مؤمنة بشير عوف

روائية شاعرة مهتمة بالأدب المقارن والدراسات البحثية

مؤمنة بشير عوف:

ثمة ارتباط عضوي بين الأوضاع السياسية والحياة الثقافية

حاورتها: ليندا عثمان

/ الباحثة في »مركز الدراسات للعالم العربي المعاصر« في جامعة القديس يوسف في بيروت, الدكتورة مؤمنة بشير العوف تتركز اهتماماتها في البحث عن سير وكتابات الأعلام العرب الذين لهم بصماتهم في مجالات الفكر والثقافة والإعلام والشعر والرواية. وهي إلى كونها شاعرة وروائية, تهتم بالنقد والأدب المقارن حيث تختزن ثقافة واسعة من المعلومات والمقايسات النادرة. التقتها "السياسة" وكان هذا الحوار.

\ لك اهتمامات أدبية متنوعة في الرواية والشعر والأبحاث والنقد. كيف جئت بداية إلى عالم الأدب?

/ كانت المدرسة في الخمسينات من القرن الماضي بالنسبة لي شيئاً جميلاً وكانت عالماً مختلفاً له نظامه الصارم وله مباهجه الصغيرة. نشأت في أسرة متوسطة الحال بل فوق المتوسطة تقريباً, وكان أبي رحمه الله والذي تزوج صغير السن كان في

الثالثة والعشرين من عمره وهو من بيئة تجارية وكان مخزن جدي الكبير في سوق البزورية يتسع لأبي وإخوانه. إلا أن أبي كان يطمح إلى عالم آخر غير التجارة والربح فأخذ يشارك في المظاهرات ضد الاحتلال الفرنسي, وكان يشارك في الاجتماعات التي تعقد في بيت زكي بك الخطيب الزعيم السوري في ذلك الحين وكان يعتبر من شباب زكي بك والخطيب المفوه في الإجتماعات الشبابية وكذلك يعتبر شهبندريا نسبة إلى الزعيم عبد الرحمن الشهبندر الذي نفته فرنسا إلى جزيرة "سيشل". المهم, أخذته الحياة العامة بعيداً عن النشاط التجاري فكان شاعراً وأديباً وصحافياً مرموقاً وكان يقتني الكتب بكثرة ويحب جمعها ومكتبتنا الآن تضم حوالي خمسة آلاف كتاب وهي مكتبة نوعية عنيت بالتراث الإسلامي والعربي بالدرجة الأولى وكتب الدراسات حول اللغة العربية والكتب الإبداعية من شعر ورواية.

نشأت في جو مشجع لمن عنده الرغبة أن يستفيد منه ويبدو أنني كنت مهيأة بطبعي للاستفادة من ذلك الجو خصوصاً أنني تخرجت في جامعة دمشق كلية الآداب- قسم اللغة العربية وبعد ذلك ذهبت إلى بيروت ونلت الماجستير والدكتوراه في الدراسات الإسلامية من جامعة القديس يوسف وهكذا دخلت إلى عالم الأدب وعالم الفكر والقلم.

وزن وقافية

\ مجموعاتك الشعرية تدور في سياق الشعر الحديث مع أنك من بيت شعري حافظ على أصول القصيدة?

/ أنا لم أتخلَ عن قواعد الخليل بن أحمد في الشعر.. لا في الوزن ولا في القافية ولا في الرخص التي أجازها, وإنما في الصور والأخيلة والتجربة الشعرية الخاصة, وفي المفردات التي استعملتها فهي بنت العصر الذي عشته, وأدعوك إلى قراءة مجموعتي الشعريتين وهما: شراع بلا مرسى وترنيمة للحرب والبراءة.

\ روايتك "مد بلا جزر" كتابة عن سيرة ذاتية, توقفت عندها لماذا?

/ لم تكن كتابة الرواية باعتبارها نوعاً من الكتابة الإبداعية أحد همومي, إلا أنني كنت أحب قراءة الروايات سواء منها المترجمة أو باللغة الإنكليزية أو الفرنسية كما أنني أحببت قراءة الروايات العربية وكانت روايات نجيب محفوظ أول ما دفعني لقراءة الروايات باللغة العربية ولكتاب عرب وقد أعجبت جداً بهذا النوع من الكتابة الإبداعية وهي تختلف عن الشعر, فالقصيدة هي تعبير عن لحظة شعرية تولد أثناءها القصيدة, ولكن الراوية بناء هندسي متكامل يرفعه الروائي مدماكاً فوق مدماك. وأنا أعجبني هذا النوع من الكتابة الإبداعية بعد قراءاتي الطويلة للروايات وبعد قيامي بدراستها ونقدها في أعمال كثيرة ولكبار الكتاب. لذلك أحبت أن أجرب قلمي بهذا النوع من الكتابة الإبداعية وكانت روايتي "مد بلا جزر".

فأنا لم يكن همي أن أكون روائية, وإنما ناقدة ودارسة للرواية والرواية العربية بشكل خاص, وقد قمت بدراسات لأعمال عدد من الروائيين العرب مثل نجيب محفوظ من مصر وحنا مينة من سورية وعبد الرحمن مجيد الربيعي من العراق وعبد الرحمن منيف من السعودية والياس خوري من لبنان وأدوار الخراط من مصر.

\ ما رأيك في ثقافة اليوم وما الفرق بينها وبين ثقافة الأمس?

/ للثقافة تجليات كثيرة تتناول معظم نواحي الحياة سواء أدبية أو فنية أو اجتماعية أو اقتصادية وكل هذه الأمور في النهاية تتقدم أو تتراجع تبعاً للأوضاع السياسية وبالنسبة للأدب والفن نجد فترة الستينيات في مصر كانت فترة خلاقة ومعطاءة وكان هناك مؤسسات مثل مجلة الآداب ومجلة شعر وكان هناك حركة فنية مزدهرة, استمرت إلى أوائل السبعينات والثمانينات, وكذلك ازدهرت الدراما التلفزيونية السورية وتبوأت مركزاً مرموقاً, وإذا انتقلنا إلى الخليج عرفنا أسماء كبيرة مثل عبد الله الأنصاري ويعقوب السبيعي وحسين علي حسين وغيرهم, فأنا أرى أن هناك ارتباط عضوي بين تقدم الأوضاع السياسية في بلد ما وبين ازدهار الحياة الثقافية, ووضع العالم العربي الآن في أسوأ حال فمن أين يأتي التقدم الأدبي أو الفني أو الثقافي بشكل عام. هناك محاولات فردية ولكن ليس هناك حركة فنية أو أدبية.

تجديد الفكر

\ والدك بشير العوف ماذا أخذت عنه?

/ والدي رحمه الله كان قيمة فكرية وروحية ودينية, وكان غيوراً على الإسلام وعلى ضرورة التجديد في الفكر الإسلامي وقد ألف كتاباً في جزأين بعنوان: »تعاليم الإسلام بين المعسرين والميسرين في مذاهب أهل السنة والجماعة", وقد جند قلمه وصحيفته اليومية "المنار" للدفاع عن قضايا الإسلام والمسلمين, وكان أديباً وشاعراً, وأعتقد أن أول ما أخذته عنه هو الغيرة على الإسلام والمسلمين والرغبة في أن يكونوا خير أمة أخرجت للناس عن حق. ووالدي رحمه الله كان أيضاً منفتحاً على الأديان والثقافات الأخرى في العالم, وكان محباً للشعر والأدب العربي واللغة العربية وأعتقد أنني أخذت عنه حب لغة القرآن والحرص عليها وعلى مواكبتها للعصر. ولكي لا أغبن حق والدتي رحمها الله فقد كانا منسجمين في تربية أولادهما وكانا حريصين على تعليم أولادهما ذكوراً إناثاً حتى الإنتهاء من التعليم الجامعي فإخواني وأخواتي كلهم جامعيون أخذت عن والدي مجتمعين حب العائلة وشدة الإرتباط بها, كما أخذت الشخصية المستقلة والمنفتحة.

\ النقد الأدبي يتراجع لماذا وما هو الخطاب النقدي برأيك?

/ مع طغيان التلفزيون والأعمال الإبداعية التلفزيونية تراجع دور الصحف الأدبية المتخصصة واقتصر الأمر على الصفحات الثقافية في الصحف اليومية أو الأسبوعية. قد يطالعنا بين الفينة والأخرى عمل نقدي إبداعي ومميز ولكن ذلك قليل. والنقد برأيي ليس قدحاً ولا مدحاً إنه ضوء يلقى على النص الفني أو الأدبي. والنقد ميل يولد مع الإنسان ويقوى بالتثقف, فعندما تقرأ عملاً مثيراً قد تستحسنه والاستحسان هو أولى خطى النقد, أما الخطوة الثانية فهي تعليل الاستحسان وتحديد معالمه.

\ كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن مصطلحات أدبية متنوعة, برأيك هل هذه الطروحات فاتحة لتغيير ما يواكب العولمة?

/ بالنسبة للحديث عن مصطلحات أدبية متنوعة فهي ليست قصراً على هذه الحقبة الزمنية فلكل حقبة زمنية مصطلحاتها وليس في الأدب فقط وإنما تتناول مختلف نواحي الحياة. أما كونها فاتحة لتغيير ما يواكب العولمة فيدفعنا للحديث عن العولمة, لقد نشط كثير من الباحثين لتعريف العولمة فمنهم من اعتبرها مرحلة تاريخية أكثر منها ظاهرة اجتماعية, ومنهم من اعتبرها مجموعة ظواهر اقتصادية وأصحاب هذا الرأي يركزون على وظيفة الدولة وانسجامها مع بعض وظائفها بسبب تحرير الأسواق وخصخصة الأصول. وهناك من اعتبر العولمة هيمنة القيم الأميركية وهذه عبر عنها فوكوياما الطيب الذكر وهو أميركي من أصل ياباني وذلك في كتابه "نهاية التاريخ" ورأى أن سقوط الإتحاد السوفياتي وانهيار الكتلة الشيوعية هو انتصار حاسم للرأسمالية, ومنهم من اعتبر العولمة ثورة تكنولوجية واجتماعية تنحو نحو إحياء المجتمع المدني في كثير من الدول وتدعو إلى قيامه بأدوار مهمة في التنمية هذا غيض من فيض حول تعريف العولمة ناهيك عن الشروح والتداعيات التي ملأت الدنيا وشغلت الناس والذي نقصد إليه في هذه العجالة هو نغمة الرعب والخوف من هذه الظاهرة خصوصاً في عالمنا العربي والإسلامي وكأنها فعلاً نهاية التاريخ. وأنا أدعو إلى أن نتعامل مع هذه الظاهرة بجدية وبعيداً عن السلبية, وذلك بأن نستكشف أصول اللعبة ونعرف مداخلها ومخارجها مثل اللاعبين المحترفين ونحاول أن نستفيد من إيجابياتها وفي النهاية هي مرحلة ستنتهي لان لا شيء يدوم إلى الأبد أما التراث والقيم والحضارة فهي باقية ولا خطر عليها ومن يستقرئ التاريخ يعرف أن هذه المنطقة من العالم مر عليها هولاكو وتيمورلنك وجنكيزخان ونشأت ممالك وأمبراوطوريات وتهاوت أخرى وانطوى أثرها لأن الإنسان بكل إرثه الحضاري وقيمه الدينية والثقافية باق وسيبقى.