الله ورسوله وأفسدوا في الأرض، واصطادوا يوم السبت وذلك محرم عليهم .

حمدان  : وخسف الأرض بقارون .

الأب  : بارك الله بك فأنت تعرف معلومات تاريخية جيدة .

أحمد  : بجهودكم وحسن أحاديثكم يا أبت .

الأب  : يكفيكم الآن اليوم فقد بدا التعب على سلطان ، وهو اليوم متوعك .

أحمد  : عافاه الله .

الأب  : أحضر لأخيك كأس ليمون .

سلطان : سأقوم بذلك الآن إرضاء لله سبحانه وتعالى ومحبة لأخي الغالي .

         بارك الله بك يا سلطان وعافاه الله .  

المشهد الخامس

عجائب وغرائب أخرى

راشد : حدثنا ياأبت عن عجائب مخلوقات الله التي ذكرها الرحالة العرب ولا سيما الفتية المغرورون .

الأب : أتريد عجائب ذكرها الفتية المغرورون ؟ أم عجائب ذكرها الرحالة العرب في أي أرض كانت ؟

راشد : لافرق يا أبت فكلها دلائل على قدرة الله سبحانه .

الأب : نعم ، وسبحان الخلاق العظيم .

     وسكت الأب قليلا ثم قال :

    قرأت عن عجائب وغرائب في جزيرة حسران ، ففيها يا أولادي جبل عال في سفحه ناس سمر قصار ، ولهم لحى تبلغ إلى ركبهم ، ووجوههم عريضة إلا أن آذانهم طوال، وطعامهم مما ينبت في الأرض، هم تماما كالبهائم .

سلطان : سبحان من خلق البشر فسوى .

الأب : نعم ، وفي بحر الظلمات أيضا خلق كخلق النساء ولكن لهم أنياب بادية ، وعيونهم تبرق كالبرق ، وسوقهم كالخشب ، ويتكلمون كلاما لا يفهم ، يأكلون دواب البحر ورجالهم ونساؤهم لا لحى لهم .

أحمد : خلق لهم أنياب باديات ؟

الأب : نعم يا بني ، وهن يتزين بالذهب الكثير، فالبحر يقذفه لهم بإذن الله ، ولما رأى الفتية تبر الذهب يقذف من البحر أيقنوا أن هناك أراضي خلف هذا البحر الكبير .

سلطان : تلك أراض غنية .

الأب : نعم يا بني، ولذلك استعمرها الأعداء .

وتابع الأب : 

-ورأوا في تلك البلاد ترابا تأكله النساء الحوامل .

راشد : نساء حوامل يأكلن التراب !! ... ما هذا المزاج ؟

-الأب : ومن العجائب التي أخبر عنها الرحالة العرب أن في بحر الصين وقرب الجبال والمضائق يتطاير من البحر صبيان سود صغار كصبيان الزنج ،طول أحدهم أربعة أشبار ، يدورون في المراكب ولا يؤذون أحدا ، ثم يعودون إلى البحر ، فإذا رآهم أصحاب السفن أيقنوا بقدوم الريح المهلكة ، فتلك علامة لها ،فيأخذون أهبتهم ويرمون في البحر ما زاد عن أمتعتهم ، ويقطعون من طول السواري ذراعين وأكثر مخافة أن تنكسر من الرياح ، وعندما تهب هذه الرياح تهلك الكثيرين ، فإن رأوا طائرا أصفر ذهبي اللون كشعلة النار علموا بانتهاء الأزمة وقرب النجاة .

سلطان : وهل أهالي هذه البلاد مسلمون ؟

الأب : معظمهم وثنيون يسجدون للحجارة لا لله سبحانه بعد أن يصبوا فوقها الدهن والشحم .

راشد : ولم يصبون فوقها الدهن والشحم ؟

الأب : هم يظنون أنها تأكل وتشرب .

راشد : يا لهم من جهلة أغبياء .

سلطان : يا للسخافة ، وهل يعقل الحجر أو يشرب ؟ !! ...

الأب : هؤلاء يا أولادي كالأنعام بل هم أضل كما قال تعالى عنهم .

سلطان : الحمد لله على الإسلام حمدا كثيرا طيبا مباركا .

الأب : ما أجمل هذا الحمد .

سلطان حدثنا يا أبت عن الفتية المغرورين، ماذا جرى لهم ؟

الأب : أتريدون عجائب رأوها ؟ إنهم تابعوا طريقهم في البحر فوصلوا إلى جزر فيها نباتات كشجر الأجاص ، لها ثمار كثمرة الزيتون لكن طعمها غير لذيذ ، ولهذا الثمر زيت تدهنه النساء على شعورهن ، ويقلى به الإسفنج ، وله رائحة كريهة .

راشد  : أهو زيت الزيتون .

الأب   : لا يا بني ، فشجرته كشجرة الأجاص .

أحمد   : إذاً هؤلاء الفتية مكتشفون لا مغرورون .

الأب   : أجل يا بني .. لقد وطئت أقدامهم أراضي لم يطأها غيرهم .

حمدان : لقد كانوا على حق حينما عزموا على اكتشاف الأراضي .

الأب  : طبعاً يا بني ، وعدد الجزر في المحيط الأطلسي أو بحر الظلمات كما يسمى في ذلك الزمان يزيد عن ثلاثين ألف جزيرة ، وقد ذكر بطليموس في كتابه الجغرافي سبعة وعشرين ألف جزيرة .

راشد  : وي ، ماهذا ؟

الأب  : لقد خلق الله سبحانه يا بني الكوكب الأرضي ليعمره بالناس .

سلطان : الكوكب الأرضي ؟

الأب   : نعم ألا ترى الأرض في التلفاز تدور حول الشمس، هي إذاً كالقمر كوكب، اختاره الله سبحانه ليجعل منه مقرا للإنسان الذي خلقه ، ألم يقل " إني جاعل في الأرض خليفة ؟ "

وتابع :

-   ولما رأى الفتية في الأرض الجديدة الأشجار والثمار والحيوانات الكثيرة العجيبة قال أحدهم للآخر :

- لقد اتهَمـَــنا الناس في لشبونة بالغرور وبالجنون ، ولو شاهدوا ما نشاهده لعرفوا فضلنا .

آخر  : أجل والله ، وسنحكي لهم عن حيوانات هذه البلاد الغريبة وثمارها .

ثالث  : هيا إذاً نتابع اكتشافنا فيها .

الأب  : وسار الفتية في أرجاء الجزيرة فرأوا أغناما كثيرة العدد ولا حارس يحميها ، وكانت صغار الحجم  فقال بعضهم لبعض لنأكل من لحمها الغض الطري ، ولنقطف من ثمر التين هذا ، فقد رزقنا الله من نعمائه لحماً طرياً وفاكهة لذيذة .

راشد  : ولكن المياه لديهم قليلة ..

الأب  : أجل يا بني ..

وتابع :

-وذبح الفتية أغناماً ، وأوقدوا ناراً ، وشووا اللحم ولكنهم ما إن وضعوا اللقم الأولى في أفواههم حتى لفظوها ..

راشد  : ولم يا أبت .

سلطان : أهي مسمومة ؟

الأب   : لا ، ولكنها كانت مرة الطعم ، ولذلك لفظوها من أفواههم .

أحمد   : وهل تركوها كلها  ، لعل بعضها أحسن من بعض .

الأب   : ربما كان مرعاها نباتاً مراً ، ولكنهم على أي حال أخذوا جلودها لينتفعوا بأصوافها ، وبينما كانوا يعلقون الأصواف على سواري السفن لاحظوا أن المياه تدور قريباً منهم كما تدور حجر الرحى ، فصاح أحدهم بصوت الخائف الفزع :

-  انظروا، إن الماء تدور هنا ، حوّلوا وجهة السفينة إلى الجنوب، إن السمك لا يقترب من هذه المنطقة فلعله عرف أخطارها قبلنا .

راشد  : وماذا جرى للفتية ؟

الأب : حولوا دفة السفينة إلى الجنوب، وتوجهوا بقلوبهم إلى الله سبحانه لينجيهم من

        شر البحر وأهواله .

سلطان : وهل نجوا ؟

الأب   : نعم يا بني، فقد كان معهم من الماء والزاد ما يكفيهم أشهراً عديدة ، والله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين، وعمر الإنسان محدد لا يتغير .

وتابع :

-وكانت مياه المحيط الأطلسي، أو بحر الظلمات كما ذكرت تسير بهم في موج كالجبال ، وسط فضاء قليل الضوء ، كريه الرائحة ، كثير الأسماك .

أحمد  : لماذا تغيرت الدنيا عليهم يا أبت ..

الأب  : اسمع تتمة الحديث يا بني ..

سلطان : تفضل يا أبت جزاك الله كل خير .

الأب  : ولاحت لهم جزيرة من بعيد ، بواسطة المنظار الذي حملوه معهم .

أحمد  : وهل كان العرب يعرفون المناظير .

الأب : أجل يا بني ،ألم أخبرك بأن العرب كانوا ذوي حضارة عظيمة .

سلطان : إيه ، وماذا حل بهم ؟

الأب : قال بعضهم لبعض :

-الخطر يحدق بنا .

قال آخر : لا ، بل هي جزيرة ، أو لنقل إنه جبل في الجزيرة يتراءى أمامنا من بعيد .

ثالث     : نعم إنها جزيرة ، فلنتجه إليها .

رابع      : اللهم رحماك . وندعوك في البأساء والضراء أن تكشف بلوانا .

الأب   : وتوجه الجميع إليها ، وشعر ربان السفينة بأن السفينة بدأت تنجذب بسرعة غير عادية فطلب من الجميع أن يجدّفوا معه بالاتجاه المعاكس لعلهم ينجون ، فسأله أحدهم :

ولم يا بن العم ؟

- لعل هذا جبل مغناطيسي ، فقد سمعت أن في المحيط الهندي جبلاً من مغناطيس لا يمر به شيء من المراكب المسّمرة بالحديد إلا جذبها فلا تستطيع الخلاص منه ، ولعل في هذا المحيط جبل مثله .

راشد  : يا إلهي ماهذا ، جبل من مغناطيس ؟ !! ..

الأب  : مخلوقات الله عجيبة يا بني ، وتوجد في كل مكان، ثم ألم يقل الله سبحانه وتعالى " وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس ؟ فالحديد منزل من السماء .

هدى : ماذا ؟ ! ! .. الحديد منزل من السماء ؟

الأب : أجل يا بنتي ولقد عرف الناس اليوم معنى هذه الآية الكريمة حينما تأكدوا أن الحديد ينزل من السماء .

راشد : سبحان الله العظيم القادر .

سلطان : وماذا فعل الفتية المغرورون ؟

الأب   : اتفقوا على أن يلقوا ما معهم من الحديد لئلا يجذبهم المغناطيس حتى ينجوا، ثم جدّفوا بكل قواهم إلى الجهة المعاكسة ، كما طلب منهم ربان السفينة حتى نجوا .

راشد  : الحمد لله رب العالمين على نجاتهم .

الأب  :  نعم .. عمرهم طويل ، وهم أناس مؤمنون ، ولهذا راحوا يصلون شكراً لله الذي نجاهم ،  وهذا حال المسلم عندما تأتيه نعمة ما .

سلطان : ونحن نشكر الله سبحانه عندما نأخذ علامات مرتفعة .

الأب   : هل تشكره بالصلاة مثلهم .

سلطان : لا ، بل أقول الحمد لله رب العالمين فقط .

 الأب  : الشكر يكون باللسان ، ويكون بالفعال ، وأحب الأعمال إلى الله الصلاة ، فهي الركن الثاني في الإسلام بعد شهادة أن لا إله إلا الله أن محمد اً رسول الله .

راشد   : إذاً  لنصل الآن العشاء لئلا نتأخر .

  الأب : ونتابع في الغد إن شاء الله  .     

      المشهد السادس

عــــــــادات وغـــــــــرائــــــب

سلطان : في المرة السابقة يا أبت حدّثتنا عن وصول الفتية المكتشفين إلى جبل المغناطيس الذي نجوا منه، فماذا فعلوا بعد ذلك ؟

الأب  : نعم  يا بني ، هذه الخريطة تعرِّفكم كيف نجوا وإلى أين اتجهوا ، انظروا، هذا مثلث الخطر الذي أطلق عليه اسم مثلث برمودا . لقد كانوا يسيرون باتجاه الغرب إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، ثم اتجهوا إلى الجنوب فوصلوا إلى أمريكا الجنوبية .

سلطان : فماذا فعلوا ؟

أحمد   : وماذا رأوا .

الأب   : دخلوا الجزيرة فرأوا فيها أناساً عراة لا يسترهم شيء إلا ورق الشجر .

سلطان : أهم طرزان الذي نراه في التلفاز ؟

ضحك الأب وقال :

-وهناك ماهو أغرب فاستمع يا بني .

سلطان : حسناً يا أبت ..

راشد  : هؤلاء يخيفون .

الأب : سبحان من زيّننا بستر عوراتنا باللباس، فلباس الإنسان زينة له يستر به عورته ..

الأم   : اللباس زينة للمسلم والمسلمة ، ولذلك قال تعالى : يا أيها الذين آمنوا خذوا زينتكم عند كل مسجد .

راشد : أنا لم أفهم يا أمي .

الأم   : طلب الله سبحانه من الرجل أن يستر عورته، وطلب من المرأة أن تستر جسدها وقال لهما : " يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوءاتكم وريشاً ولباس التقوى ذلك خير " .

الأب  : صدق الله العظيم  .

أحمد   : وهل انتهى المطاف عند هؤلاء ، أم استمروا في اكتشافاتهم .

سلطان: هذه حكاية العجائب والغرائب يا أبت .

الأب : ولكن كل ما فيها قد حدث في مكان ما .

وتابع : هؤلاء الفتية رأوا الرجال يتكلمون فيما بينهم بلغة غير لغتهم ، وينظرون إليهم نظرة الحانق الغضب ، فقال أحدهم :  إن هؤلاء القوم قد حقدوا علينا ، فما رأيكم أن نهديهم جلوداً من الصوف الذي حملناه من الجزيرة لعلهم يرونها جميلة فنأمن شرهم وكيدهم؟ ، فإن الهدية كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تذهب وَحَرَ الصدور "

آخر : ثم نتوجه بإذن الله إلى مكان آخر ، لنتابع جولتنا حول العالم .

ثالث : وحينذاك سيجعلنا الخليفة دعاةً لله في هذه البلاد . 

رابع : وهذه هي أمنيتنا وغايتنا .

راشد  : وأكمل يا أبت القصة فهي مشوقة جداً .

سلطان : جزاك الله خيراً يا أبت ، تابع حديثك الشيّق .

الأب  : لقد اختار هؤلاء أجمل الهدايا ، وقدموها إلى رئيسهم

أحمد  : وماذا فعلوا بعد .

الأب  : اصطادوا ثعبانين وقطعوا رؤوسها وأذنابها ثم أكلوها .

سلطان: وهل يؤكل لحم الثعابين .

الأب  : ليس لحمها حراماً يا بني، وإنما يحتاط الناس الخبراء بأكلها من مكان السم فيقطعونه قبل طبخه .

وتابع الأب : لكل بيئة يا بني طعام خاص اعتادت عليه  .

الأم  : إننا نشمئز من هذا الطعام .

الأب : حقاً لقد أكرمنا الله بالحضارة والمدنية وأبعدنا عن أمثال هذه الأطعمة .

راشد  : وهل رأوا شيئاً آخر في هذه الجزيرة ؟

الأب : نعم ، يا بني .. لقد رأوا أعواداَ يابسة ، فلما أوقدوا النار بها ليطبخوا فاحت منها روائح عبقة .

الأم  : سبحان الله … القوم القذرون أعطاهم الله شجراً طيب الرائحة .

سلطان : ألم يأخذوا منه عطراً .

الأب  : بلى لقد أحضروا معهم أعواداً منه ليثبتوا لأهالي الأندلس أن ما قالوه كان حقاً .  

أحمد  : هم أذكياء يا أبت .

الأب  : فعلا ، وقد تجولوا في البلاد فرأوا مخلوقات غريبي الخلقة كالنسانيس .

حمدان : ماذا ؟ نسانيس ؟

الأب : نعم ، فقد ذكر المسعودي أن ناساً يسمون نسانيس يتعلقون بالشجر عراة، لا يفهم لهم كلام، وهم يستوحشون من البشر ويتعلقون على الشجر بأيديهم ، ولا يُدرَكون لسرعة جريهم .

راشد : ما هذه المخلوقات ؟ .

سلطان : إني أسمعها لأول مرة في حياتي .

أحمد   : أهم قردة .

الأب   : لا يا بني ، وربك يخلق ما يشاء ويختار .

سلطان : سبحان الله .

الأب  : قوم يأجوج ومأجوج يا بني قصار جداً فلا يتجاوز أحدهم ثلاثة أشبار فقط كما ذكر المسعودي ،وقد ذكر هذا المؤرخ أيضا أن في المحيط الهندي جزراً تحوي أناساً طول الواحد منهم ثلاثة أشبار أيضاً .

أحمد  : سبحان من خلقنا فسوانا وهدانا .

سلطان: ألم يروا أناساً مثلنا .

الأب  : بلى يا بني ، رأوا أناسا مثلنا ولكن عاداتهم وتقاليدهم تختلف، ولكل شعب عاداته وتقاليده .

سلطان : ولم يا أبت ؟

الأب   : كل قوم يتبعون دينهم وعادات شعوبهم، ولهذا تختلف العادات والتقاليد من قوم إلى قوم ، ومع مرور الزمن تتضح الفروق أكثر، وتصير العبادات أحيانا عادات وثقافات يمتاز بها كل قوم عن غيرهم .

أحمد : حدثنا عن عقائد هؤلاء الناس وعاداتهم يا أبت ، فالرحلة إلى البلدان نصف العلم كما يقولون .

الأب : نعم ، كان الرئيس في البلد المكتشف يقف مع زوجاته، والزوجة لا حجاب لها ، وكانت ترتدي حلة مذهبة وعلى رأسها تاج مرصع بالذهب والأحجار الكريمة ، وفي نعليها حذاء من ذهب ،أما الشعب فلا نعال في أرجلهم ، بل لا يحق لأحد أن يرتدي نعلاً إلا الملكة ، وإلا قطعت رجلاه ز

راشد  : ما هذا الظلم يا أبت ؟

الأب  :  إذا لم يحكم الناس بالدين فإنهم يصيرون كالذئاب .

أحمد  : لقد قال لنا الأستاذ اليوم بيتاً من الشعر بهذا المعنى .

الأب  : وما هو يا بني .

أحمد  : قال :

وليس الذئب يأكل لحم ذئب     ويأكل بعضنا بعضاً عيانا

الأب  : صدقت يا بني ، وما نراه اليوم من جرائم في أصقاع الأرض يثبت أن البشر يصيرون أحياناً شراً من الوحوش الضارية .

الأم   : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

حمدان  : ولهذا راح الفتية ينشرون الإسلام .

الأب  : حقاً يا بني ، فإن نشر الإسلام يعني إنقاذ المجتمعات من الظلم والقسوة .

سلطان: وماذا حصل بعد يا أبت ؟

هدى : وهل قطعت أرجل الفتية لأنهم كانوا يرتدون أحذية ؟

الأب  : لا يا بني فهؤلاء غرباء .

سلطان: وماذا جرى لهم بعد ذلك .

الأب  : ورأوا المرأة تركب مع زوجها الملك ويركب وزراؤه أيضاً على الفيلة ، وكانت الرايات ترفع والأبواق تدق، والملكة هي التي تجمع الأموال من شعبها .

أحمد   : تقوم الملكة بهذا العمل بنفسها ؟

الأب   : ألم أقل لكم إن هذه عادات القوم ، وهي تختلف عن عاداتنا ؟

الأم     : كان على المرأة أن تضع الحجاب على رأسها .

       وتتابع : ألم يجدوا  رجلا يحكم البلاد !

الأب   : علينا أن نتذكر أن هؤلاء لم يعلمهم أحد تعاليم الدين، فكان الرجل يتزوج مئة امرأة ، بل إنه لا يصير ملكاً حتى يتزوج مئة امرأة .

سلطان : أوه 

راشد  : مئة زوجة !! يا إلهي .

الأب  : ولكل زوجة مكانتها وحقوقها .

الأم   : وماذا يعبد هؤلاء القوم ؟

الأب  : يعبدون أصناماً من دون الله .

أحمد  : إذاً هم كفرة كأصحاب جزيرة الخالدات .

الأب  : نعم يا بني لأن الإسلام لم يصلهم .

الأم   : بارك الله بجهود هؤلاء الفتية .

الأب : ورأى الفتية أيضاً صنماً بدنه مستور بلباس ، وعيناه جوهرتان ، وعلى رأسه إكليل من الذهب كالذي تضعه الملكة المرأة ، وقد وضع الصنم في قبة محاطة ببيوت الخدم .

أحمد  : قاتلهم الله أنّى يؤفكون .

الأب  : حقاً لقد افتروا على الله كذباً ، فالله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له ،وقد قال الشاعر :

إذا الإيمان ضاع فلا أمــــانٌ             ولا دنيا لمن لم يُحْيِ دينا

ومن رضي الحياةَ بغير دينٍ            فقد جعل الفناء لها قريباً

وتابع :

سنعود إلى تتمة الحديث غداً إن شاء الله فأنا اليوم متعب.

هدى : عافاك الله يابني .

الأولاد : اذهب ونم بخير إن شاء الله يا أحسن أب في الدنيا . 

الأب : بارك الله بكم يأ أحبة القلب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الجميع : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، وجزاك الله يا أبت كل خير . 

المشهد السابع

التِّـنِّـيــــــن المُـْـرعــــــب!!..

 

حمدان : هل أنت بخير يا أبت حتى تكمل لنا قصة الفتية المغرورين ؟

راشد : بل قل المكتشفين الشجعان .

الأب : الحمد لله أنا بخير من الله ، واسمعوا يا أولادي هذه القصة العجيبة فقد قرأتها في الكتاب الذي تحدث عن هؤلاء الفتية المكتشفين الشجعان كما قال راشد .

سلطان  : ما هي يا أبت ؟

الأب : لقد ذكروا أن إحدى الجزر التي وصل إليها الفتية كانت جزيرة عامرة ، فيها جبال وأنهار، وأشجار وثمار وزروع ، وحصن عال، وكان فيها تنين عظيم يبتلع كل من مر عليه .

سلطان : ما معنى تنين يا أبت ؟

الأب  : هو ثعبان ضخم جداً  .

راشد  : أليس هذا يلدغ ولا يأكل .

الأب : قلت لك يا بني إنه ضخم جداً بحيث كان سكان المنطقة يقدمون له في كل يوم ثورين خوفاً من أن يتلف ماشيتهم ، وكانوا يضعونهما قرب مرقده ، فلما جاءهم الإسكندر حكوا له القصة فقال أروني مكانه وطريقة طعامه ،ففعلوا فرآه كالسحابة السوداء ،عيناه تلمعان كالبرق ، والنار تخرج من جوفه .

راشد  : ألا يحترق يا أبت بهذه النيران .

الأب : الله سبحانه خلق هذا الحيوان بهذه الصفة ليظهر به قدرته .

راشد : سبحان الله .

سلطان : تابع يا أبت .

الأب : ولما وضع الثوران أمامه ابتلعهما ، ففكر الإسكندر في حيلة ينقذ بها أهل المدينة فأمر أن يذبح ثوران ويسلخا ، ويحشى جلدهما زفتاً وكبريتاَ ، وكلساً وزرنيخاً .

راشد : ولم يا أبت ؟

الأب  : كان الإسكندر ذكيا لأنه سيطعم التنين الثورين المحشوين بالمواد المحرقة فيموت بها ويتخلص السكان من شره ، وفعلاً أكلهما التنين فأحس بحرارة شديدة في جوفه، فأراد أن يتقيأهما ، ولكن الإسكندر كان قد وضع تحته كلاليب ، فلما تحرك غرزته الكلاليب في حلقه فخر على الأرض، وفتح فمه فألقى فيه الإسكندر جمرة من النار هيأها لهذا الوقت ، فاشتعلت الأخلاط الممزوجة في بطنه فمات،  وفرج الله به الكرب .

أحمد : ما هذا الاختراع العظيم يا أبت ؟

الأب  : لكل قوم ذكاء يا بني ، ولقد ساعدهم الإسكندر أيضاً في التخلص من دابة كالأرنب، يبرق شعرها في صفرة كالذهب، وتسمى الفرّاج  ، في رأسها قرن واحد إذا رأته الوحوش هربت منه .

سلطان : دابة كالأرنب تخيفهم ؟

الأب : نعم  لأن لها شعر تغرزه في الوحوش حين تقفز عليها .

وتابع : وأشد من هذا أن ابن بطوطة .

راشد : من يا أبت ؟ بطة

الأب : لا يا بني لا تهزأ به فهو رجل عالم وفقيه تقي ، والله لا يحب المستهزئين .

راشد : معذرة يا أبت ، فأنا لا أستهزئ بأحد ، ولكني لم أفهم اسمه بشكل واضح  فذكرت ما أعرف من الأسماء المشابهة .

الأب  : حسناً يا بني، إنه ابن بطوطة، رحالة جغرافي وصل من المغرب إلى أقصى الصين، واسمه محمد بن عبد الله الطنجي .عاش في القرن الذي عاش فيه الفتية المغرورون، وكان المسلمون نشيطين في هذا القرن ، فبعضهم كان يسافر براً ، وآخرون يسافرون بحراً ليتطلعوا إلى العوالم الأخرى وينشروا فيها دين الله سبحانه .

أحمد  : وأين قرأت خبر رحلته يا أبت .

الأب  : لقد قرأته في كتاب ألفه بنفسه ، وسماه " تحفة النظار في غرائب الأمصار ، وعجائب الأسفار " وهو كتاب تحدث عن حضارات الأمم  في ذلك القرن .

أحمد  : والأوربيون اليوم يأتون إلى بلادنا .

الأب  : الأمة النشيطة ترسل رجالها إلى البلدان فيأتونها بالأخبار .

أحمد  : الرحالة إذاً رجل سياسة .

الأب  : أجل يا بني، وهو كالصحفي الآن ، ينتقل من بلد إلى آخر لينقل إلى بلاده أخبار الأمم الأخرى .

سلطان : إذاً سأصير صحفياً .

الأب   : ولكن هذه المهنة تحتاج إلى تقوى ، فاتق الله ولا تقل إلا حقاً لأن الصحفي إن كذب انتقلت كذبته إلى الآفاق، وعوقب عند ربه والله لايحب الكاذبين .

سلطان : الخوف من الله يا أبت يمنعنا من ذلك .

الأب   : بارك الله بك يا بني ، فالخوف من الله سبحانه وحده مِلاك الأمر كله .

الأم    : وعليك بصدق النية والإخلاص لله .

سلطان : سأتزود بنصائحكما لمستقبلي الصحافي إن شاء الله .

الأب  : حسناً يا بني وبارك الله بك .

أحمد   : تابع لنا حديثك عن ابن بطوطة  .

الأب : نعم ، وقد ذكر ابن بطوطة في رحلته أنه رأى في لاهري، وهي مدينة لاهور في باكستان اليوم ، حجارة على شكل بشر .

أحمد : أهي أصنام ؟

الأب : لا ، ولكنها، كما علِم ، بشر مسخهم الله حجارة .

راشد : ولم ؟

الأب : لأنهم أكثروا في البلاد الفساد فصب عليهم ربنا تبارك وتعالى عذابه بهذه الطريقة .

راشد : وهل علم ابن بطوطة بما فعلوا ؟

الأب : نعم ،فقد ذكر أنهم أحرقوا ناسا وهم أحياء .

سلطان : ماهذه الجرائم البشعة ؟

 الأب : في الهند تحرق المرأة الهندوسية نفسها بعد ممات زوجها، ويعدون ذلك فضلا منها وكرامة .

-راشد : كيف ؟

-الأب : هي لا تعبد الله بل يعبد كثير من أهل الهند البقر إلى يومنا هذا .

-سلطان : هذا غريب بل لا يكاد يصدق .

-الأب : احمدوا الله على أن هداكم للإسلام الطاهر النظيف .

-أحمد : الحمد لله على نعمة الإسلام ، وهل رأى ابن بطوطة غرائب أخرى ؟

-الأب : نعم ، رأى ناسا سحرة يسمى الواحد منهم " جوكي "  أو " كفتار" وهم يتشكلون بهيئات شتى .

-راشد : كيف ؟

-الأب : بالسحر يابني ، وقد قال تعالى محذرا من اتِّباعه : ( ولا يفلح الساحر حيث أتى ) . إن السحرة يا ني كإبليس اللعين من يتبعه يكفر .

-راشد : " إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا " 

-الأب : صدق الله العظيم .

وتابع الأب :

- هؤلاء الجوكيون يا أولادي يمتصون دماء المسلمين في الهند إن تمكنوا من خطف أحدهم

- أنا لا أكاد أصدق ما سطره ابن بطوطة

- الأب : ولكن ابن بطوطة ألف كتابه هذا وقدمه إلى ملك المغرب ، ولو حوى افتراءات لكذبه عليها ، فضلا عن أنه فقيه مسلم من الأندلس .

- سلطان : هو إذا من بلاد الفتية المغرورين .

- الأب : وهو من عصرهم أيضا .

    وتابع :

-  الحديث عن العجائب فيه ذكر لقدرة الله سبحانه و لحضارتنا المجيدة،  وقد ذكر ابن بطوطة من عجائب الدنيا في مدينة دمشق السورية أن في مسجدها غرفة بها نوافذ على عدد ساعات النهار ، وللنوافذ أبواب صبغ باطنها باللون الأخضر، وظاهرها بالأصفر ، فإذا ذهبت ساعة من النهار انقلب الباطن الأخضر ظاهرا والظاهر باطنا ، وهذا يدل على معرفة العرب والمسلمين بالأوقات والساعات وحسابها .

-أحمد : المسلمون كانوا مهرة في كل شيء .

- الأب ومن عجائب خلق الله سبحانه أن في مدينة ( دَهْ فتن ) في بلاد المليبار المتاخمة لحدود الصين شجرة تسمى (دَرَخْت )،أوراقها كأوراق التين إلا أنها ناعمة، وهذه الشجرة تسقط ورقة واحدة بعد أن يتحول لونها إلى الصفرة ثم إلى الحمرة، ويكون مكتوبا عليها كما ذكر ابن بطوطة شهادة أن ( لاإله إلا الله  محمد رسول الله )، وذكر أن المسلمين والكفرة يجلسون تحت هذه الشجرة ليأخذوا الورقة ، فإن سقطت أخذ المسلمون نصفها ، وجعل النصف الآخر في خزانة السلطان الكافر ، وهم يستشفون بها للمرضى ، وقد كانت سبب إسلام ملكهم ( كويل) ، ولما حاول أحد الكفرة قلعها هلك ونبتت أحسن مما كانت عليه .

راشد : سبحان الخلاق العظيم

أحمد : يخلق الله ما يشاء .

سلطان مخلوقات الله تعالى عجيبة وهذا مما يزيد الإيمان في القلوب .

الأب : وهناك طائر يدعى ( الرخ ) يرى في السماء كالريح  أو كالسحاب المتجهة لضخامته .كما ذكر الإدريسي في كتابه نزهة المشتاق أن في بحر الصين دابة لها جناحان كالقلاعين تشيلهما في الجو وتقلب المراكب وطولها مئة ذراع أو نحوها ، وإذا رأى أهل المراكب هذه الدابة ضربوا الخشب بعضها ببعض فتهرب ، والأغرب من هذا أن الله سبحانه سلط على هذه الدابة سمكة صغيرة تدعى الهبيدة إذا رأتها الدابة الكبيرة نفرت فلا تستقر في مكان ما كانت الدابة تتبعها لئلا تدخل إلى فمها فتأكل أحشاءها .

سلطان : سبحان الله ، ولكن يا أبت ماذا جرى للفتية المغرورين في أمريكا؟

الأب : سأتابع الحديث عنهم غدا إن شاء الله فقد شغلنا عنهم اليوم بعجائب خلق الله سبحانه ، وفي ذلك ذكر لقدرة الله تعالى .

الأولاد  : سبحان الخلاق العظيم ، وجزاك الله يا أبت كل خير على هذه المعلومات التي تهدينا إياها .

المشهد الثامن

الفتية المغرورون في أمريكا

الأب   : سأتابع الحديث يا أحبتي عن الفتية المغرورين :

        لقد حمل أحدهم منظاره وراح يتطلع إلى البعيد فرأى جزيرة فيها أشجار كبيرة ، وبيوت منتظمة  فقال لصاحبه :

-هل سبقنا أحد إلى هذه الأرض ؟

- آخر : لعلهم سكان البلاد الأصليين .

راشد : نعم لعلهم سكان البلاد الأصليين .

الأب : نعم هي منازل سكان البلاد الأصليين، وعندما نزلوا فيها صادفتهم قرود كثيرة ، ألوانها حمر ، وذنبها طويل .

راشد   : إيه .

الأب   : وعندما أحست القرود بهم راحت ترجمهم بالحجارة والموز .

سلطان : إذاً أكلوا الموز اللذيذ .

الأب   : كما أكلوا ضربات الحجارة .

الجميع يضحك .

راشد  : وماذا فعل الفتية ؟

 الأب : كانوا أذكياء فقد وجهوا إلى القردة شعلة من نار فهربت ، ثم حوّلوا سفينتهم إلى منطقة أخرى .

سلطان : لم لم ينزلوا بها ؟

الأب   : لقد نزلوا بها مضطرين ، فقد نزل عليهم مطر غزير اضطروا بسببه أن يدخلوا الجزيرة ليحتموا بها .

راشد   : وماذا رأوا فيها .

الأب   : رأوا أناساً يضعون على أنوفهم أصدافاً فعرفوا أنهم غواصون ، وأن في الجزيرة لؤلؤاً .

أحمد   : وكيف عاملهم أهل الجزيرة .

الأب  : عاملوهم معاملة طيبة ، جاؤوهم  بفواكه قدموها إليهم ، ولكن الفتية لم يعرفوا كيف يأكلونها لأن قشرتها غليظة ، فكسروها أمامهم وشربوا ماءها ، وأكلوا لُبَّها .

راشد  : إذا ارتاحت نفوس الفتية من هذه المعاملة الطيبة .

الأب  : نعم ، واطمأنت قلوبهم ، ولا سيما بعدما عقد الغواصون حفلة استقبال لهم .

أحمد  : وكيف يا أبت ؟

الأب  : راحوا يرقصون لهم ، ويغنون على طريقتهم ، كأنهم يحتفلون بمقدم عزيز عليهم .

سلطان : سبحان الله الذي يكرم عباده في كل مكان .

الأب  : وكان أعجب ما رأوا أسوداً تتحاشى الناس .

سلطان: أسود تتحاشى الناس ؟

الأب  : أجل يا بني ، وقد اقترب أسد من الفتية ، فلما شعر الغواصون بذلك قاموا إلى سكاكينهم وعصيهم الحديدية ذات الرؤوس الثلاثة ، وضربوه بها فتدفق الدم سريعاً من رأسه ، وراح يولي دبره وهو جريح .

أحمد  : هؤلاء الغواصون شجعان وطيبون معاً .

الأب  : في الناس خير يا بني ، وأنس ومودة ، إلا إن أحس أحدهم بالخطر فحينئذ يتحول إلى ذئب أو وحش كاسر .

أحمد  : ولكن بعض الناس يؤذون دون أن ينتفعوا .

الأب  : هؤلاء قلائل يا بني، والشيطان يغري ويغوي ، ولذا على المرء أن يتبع سبيل ربه لئلا يفسد فتفسد حياته وحياة من معه في الدنيا والآخرة .

سلطان : وماذا حصل للفتية بعد ذلك يا أبت ؟

الأب   : ولما حان المساء وكان الفتية لا يدرون أيان يذهبون، بدا عليهم الحيرة فأمسك واحد من الصيادين بيد أحد الفتية، وسار به فتبعه الآخرون، فأخذه إلى ملكهم .

سلطان : وهل لهم ملك ؟

هدى   : هل قتلوهم ؟

الأب   : كان الملك بهم رحيماً ، فقد ابتسم لهم ، وأطعمهم من فواكه البلد .

وسكت الأب قليلاً ثم قال :

- وهناك رأوا أمراً عجباً .

سلطان : وما هو يا أبت ؟

الأب   : جاءه رجل فقبل يديه ورجليه ، ثم قتل نفسه أمامه وهو يضحك .

راشد   : ولم يا أبت ؟

سلطان : أيقتل الإنسان نفسه وهو يضحك ؟

الأب   : هذه عقيدة القوم ، كأنه يشير بذلك إلى حبه له .

سلطان : مجنون .

الأب   : وكان معه امرأة، فلما قتل قدم الملك للمرأة صرة، فلما فتحتها وجدت ذهباً كثيراً ،

           فقبلت يد الملك وانصرفت .

أحمد   : إذا ً الملك بخيل لا يعطي شعبه بسهولة .

الأب   : الله سبحانه وتعالى قال في كتابه عن عباده " وأكثرهم لا يعقلون "

أحمد   : الحمد لله على نعمة الإسلام .

الجميع : الحمد لله رب العالمين .

أحمد   : وماذا جرى للفتية بعد ؟

سلطان: ولمَ القلق ؟ ، ألم يقل أبي إن الملك أطعمهم بعد ما ابتسم لهم .

راشد  : ولكن الرجل قتل نفسه لتأخذ أسرته مالاً ، أليس هذا ظلم بالناس .

الأب  : الملك كان بهم رحيماً فقد استضافهم عنده ، لكنهم أشاروا إليه ففهم منهم أنهم يريدون الانتقال إلى مكان آخر ، فودعهم بعد ما أعطاهم ذهباً كثيراً ، وركبوا السفينة وهم يقولون (باسم الله مجراها ومرساها) واستمروا يسيرون في البحر الواسع حتى رأوا عمارات وزروعاً ، فقال أحدهم : انظروا هذه أبنية وزرع فلننزل هنا ، فلا شك أن فيها أناساً .

راشد : هذه المناطق إذاً كثيرة السكان .

الأب  : نعم يا بني , واقتربوا من الجزيرة شيئاً فشيئاً ، ومناظيرهم على أعينهم وفتنوا بالمناظر البديعة في هذه الجزيرة الواسعة ، وبينما هم في شغل بذلك إذ اقترب منهم عدد من الرجال قد أسبلوا شعورهم على ظهورهم .

سلطان : وماذا يريدون منهم يا أبت ؟

الأب   : اسمع يا بني ما الذي فعلوه بهم ؟

راشد   : هل قتلوهم ؟

الأب   : لقد أحس الفتية بالخطر، رأوا هذه الجماعة تقترب منهم ، دون أن يصدر أحدهم صوتاً واحداً ثم طوقوهم من كل جهة ، ثم قفزوا ليقبضوا عليهم .

راشد  : وماذا فعلوا بهم ؟

سلطان : مساكين .

أحمد   : كان الملك السابق أرحم بهم .

حمدان : لعله هو الذي أرسل إليهم من يقبض عليهم .

الأب   : ذلك في علم الغيب يا بني ، الذي نعلمه أنهم قبضوا عليهم ، واستولوا على سفينتهم ومتاعهم ، وجميع ما جاؤوا به من مال وزاد . 

أحمد  : هذا فخ نصب لهم .

سلطان : بل هذا هو الملك الظالم .

راشد   : ولمِ لمْ يدافعوا عن أنفسهم ؟

الأب   : لو قاتلوا القوم لقتلوهم ، فهم ثمانية بين سكان بلاد غرباء عنهم والأسلم لهم أن يسكتوا ليروا ما سيفعل بهم ، فلعل ملكهم يرأف بهم .

راشد  : فعلاً يا أبت .

سلطان: لكن السجن عذاب مرير .

أحمد  : والحرية ثمنها غال، ألم ندرس عن الشهداء وفضلهم، ولقد قال الشاعر أحمد شوقي:

وللحرية الحمراء باب           لكل يد مضرجة يدق

الأب  : الحرية ثمنها غال يا بني ، وعلى الإنسان أن يحصل عليها بأي وسيلة كانت ، ولكن عليه أيضا أن يتصرف بحكمة ، والحكمة تقتضي ألا يزهق المرء روحه في ظرف قد ينجو فيه .

   وسكت الأب قليلاً ثم تابع :

- كان عليهم أن يوضحوا لأهالي البلد غرضهم من القدوم، وحينذاك قد يساعدونهم في مهمتهم .

سلطان : وكيف وهم لا يعرفون اللغة ؟

الأب   : الله سبحانه خلق في الإنسان قدرة التعبير بوسائل متعددة وجعله يتعلم بسرعة ، وربما ينجون إن تعلموا لغة القوم أو عرفوا طريقة لإيصال مرادهم .

أحمد   : إذا عليهم أن يمكثوا عندهم مدة طويلة ليتعلموا لغتهم ويتفاهموا معهم .

الأب   : ألم أقل لكم إن أهل لشبونة نعتوهم بالمجانين وآخرين وصفوهم بالمغرورين .

سلطان : ولكنهم ليسوا كذلك ، لأنهم مكتشفون .

الأب   : والمكتشف يغامر ، و لنسمهم نحن بالمغامرين أو بالمكتشفين .

أحمد   : فعلاً .

سلطان : ولكن المغامرة طموح .

الأب  : وهؤلاء طمحوا بنشر الإسلام في الأرض الجديدة، أليس هذا طموح ، بل هو أعظم طموح، إنه مرضاة لله سبحانه، أنسيتم الهدف الذي خرجوا من أجله ؟

أحمد   : فعلاً .

سلطان : وهل كان عدد الرجال الذين قبضوا عليهم كثيراً .

الأب   : هم أصحاب البلاد يا بني ، ولا بد أن يتآزروا جميعاً ضد الدخيل الغريب الذي جاءهم بغتة وهم لا يعرفون نيته ، ولهذا سلموا لهم أنفسهم دونما مقاومة .

سلطان  : مساكين .

الأب    : فعلا ً إنه وصف مناسب يا بني، هم مساكين ، منكوبون ، فقد عاشوا شهراً أو أكثر في البحر من أجل تحقيق غايتهم النبيلة، وقد اكتشفوا جزرا ً كثيرة .

سلطان  : ليتهم عادوا وجلبوا إليها ناساُ .

الأب    : كانوا يطمحون في المزيد .   

أحمد    : فخسروا كل شيء .

راشد   : وماذا حصل لهم بعد .

الأب   : نقلهم هؤلاء الفتية بعد أن قيدوهم بالحبال إلى الحبس .

راشد  : صاروا أسرى .

أحمد   : أسرى بلا قتال .

سلطان : الإنسان ظالم .

الأب   : ألم يقل الشافعي رحمه الله :

وليس الذئب يأكل لحم ذئب       ويأكل بعضنا بعضاً عيانا

 أحمد   : رحمه الله لقد كان خبيراً بالنفوس .

سلطان  : وما الذي جرى لهم بعد ؟

الأب  : كفاكم اليوم حديثاً ، وقد طال الوقت ، ولا بد أن تناموا مبكراً فالنوم صحة للجسم ، وقوة للعقل .

الأولاد : نحن نحب سماع أهم خبر لهؤلاء الفتية .

الأب  : غداً إن شاء الله ستسمعون ، إن أطال الله عمرنا .

الأولاد : حفظك الله يا أبت وأمتعنا بأحاديثك وحكاياتك الحلوة والمفيدة . 

المشهد التاسع

مسلم عربـي  في أمـريكا

راشد  : قلت يا أبت إن الفتية المساكين قبض عليهم وسجنوا ، فماذا كان مصيرهم ، حدثنا خبرهم فنحن مشوقون لذلك .

سلطان : أجل يا أبت ، كنت قلقاً عليهم طيلة الليل .

الأب   : أنسيت أنهم أناس عاشوا قبل سبعمئة سنة تقريباً .

راشد   : ولكن قلوبنا كانت معهم .

الأب   : بارك الله بكم ، فهؤلاء أخوة لنا في الله .

سلطان : فما الذي جرى لهم  .

راشد   : ألم يهربوا ؟

الأب   : إلى أين يهرب الغريب في بلد لا أصحاب له ولا أهل ؟

أحمد   : سيقتلون حتماً ،والقتل في السجن ذل وعذاب .

الأب   : لا تتعجل الحكم يا بني .

سلطان : يعني أنهم لم يقتلوا ؟

الأب   : نعم لم يقتلوهم وإنما حبسوهم  بضعة أيام بعد أن فكوا قيودهم ، وكانوا يحضرون لهم الطعام والشراب ، ثم جاءهم رجل تبدو عليه أمارات الخير، فنظر إليه أحدهم نظرة فاحصة  ثم وشوش صاحبه الذي بجواره ، فابتسم الرجل بسمة الأخ لأخيه ، لكنه لم ينطق بكلمة  واحدة .

سلطان : إذاً لن يقتلوهم .

راشد   : وماذا فعل الرجل .

الأب   : أشار إليهم أن اتبعوني .

أحمد   : ألم يخافوا من القتل ؟

راشد  : لقد خففت قلوبهم هلعاً . أليس كذلك ؟

الأب    : قال بعضهم لبعض وهو يسير خلف الرجل : إني لأخشى أن يظننا أهل البلد أعداء قد جئنا للاستيلاء على ديارهم ونحن لا نعرف لغتهم لنفهمهم أننا جئنا هداة لامحاربين .  

     وسكت الأب قليلاً ثم قال :

-لما دخل ربعي بن عامر وهو جندي مسلم من جنود القادسية على ملك الفرس رستم سأله رستم : لماذا جئتم إلى بلادنا فأجابه عامر : " جئنا لننقذ من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله الواحد القهار "

سلطان : لم أفهم ما تقوله يا أبت .

الأب   : المسلم يا بني يهدف إلى أن يعلم الناس عبادة الله سبحانه وتعالى وحده لئلا يشركوا به شيئاً من صنم أو بشر ، ودينه دين لتحرير الشعوب وليس لاستعبادها .

الأم    : الحمد لله الذي أكرمنا بهذا الدين .

سلطان : وهل فهموا غايتهم .

الأب   : قلت إن أحدهم قال " إني أخاف أن يظننا أهل البلد أعداء لهم "

فأجابه آخر : فيقتلوننا .

ثان   : إن ظنوا بنا كذلك فلا بد أن ينالنا منهم شر وأذى وإني أخاف أن نبقى في الأسر فذلك شر وبيل .

 راشد : ما معنى  شر وبيل يا أبت ؟

الأب : وبيل أي شديد وعظيم .

وتابع الأب حديثه :      

الأب : وقال ثالث: ليتنا عدنا إلى بلادنا منذ اكتشفنا الجزيرة الأولى ، لنأتي بأناس يساعدوننا .

رابع  : ذلك تقدير العزيز العليم ، والمقّدر لنا سيكون .

خامس : لقد اجتهدنا وسننال ثواب ربنا إن شاء الله .

سادس : لقد كنا مغرورين كما وصفنا أهلونا .

سابع   : لا تقنطوا من رحمة الله، وكفانا أننا عرفنا أراضي أخرى ننشر فيها دين الله ، ولأن يهدي الله بنا امرأ واحداً خير لنا من الدنيا وما فيها كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد ننجو ونحمد الله الذي وفقنا لهذا  .

أحمد   : فعلاً ، وهذه غايتهم الأولى .

الأب  : ومن أجلها خرجوا ، وعلى الله اعتمدوا .

وتابع :

- تبع الفتية الرجل فأدخلهم على رجل ذي هيبة ووقار فسلم الفتية عليه قائلين :

- السلام على من اتبع الهدى .

     فالتفت الرجل الذي جاء بهم وقد بدت عليه أمارات البشر وقال :

-وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .

أحمد  : إذاً هو مسلم وعربي .

سلطان : يا للفرحة .. لقد جاؤوا إلى أخوة لهم .

راشد   : هذا ما لم نكن نتوقعه ، أتمم يا أبت ، الحمد لله على نجاتهم .

الأب   : ولما سمع الرجل سلام المسلمين التفت إلى الملك وخاطبه بلغة القوم ، ثم قال للفتية والدموع تنهمر من عينيه : أأنتم عرب ؟

أحدهم : نعم .

ثان    : وأنت ؟ أعربي هنا قد سبقتنا ولا ندري بذلك ؟

الرجل : نعم جئت مع حملة بحرية انطلقت من أرض مالي ، لنكتشف البلدان التي وراء بحر الظلمات.

واحد  : ولكن ماذا ؟

الرجل : أتظنون أن رحلة الاستكشاف محفوفة بالسعادة والمتعة ؟ وتحسر ثم قال :

-لقد خسرنا جميع رجالنا أثناء مجيئنا ، ولم يبق إلا سفينتي التي نجت بمعجزة من عند الله سبحانه .

-وكيف نجوت ؟

-كانت سفينتي هي الأخيرة فلما رأيت السفن تبتلعها الأمواج حولتها إلى جهة أخرى ، وظننت أن غيري سينتبه مثلي ، وظللت أجدف وأنظر حولي فلا أرى إلا سفنناً يبتلعها البحر حتى بقيت وحدي ، ولولا رحمة ربي لكنت من الهالكين .

ونظر الرجل ملياً ثم قال وقد بدا عليه الانفعال .

-إنه بحر الظلمات .. نعم بحر الظلمات الذي لا يُعرف خبره إلى الآن ، كله ظلام ، موجه عظيم ، أهواله كثيرة ، ورياحه هائجة أبداُ ، ودوابه وحيتانه لايعلم خطرها إلا من دخله .

-أحدهم : نعم ، لقد رأينا من ذلك الكثير .

-ثان : ورأينا عجائب وغرائب .

-الرجل  : أرأيتم القردة والتنين المهول ؟

-رأينا القردة ، والدابة التي تشبه الأرنب وتبرق ، ورأينا التنين المهول .

-الرجل  : وسمك الدفين ؟ أرأيتموه ؟

-أحدهم : لا .

-الرجل  : إنه سمك غريب له رأس مربع فيه قرنان بطول الأصبع ، وفمه شبيه بالقمع لا يفتحه ولا يغلقه ، وفي فمه شق ذو أسنان ، وجسده صغير .

-وسكت الرجل قليلاً ثم قال :

-يقولون إن من أكله وداوم عليه شفي من الجذام . وسكت قليلاً ثم قال :

-هذا البحر الذي خضته وخضتموه .. أمواج عاتية ، ورياح قاصفة ، حيوانات هائلة .. لقد تبعثرت سفننا فيه وابتلعها الموج .

-أحد الفتية : رحم الله الأخوة البحارين .. لقد كانوا مجاهدين ..

-الرجل : أجل .. لقد كنا مجاهدين في سبيل الله ، خرجنا لاكتشاف أراضي جديدة لننشر فيها اسم الله سبحانه .

- أحدهم : وكيف نجوت ؟

-الرجل  : ألقاني الموج على شط الجزيرة بعد أن فقدت كل صحبي ومتاعي.  

-أحدهم : وطوقك رجال كما طوقونا .

-الرجل  : وفقدنا بلادنا وأهلينا .

-وتساقطت دمعتان  حارّتان من عيني الرجل ، وتابع حديثه :

-وعشت مع هؤلاء ، أكرموني أيما إكرام ، وصرت ترجمانهم لمن يحاول من العرب أن يأتي إلى هذه المنطقة .

-وهل جاء عرب آخرون إلى هذه المناطق .

-أنتم أول الضيوف العرب ، فأهلاً بكم ومرحباً ، وسأنقل إلى الملك الغرض الذي جئتم من أجله .

الأب  : يكفي هذا الحديث اليوم .. وله بقية إن شاء الله .

سلطان : ولكنه حديث جذاب نتمتع به كل ليلة ، وننتظره بفارغ الصبر .

أحمد   : والدنا اليوم متعب فدعوه يرتاح .

راشد   : عافاك الله يا والدي الغالي .

أحمد    : بل قل يا عالمنا المؤرخ الجليل .

ويضحك الجميع .. 

المشهد العاشـر

الأمـــل المـــــــشرق

 

سلطان : هل أنت متعب يا والدي ؟

الأب   : تريد مني حديث الفتية أليس كذلك ؟

سلطان : نعم يا أبت ، فأنا مشوق إلى سماع ما حلّ بهم .

الأب   : سأروي لكم تتمة حديثهم يا بني فناد أخوتك .

سلطان : ماذا حل بالفتية وبالرجل العربي المغترب ؟

الأب   : قلت إنهم جلسوا يتحادثون ويتذكرون أهوال البحر المحيط الأطلسي ونجاة الرجل المالي منه بقدر الله ورحمته ،ثم خرج العربي ، ودخل عليهم بعد قليل رجل يتبعه غلام ، وطلب منهم أن يأتوا معه للنوم ليرتاحوا هذه الليلة .

راشد  : هذا يعني أنهم لم يصيبوهم بأذى .

الأب  : أجل يا بني ، فقد كانوا طيبي القلوب .

الأب  : لقد شك أحدهم في نية القادم ، وحسب أنه يقصد " الراحة الأبدية"  بالموت .

راشد : أيعقل هذا ؟

الأب : ولهذا قال لصديقه وهم يسيرون وراء الغلام :

  -لا تغرنك بسمة الظالم ، فربما كانت لإحكام الطوق على رقبتنا ، ولا تغرنك مسالمة الغادر ، فربما كانت للوثوب علينا ونحن نائمون .

-آخر : ما أظنهم يفعلون هذا ! الترجمان نقل إليهم ما جئنا إليه ، وقد اطمأن إلينا ، فهو من بني ديننا وجلدتنا .

-آخر : والله سبحانه يقول " ولا تقنطوا من رحمة الله "

-آخر ( بحسرة ):

لم يبق غير الشوك نحصـده         وغداً سنرحل مثلما جئنا

-أحدهم : سنستريح الآن فكفانا هذا القلق والسجال .

-آخر  : وكيف ننام ونحن لا نعرف مصيرنا ؟

-آخر  :  

لم ننس مــــــــن آلامـنا ألماً        لكنــــــنا معها تعايشـنا

  تمضي بنا الأيام مسرعة        كأنها لا تعرف الأينا

السابق : فلم لم يعد إلينا العربي ؟

آخر : لأننا في السجن ، والسجين يأكل وينام إلى أن يشاء الله .

السابق : ولم لا نشتكي .

آخر : وكيف تعبر عن شكواك .

السابق : بالصراخ .. حينما يأتوننا بالطعام نصرخ ، فيعرفون أننا نشتكي فما ينبغي للإنسان أن يسكت على الضيم ..

و سكت قليلاً ثم قال بحدة :

أليس السجن ضيماً وعذاباً ؟ أليس الذل والعبودية موتاً غداً سنكون عبيداً لهؤلاء الكفرة عبدة الأصنام .

-آخر  : أتقبلون هذا .. ؟

-آخر  : والله لا نقبله .. لقد رأيت ملكهم يخشع أمام صنم مربع على كرسي ، وكانت عينا الصنم  جوهرتان جامدتان ، وعلى رأسه إكليل من ذهب مرصع .

-آخر  : أين رأيته .

-  في القبة المزخرفة ، وحول القبة بيوت فيها أصنام كذلك .

-آخر  : ألم يستطع هذا العربي أن ينشر فيهم الإسلام ؟

راشد : أجل يا أبت ألم يستطع هذا العربي أن يحدثهم عن الإسلام ؟

الأب : ربما حدثهم ولم يستجيبوا .

وتابع : ألم يحدث الرسول صلى الله عليه وسلم أبا جهل وأبا لهب ؟ ومع ذلك كانوا أشد أعدائه .

أحمد : وماذا فعلوا بعد ؟

الأب :  لقد صمم هؤلاء على أن يحتجوا على حجزهم بالصراخ ، إذ ليس لديهم وسيلة إلا الصراخ .

سلطان: كمن يحتج على العدو بالمظاهرات .

الأب  : ولكن العدو هنا ليس مستعمراً للأراضي كما هو الحال في فلسطين وأعدائهم الصهاينة .

راشد  : لعن الله الصهاينة إنهم يقتلون الأطفال الأبرياء ، والنساء والشيوخ لقد رأيتهم ينتهكون حرمات المسجد الأقصى ، ثاني القبلتين وثالث المساجد بعد المسجد الحرام في مكة المكرمة والمسجد النبوي في المدينة المنورة .

راشد  : خلصنا الله منهم .

حمدان : وهل نفع الفتية صراخهم واحتجاجهم .

الأب  : سمع القادمون صراخهم ونقل الترجمان إلى الملك ما أرادوه ، فاستدعاهم للقائه وقال لهم :

- ماذا تريدون يا إخوة العرب ؟ أنتم الآن ضيوفنا ، وسنزوجكم من بناتنا ، فيكون لكم أهل من أهلنا ، وتصيرون من شعبنا .

أحدهم : ولكنا لا نريد أن نترك أوطاننا .

الملك   : أليس هذا الرجل العربي المالي ترجماني المقرب لديّ ؟

أحدهم : وهل تزوج من بناتكم ؟

الترجمان: أجل .

أحدهم يتوجه إلى الترجمان ويقول له :

-  ولكنهم عبدة أصنام ولا يحل لك أن تفعلها .

الترجمان: تلك قصة طويلة وزوجتي مسلمة وقد أتقنت اللغة العربية، ولكن هؤلاء لا يعلمون .

أحدهم : ولو علموا لقتلوك شر قتلة ، أليس كذلك ؟

الترجمان: هم لا يعارضوني في اعتقادي الشخصي .

أحدهم : على أي حال نحن نريد العودة إلى ديارنا .

ثان    : لا حول ولا قوة إلا بالله .. المقدر كائن لا محالة .

الأب  : وهكذا يا أولادي رفض الفتية أن يعيشوا في بلاد الغربة ، وأن يكون لهم وطن غير وطنهم وأهل غير أهلهم ،ورفضوا الزواج من الأجنبيات لئلا ينشأ أولادهم على عادات مجتمعات أجنبية لا تمت إلى مجتمعنا العربي والإسلامي بصلة ما . 

سلطان : حقاً يا أبت ، فصديقي توفي والده ، وكانت أمه أجنبية فأخذته إلى بلادها .

الأب   : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، سيضيع الولد في المجتمع الغربي بلا دين ولا أخلاق .

راشد   : وهل قبل الملك طلبهم في العودة إلى ديارهم .

الأب   : لقد سألهم : لم جئتم إلى هذه البلاد ؟

أحدهم : جئنا لنطلع على أراضي الله الواسعة ، ونعرف نهاية هذه الأرض .

الأب   : ضحك الملك كثيراً عندما سمع هذا الدافع إلى ركوب البحر المحيط وقال للترجمان :

    خبِّر القوم أن أبي أمر قوماً من عبيده بركوب هذا البحر ، فاتجهوا إلى المشرق كما اتجهتم أنتم إلى المغرب، وجروا في عرض البحر شهراً إلى أن انقطع عنهم الضوء ، ثم عادوا دون جدوى .

أحد الفتية : إذاً هناك محاولات من كل الجهات .

راشد  : لأن الناس يحبون الاستطلاع دائماً .

سلطان: وماذا حدث بعد للفتية .

الأب   : قال أحد الفتية للملك :

         لقد سمعنا في لشبونة أن ملك مالي أرسل سفنه مرتين وكان يرافقها في الرحلة الثانية ، وهي الرحلة التي عرفتم أمرها من ترجمانكم هذا ، فأردنا أن نجرب ما جربه .

الملك للترجمان :عِدِ القوم خيراً .. سأعيدهم بسفني إلى أراضيهم عندما تسمح الظروف بذلك

راشد  : ومتى تسمح الظروف بذلك .

الأب  : البحارة يعرفون أوقات المسير المناسبة من اتجاه الريح .

وسكت الأب قليلاً ثم قال :

وهكذا عاش الفتية مع القوم بضعة أشهر على أشد من الحر، وكاد الناس في لشبونة ييأسون من عودتهم ، كما يئس أهالي مالي من عودة سابقيهم .

سلطان : وهل وفى الملك بما وعد .

راشد   : أنا تعبت يا أبت فرأسي يؤلمني ، ألا تؤجل حديثك عنهم إلى الغد فإني أخشى أن أسمع عنهم خبراً يزعجني .

الأب   : لك ذلك يا بني ، فراحتك هي راحتنا ، وتصبحون على خير والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .

   

المشهد الحادي عشـر

العـــــــودة

راشد : حدثنا خبر الفتية يا أبت فإننا مشوقون إلى معرفة ما جرى لهم .

الأب : اسمعوا يا بني :

       مرت أيام وأسابيع قبل أن يأتي الترجمان إليهم ليطلب مقابلتهم مع الملك ، وقد سأله أحدهم :

-هل سيفرج عنا .

-آخر : سلوا الله السلامة فـ :

من يسأل الناس يَحرموه       وسائل الله لا يَخيــــب

-ثالث : سنذهب إليه ، فإنا وإن لم نعرف لغته سينبئنا وجهُه عن حقيقة مشاعره ، ألمْ يقل الشاعر :

متى تك في عدو أو صديق            تخبِّرك الوجـــــوه عن القلوب

-رابع  : فلنذهب إلى الملك إذاً ، فعسى الله أن يأتي بالفرج من عنده .

راشد : وما الذي حل بهم يا أبت ؟

الأب  : ذهب الفتية إلى الملك فحيـَّـوه، ثم وقفوا ينتظرون الأوامر التي تحدد مصيرهم .

أحمد  : ما أصعب هذه اللحظات يا أبت ؟

الأب  : أجل يا بني ، والإنسان في حياته يمر عليه مصاعب جمة ، وعليه أن يتلقاها برباطة جأش ، وقوة إرادة ، حتى يفرج الله كربه .

سلطان : وماذا فعل الملك بعد ؟

الأب   : نظر إلى الفتية لحظات مرت عليهم كأيام ، وكان الترجمان خلالها يقول في نفسه :

-ليت أخوتي في الدين يعودون إلى أهليهم، لئلا يحلّ بهم ما حل ّ بي ثم قال الملك :

-ألم تحدثوني أنكم جئتم لتنشروا دينكم في هذه الأراضي .

-بلى ، هذا هو هدفنا وأملنا في حياتنا .

- ولكن لا قدرة لكم على ذلك والبحر المحيط يقف حائلاً بيننا وبينكم ، نحن بني آدم أسرة واحدة ينصح بعضنا بعضاً لما فيه مرضاة خالقنا جميعاً .

-آخر : وإنا لنأمل أن تكون لك في شرقي البحر أناس يذكرونك بالخير، ويحفظون لك المودة .

-قد عرفت دينكم ، فقد عرضه علي الترجمان .

أحمد : وهل أسلم يا أبت .

الأب : لا يا بني ولكنه أحسن معاملتهم، وأعطاهم أموالاً ثم قال لهم :

-حسبكم ما كشفتموه من بلادنا إن أردتم النجاة، لأن وراء هذه الجزيرة أخطاراً وأهوالاً    لا تدرك ولا توصف ، فلا تستأنفوا الرحلة إلى مابعدها .

وسكت قليلاً ثم قال بحدة :

- وأرجو أن تعلموا أني أولى منكم بهذه الأراضي والديار، ولن أسمح لأحد أن يطأها إلا بإذني، ولسوف تخرجون من هذه الجزيرة إلى أراضي المشرق فجهزوا أنفسكم بعد ثلاثة أيام .

-أحدهم : إلى أين المسير .

- إلى بلاد المشرق الإسلامي ، حيث تلتقون هناك بالعرب فاطلبوا منهم أن يوصلوكم إلى دياركم .

-ثان : الحمد لله رب العالمين على ذلك ، فلقد اشتقنا لسماع صوت الأذان يجلجل في الآفاق بنداء الله أكبر .

-ثالث للترجمان : قل له إنهم يشكرونك على ذلك .

راشد : وماذا بعد يا أبت ..

الأب : وجاء الترجمان بعد ثلاثة أيام وعصب أعين الفتية وقيّد أيديهم وأرجلهم .

سلطان: هل سيرمونهم في البحر يا أبت ؟

الأب  : لا يا بني ، ولكن حتى لا يقتلوا من معهم في السفينة ويهربوا بها .

أحمد  : وماذا بعد .

الأب : سألهم أحد الفتية :

- لماذا تقيدون أيدينا وأرجلنا ؟

فأجابه واحد منهم كما أجبتكم .

-آخر : ومن يغترب يحسب عدواً صديقه .

-الترجمان  : لا تخافوا ، لا شيء عليكم ، ولا تتهموا الملك ، فهو رجل طيب الخلق ، إنه يريد ألا تهربوا حتى تصلوا إلى دياركم ، وأنتم لا تعرفون الطريق لأن أعينكم معصوبة . .

وسكت قليلاً ثم قال في حسرة :

وسترون شمس بلادكم ، وتستلقون على ثراها الحبيب ، وتعبّون نسيمها العليل .

-أحدهم : ولم يخاف ؟

-الترجمان : لقد قال :

-إنكم لولا قوتكم وقوة بلادكم لما تمكنتم من الوصول إلينا ، ولذلك فهو يخشى أن تعودوا مع جيوش كثيرة وأسلحة قوية .

-أحدهم : نحن لا نأتي لنفسد في الأرض ، بل لإصلاحها .

-الترجمان : الملك لا يثق ، واستعدوا الآن للرحيل .

-أحدهم : الحمد لله رب العالمين .

راشد  : وهل وصلوا يا أبت بخير .

الأب  : لقد جرت بهم السفن في البحر مدة من الزمن وهم لا يعرفون ماذا سيحدث لهم لو هبت ريح عاتية ، لأنهم مقيدو الأيدي والأرجل ، معصوبو العيون، ولذلك قال أحدهم للبحارة :

-  فكوا عصب أعيننا لنرى .

فأجاب رئيسهم : لا أستطيع ، فالأوامر جاءتني هكذا ، وطاعة الملك واجبة .

راشد  : وهل ظلوا مقيدين .

الأب : نعم يا بني ، ومرت عليهم أيام وليال لا يعرفون نهارهم من ليلهم ، ولا ليلهم من نهارهم ، ولا يدرون كم مضى من الوقت وهم في عرض البحر .

أحمد : وماذا فعلوا من أجل الصلاة .

الأب : إن الله سبحانه جعل صلاة المسلم حسب ظروفه ، فهم ينوون الصلاة ويؤدون الحركات برؤوسهم ، ويقرؤون خلال ذلك كما يقرأ المصلي .

راشد : ما أعظم الإسلام ، إنه دين يسر ولا عسر فيه .

الأب:هذا من رحمة الله بعباده الذي جعل لهم هذا الدين يصلح لكل زمان ومكان وظرف .

سلطان: وماذا حصل لهم بعد ذلك ؟

الأب  : عندما بدؤوا يشمون هواء البر الجاف استبشروا خيراً ، ثم أخرجوا من السفينة ، وقُيِّدت أيديهم إلى الخلف، وأنزلوا إلى البر ثم تركوا بالساحل .

راشد : إيه ، وماذا بعد ؟

الأب : طبعاً لم يستطيعوا فك قيودهم فاستعانوا بأصواتهم ، وكان الليل قد خيم على الكون ، فظلوا هكذا حتى هب الناس إلى أعمالهم صباحاً يبتغون من فضل الله ورزقه ، وسمعوا أصوات الفتية فاقتربوا منهم ، وحلوا وثاقهم ، وعصائب أعينهم ، وسألوهم عن أحوالهم وأمرهم ، فلما سمع الفتية كلاماً عربياً اطمأنت نفوسهم وحمدوا الله على أن وصلوا إلى بلاد فيها أخوة لهم .

وسكت الأب قليلاً فقال أحمد :

-انتهت قصتهم يا أبت ؟

الأب : لا يا بني ، فقد اجتمع الناس إليهم وسمعوا العجائب والغرائب التي حكوها لهم ، وسطرها بعضهم في كتبه ، وحكاها آخرون في المساجد ، وسألهم آخرون عن المسافة التي قطعوها بين بلادهم وهاتيك البلاد .

سلطان : ولكنهم لا يعرفون .

الأب  : حقاً لقد أجابوا بأنهم لا يعرفون ، ولما سألوا الناس عن لشبونة بلادهم

قال أحدهم : أتعلمون يا أخوتي كم بينكم وبينها ؟

-أحدهم : لا ندري .

-رجل : إن بينكم وبينها مسيرة شهرين على ظهور الجمال ، فأنتم على الشاطئ الغربي من إفريقيا .

-أحدهم : وا أسفي .

-رجل : احمدوا الله على سلامتكم .

-آخر : سنسمي هذا المكان بمرسى " وا أسفي "

راشد : ولماذا يا أبت ؟

الأب : نسبة إلى الكلمة التي عبرت عن شوقهم إلى ديارهم وأسفهم لبعدهم عنها ، ولا تزال هذه الكلمة اسماً لميناء في أقصى المغرب قريباً من موريتانيا .

سلطان : سبحان الله ‍‍‍‍‍‍‍‍ .

الأب : وكان هذا الميناء هو آخر ماتعرفه المراكب يومذاك ، ثم بدأ الناس ينتقلون منه وإليه ، يحملون الحنطة والشعير والفول والماشية و ..

وسكت الأب قليلاً ثم قال :

واستضافهم رجل جاءهم بطعام : سمك مطبوخ ، فقال أحد الفتية :

-لقد رأينا هذا السمك في البحر ، ولكنا لم نجرؤ على اصطياده .

-رجل : ولم ؟

-أحدهم : لأننا كلما لمسناه أحسسنا أن شيئاً يضرب أيدينا منه .

-الرجل وهو يضحك : أحسبتموه من الجن .

-وتابع : إنه سمك الرعادة إذا لمسه الشخص وهو حي ارتعدت يده حتى تسقط السمكة ، فإن  سقطت وماتت كانت كغيرها من السمك .

-أحدهم : جزاك الله خيراً على إكرامكم لنا .

-الرجل  : ألستم مسلمين مثلنا ؟

-أحد الفتية : بلى والحمد لله .

 -رجل : الحمد لله رب العالمين ، كلوا وتمتعوا يا أخوتي ، وهنيئاً لكم .

الأب : هيا يا أولادي إلى العشاء فإني أسمع صوت أمكم تناديكم لتناوله، وسأتابع لكم القصة غداً إن شاء الله .

 

 

المشهد الثاني عشر

إشبــــــــيليــــــا الــــــــوطـــــــــــن

 

الأب يدعو أولاده : تعالوا يا أبنائي لأحكي لكم تتمة قصة الفتية المغرورين المكتشفين.

    لقد عرفوا أمر الأراضي الأمريكية قبل أن يعرفها خريستوف كولمبس الأوربي ، وكان قد وصل إليها كما عرفتم من القصة رجل من أهالي مالي ، وإن لم يعلن عن ذلك رسمياً ، لأنه لم يعد .

أحمد : ولكن الله سبحانه عرف جهودهم .

الأب : وعرف الناس في يومنا هذا أمرهم ، وقد كشفت الآثار عن وجود سورة الفاتحة مسجلة منذ تلك الأزمنة البعيدة في أمريكا ، مما يشير إلى وصول المسلمين إليها منذ عهد بعيد .

أحمد : إذاً كان المسلمون هم السابقين في الاكتشاف .

الأب : أجل يا بني ، وحديث الفتية جلي أمام التاريخ ، ولكن أعداءنا يطمسون الحقائق ليرموننا بالضعف والتخلف .

أحمد : تباً لهم من علماء مكـَـرة .

سلطان: وقد حدثتنا يا أبت أن أهالي البلاد الإفريقية الإسلامية أحسنوا ضيافتهم .

الأب : أجل يا بني ، والكرم من عادات العرب والمسلمين، ألم تسمع قول الشاعر :

أضاحك  ضيفي قبل  إنزال رحله           ويخصب عندي والزمان جديب

وما الخصب للأضياف أن تكثر القرى       و لكنما وجه الكريم  خصيب

راشد : وهذه يا أبت أخلاق إسلامية أيضاً .

الأب : هذا صحيح يا بني ، فالله سبحانه قال في كرم علي رضي الله عنه وزوجه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم " ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً ، إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً " .

أحمد : صدق الله العظيم ، والكرم من أحسن الأخلاق .

راشد : قلت يا أبت إن الناس جلسوا يسمعون أخبارهم ، فهل صدقوهم فيها .

الأب : أكثرهم يا بني لم يصدقوهم لأنهم لم يحضروا معهم ما يثبت أقوالهم .

سلطان: ولِمَ لمْ يحضروا معهم شيئاً ؟

الأب : أنسيت يا بني أن الملك أعادهم بلا متاع ولا زاد ، بل كانوا مكتوفي الأيدي معصوبي الأعين.

أحمد : يا لها من خسارة كبيرة .

الأب : ولكن الملك البربري طلب منهم أن يكتبوا له ما حدث معهم، وما رأوه فاستجابوا له وأرخوا حوادث رحلتهم .

 سلطان: وهل عادوا إلى ديارهم ؟

الأب  : كل غريب سيؤول إلى دياره .

راشد : حدثنا يا أبت عن عودتهم .

الأب : لقد اشتاق الفتية إلى ديارهم ، وكان واحدهم يقول :

أيها الراكب الميَمِّم أرضي     أَقْرِ من بعضيَ السلامَ لبعض

قدّر الله بينـنا بافتـراقٍ           فعسى الله باجتمـاعٍ سيقضي

وآخر يقول :

ليت شعري كيف البلاد وكيف        الأهل في إشبيليا والأحـياء

طال عهدي عن كل ذاك وليلي        ونهــــاري في مقـلتيَّ سـواء

أحمد : وهل عادوا إلى إشبيليا يا أبت ؟

الأب : نعم عادوا فالقوافل بين البلاد الإسلامية لا تتوقف آنذاك .

وسكت قليلاً ثم قال :

-إن الله لا يضيع أجر المحسنين، لقد دفع لهم صاحب الدار أجرة السفر وزودهم بما يحتاجون إليه في رحلتهم إلى الوطن .

أحمد : ألم يتعرضوا لخطر ما في الطريق إلى بلادهم ؟

الأب : أجل يابني ، لقد عطشوا كثيرا ، والصحراء مياهها قليلة .

سلطان : إيه .

 الأب : ولكن رجلا من رجال القافلة أخذ حفنة من تراب وشمها فتنفس الصعداء .

راشد : ما معنى تنفس الصعداء يا أبت ؟

الأب : معناها أحس بالراحة .

راشد : كيف ؟

الأب : لأنه شم ريح رطوبة في التراب فتوقع وجود ماء فقال لأهل القافلة انزلوا  واحفروا فهنا توجد مياه .

سلطان : سبحان الله ما أشد ذكاءه !!...

الأب : أهل البدو خبراء بمواطن المياه يا بني

أحمد : ثم ماذا ؟ هل وصلوا إلى بلادهم ورأوا أولادهم؟

الأب : نعم يا بني وصلوا إلى بلادهم، ورأوا أولادهم وأهليهم بعد غياب قارب السنة .

سلطان: سنة !

الأب : نعم يا بني ، وكان الناس قد ملوا ترقبهم، فسموا شارعاً باسمهم وظنوا أنهم في عداد الأموات .

راشد : ولمَ سموا شارعاً باسمهم ؟

الأب : ليكون ذكرى رحيلهم لاكتشاف أمريكا مشجعاً للأجيال على اقتحام المخاطر في سبيل نشر الدين في أرجاء المعمورة كلها .

أحمد : وقد أكدت عودتهم صحة رأيهم .

الأب : ولهذا لم يعودوا يسمونهم " المغرورين" بل صار حديثهم مشغل الناس ، وعجائب أخبارهم سمر الليالي ، والناس بين مصدق ومكذب  .

وقال واحد منهم :

-وما دليلكم على السفر ؟

-فأجابه واحد منهم :

-جهزوا سفينة كما جهزنا ،وسافروا كما سافرنا ترون ما تتأكدون به ، وقد تعودون بآثار البلاد .

- راشد : وهل صدق حاكم إشبيليا قصة اكتشافهم لأمريكا .

الأب : نعم يابني فقد استدعاهم ليحكوا له قصتهم وكانت مكافأتهم جزيلة .

أحمد : بارك الله به ، فهو يشجع على العلم .

الأب : كان المسلمون يابني في حياتهم كلها أصحاب حضارة وعلم، واكتشافات واختراعات .

وسكت قليلاً ثم تابع :

-كونوا يا بني خير حفدة لخير أجداد .. وانهضوا بالبلاد على أساس من العلم والتقوى والخلق المتين .

الجميع : سترانا جميعاً إن شاء الله كالفتية المكتشفين ، وجزاك الله خيرا على حكايتك لنا هذه القصة القيمة ، وسأدرس التاريخ ليزداد وعيي وخبرتي في حضارة المسلمين .

- وعليك أن تكشف للعالم كيف شوهت معالم حضارتنا المشرقة الزاهية .

 

مصادر ومراجع المسرحية 

1-              الحلل السندسية في الآثار الأندلسية : شكيب أرسلان .

2-              رحلة ابن بطوطة

3-              العثمانيون في التاريخ والحضارة : د. محمد حرب

4-              العرب لاخريستوف كولمبس : محمد سعيد العريان .

5-              مسالك الأبصار في ممالك الأمصار لفضل الله العمري .

6-              المغرب في حلى المغرب :  ت . د . شوقي ضيف .

7-               نزهة المشتاق في اختراق الآفاق للشريف الإدريسي  .

 

الدوريــات

 1-مجلة الأهرام السنة 87 ع / 27152/ تاريخ 14 / 4 / 61   بقلم محمد سعيد العريان .

2-  مجلة الأهرام السنة 87 ع / 27163/ تاريخ 25 / 4 / 61 ص6 بقلم محمد سعيد العريان

3- مجلة نيوزويك الأمريكية .

                                    المصادر الإلكترونية

-برنامج الإسلام في أوربا الذي عرض في قناة الشارقة الفضائية في 23/9/2005م

[1] ) الشخصيات غير الفاعلة المذكورة عرضا وضع تحتها خط 

وسوم: العدد 652