د. حسن الأمراني

أحمد مصطفى عبد الله

د. حسن الأمراني الأمين العام لرابطة الأدب الإسلامي العالمية:

ليس أديباً حقاً من يعمل على تدمير الأمة الإسلامية من الداخل بدعوى الحرية

أحمد مصطفى عبد الله  

أكد الدكتور حسن الأمراني الأمين العام لرابطة الأدب الإسلامي العالمية أن خطب الرسول صلى الله عليه وسلم وأحاديثه جاءت مؤصلة لأدب الدعوة، وموضحة منهجه، ومبينة لخصائصه العلمية.

وقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم اتخذ لنفسه شعراء يواجهون المناوئين للدعوة من أهل الكتاب والمشركين، وقد أبلى الشعراء الذين انتدبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بلاء حسناً، وأثنى عليهم الرسول ثناء طيباً.

وأضاف أننا حين نتحدث عن أدب الدعوة نستحضر الصورة المثلى لهذا الأدب وهذه الصورة المثلى، في شقيها الخلقي والجمالي. تتمثل في أدب رسول الله صلى الله عليه وسلم أولاً، ثم في ذلك الأدب الذي صدر عن الصحابة رضوان الله عليهم وسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقره، وأثاب عليه، فهذا هو الأدب الذي يجب أن نأخذ به في تحديد المنطلقات والمقاصد، معرضين عن أقوال السفهاء.

وأوضح الدكتور الأمراني أن أدب الدعوة في جوهره أدب رسالي، ورسالة الأديب المسلم هي رسالة الإنسان الكامل، وهي الدعوة إلى الله عز وجل لقوله تعالى:

(ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين).

وقال: لقد جلى القرآن الكريم وجلت سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم أدب الدعوة بهذا المفهوم الشامل.

إن أدب الدعوة يتضمن خصائص كان أول من أمر بها، وتحلى بها وعاشها الأنبياء، ومن تلك الخصائص:

مراعاة مقام المخاطبين.

ومراعاة خصائص في الخطاب نفسه تبعاً لذلك.

ومن خصائص أدب الدعوة مراعاة اللين في القول، والرفق في الأمر كله، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد رفقاً على قومه في دعوتهم إلى كلمة التوحيد، هذا على كثرة ما لقي منهم من الأذى المادي والمعنوي، وكان القرآن الكريم يثني على خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد خاطب الله تعالى نبيه الكريم فقال:

(فاصفح الصفح الجميل).

وقال عز وجل:

(فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون)..

وقال تعالى أيضاً:

(ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور).

كما أمر الله تعالى رسوله الكريم بالجمال في الهجر أيضاً، فقال عز من قائل:

(واهجرهم هجراً جميلاً).

ويضيف الدكتور حسن الأمراني قائلاً:

لقد كانت قيم الجاهلية ترى العنف دليل القوة، والعدوان رمز الغلبة، وقد سجل الشعراء ذلك في أشعارهم، حتى كان شعاراً لهم قول حكيمهم زهير بن أبي سلمى:

"ومن لا يظلم الناس يظلم".

وكان قد شاع على ألسنة العرب:

(انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً).

ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذب الأخلاق وشذب القيم ووجه تلك النصوص توجيهاً جديداً، حين سئل: ننصره مظلوماً، فكيف ننصره ظالماً؟ فقال عليه السلام:

"تمنعه عن ظلمه فذلك نصرك إياه".

ولما كان رد العدوان والانتصاف من المعتدين مشروعاً، لقوله تعالى:

(فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين).

فقد علم رسول الله المسلمين كيف يردون على من اعتدى عليهم، لأن عدم الرد في بعض المواطن يكون ضعفاً، ويكون تسليماً بالباطل، ففي سيرة ابن هشام في خبر غزوة أحد:

"ثم إن أبا سفيان بن حرب حين أراد الانصراف أشرف على الجبل ثم صرخ بأعلى صوته فقال: (الحرب سجال، يوم بيوم اعلُ هبل) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"قم يا عمر فأجبه"، فقال عمر:

"الله أعلى وأجل لا سواء، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار".

فلما أجاب عمر أبا سفيان، قال له أبو سفيان: "هلم إليّ يا عمر" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: "ائته، فانظر ما شأنه" فجاءه فقال له أبو سفيان: "قل يا عمر، اقتلنا محمداً؟ قال عمر: اللهم لا، وإنه ليسمع كلامك الآن"، فقال أنت أصدق عندي من ابن قمئة وأبر" وكان ابن قمئة مشركاً، وزعم يوم أُحد أنه قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هذا الخبر شديد الأهمية، شديد الدلالة على أن المسلم لا يرضى الدنية في دينه، سواء كانت قولاً أو فعلاً، كما أن فيه دلالة قاطعة على أهمية القول، وأنه لا يجوز السكوت على الباطل، لأن السكوت على الباطل شبيه بالإقرار به، ولهذا كله نشأ إلى جانب الأدب بمعناه الخلقي، أدب بمعناه الجمالي، نشأ قول رفيع يخالف القول الذي كان شائعاً في الجاهلية.

وكان الذي أصّل هذا الأدب كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فالقرآن الكريم كما هو معروف معجزة بيانية أولاً، ولذلك كان يزلزل المشركين حين يسمعونه، وكانت هذه المعجزة القرآنية البيانية تحمل من تهيأت قلوبهم من المشركين للهداية إلى الإسلام، وتزيد الذين ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون رجساً إلى رجسهم وضلالة إلى ضلالتهم.

وقد أبلى الشعراء الذين انتدبهم الرسول صلى الله عليه وسلم من رجال ونساء على المشركين البلاء الحسن، وأثنى عليه الصلاة والسلام، عليهم ثناء حسناً، وقد فصّل كتاب الله تعالى بين فريقين من الشعراء في قوله تعالى:

(والشعراء يتبعهم الغاوون):

فريق من أهل الضلالة، وأتباع الشيطان، وهم أولئك الذين كانوا يتناولون رسول الله صلى الله عليه وسلم بشعرهم وينالون من المسلمين بالباطل.

والفريق الثاني هم (الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعد ما ظُلموا) وهؤلاء هم الذين أكرمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجموعة من البشريات، ومن ذاك أنه صلى الله عليه وسلم قال لحسان: "اهجهم وجبريل معك" وقال عليه السلام: "اللهم أيده بروح القدس".

وقال الدكتور الأمراني:

لقد كان من دواعي تصحيح مسيرة الأدب في العهد الأول ما شهدته الساحة من أحداث جعلت المشركين يجندون أنفسهم ويجردون ألسنة شعرائهم للنيل من الإسلام ومن المسلمين، فكان أن تصدى الشعراء المؤمنون، بإذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم لتلك الحملات ورودها على أعقابها، وخلفوا لنا أدباً غزيراً ورفيعاً من أدب الدعوة.

لقد كانت قصيدة حسان بن ثابت بحق ممثلة للقصيدة الإسلامية الأولى، ولولا ذلك لما نال تلك المنزلة التي نالها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومضى الدكتور الأمراني قائلاً:

إننا مدعوون إلى قراءة ذلك الشعر بعيون جديدة وقلوب متحررة من عدد من الأحكام التي رددتها الألسنة، ومن تلك الحكم الأحكام: الشائع عن ضعف شعر حسان في الإسلام، فشتان ما بين شعر حسان في الجاهلية على علو كعبه، وشعره في الإسلام. لقد تغلغل في شعر حسان الإسلامي روح الإسلام ولم يكن ذلك عنده مجرد انطباع، فقد استفاد من روح القرآن في الإنصاف لقوله تعالى:

(وإنا أو إياكم لعلى هدىً أو في ضلال مبين).

واليوم تشهد أمتنا انسلاخاً وعدواناً من دعاة الأدب الرفيع، وبذلك يصير لزاماً على حراس الكلمة المؤمنة أن يتصدوا لتلك الحملات بأدب رفيع هو أدب الدعوة كما تصدى الجيل الأول من الشعراء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولا يصرفنا عن أداء الرسالة ما يردده أهل الباطل من زخرف القول، وما يدعونه من حياد الفن، وتحرره من قيود العقيدة فكثير من الناس يقدمون أدباً سخيفاً وفناً مدمراً للأخلاق، ومدمراً للشعور، فإذا اعترض عليهم معترض قالوا: وما شأن الدين بالأدب؟ الأدب يتحرر من كل شيء.. كلا!

الأدب له منهاج واضح، وله أسس مكينة، ولا يمكن أن يقبل أدب يطعن في مقومات هذه الأمة، ولا يمكن أن يقبل شعر يعمل على تدمير هذه الأمة من الداخل، بدعوى الحرية، وليس هناك من نظام في العالم إطلاقاً يمكن أن يسمح بشيء يتجاوز مقدساته، فلكل أمة قيمها ومقدساتها.

إن الأدب في يد هؤلاء سلاح آثم، وسبيل أدب الدعوة مسلكان: الهدم والبناء، وهما متلازمان، فأما الهدم فيراد به هدم قيم الباطل، والتصدي لجحافله والرد على مفتريات المرجفين، وأما البناء فهو رفع أعمدة قيم الحق والخير والجمال ولا يكون ذلك كله ذا أثر إلا إذا جمع الأدب بين عنصريه في انسجام تام وتناسق كامل، هذان العنصران هما: الحق والجمال، فنحن قد نجد قولاً يراد أن يسمى أدباً، وفيه حق ولكنه لا يلجأ إلى الأدوات الجمالية فيفقد تأثيره، كما أننا قد نجد أدباً جميلاً ولكنه أدب يدعو إلى الباطل، فهو من زخرف القول، ولذلك فهو أدب مرفوض.

هذا الأدب الذي هو من زخرف القول كما سماه القرآن الكريم يسعى به أصحابه إلى صرف الناس عن الحق، وتزيين الغواية، فيفتن الناس، كما فتن العجل الذهبي الذي أخرجه السامري لبني إسرائيل، فالتفنن في صنعة العجل لا يجعل منه حقاً، فهو باطل وإن فتن الناس بجمال صنعته.

إن أدب الدعوة يعتمد عنصري الهدم والبناء إنه أدب المواجهة والتحدي، كما أنه أدب الاستعلاء على شهوات النفس والدنيا، وله أن يتخذ من الأشكال الفنية، ويطوع من الأجناس الأدبية ما هو كفيل بتحقيق الغايات وإدراك المقاصد.