حوار مع الدكتور جابر قميحة

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

أجرى الحوار: نعيم عبد الغني

الأديب المصري جابر قميحة:

الحركة النقدية في أزمة أخلاقية

حوار ـ نعيم عبدالغني  

في رحاب الأدب والنقد، وهموم الأمة العربية والإسلامية يعيش الدكتور جابر قميحة، ليكتب الشعر والنثر بقلم رشيق وعبارة محكمة، وسهولة ممتنعة، وجرأة في الحق جعلت له قراء يحسون بصدق كلمته، ورقة حديثه، وشدته على ما يراه باطلا من أوضاع.

خبراته وتجاربه تكونت من عمله الأكاديمي في الجامعات العربية بداية من كلية الألسن بمصر ومرورا بجامعة (يل) Yale بأميركا. والجامعة الإسلامية العالمية بإسلام آباد (باكستان). وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن (قسم الدراسات الإسلامية والعربية)- الظهران- المملكة العربية السعودية، ليستقر أخيرا أستاذا متفرغا بكلية الألسن بعين شمس

في رحلته العلمية كتب ما يزيد على أربعين كتابا، وخمسين بحثا في مجلات علمية محكمة، فضلا عن مئات المقالات المنتشرة على صفحات الجرائد والمجلات، وعشرات المؤتمرات والندوات.

في هذا الحوار نقترب اكثر من هذا الرجل علنا نقتبس بعضا مما زخرت به تجربته العلمية

 ما السبب في توجه الدكتور جابر لمجال الأدب والنقد؟

توجهت للأدب والنقد ليس بطريقة اختيارية ولكني وجدت نفسي متجها هذه الوجهة، ثم لأن الأدب عملية إنشائية، يشعر الإنسان بعدها بأنه أضاف إلى وجوده وجوداً آخر. وفي النقد يشعر الإنسان بأنه يقوم بدور إيجابي في الحياة.

 متى بدأ الأستاذ جابر كتابة الشعر؟

بدأتُ نظم الشعر منذ صغري، وكان الموضوع المثير هو قضية فلسطين، وأذكر أن أول ما نظمت كان سنة 1947م-1948م ومنه الأبيات الآتية:

فلسطينُ أمي وحق اليقين

وحق الشهيد غداً تسمعين

غداً تسمعين بأنا نسود

إذا ما حصدنا فلول اليهود

فلسطينُ أمي.. فلسطين أمي

فلسطين أمي.. فلسطين أمي

ثم نظمت بعد ذلك في دعوة الإخوان، وفي الشهيد حسن البنا.

أما المثير الأكبر للشاعرية فكان جهاد المسلمين في أفغانستان، وقد ألهمني ديواناً كاملاً، سميته «لجهاد الأفغان أغني».

 للأدب الإسلامي نصيب موفور في نتاجكم الشعري والنقدي ومنه سلسلة «أدبيات الأقصى والدم الفلسطيني» التي يلاحظ فيها دراسة شعراء مغمورين ولهم شعر جيد، فلماذا لم تقصر الدراسة على الشعراء القدامى؟

النقاد الإسلاميون ينظرون إلى الأدب والنقد على أنه «رسالة» من مقتضيات الدين أن تؤدَّى على أكمل وجه، وقد أخذت على عاتقي تشجيع الشعراء الشبان، فهم أولى بالتشجيع من غيرهم. ثم إنني لم أهمل الشعراء الكبار، فكتبت عنهم كذلك في سلسلة دراسات تجمع إن شاء الله قريباً في كتابٍ واحد بعنوان: «وما زلنا نقطر شعراً». وكتبت كذلك دراسات عن «نجيب الكيلاني» الشاعر، و «عمر بهاء الدين الأميري»، و «رائد صلاح»، و «محمد صيام»، في دراسات صدرت بها دواوينهم، ولكني أكرر أن الشعراء الشبان أولى بالتشجيع من غيرهم.

 كانت لكم معركة أدبية مع الراحل رجاء النقاش، فهل لنا أن نعرف أهم القضايا التي تناولتها المعركة الأدبية؟

معركتي مع رجاء النقاش استغرقت قرابة نصف كتاب «الأدب الحديث بين عدالة الموضوعية وجناية التطرف» أي أنها استغرقت أكثر من مئة صفحة. وهذه المعركة كانت بسبب أن رجاء النقاش تحمس تحمساً بالغاً لناقدٍ اسمه «التليسي» دعا إلى ما سماه قصيدة البيت الواحد. وأنا نظرت إلى هذه الوجهة على أساس أنها تمثل خطراً على الشعر العربي، والشاعرية العربية، لأن الشعر العربي فيه القصائد الطويلة التي لا يغني عنها غيرها، وفيه الأبيات المركزة المكثفة التي نقول عنها إنها حكمة، أو مثل. ونشرت هذه المقالات على عدة أشهر في صحيفة «اليوم» التي تصدر عن النادي الأدبي في الدمام. وأذكر أنني التقيتُ بعدها في مهرجان الجنادرية في الرياض برجاء النقاش فرأيته واسع الصدر، وشد على يدي وهو يبتسم، وقال يا فلان لو كان لقائي بك وإرضائي لك يحملك على أن تشن حملات عليّ لرحبت بذلك تمام الترحيب، وأخذنا المسألة على أساس أنها سهلة، وكان واسع الصدر إلى أقصى حد، ومن يومها وصداقتنا لا تنفك.

 هل كانت لكم ذكريات مع الأستاذ النقاش يمكن أن تكون درسا لشباب النقاد؟

استفدت من هذا الرجل سعة الصدر والمرونة، حتى إن حملتي الشديدة عليه لم تغير نفسيته، وهذه هي طبيعة الناقد الجاد والأديب المتزن، ينظر إلى نفسه على أساس أنه ليس منزهاً عن النقد، بل بقدر النقد الموجه إليه تكون قيمته. وقد قيل لبرنارد شو إن فلاناً ليس له أعداء أو نقاد، فقال ضاحكاً: فمتى يكون عظيماً إذن؟

 ماذا عن مشروع الترجمة عند الدكتور جابر قميحة؟

أنا ترجمتُ ديوان «أسماء الله الحسنى» عن الإنجليزية، ترجمته شعراً وهو لشاعرة فنانة باكستانية مشهورة، ونشر الكتاب بأصله الإنجليزي وترجمتي العربية، ولوحاته التي تمثل كل لوحة منها اسما من أسماء الله الحسنى، ووزع منه مئات الألوف على مستوى العالم. وإن شاء الله سأطبع الترجمة الشعرية العربية منفصلة في كتاب مستقل، وسيكون ذلك قريباً إن شاء الله.

ولكني بصفة عامة أميل إلى الكتابة بالعربية أكثر من ميلي إلى الكتابات المترجمة.

 هل تتابعون الدراسات النقدية التي تتناول نتاجكم الأدبي والفكري؟

نعم أتابعها، والحمد لله أكثرها منصفٌ ومعتدل، كالذي يكتبه الدكتور خالد فهمي، والدكتور وصفي عاشور أبو زيد، والأستاذ أحمد إدريس، والدكتور علي عشري زايد -رحمه الله.

 

 يقول البعض إن مقالات الدكتور جابر تكون غالبا على صفيح ساخن، فهل توافقون على هذا التعبير؟

في الواقع أنا ناقد جاد، لا أعرف النفاق ولا أعرف المجاملة، وقد يدفع هذا الاتجاه بعضهم بالقول: إن فلانا لا يرضى إلا بالضربة القاضية. على أية حال أنا أحاول أن أؤدي واجبي النقدي بلا مجاملة، وبلا إسراف في عدل وموضوعية.

 ما نصيب العمل الروائي في نتاج الدكتور جابر؟

ليست لي روايات وإن كانت لي قصص متعددة منها: «سيارتي والكراسي الطائرة»، «في بيتنا ذبابة»، «نعم نعم يا محمد»، وكتبت مقامات ولكني لم أكتب الرواية، وإن كتبتُ مسرحيات نثرية ومسرحيات شعرية.

 في كتابكم في الأدب الحديث عقدتم مقارنة بين شوقي وعزيز أباظة ورجحتم كفة عزيز أباظة، فهل هذا بسبب تأثركم بمدرسة العقاد، الذي كام موضوع أطروحتكم الجامعية ؟

انطلقت في تفضيل عزيز أباظة على شوقي بمقولتي: إن عزيز أباظة أفاد من عثرات الريادة التي سقط فيها شوقي بوصفه رائداً للشعر المسرحي، كذلك فضلت عزيز أباظة، لأن عزيز أباظة يعيش «عصر المسرحية» فيعبر عن كل عصرٍ بلغته. أما شوقي فهو له صوتٌ واحد في كل مسرحياته، أي أن أسلوبه في مسرحية عنترة هو أسلوبه في مسرحية مجنون ليلى، وهكذا. فنجد صوت الشاعر شوقي، وليس صوت المسرحي شوقي.

 كنتم من الذين كتبوا في مجلة الدوحة الأدبية فهل لكم معها ذكريات؟

ليست هناك ذكريات معينة، وكانت علاقتنا هي علاقة كاتب في مجلة.

 ما تقييمكم للحركة النقدية حاليا؟

الحركة النقدية الآن في أزمة شديدة جدّاً أستطيع أن أسميها «أزمة أخلاقية»، فالأضواء لا تسلط إلا على رجال السلطة رغم أنهم فقراء في المادة والعلم، أما النقاد الأصلاء، فالدولة تهملهم تماماً.

 هل صحيح أن الشعوب أصبحت تعطي ظهرها للمد العلماني وتولي شطرها نحو الأيديولوجيات الفكرية المختلفة؟

في الواقع أقول بإيجاز شديد: البقاء للأصلح دائماً ولو طال الأمد، والله سبحانه وتعالى يقول (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ) (الرعد: 17). وأحمد الله أن الشعوب، خصوصاً الشباب، بدؤوا يتجهون إلى القيم الإسلامية، والعلم النافع بعد أن اكتشفوا أن العلمانية خدعة كبرى لا تقدم بل تؤخر، بعد أن ظهرت بوجهها المكشوف ولم يعد عندها ما تستره. وإن شاء الله نرى موروثنا العربي والإسلامي منتصراً في كل الجبهات: الدينية، والخلقية، والنفسية، والسياسية، والأدبية.. فالبقاء للأصلح كما قلت سابقاً.

 ما الكلمة التي تحب أن توجهها للأدباء الشباب؟

أحب أن أقول لكل أديب شاب: اعتز بنفسك وأدبك من دون غرور، وتواضع من دون ضعة.