مع فوزية العشماوي

رئيسة منتدى المرأة الأوروبية المسلمة بجنيف: «الإسلاموفوبيا» نتاج سوء فهم متبادَل

فوزية العشماوي: التعارف يقتضي الحوار من أجل إعادة تقييم الصورة النمطية التي تحملها كل حضارة عن الأخرى

أحد مساجد زيوريخ بسويسرا .. وفي الإطار فوزية العشماوي

محمد خليل

«الإسلاموفوبيا» أو حالة الخوف من الإسلام التي سادت المجتمعات الغربية عقب أحداث سبتمبر (أيلول) مصطلح بات يعكس ويلخص طبيعة سوء الفهم المشترك بين العالمين الإسلامي والغربي. وقد رجعت الدكتورة فوزية العشماوي رئيسة منتدى المرأة الأوروبية المسلمة وأستاذة اللغة العربية في قسم الدراسات العربية والإسلامية بجامعة جنيف في سويسرا، أسباب انتشار ظاهرة «الإسلاموفوبيا»، إلى سوء الفهم المتبادل والأحكام المسبقة التي تحكم العلاقة بين العالمين حتى قبل أحداث سبتمبر (أيلول). وهو أمر تؤكده الصور السلبية التي تحفل بها المناهج الدراسية في العالم الإسلامي والغربي على السواء عن هذا الـ«الآخر». وشددت الدكتورة فوزية العشماوي على أهمية تكثيف الحوار بين العالم الإسلامي والغرب استجابة لقول الله تعالى: «وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا»، مؤكدة على أن التعارف يقتضي الحوار من أجل إعادة تقييم الصورة النمطية التي تحملها كل حضارة عن الأخرى. مشيرة إلى اهتمام العديد من المؤسسات والهيئات والمنظمات الدولية بقضية تنقية المناهج الدراسية من الشوائب السلبية التي تعمد إلي تشويه صورة الآخر.

وقالت الدكتورة فوزية العشماوي في حديث لـ«الشرق الأوسط» على هامش زيارتها للقاهرة: «إن من أهم القضايا التي يسلط الإعلام الغربي الضوء عليها قضية المساواة بين الرجل والمرأة في الشريعة الإسلامية، إذ تتعمد وسائل الإعلام الغربية ترويج صورة سلبية عن وضع المرأة في الإسلام متخذين من بعض النصوص القرآنية المجتزأة سندا لادّعائهم». مشيرة إلى أن الإعلام الغربي ما زال يصور المجتمعات العربية والإسلامية، كأنها تعيش وفق معتقدات وتقاليد تعود إلى القرون الوسطى.

* كيف يمكن تفسير الحملة التي يشنها بعض وسائل الإعلام في الغرب ضد الإسلام؟ وما السبيل لتغيير الصورة الذهنية الخاطئة عن الإسلام لدى كثير من الغربيين؟

- لا شك أن الحملات التي تشنها بعض وسائل الإعلام الغربية من حين إلى آخر ضد الإسلام كدين وحضارة أدت إلى انتشار ظاهرة الخوف من الإسلام أو ما يعرف بـ«الإسلاموفوبيا». كذا الصورة الذهنية الخاطئة عن الإسلام في المناهج الدراسية الغربية التي أسهمت بشكل رئيسي في تكريس سوء الفهم المتبادَل بين العالم الإسلامي والغرب بما تحمله من أحكام مسبقة تقطع الطريق على أي محاولة لتناول موضوعي نقدي. هذا فضلاً عن غياب الحوار الجادِّ الذي يؤدِّي إلى تعارف من شأنه تصحيح كثير من المفاهيم الخاطئة السائدة لدى كل طرف عن الآخر. وهو الأمر الذي يسهم في تجاوز أسباب الكراهية والعداء. * وهل توجد مؤشرات على إمكان تجاوز الحالة الراهنة في تقديرك؟

- صحيح. هناك اهتمام متزايد لدى العديد من المؤسسات والهيئات والمنظمات الدولية مثل المجلس الأوروبي في «ستراسبورغ»، و«منظمة اليونسكو» و«المنظمة الإسلامية للثقافة والعلوم (الإيسيسكو)» و«معهد جورج إيكارت إنستيتوت» في ألمانيا و«مكتب التربية الدولي» في جنيف، بقضية تنقية المناهج الدراسية، من خلال تكليف خبراء ومتخصصين في مجال التربية والتعليم بإجراء دراسات عن كيفية تنقية المناهج الدراسية من الشوائب السلبية التي تشوّه صورة الآخر، ومن القوالب النمطية والأفكار المسبقة التي تخلط الحقائق، والوقائع التاريخية بالخزعبلات والاختلاقات المغرضة التي روّجت في الماضي لتشويه تاريخ الآخر. وعلى الرغم من هذه الجهود ظلت صورة المسلمين في الذهنية الغربية متوقفة عند القرون الوسطى، حيث تجوب خيول المسلمين أصقاع الأرض لتُخضِعها بحد السيف.

* هل توجد معايير محددة وواضحة تعتمدها تلك الهيئات والمنظمات لضمان تعاطٍ موضوعي مع قضية المناهج الدراسية، كجزء من استراتيجيتها لدعم وتعزيز فرص حوار الحضارات؟

- بالتأكيد، وفي هذا الإطار وضعت منظمة «اليونسكو» معايير لتقييم المناهج الدراسية في العالم من خلال الإجابة على مجموعة من الأسئلة هي: هل المعلومات الموجودة صحيحة وكاملة؟ هل الخرائط والصور والرسومات البيانية صحيحة ومحدَّثة؟ هل تم الاعتراف بإنجازات الحضارات الأخرى؟ هل يتم تطبيق معايير متساوية؟ هل يتم عرض الخلافات السياسية بموضوعية وأمانة؟ هل تم تلافي تعبيرات إنشائية يمكن أن تؤدي إلى خلق أفكار مسبقة وسوء فهم ونزاعات؟ هل يتم الإشادة بقيم الحرية والكرامة والأخوة؟ هل يتم إبراز ضرورة التعاون الدولي وتكوين قيم إنسانية وتقدم قضية السلام؟ ومن المؤسسات التي تهتم أيضا بالمناهج الدراسية وتقييمها «مركز تقييم تأثير السلام» في الولايات المتحدة الأميركية، وهذا المركز يهتم بتقييم المناهج الدراسية في الدول التي انخرطت في مبادرات السلام أو وقّعت اتفاقيات سلام بالشرق الأوسط، مثل مصر والأردن والسلطة الفلسطينية وإسرائيل، وقد وضع هذا المركز سبعة معايير لتقييم المناهج الدراسية لقياس مدى فعاليتها في خلق مناخ يعزّز فرص السلام بالمنطقة هي: هل يحظى كل طرف باعتراف الطرف الآخر؟ هل يلقى قبوله؟ هل يتم احترامه؟ هل هم ضحايا أفكار مسبقة وقوالب نمطية؟ هل التربية تشجع على السلام؟ هل تؤيد التربية مبادرة السلام؟ هل هناك وسيلة لتحسن الحالة الراهنة؟

أنا شخصيا تم تكليفي عام 1994 من قِبل مكتب التربية الدولي في جنيف وتحت إشراف اليونسكو بإجراء دراسة عن صورة الآخر في مقررات التاريخ، وقد شملت الدراسة بعض دول حوض البحر المتوسط: فرنسا وإسبانيا واليونان من ناحية، ومصر والأردن ولبنان وتونس من ناحية أخرى. كما تم تكليفي في بداية عام 2004 من قِبل المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم «الإيسيسكو» بإجراء دراسة عن صورة الإسلام في المناهج الدراسية الغربية، وقد ركزت في الدراسة الأولى على مقررات المرحلة الابتدائية، أما الدراسة الثانية فقد تناولَت مناهج المرحلة الإعدادية والثانوية. وتوصلت في الدراسة الأولى إلى نتائج توضح أن التاريخ الذي يتم تدريسه للتلاميذ الأوروبيين في دول شمال البحر المتوسط يحتوي على معلومات مختلفة تماما عما يدرسه التلاميذ العرب المسلمون في مدارس جنوب البحر المتوسط. كما وجدنا أن كتب التاريخ الأوروبية تحتوي على كثير من المغالطات التي من شأنها تكريس روح العداء، كأن يتم تقديم الرسول (صلى الله عليه وسلم) مرة بوصفه رسولا ومرات بوصفه شاعرا ملهما. وهو أمر يهدف إلى زرع الشك في نفوس تلاميذ الصف الابتدائي حول حقيقة شخصية رسول الإسلام. كذا إصرار المناهج الغربية على تأكيد أن محمدا (صلى الله عليه وسلم) هو مؤلف القرآن الكريم. مع تجاهل كامل للإنجازات العلمية الثقافية والحضارية للعالم الإسلامي.

* لا شك أن الشبهات التي يثيرها الإعلام الغربي حول مكانة المرأة في الإسلام تعددت واتخذت طابعا عاما الهدف منه توجيه سهام النقد إلى المجتمعات الإسلامية. كيف تقيمين هذا التوجه؟

- هذا بالفعل جزء من تفكير الغرب وانطباعه عن الإسلام واستراتيجيته التي يريد على أساسها تشويه صورة الإسلام بالتركيز على بعض القضايا الفقهية مثل القضايا الخاصة بالمرأة. فالإعلام الغربي يركز بصفة خاصة على الكتابات التي وضعها المستشرقون غير المنصفين حول قضية المساواة بين الرجل والمرأة في الشريعة الإسلامية، وفي هذا الصدد يتهمون الإسلام بأنه لا يعطي المرأة حق المساواة مع الرجل، بل يعتبرون أن مكانة المرأة في الإسلام أدنى من مكانة الرجل، ويبرر هؤلاء هذه الادعاءات بأن الخطاب القرآني يقرر أن الرجل أفضل من المرأة محتجين بما جاء في قول الله (تعالى): «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ»، كما أن الإعلام الغربي يتعمد الاستشهاد ببعض الآيات القرآنية خارج إطار النص القرآني المتكامل، مجتزئا إياها ليفسره بما يتفق وموقفه سابق التجهيز.

* أمام هذا التحدي الخطير، في تصورك، ما الدور المنوط بنا لمواجهة هذا التحدي وتغيير تلك المفاهيم والأفكار المغلوطة عن الإسلام والمسلمين؟

- يتوجب علينا كمسلمين العمل على وضع خطط فاعلة وبرامج جادة من شأنها تصحيح صورة الإسلام بشكل عام، مع التركيز على القضايا التي يستغلها الإعلام الغربي أكثر من غيرها، مبرزين أسباب سوء الفهم. مع الإقرار بضرورة تطوير الرؤية الإسلامية المستقبلية لوضع المرأة في المجتمعات الإسلامية. خصوصا وأننا لن نعدم في الخطاب الإسلامي العديد من الدلائل التي تؤكد على أهمية دور المرأة ورفعة مكانتها، وأن ننتقل بهذا الخطاب إلى مستوى الممارسة عبر برامج تنهض بمستوى المرأة وتمنحها الحقوق التي كفلها الإسلام، وقد أوصانا الرسول الكريم بها خيرا: «استوصوا بالنساء خيرا». كما لا يجب أن ننسى المرأة المسلمة التي تعيش في المجتمعات الغربية، يجب أن نعمل على تعزيز مكانتها وأن نضمن مساواتها بالمرأة الغربية دون تفرقة.