تشرين تلتقي الأديب عبد المعين الملوحي

تشرين تلتقي الأديب عبد المعين الملوحي.. أطمح في ترجمة أشعار العالم.. وكتابي القادم قصائد لثلاثة شعراء في رثاء نساء

 حوار: وليد العودة

زارت -تشرين- قبل أيام الموسوعي واللغوي والشاعر الكبير -عبد المعين الملوحي- في منزله في دمشق للاطمئنان عن صحته والتعرف على آخر أخباره على صعيد النشر والابداع...
وهو بالرغم من اقترابه سن التسعين إلا أنه لايزال يحتفظ اليوم بذاكرة قوية...

ومعنويات عالية يندر أن نجدها اليوم عند الشباب.

 وفي غرفته الخاصة به... والتي تحتوي على عدة مئات من الكتب التي سبق أن نشرها... خلال مراحل حياته الزاخرة بالنشاط والحيوية ­ تأليفاً وترجمة وشعراً­ يقضي الأديب «الملوحي» معظم ساعات يومه ضمن برنامج دقيق يسير عليه منذ سنوات بعيدة، وتزين غرفته هذه صورة كبيرة للزعيم جمال عبد الناصر وعدة مجسمات لبعض الزعماء الشيوعيين...
‏وبعد ترحيبه بنا، وبالعاملين في مؤسسة تشرين، قال الأديب الملوحي عن سيرته الشخصية والإبداعية:
 أحببت وطني العربي.. شعبه وأرضه وسماءه وأنهاره وجباله وصحراءه.
أحسست أني حبة رمل في صحرائه.. شظية نجم في سمائه، بذرة قمح في ترابه.. قطرة دم في شرايين شعبه.. قطرة ماء في أنهاره.. ذرة ثلج في جباله.. ورافقني هذا الشعور حتى في طفولتي قبل أن أعرف لي وطناً.. وزاد ونما بعد أن عرفت أن لي وطناً.. وسيصحبني هذا الشعور إلى قبري. ‏
علمت لغته العربية خمسين سنة.. وكتبت له أكثر من مئتي كتاب.. نشرت منها نصفها..
واستطعت أن أنشر حبّ لغتي وأمتي في الصين والهند والباكستان... وأشعر مع ذلك أني لم أفعل شيئاً يليق بخدمة هذا الوطن الرائع وتلك اللغة الراقية. ‏
لقد عانيت في نشر كتبي الأهوال، وذقت الأمرين. ‏
أول كتاب لي طبعته في القاهرة عام1945 وهو ترجمة كتاب مكسيم غوركي غذكريات حياتي الأدبيةف وأظن أنه أول كتاب لغوركي باللغة العربية.. وحينها وعدوني بتعويض قدره 10 جنيهات. لكنهم لم يعطوني إلا جنيهاً واحداً. ‏
وفي بيروت نشروا لي كتاباً بعنوان غدور الأفكار التقدمية في تطوير المجتمعف وطبعوه خمس طبعات متتالية وأخيراً أصابهم الحياء فأعطوني مئة ليرة سورية.. وفي بيروت أيضاً نشروا لي 3 كتب متتالية وتكرموا عليّ لقاء ذلك بقاموس فرنسي ­ عربي. ‏
أما في دمشق، فقد نشرت كتاب «داغستان بلدي» لرسول حمزاتوف.. وكنت قد ترجمته مع يوسف الحلاق... وانتشر الكتاب انتشاراً واسعاً وطبع خمس مرات أو أكثر.. فتصدقوا عليّ بـ/1106/ ليرات سورية عداً ونقداً.. ولاأظن أن تعويض الاستاذ الحلاق أكثر من ذلك. وكثيراً ما أخذ البعض كتبي ونشرها باسم غير اسمي... لهذا فقد تنفست الصعداء عندما أصبح لولدي دار نشر في دمشق، وانتقيت له كتابي غدفاع عن اللغة العربيةف ليكون باكورة ماأنتجته هذه الدار.
 والآن.. ماذا عن جديدك على صعيد النشر؟ ‏

 فيما يتعلق بالنشر.. عندي الآن ثلاثة كتب تحت الطبع الأول بعنوان «النوادر الدينية» وقد أخذته دار المدى... وستنشره قريباً، وهناك كتابان آخران في طريقهما للنشر وهما: الجزء الثاني من «شظايا من عمري» ويتعلق بالفترة التي تلت إحالتي للتقاعد بعد عام 1960... والكتاب الآخر غبيتي في فلسطينف ­ وجمعت فيه كل المقالات والقصائد التي نظمتها في فلسطين­ بدءاً من قصيدتي الأولى التي كتبتها عام 1936.. عندما هجم الانكليز على قرية « قعقون» في فلسطين وقتلوا شيخاً في جامعها وحملوا أنفسهم وهربوا... ‏
وفي هذه المناسبة كتبت قصيدة جميلة جاء في مطلعها: ‏
لعن الله أمة سكوني أمة فاح نتنها في البراري ‏
مثلما فاح من تراب الدفين
أما فيما يتعلق بمخطوطاتي الكثيرة... فقد بدأت بعمليات تنفيذها.. وكما تلاحظ على الرف الذي أمامك، هناك ديوان يقع في 600 صفحة.. وآخر يتضمن محاوراتي مع الصحف والمجلات وبجانبه مخطوطات عن الشعر البلغاري.. وحالياً أنظم الشعر البولوني.. من أول عصره وحتى الآن.. وهذا العمل الذي أقوم به يكون سهلاً على غيري إذا مامتّ اليوم أو غدا؛ أن يقوم بطباعة هذه المخطوطات... وصدقني.. لا أترك لحظة فراغ واحدة إلا وأستغلها في تنضيد مخطوطاتي، فالعمر قصير والعمل كبير. ‏

 ماسر اهتمامك بالشعر الهنغاري والبولوني هذه الأيام؟

 كنت ولاأزال أطمح في ترجمة الكثير من أشعار دول العالم فترجمت مثلاً الشعر الفييتنامي من أول عصوره وحتى الآن بأربعة مجلدات، وجاءتني في حينها رسالة من رئيس جمهورية فييتنام.. تثني على عملي هذا... كما ترجمت الشعر الصيني وجمعته في جزءين؛ القديم والحديث وأيضاً الشعر السويدي من أول عصوره وحتى الآن .
وبالنسبة للشعر البولوني والهنغاري... فقد وجدت أن الشعر الهنغاري هو أجمل بكثير من الشعر البولوني... لأن الشعب الهنغاري عاش عصوراً طويلة تحت الذل من قبل الدولة العثمانية ولهذا خرج شعرهم متفجراً بالقومية والوطنية والدفاع عن بلادهم أيضاً الشعر البولوني فقد عانى شعبه شدائد كبيرة في تاريخه.. وتحضرني الان كلمة لشاعر بولوني يقول فيها: ‏غبولونيا.. الوطن الذي نتألم فيهف ‏وصدقني إذا قلت لك بأن طموحي أن أترجم أشعار دول العالم قاطبة ولو أعطاني الله عمراً؛ فسأظل على هذا المنوال.. حتى الرمق الأخير. ‏

 عن أي لغة تترجم هذه الأشعار ياترى؟ ‏

 كل ترجماتي تتم عن اللغة الفرنسية التي أتقنها جيداً.. وكنت تعلمت اللغة الانكليزية في جامعة القاهرة عندما كنت أدرس فيها منتصف الأربعينيات ولكن استعمالي لها كان قليلاً ومع الأيام نسيت معظمها..

 لماذا لم تتعرض في سيرتك الذاتية إلى الجانب السياسي ياترى؟ ‏

 
أعتقد أنه من الصعب أن تكتب إلى الوضع السياسي هذه الأيام فنحن نعيش أزمة خارجية وداخلية... ولاأريد أن أتعرض لهذا الموضوع لأنني حقيقة أخالف كثيراً من الأمور ولاأقرها وفضلت في «شظايا من عمري» في جزئه الأول والثاني الذي سيصدر قريباً أن أتجنب هذا الموضوع واكتفيت بالحالة الشخصية والذاتية وإذا قدر لي أن أعيش فترة أطول وكان الوضع مناسباً فيمكن أن أكتب عن الوضع السياسي.. وسأكون صادقاً معك وأبوح لك بسر أنني كتبت عن هذا الشيء لكنني لاأستطيع نشره الآن وهو موجود عندي الآن بالفعل. ‏

 استاذ عبد المعين ماالفرق برأيك بين المعلم الآن والمعلم أيام زمان.. لاسيما أن لك باعاً طويلاً في سلك التعليم؟

 ياسيدي: المجتمع كله تغير وإذا تغيّر المجتمع فإنه لايتناول فئة واحدة من الناس وإنما يتناول كل أعضاء المجتمع وطبقاته ونحن كما تعلم نعيش تغييرات كثيرة هذه الأيام، ومع ذلك لايجوز لنا أن نحكم بأن الاحترام قد زال، فهناك أساتذة محترمون جداً وتلامذة يطيعون. ‏
أنا درست في الماضي ودرّست قبل التقاعد عدة أجيال، ومع ذلك كنت أرى الطلاب يحترمون أساتذتهم والمشكلة باختصار أن الاستاذ هو الذي يفرض احترامه على التلاميذ وليس الطلاب هم الذين يفرضون ذلك. ‏

 ماهي المادة التي كنت تدرسها عندما كنت معلماً؟ ‏

كنت أدرس مادة اللغة العربية وأذكر أنه في بداياتي عينوني في قرية «المعضمية» في ريف دمشق وفجأة جاء أحد المعلمين وكان له شفاعة عند بعض المسؤولين في وزارة التربية فنقلوني إلى مدينة القنيطرة فعلمت في مدرسة خاصة بالشراكس مادة اللغة العربية وكان ذلك في عام 1938.. ‏

 ماهي ذكرياتك عن تلك المدينة القنيطرة؟ ‏

 في الحقيقة كانت القنيطرة في تلك الأيام عبارة عن قرية كبيرة لكنها كانت تتمتع بجمال خلاب حيث الخضرة والبيوت المبنية من الحجر الأسود والأسقف القرميدية الرائعة الجمال.. وقد لاحظت أن الطلاب الشراكس كانوا يتعلمون اللغة العربية برغبة قوية وكان بينهم متفوقون كثيرون في تلك المادة.. وهنا تحضرني هذه الواقعة عندما كنت أعلم في القنيطرة، جاءني مرة شرطي من المحافظة وطلب مني أن أحضر ‏لقائم مقام المحافظة فذهبت إليه، وكان عجبي عندما سألني هذا القائم مقام في مسألة تخص اللغة العربية فبينت له الصحيح فيها وشكرني على ذلك.. وقد احترمت هذا الرجل جداً لأنه لم يستثمر مركزه لإملاء أغلاطه في اللغة العربية... ‏
في تلك الفترة طلبت من الطلاب أن يصفوا لي دمشق بعد أن أكد لي معظمهم أنهم زاروا المدينة فقررت لأحدهم أن دمشق هي عبارة عن مساحة كبيرة تحتوي على عشرين بيدرا.. ومعنى هذا أنهم كانوا يقيسون دمشق «بالبيدر» كما كانوا يفعلون ذلك في القنيطرة التي كان فيها بيدر أو بيدران. ‏
والحقيقة إن لي في مدينة القنيطرة ذكريات لاتنسى وأصدقاء بكل أسف مات معظمهم...

وبينهم عمّ المخرج التلفزيوني نجدت أنزور.. وأما زيارتي الثانية للقنيطرة بعد أن تركتها فكانت عام 1948 والآن نسيت معالمها كلية. ‏

 باستثناء القنيطرة ماهي المحافظات الأخرى التي علمت فيها؟ ‏

 في بدايات تعييني معلماً كانت الرجعية هي التي تحكم البلاد.. وأنا كنت ولاأزال شيوعياً فعلمت في دمشق لكنهم نقلوني إلى حمص وبعد فترة نقلوني إلى حماة ثم إلى حلب وبعدها إلى اللاذقية ودير الزور وهكذا.. وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على غباء الرجعية فبدل أن أنشر شيوعيّتي في مكان واحد نشرتها في عدة مناطق من حيث لايدرون. ‏

 من موقعك كمثقف وإنسان كيف تنظر إلى الحالة العربية الآن في ظل احتلال العراق من قبل قوى البغي والعدوان.. في العالم؟

المأساة العربية التي يعيشها عالمنا العربي اليوم لامثيل لها في العالم قاطبة.أتساءل مع أبناء ملّتي أين القومية العربية؟ أين الأمة العربية؟ أين الدفاع المشترك؟ وضعنا لم يعد يحتمل السكوت عليه.. والحل الوحيد برأيي أن تعمل الشعوب العربية على أن يكون لها جامعة للشعوب وليس جامعة للحكام العرب.. وانظر إلى مايجري الآن في العراق؛ شعبنا هناك يذبح ذبح النعاج وليس لهم من مغيث وشعبنا في فلسطين يعاني ما يعانيه من مذابح شارون اليومية بحق أهلنا هناك، وأيضاً ليس لهم من نصير.. والسؤال الواحد والأوحد الذي يدور في خلد كل مواطن عربي الآن ماذا يفعل العرب؟ إنهم بكل بساطة يصفقون وكأنهم ينظرون إلى فيلم في السينما ولاشيء غير ذلك، وعليه الوضع الآن في غاية السوء ويبعث على التشاؤم ولاسبيل إلى الحل إلا باتحاد العرب وإعلانهم ثورة عارمة على المستعمر والمستعمرين. ‏

 أخيراً ماهو مشروعك الأدبي القادم؟ ‏

 أعمل حالياً على إعداد كتاب يضم ثلاثة شعراء يرثون ثلاثة نساء؛ الأول ألماني والثاني فرنسي والثالث عربي هو عبد المعين الملوحي وقد جمعت هذه القصائد وأنا الآن بصدد إخراجها في كتاب سيصدر قريباً.
أيضاً هناك أمر يزعجني كثيراً وهو أنني أريد أن أودع هذه الحياة بكتاب خاص بالشعب الفييتنامي أتمنى أن يكون هديتي الأخيرة له؛ حيث وجدت ديواناً لشاعر فييتنامي اسمه (توهو) ويتضمن أجمل الأشعار العالمية في عاطفتها الوطنية والانسانية تجاه شعبه الثائر، الذي دفع ضريبة كبيرة من دماء أبنائه واستطاع أن ينال حريته بقوة إيمان عقيدته ودحر الغزاة الأميركيين؛ وشكّل لهم عقدة لن ينسوها لأجيال وأجيال... ‏
وهذا الكتاب ترجمته ­ ونضدته ­ وهو الآن قيد التصحيح، وآمل أن تتم طباعته وأنا على قيد الحياة.‏