مع الدكتور عبد المجيد الإسداوي

أبو الحسن الجمّال

الدكتور عبد المجيد الإسداوي

يرصد الواقع الثقافي وهموم تحقيق التراث العربي

أبو الحسن الجمّال

ساهم نشر التراث العربى فى النهضة الأدبية التى ظهرت فى مصر خلال القرن التاسع عشر، وازدهر فى ظل إنشاء مطبعة بولاق، وكان للأزهر دوره فى هذه النهضة وفى نشر الكتب وتحقيقها، وظهر جيل من المحققين على رأسهم الشيخ محمد قطة العدوى، واستمر الدور ساريا حتى مجىء الإمام محمد عبده الذى بدوره دعا إلى نشر هذا التراث والإستفادة منه، بل ساهم هو الآخر فى نشر العديد من كتب التراث، واشتهر من الأزهر أيضاً جيل المحققين العظام منهم: الشيخ محمد محى الدين عبدالحميد، والعلامة أحمد محمد شاكر، والدكتور محمد عبدالمنعم خفاجى وغيرهم..

وكان للقسم الأدبى التابع لدار الكتب المصرية دوراً عظيماً فى بعث درر التراث العربى، ولما ألغى فى منتصف الخمسينيات ، تم إنشاء مركز تحقيق التراث بدار الكتب المصرية ، وعملت جهات عدة على تحقيق العديد من هذا التراث العظيم، واستفادت الدول العربية من مصر فى إنشاء مراكز لتحقيق التراث فى العراق والسعودية ودبى وغيرها من الدول فى الشرق والغرب، وفى العقود الماضية اضمحل هذا النشاط الأدبى وخفت دوره ، إلا من بعض المخلصين له وحمل على عاتقهم نشر جوانب منهم فى دراساتهم الجامعية ولكن فى حدود ضيقة.. من هؤلاء الأستاذ الدكتور عبدالمجيد الإسداوى، أستاذ الأدب العربى فى كلية الآداب بجامعة المنيا والأستاذ المشارك بالجامعات العربية العديدة، فله العديد من الكتب المحققة تحقيقاً علمياً فريداً... استفاد من جهود القدماء، وهو تلميذ مخلص للعديدين منهم مثل : الدكتور هدارة، والدكتور الطاهر مكى، وعبدالخالق محمود وغيرهم .. أمتلك الرجل مقومات المحقق العظيم.

 (رابطة أدباء الشام) التقته لتناقش معه هموم الثقافة العربية، وكيف السبيل للرجوع إلى دوحة المجد مرة أخرى، وموضوعات أخرى تتعلق بتحقيق التراث وكيفية التنسيق بين الدول العربية فى هذه المجال لمنع تكرار نشر الكتب وغيرها من الموضوعات.

 

 *كيف يتم التنسيق بين الجهات المختصة بتحقيق التراث لمنع التكرار وتوفير الجهود؟

 - نحن مصابون منذ بدايات القرن الماضى (العشرين) بعدم التنسيق وعدم الإستمرارية على كل الأصعدة الثقافية محلياً وعربياً، نريد تخطيطاً يعيد الأمل ويصنع النهضة المستمرة ..نحن تعلمنا من القدماء وكذلك من المستشرقين فى منهجهم واستفدنا منه ..ولم نتعلم منهم الاستمرارية والتواصل .. نحن مصابون أيضاً بالنظرة الأحادية وعدم التنسيق الكلى .. فمثلاً تم تحقيق الكتاب الواحد عدة مرات دون إضافة الجديد المؤثر الذى يخدم المعرفة والفكر، وضيعنا فرصاً لبعث كتباً أخرى ونفض الغبار عنه... كل ذلك لإستبداد كل ذى رأى برأيه وضيع على الأمة العربية فرصاً هائلة ... ومن الممكن أن نلجأ إلى التكرار فى تحقيق الكتاب الواحد، لاستدراك شيء فى الماضى وكذا إعادة تقديمه فى ضوء المخطوطات الجديدة دون غمض حق السابقين، أو طمس معالم جهودهم، ويحضرنى موقف على المستوى الشخصى هو أننى قمت بتحقيق رسالة "فضل الإعطاء على العسر" لأبى هلال العسكرى، وبعد أن أوشكت على الانتهاء منه، وعلمت أن شيخ العربية محمود محمد شاكر قد حقق هذه الرسالة من قبل، أحسست ببعض الحرج، ولم أنشر العمل حتى التقيت الدكتور الطاهر أحمد مكى ، واستفيته فى الأمر، فقال : لو أن الشيخ شاكر رأى عملك لكان أول المساعدين على نشره لاختلاف الرؤية واختلاف العصر.

 * كيف ترى دور الدولة فى تحقيق التراث العربى ورعايتها له؟

 - يجب أن تعيد الدولة ودار الكتب على الخصوص إنشاء القسم الأدبى الذى أشرف فى الماضى على بعث درر التراث العربى والموسوعات مثل : "صبح الأعشى"، و"الأغانى"، و"النجوم الزاهرة"، و"نهاية الأرب"، وانظر إلى مقدمة كتاب "النجوم الزاهرة" وكلمة رئيس الوزراء عبدالخالق ثروت، ورعايته المباشرة لهذا المشروع المثمر الذى كان يعم بالفائدة على مصر والدول العربية ، ويجب تفعيل وترقية دور مركز تحقيق التراث التابع لدار الكتب وتحويله إلى معهد عالمى لتخريج عدد غفير من الممكن أن ينفض التراب عن المخطوطات المتراكمة على رفوف دور الكتب ، ويجب تفعيل دور معهد المخطوطات والمراكز المماثلة له فى الدول العربية كبغداد، ودبى، والرياض.

* لماذا انحسر تحقيق التراث الآن عما كان من قبل؟

 - راجع ذلك إلى عدم التشجيع الكافى من الدول والهيئات العلمية ودخول بعض الأدعياء ساعد فى انحسار المجال بالإضافة إلى أن الرعيل الأول من أفذاذ المحققين كان منهم من يتصف بالنرجسية الزائدة التى حالت دون وجود صفوف تالية لهم بالقوة نفسها والإبداع عينه.

*ما هى الأدوات التى يجب أن يتسلح بها المحقق؟

- الثقافة العميقة التى لا شطوط لها، والصبر الجميل، وبُعد النظر، والإخلاص ..وكفى .

*ما دور الجامعات للنهوض بتحقيق التراث العربى؟

 - تفعيل مراكز تحقيق التراث، وإتاحة تأثيرها فى الجوانب الأكاديمية والتعليمية، وتحفيز طلاب الدراسات العليا على تحقيق كنوز التراث، وقد عملت الجامعة قديماً على النهوض بتحقيق التراث، وكلفت الطلاب بتحقيق النصوص، ومنح هؤلاء الطلاب درجات علمية، وفى هذا الإطار تم نشر العديد من كتب التراث محققة تحقيقاً علمياً ، ولكن صعوب السير فى هذا المجال جعل الكثيرون يزهدون السير فيه، ونأمل فى السنوات القادمة تفعيل هذا الأمر، والإستفادة من تقنية العصر، لأننا لدينا تراثاً إنسانيا ثرياً قلما أن يوجد لدى أمم أخرى، قيجب علينا حصره وفهرسته وتصويره، وعمل خططاً بعيدة المدى لنشره وإتاحته للجميع .

*ما رأيك فى الوضع الراهن للثقافة العربية؟

 - هناك حالة انعدام وزن وعدم وضوح رؤية عند الأكثرية من حاملى مشاعل الثقافة والعلم فى عالمنا العربى المعاصر، بسب اختلاف المنطلقات وتعدد الانتماءات وتشرذم المثقفين وترجمة ذلك بحماس زائد عن الحد للثقافة الموروثة أو تيارات الثقافة المعاصرة دون توازن منشود .. فما كل قديم يستحق الإجلال والتقديس أو يستحق العكس، وما كل جديد ضار أيضاً، بل علينا التوسط والتزام جادة الإعتدال لنجمع بين ما يسمى بالأصالة والمعاصرة .

*كيف رأيت الواقع الثقافى الآن عربياً من خلال عملك الجامعى بالعديد من الجامعات العربية؟

 - للأسف نزداد سوءً وتشرذماً ، فعلى الرغم من الجهود المحمودة التى ظهرت فى الفترة الأخيرة فى بعض العواصم العربية، نشعر بإعتلال الدور المصرى الذى كان لفترة طويلة ريادياً، والآن بدأ يتراجع عن دوره، وهذا يرجع فى معظمه إلى تعدد السياسات وتضاربها لضيق أفق أصحابها وتغليب المصالح الشخصية على المصلحة القومية الأعلى، وانشغالنا بشئون السياسة ولقمة العيش أكثر مما يجب، كان يوجد ثقافة حقيقية متوازنة فى مصر قبل ستة عقود، استفاد منها كل العرب، بل الأجانب جاءوا وقاموا بالدراسة فى الجامعات المصرية،ويذكر الدكتور شوقى ضيف أن الدكتور سامى الدهان علامة سوريا الكبير، كان قد سجل رسالته للدكتوراه بجامعة السربون فى بداية الأربعينيات، وجاء يتوسطه لتسجيلها فى جامعة القاهرة مشعل النور الثقافى فى ذلك الوقت ... كانت أيام !!!.

*لماذا صارت مصر منطقة طرد فى العقود الأخيرة؟

- كان المجتمع قبل ذلك منظومة واحدة متكاملة التأثير والتأثر، موحدة الأهداف، نبيلة الغايات وبعد ذلك حدثت فجوات عميقة مازالت آثارها تصيب واقعنا الثقافى فى مقتل.

*بحكم تخصصكم أستاذاً للأدب العربى ولكم كتب محققة فى هذا المجال، هل تحقيق التراث فى مجال الأدب القديم فى نهضة أم فى تراجع؟

- فى شبه جمود، لأنه لا جديد فيما أصدرته مراكز تحقيق التراث فى القاهرة وغيرها من العواصم العربية، عدا بعض الجهود الفردية وإعادة طبع القديم، وبالنسبة لأعمالى المحققة التى زادت على الثلاثين كتاباً كلها جهوداً فردية لم تطبع أو تنشر إلا بأعداد قليلة جداً من النسخ، بسبب إعتمادها على القدرة الشخصية المحدودة .