إبراهيم فتحي

إبراهيم فتحي:

نقادنا يرددون آليا ما يتم استيراده من الغرب

الناقد المصري لـ«الشرق الاوسط»: أزمة النقد تكمن في البيروقراطية الأكاديمية ونظم التعليم و«البترونات» الجاهزة

عبد النبي فرج/القاهرة

قدم إبراهيم فتحي للمكتبة العربية العديد من الكتب الأدبية والفلسفية التي ترجمها عن الإنجليزية والفرنسية لعل من أبرزها «نظرية الوجود عند هيجل والنظرية الفلسفية المعاصرة»، وكتاب هنري لوفيفر عن المنطق الحدي. وترجم

أيضاً موسوعة علم المنطق، ونظرية الوجود عند هيجل، والنظرية الفلسفية المعاصرة. وشغف بالمصطلحات فأعد معجم المصطلحات الادبية، إضافة إلى كتابات عن الماركسية والفن الحديث والماركسية وازمة المنهج، كما كتب مقدمة لكتاب العالم الفرنسي بيير بوريو مع ترجمة الكتاب. في هذا الحوار معه نتعرف على رأيه في عدد من القضايا النقدية الراهنة الجديدة.. ورؤيته للكتابة الإبداعية.

* يرى الدكتور عبد الله الغذامي ان النقد يأخذ النص بوصفه ابداعا جماليا ومهمة الناقد التعرف علي جمالياته وكشف قوانين هذه الجمالية ويعتبر هذه الرؤية قاصرة.

ولذلك يأتي دور النقد الثقافي الذي يبحث عن المضمر والمهمش في النص الادبي. هل تتفق مع هذا الطرح؟

ـ في الحقيقة ان اقامة سور بين النقد الجمالي والنقد الثقافي قد لاتكون مفيدة، مضمرا في هذا السور وجود مملكة جمالية مستقلة وداخل هذه المملكة المستقلة تكون السيادة او العرش من نصيب التقنيات الشكلية. ولكنني اري ان هذه التقنيات الشكلية ليست قوالب فارغة وليس النقد الثقافي مقصورا علي المضامين فهو ليس بديلا لنقد فني لانه يقول الكثير عن تاريخ التقنيات وعن مضامينها ولا يعتبر الشكل كيانا قائما بذاته بل يبدأ العمل الفني في كليته بوصفه حدثا جماليا.

* لكن كيف تفسر هذا التلقي السلبي لكل ما ينتج في الغرب سواء كان ذلك في الابداع او النقد؟ هل هو قدر لا فكاك منه يحكم علاقة الاطراف بالمركز؟

ـ لا اعتقد ان هناك غربا موحدا بل توجد اتجاهات مختلفة متصارعة، احيانا مثل الرومانسية الالمانية، فهي ليست مماثلة للرومانسية الفرنسية، كما ان الواقعية الروسية في القرن التاسع لم تشبه الواقعية الفرنسية كما ان الحداثة هي حداثات بالجمع وليست بالمفرد، كما ان الاوضاع المتشابهة تؤدي الي استجابات متشابهة.

وقبل بزوغ الطبقة الوسطى الحديثة في العالم العربي التي تتطلب ايديولوجية سياسية واقتصادية وتخلق حاجات جمالية مختلفة، ما كان من الممكن ظهور اشكال فنية مثل المسرح والرواية والاوبريت لانها تتلاءم مع بزوغ الفردية، ولم يكن استقبال هذه الاشكال الحديثة لمجرد محاكاة سلبية، بل وجدنا واقعية محفوظ ورمزيته استجابة اصيلة لاحتياجات ثقافية وجمالية مصرية عربية اصيلة.

* لكن اذا كان الرعيل الاول له مبرراته لهذه الاستجابة فان المشلكة ان كل «موضة« حسب تعبيرك انت يتم الاستجابة لها وتفصيلها وتمصيرها، كما ان البنيويين عندنا بخاصة الاكاديميين افقروا البنيوية من مفهومها، وتمت قولبتها وتشويهها.

ويمكن النظر هنا الي دراسات صلاح فضل، محمد عبد المطلب، صبري حافظ، جابر عصفور.. وغيرهم، ومدى افتقارها الي الخيال النقدي.. كيف ترى ذلك؟

ـ هناك بطبيعة الحال كتابات بنيوية تنقل بترونات الحداثة، او ما بعد الحداثة، وهي كتابات شديدة الادعاء وترتدي الميني جيب او المكسي جيب حسب ما يبدو لها، وحسب اخر الازياء في الغرب. بتطبيق ذلك على المبدعين كما ينطبق علي النقاد هؤلاء النقاد والادعياء يفتقرون الي المخيلة المبدعة، ولا يريدون الا ان يكونوا «مانكانات». لا بد للماركسية العربية ان تتبنى التيارات ذات الجذور في الجماهير الشعبية العربية، ولا بد للاتجاه البنيوي ان يعتمد ويطور تيارات بلاغية عربية عند الجرجاني ـ مثلا ـ في نظرية النظم، لان هذه الاتجاهات ليست مصابيح في واجهات عروض الأزياء الثقافية. وخذ مثلا وجود الطبقة العاملة العربية والطبقات الجديدة التي تأسست مع علاقة مصر او علاقة العالم العربي بالاقتصاد العالمي.

الا تتطلب تلك الطبقات برامج واهداف وتقنيات لها علاقة بالاشتراكية وهل ستكون الاشتراكية هنا ماركة اوروبية مستوردة؟ أضف الي ذلك ظهور فئة تكنوقواطية في الاقتصاد والادارة والبيروقراطية الاكاديمية، الا تتجه تلك الفئات بغريزتها الاجتماعية نحو ادراك الواقع في معادلات ونحو امتلاك التطور الاجتماعي على العكس من الاشتراكية ـ داخل اطر سكونية تهتم بالتوافق على حساب التعاقب وتحمل بذرة البنيوية داخل وعيها، من دون الحاجة الي ترجمة الشكل الغربي الناضج من البنيوية، وهو شكل لن يقبله البنيويون العرب كما هو، بل سيدخلون عليه التعديلات.

هكذا كان الحال مع بنيوية كمال ابو ديب، وصلاح فضل وصبري حافظ أيام هوجة البنيوية في السبعينات هنا عشرات البترونات القريبة مثل: نظرية قلق التاثير نظريات التاويل واستجابة القارئ المختلفة.. وغيرها لم تجد اذانا صاغية من اصحاب اخر الموديلات. اما النقد الثقافي الذي يروجون له الان فقد كانت ارهاصاته في الثقافة العربية عند العقاد، طه حسين، وبشكل اكبر عند شكري عياد وكان يسميه النقد الحضاري وبصيغة مخففة عند عبد القادر القط الذي مزجه بنظرية التعبير.

* كيف تقيم المشهد النقدي خاصة في ظل الاشارات المتكررة عن ازمة يعاني منها النقد؟

ـ بطبيعة الحال هناك أزمة نقد، مثلما هناك ازمة سياسية واقتصادية وازمة في انظمة الحكم، وازمة في التعليم وكل ذلك انعكس على النقد. النقد الجامعي او المدرسي عرضة لضغوط كبيرة ورقابة ويعاني مما يعاني منه التعليم الجامعي عامة.

فهذا النقد هو جزء من أزمة التعليم، كما ان هناك سطحية الاعلام ورفضه للثقافة الجادة. هل يحتفي الإعلام بالناقد مثل احتفائه بلاعب كرة او راقصة؟ كما لا توجد ندوات للنقد إعلامية او ثقافية الا النزر اليسير. لو كتب ناقد عن كاتب شاب دراسة جادة، هل يجد مكانا ينشرها فيه؟ النقاد لا يأكلون من النقد بل ينفقون عليه، ووضعهم مثل وضع المبدعين، ولولا التدريس والصحافة والوظيفة ما استطاع الناقد ان يجد مكانا لممارسة جزء من دوره.

* كيف تقيم دعوة الدكتور عبد العزيز حمودة للتأصيل لنظرية عربية تستفيد من المنجز التاريخي لكي نخرج من التيه النقدي الحالي؟

ـ هذه الدعوة سطحية. النظريات لا تتوزع على القوميات ولا توجد نظرية نقدية او طريقة واحدة توجد مدارس مختلفة متصارعة داخل القومية الواحدة هناك تيارات مختلفة ونظريات ولكن الفكرة السطحية عن القومية وانها تضخ افرادا في طابور واحد او يسيرون باطراف اصابعن على خط ملزم هذه الواحدية الصخرية استبدادية ومغلقة.

* قناعاتك وتحولاتك النقدية ماهي العوامل المؤثرة في ذلك وهل لها علاقة بتكونيك النقدي؟

ـ نتيجة للاهتمامات السياسية في حركة التحرر الوطني والنضال من اجل الديمقراطية كان اهتمامي منصبا علي النظريات الاجتماعية والفلسفية ذات الاتجاه اليساري وقد اهتمت اهتماما شديدا بترجمة كتب عن الانجليزية والفرنسية. لقد كان اهتمامي بالشكل الفني مرتبطا بالاهتمام بالاثر الاجتماعي والافتراضات الفلسفية في الوقت نفسه.

* لكن الم تؤثر علي قناعاتك النقدية احداث كبري من مثل سقوط الاتحاد السوفياتي، والتغيرات الاخيرة في العالم العربي؟

ـ بالعكس قد عمقتها. فقد كنت طيلة حياتي وتاريخي السياسي معاديا للستالينية وقد كتبت عن ذلك كثيرا، وقدمت للمحاكمة باعتباري مناوئا للاتحاد السوفياتي. وقد كتبت للبرنامج الثاني الثفافي بمصر دراسة طويلة عن الادب السوفياتي وخنق البيروقراطية الحاكمة له. وفي رأيي ان الماركسية السوفياتية كانت ايديولوجيا ليست لها علاقة بالماركسية الا علاقة التشويه العقائدية الزائفة وكان وجوده يجعل الطبقات العاملة في اوروبا ترفض الاشتراكية عموما، ان القول ان الاتحاد السوفياتي كانت تجسيدا للماركسية هو افتراء علي الحقيقة و الماركسية لا

توجد في دول تقهر الطبقة العاملة لكنها توجد في الحركات والتنظيمات الجماهيرية الشعبية

البعيدة عن البيروقراطيات البوليسية.

وهذا الكلام كتبته مرارا، ايام كان الكثيرون يلهجون بحمد ما يسمونه بـ «وطن الاشتراكية».

* باعتبارك في مقدمة النقاد المهتمين بتيارات الكتابة الجديدة بخاصة لدى الكتاب الشباب، كيف ترى هذه الكتابات، وهل هي مختلفة بالفعل عن كتابات الاجيال السابقة؟

ـ الكتابة الجديدة مزدهرة وخصوصا في الرواية، وانا افضل قولك مختلفة. واعتقد انها لا تشكل قطيعة مع الكتابة السابقة لكنها مغايرة لما سبقها، فهي تطرح من دون عمد قضايا الوضع البشري، عن وعي الانسان وحتي عن اللغة وتحاول ابتكار طرق جديدة للتعبير. وهذه الكتابات الجديدة لا توجد بسعر الجملة بل يجب الحذر من التبسيطات والتعميمات التي تضعهم جميعا في «زكيبة» ما بعد الحداثة.

* بماذا تفسر ولع الكتاب الجدد بالرواية برغم ان قسماً كبيراً من هذه «الروايات« هي في الغالب قصص قصيرة تمت تنميتها اعتسافا.

ـ ولع الشباب الجديد بالرواية القصيرة له معناه. ان بعضهم لا يهتم بتصوير شبكة العلاقات الاجتماعية ولا التناقضات الاجتماعية لكنهم يركزون ويكثفون الاهتمام بانسانية الانسان، وبالتقاط ما بقي من النواة الانسانية لدى بسطاء الناس، والتركيز على النواة الانسانية لدى بسطاء الناس بطابعه الذي يقترب من الشعر، او من الحياة اليومية وهي سمة يشترك فيها الكثيرون من الكتاب الجدد، ولها معناها الفني.