تفجير الإسكندرية

تفجير الإسكندرية..

حدود الاشتباه بالقاعدة (خبير)

علي عبد العال

صحفي مصري/ القاهرة

[email protected]

في هذا الحوار يتناول الدكتور أكرم حجازي ما يدور من شبهات حول تنظيم "القاعدة" ومدى إمكانية ضلوعه في حادثة تفجير كنيسة "القديسين" في الإسكندرية. وفي إطار ذلك يرى الباحث والخبير المتخصص في شؤون السلفية الجهادية أن القاعدة وبما أنها لا تخشى من التصريح بأفعالها فليس ثمة مبرر واحد يؤكد مسؤوليتها، ما لم يصدر بيان رسمي بذلك يحمل توقيع إحدى المؤسسات الإعلامية أو علامة "مركز الفجر للإعلام" التابع للقاعدة.

وبالنظر إلى طبيعة التفجير يؤكد حجازي أن عمل من هذا النوع يتطلب خبرة ومعرفة دقيقة بإعداد العبوات الناسفة. ما يؤكد على أن جهة ما لم تزل مجهولة هي المسؤولة عن التفجير. وبما أنه لم يصدر أي بيان صريح من أية جهة تتبنى الهجوم فالاحتمالات تظل مفتوحة على مصارعها. مرجحا أن يكون الفاعل واحد من أربعة: "القاعدة أو الموساد أو الكنيسة نفسها أو مجموعة جديدة خفية الهوية". على حد قوله.

والدكتور أكرم حجازي كاتب أردني، وباحث متخصص في شؤون الحركات الإسلامية، ومتابع دقيق لكل شؤون تنظيم "القاعدة"، وهو أستاذ جامعي سابق ومدرس لعلم الاجتماع الإسلامي في كل من الأردن واليمن.

*دكتور ـ برأيك ـ إلى مدى يمكن القول بأن القاعدة هي التي تقف خلف تفجير كنيسة "القديسين" في الإسكندرية؟

ـ إذا كان القصد من السؤال "القاعدة" كتنظيم أو جماعة منظمة على نهج القاعدة أو أي من الأدوات الضاربة للقاعدة فينبغي أن يصدر بيان رسمي بذلك يحمل توقيع إحدى المؤسسات الإعلامية أو علامة "مركز الفجر للإعلام" التابع للقاعدة. حتى الآن لم يصدر مثل هذا البيان. وبما أن القاعدة لا تخشى من التصريح بأفعالها فليس ثمة مبرر واحد يؤكد مسؤوليتها، وبالتالي يصعب نسبة الهجوم إلى القاعدة. أما إذا صدر بيان لاحق يتبنى الهجوم فمن المؤكد أن الأمر آنذاك سيختلف.

*تخرج ـ من وقت لآخر ـ صحف ومواقع على شبكة الإنترنت تقول إن "القاعدة" تبنت كذا وكذا، وقالت كذا وكذا، فما هو الميزان الدقيق الحاكم برأيك لصحة نسب هذه الإدعاءات، خاصة وأننا قد نجد أحيانا أن جهات إعلامية أخرى تقول عكس ذلك. 

ـ أكثر الشبكات التي تنشر بيانات الجهاديين متعاطفة مع القاعدة وليست تابعة لها على الإطلاق، وقد تنقل هذه الصحف دون تثبت. لكن لكل فرع من فروع القاعدة مراسله المعروف، ولا يمكن أن تخرج بياناتها وموادها الإعلامية إلا عن طريقه. فعلى سبيل المثال قاعدة العراق (دولة العراق الإسلامية) لها مؤسسة إعلامية تدعى "الفرقان" وزيادة في التأكيد تنشر أيضا من خلال "مركز الفجر" وهو يمثل علامة مميزة لما يصدر عن القاعدة هناك. ومن ثم فالكذب على القاعدة غير وارد، لكن يبقى على من ينقل أن يتثبت إن كان هذا البيان أو ذاك عن القاعدة أم لا.

*فيما يتعلق بتفجير الإسكندرية، بعض وسائل الإعلام طرحت ما أطلقوا عليه "بصمات القاعدة" في إشارة إلى أن التفجير تم عن طريق تفجير ذاتي (شخص فجر نفسه) حسب تقرير وزارة الداخلية، بعدما أعلنوا قبل الفحص عن سيارة ملغومة.

ـ القول بأن الهجوم يحمل بصمات القاعدة له ما يبرره استنادا إلى أن مصر لم يسبق أن شهدت تفجيرات باستعمال سيارات ملغومة، وهو أسلوب تستعمله القاعدة وغير القاعدة لكنه في مصر لم يسبق أن تم استعماله. لكن القول بأن التفجير جرى عبر شخص فجر نفسه فأغلب الظن أن هذا الكلام يخلو من الدقة والإثبات. فلم يصدر بيان رسمي عن الداخلية يؤكد هذا خاصة وأن شهود عيان تحدثوا عن أشخاص (تارة اثنين وتارة أربعة بينهم امرأة) ترجلوا من السيارة قبل انفجارها. وهذا يعني أن السيارة ربما تم تفجيرها عن بعد خاصة وأن الوقت بين إخلائها وتفجيرها لم يكن طويلا، أو أنها تحمل شحنة مؤقتة وهذا احتمال وارد رغم أنه ضعيف.

* كثيرون تحدثوا عن إمكانية أن تتلقى خلايا أو عناصر "نائمة" ـ إن صح هذا المسمى ـ نوايا القاعدة وتبادر بتنفيذها من تلقاء نفسها، هل تتفق مع هذا الطرح؟

 ـ ثمة فرق بين خلية نائمة أو فرد أو مجموعة أفراد منسجمون فكريا فيما بينهم. ربما يكون ثمة خلايا نائمة فعلا في ضوء بعض التفجيرات التي حصلت بسيناء. المهم هو ملاحظة أن أي عمل من هذا النوع يتطلب خبرة ومعرفة بإعداد العبوات الناسفة. والأهم الانتباه إلى أن هناك ليس خلايا نائمة فحسب بل جهة ما لم تزل مجهولة هي المسؤولة عن التفجير. وبما أنه لم يصدر أي بيان صريح من أية جهة رسمية تتبنى الهجوم فالاحتمالات تظل مفتوحة على مصاريعها. فقد يكون الفاعل واحد من أربعة: القاعدة أو الموساد أو الكنيسة نفسها أو مجموعة جديدة خفية الهوية. وإذا صحت شهادة الشهود حول العبارة المكتوبة خلف السيارة « البقية تأتي» فمن اللازم استبعاد القاعدة التي لم يسبق لها وأن استعملت عبارات من هذا النوع في أي عمل سابق لها.

*لكن بشكل عام هل ترى أن منطلقات القاعدة الشرعية ترى جواز استهداف النصارى وتحديدا الكنائس باعتبارها دور عبادة في بلاد المسلمين؟

ـ جواز استهداف النصارى شائع وهو ليس بدعا من القول. وتبعا لذلك ثمة من يجيز استهدافهم سواء من القاعدة أو من غير القاعدة. وثمة من يحرم استهدافهم تحريما قطعيا.

* ماذا عن فكرة "توظيف القاعدة" من قبل جهات أجنبية ولو على سبيل المثال "الموساد" لتحقيق أهدافه في الفتنة الطائفية؟

ـ هذا بافتراض أن القاعدة هي الفاعلة، وهو ما لم يثبت حتى اللحظة. ومع ذلك فإذا كان القصد القول بأن الجهات الأجنبية تستغل مثل هذه الهجمات لتحقيق أهدافها فهذا وارد. لكن إذا كان القصد بأن القاعدة مخترقة فهذا أبعد ما يكون عن المنطق، لأن القاعدة ليست تنظيما أخطبوطيا يتم إدارته من المركز، فالقاعدة في أفغانستان لها قياداتها وأطرها، وفي العراق مختلفة وكذلك في اليمن والجزائر. نهجها وسياساتها واحدة تجاه الأعداء والخصوم لكن فعالياتها على الأرض مختلفة. فعن أي قاعدة يجري الحديث؟

*بعيدًا عن القاعدة يطرح البعض فكرة وجود تيار محلي ناقم على الأقباط في ظل الحديث عن تجاوزات الكنيسة ودورها المتصاعد في البلاد.

ـ نعم هذا صحيح. لكن ما هي هويته؟ فحتى الآن لا نعرف بالضبط ما الذي سيتمخض عنه هذا الاحتقان الطائفي رغم أن أحدا لم ينكر أن مصر ذاهبة باتجاه العنف إذا لم تحسم الدولة طغيان الكنيسة. العجيب أن بيانات الاستنكار والتنديد التي أعقبت الهجوم كانت من القسوة بحيث لم يماثلها ولو بقدر معقول تلك التي صدرت على استحياء في أحداث العمرانية، فضلا عن اختطاف المسلمات وحجزهن في الكنائس. وأغلب البيانات والفتاوى الصادرة، إلا اليسير جدا منها، وقعت ما بين الخوف والمجاملة أو الدفاع عن النظام، وظهر فيها الإسلام، كالعادة، متهما ومذنبا. مثل هذا الأمر سيعني لاحقا أن المشكلة ستتفاقم حكما طالما ظلت المعالجات سطحية وعلى حساب المسلمين.