عبد القدوس أبو صالح

هدى الصالح

ذهبت معاتبا السفير الباكستاني في دمشق في نهار رمضان فتناولت عنده القهوة والحلوى رئيس رابطة الأدب الإسلامي لـ«الشرق الأوسط» لو التزم الحداثيون بتعريف الغذامي  لما كان هناك خلاف بيننا وبينهم الأدب الإسلامي لا يواجه الحداثة التي تعني التحديث أو التجديد والمعاصرة ولكنه يواجه «الحداثة المذهبية»، هذا ما يلح عليه الدكتور عبد القدوس أبو صالح رئيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية ورئيس تحرير

مجلة الأدب الإسلامي في حواره الرمضاني مع «الشرق الأوسط»، مشددا على أن المذهب الملتزم به يقوم على الاعتدال والوسطية مبتعدا عن الغلو والتطرف.

* ما مفهوم الرابطة للأدب الإسلامي في ضوء موجة الحداثة والتغريب التي تجابه هذا الأدب؟

ـ الأدب الإسلامي هو التعبير الفني الهادف عن الإنسان والحياة والكون وفق التصور الإسلامي، فهو لا يخرج عن إطاره الفني كونه أدبا، وهو أدب ملتزم بالإسلام والالتزام فيه عفوي، وهذا الأدب يشمل تجربة إنسانية، وليس صحيحا ما يزعمه بعض المعارضين من انه أدب محصور في موضوعات دينية محددة. أما التصور الإسلامي فهو يقابل «الآيديولوجية» التي تصدر عنها المذاهب الأدبية، كما أن الأدب الإسلامي لا يواجه الحداثة بمعنى التحديث والتجديد والمعاصرة ولكنه يواجه الحداثة المذهبية، فقد عرف بعض الحداثيين العرب الحداثة بأنها «انقطاع معرفي»

وعرفها أدونيس في كتابه «مقدمة في الشعر العربي» بأنها «تجاوز الواقع أو اللاعقلانية، أي الثورة على القوانين العقلية وعلى المنطق والشريعة، وهي تعني الخلاص من المقدس وإباحة كل شيء» بالإضافة إلى موقف الحداثيين السلبي من التراث ودعوتهم إلى تفجير اللغة.

ولو أن الحداثيين التزموا حقا بتعريف الدكتور عبد الله الغذامي للحداثة بأنها التجديد الواعي دون الخروج على الثوابت، ودون التنكر للتراث وللغة الفصحى، لما كان هناك داع للخلاف، والأدب الإسلامي يمثل ردة فعل ضد تيار التغريب الذي تناول شعوب العالم الإسلامي بأسرها، وبلغ من خطورته أن الدكتور طه حسين عميد الأدب العربي قاد تيار التغريب في العالم العربي وألف كتابا باسم «مستقبل الثقافة في مصر» ودعا فيه إلى الأخذ بالحضارة الغربية بكل ما فيها، كما يقول «لنكون لهم شركاء في الحضارة خيرها وشرها، حلوها ومرها، وما يحب منها وما يكره، وما يحمد

منها وما يُعاب».

* الاعتدال والوسطية والبعد عن الغلو والتطرف هو المنهج الذي تزعم رابطة الأدب الإسلامي تمسكها به، فكيف يكون ذلك؟ وما موقف الرابطة من الآخر؟

ـ منهج رابطة الأدب الإسلامي العالمية الذي يقوم على الاعتدال والوسطية والبعد عن الغلو والتطرف هو منهج رئيسها الأول سماحة الشيخ أبي الحسن الندوي ـ رحمه الله ـ الذي دعا إليها في كتاباته ومواقفه العملية، ومن هنا فان الرابطة التزمت بهذا المنهج ودعت إلى الالتزام به في سائر أدبياتها، وذلك قبل أن تقوم في بعض البلاد العربية والإسلامية تلك الأعمال الإرهابية التي أضرت بالعباد والبلاد.

أما الموقف من الآخر سواء كان مذهبيا أدبيا أم أدبيا، فان الرابطة تنطلق فيه من القاعدة النبوية المعروفة «الحكمة ضالة المؤمن، وحيثما وجدها فهو أحق بها»، وهكذا تنفتح الرابطة على المذاهب الأدبية العالمية، تأخذ منها ما فيها من ايجابيات، وتدع ما فيها من سلبيات، وهو موقفنا أيضا من الأدباء المخالفين، فنحن نمد أيدينا إلى كل من يمدها إلينا.

* في ظل الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية سواء الإقليمية أو المحلية هل ما زال الدكتور عبد القدوس يجد أو يستشعر الروحانيات الرمضانية كالسابق؟

ـ إن الظروف القاسية التي تحدق بالأمة العربية والإسلامية تدفع المسلم باللجوء إلى الله عز وجل بالتضرع إليه في صلواته كلها، وفي دعاء صلاة التراويح بخاصة، حيث تتجلى في الدعاء روحانية خالصة تدفع اليأس عن النفس وتجدد العزم لدى المسلمين على بذل الجهود لإصلاح الحال إيمانا بقوله تعالى «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم».

* هل هناك موقف طريف عرض لك في أحد أشهر رمضان، ولا يزال ماثلا في ذهنك؟

ـ نعم كان ذلك الموقف في شهر رمضان عام 1954، اذ أقامت السفارة الباكستانية في دمشق حفلا على مدرج الجامعة بمناسبة مرور 16 عاما على وفاة شاعر الإسلام محمد إقبال. وانتدبت لإلقاء بعض أشعار إقبال المترجمة. ولكن حدث أن اكتشفت بعد انتهاء الحفل أن الأستاذ الكبير الدكتور مصطفى السباعي ـ وكان حينها نائبا لرئيس مجلس النواب ـ انسحب من الحفل لعدم وجود اسمه بين المقاعد المحجوزة لكبار المدعوين، فكبر هذا علي، ومضيت في اليوم الثاني من شهر رمضان الكريم إلى السفارة الباكستانية في دمشق، ودخلت على السفير الذي رحب بي أجمل ترحيب وطلب لي فنجانا من القهوة فشربته متناولا معه قطعة حلوى فاخرة، وبعد العتاب بادر إلى إبداء الأسف ووعد أن يعتذر إلى الدكتور السباعي بنفسه. وبعد أن عدت وحدثت أحد الزملاء عن ترحيب السفير بي وضيافته لي، وإذا به يصرخ في وجهي: كيف شربت وتناولت الضيافة؟ أنسيت أنك صائم؟

كبر الأمر علي وقلت في نفسي: ماذا عساه يقول السفير عني، وأنا أعد نفسي من الملتزمين بالإسلام؟! فسارعت إلى مقابلته فتعجب من سبب عودتي ثانية، وأنا في حالة من الغضب المكتوم، وقلت على الفور: إن باكستان دولة إسلامية فكيف تقدمون الضيافة في رمضان للزائرين حتى كدتم تفسدون علي صيامي؟ فما كان من السفير إلا إن هدأ من غضبي، وقال لي في صوت هادئ مفعم بالمودة: «يا بني إن السفارة تستقبل الناس ما بين بر وفاجر وصائم ومفطر، والصائم يعتذر وأما المفطر فلا يبالي»..

ورددت عليه بحماس الشباب: «يا سعادة السفير إن من يلقي شعر إقبال لا يمكن أن يكون مفطرا، ولكن الشيطان أوقعني في النسيان».

* ما الذي يفتقده عبد القدوس «الإنسان» في رمضان هذه السنة؟

ـ أفتقد في هذا الشهر الكريم أخا عزيزا اتصلت عرى الصداقة بيني وبينه منذ أيام الدراسة الجامعية، حتى توفاه الله منذ شهور يسيرة بمرض السرطان الذي عانى منه لفترات طويلة متحديا كل آلامه بإيمان راسخ ورضا بقضاء الله وقدره، كما افتقد وداعة القلب وطمأنينة النفس وراحة البال وكل ذلك كان يشيعه في الجوانح ما يتميز به رمضان من روحانية خاصة، ولكن سرعان ما انحسر ذلك كله عندما طغت عليه موجات عاتية من الأخطار تتهدد الأمة جمعاء سواء كانت خطرا خارجيا أم داخليا يتهدد أمن البلاد واستقرارها.