حوار مع حمادي الرديسي وكتابه الاستثناء الاسلامي

حوار مع حمادي الرديسي وكتابه الاستثناء الاسلامي

 :2004/06/09

كل الحضارات تصالحت مع غرب الحداثة وكلها أصبحت ديمقراطية ما عدا الحضارة العربية الإسلامية لم يتغير النظام العربي منذ حملة بونابرت وحتي غزو بوش للعراق.. وصيغة البنية
ظلت تسلطية قمعية.

أجرت الحوار: هندة العرفاوي

 عن أي لغة تترجم هذه الأشعار ياترى؟ ‏
الاستثناء الإسلامي هو موضوع مقاربة في علم الاجتماع السياسي صارت في السنوات الأخيرة وخصوصا منذ الأحداث التي برزت إلي ســطح الواقع السياسي العربي (مثل صعود الحركات الإسلامية، أحداث 11 سبتمبر 2001...) تشغل الباحثين والرأي العام سواء في العالم العربي أو في الغرب وفي هذا الإطار يتنزل الكتاب الذي صدر عن دار Seuil الفرنسية للنشر تحت عنوان L'exception islamique أو الاستثناء الإسلامي للكاتب لتونسي حمادي الرديسي، صدر في 237 صفحة من الحجم المتوسط. وهو كتاب من الأهمية بحيث يوظف آليات علم الاجتماع لقراءة الواقع المتشعب الذي يحصره الكاتب بسبعة عناصر تلخص هذا الاستثناء وهي الاستثناء الثقافي والإيديولوجي والعسكري والديني والاقتصادي الاجتماعي والسياسي ولكن في الأصل هذه الدراسة تراوح بين دراسة الظاهرة الأصولية والتسلط لسياسي وقراءة في عدد من المصطلحات مثل الهوية والجهاد، ولكن هو أيضا بحث في الأسباب التي جعل من الإسلام آخر الحضارات التي ترفض الدخول في النسق الغربي بأبعاده الثقافية والسياسية والحضارية. قراءة في هذا الفـــــكر يلخصها لنا الحوار الذي أجرينـــــاه مع الأستاذ حمادي الرديسي.


لماذا الحديث عن الاستثناء الإسلامي؟

في الحقيقة مسالة الاستثناء في دراسات العلوم الإنسانية تنتسب إلي منظومة فكرية خاصة تتحدث عن الاستثناء الأمريكي، وتتحدث أيضا عن الاستثناء الآسيوي وأنا أضفت إليها الحديث عن الاستثناء الإسلامي. هناك فروق: أولا في كلمة استثناء حيث نجد خروجا عن القاعدة عما هو مألوف. والكلـــمة لهـــا مفهومـــان ايجابــــي وســــلبي، في المفهوم الايجابي يتحدث Lipset Moore عن الاستثناء الأمريكي بكون الأمريكان يعتبرون أنفسهم أكثر من الأوروبيين تدينا وأكثر فردية وأكثر ليبرالية وأكثر منهم تفاؤلا. وبالنسبة إلي آسيا فأعتبر أن الاستثناء الآسيوي استطاع أن ينافس الغرب في المجال التقني ـ ولا يعني ذلك التقليد بل المزج بين التقدم التقني في إطار ثقافة تقليدية تسمح بإمكانية تحديث المجتمع بالحفاظ علي هذه الثقافة ـ أنا أول من وضع فقرة عن الاستثناء الآسيوي وقارنت بين هذا الاستثناء
والاستثناء الإسلامي. وبالتالي أصبحت القضية بالنسبة لي لماذا فشل العرب فيما نجح فيه الغير؟ هذا هو مفهوم الاستثناء.ربما قد يتساءل البعض هل هناك قاعدة،هل هناك قانون عام .أنا أقول باستثناء الدراسات الانتروبولوجية التي تحاول أن تقارن بين الحـضارات بدون أخذ بعين الاعتـبار المتغـير التاريخي فان كل الحضارات منذ القرن السابع عشر اعتمدت نموذج الحداثة modernisation من التقليد إلي الحداثة ومن المجتمعات التقليدية إلي الحديثة وهذا يسمي الانتقال من ثقافة ذات قيم تقليدية إلي ثقافة بقيم حداثية ودينيا من الدولة الدينية إلي الدولة العلمانية.وسياسيا من الدولة المتسلطة إلي الدولة الحرة والديمقراطية. ويبدو أن
الإسلام منذ القرن التاسع عشر بقي في حالة الاستثناء وهو آخر حضارة يمكن اعتبارها كذلك خصوصا وأن التجارب التي وقعت في باكستان أو تركيا غير مقنعة.


تتحدث دائما عن المرجعية الدينية للدولة وكأن هناك قواعد وردت في المراجع الدينية الأساسية تثبت كيفية إقامة الدولة (القران والسنة) مع أن هذا غير موجود وان الدول التي قامت منذ القرون الأولي للإسلام كانت علي العكس تحاول أن توجد لها مشروعية دينية تقوم علي أساسها؟ وهذا ما حصل منذ البداية ،الدولة العباسية،الدولة الفاطمية... كلها تحاول والي اليوم أن تؤسس شرعية بالاستناد إلي الرأسمال الديني.
 

أنا لا أتصور أن هناك دينا في المطلق مثاليا ثم يقع استعماله كما نستعمل بندقية أو قلم فالدين بالنسبة لنا من الناحية السوسيولوجية هو ما فعل به الناس.لا يوجد دين مسطح في المطلق وإسلام لا يعرفه إلا العارفون أو إسلام نظري إنما الناس هم الذين يستغلونه. فما يهمنا هو الدين في علاقته مع الآخرين ومع المجتمعات الأخري. فالدين يحــــمل عدد من التصورات تختلف حسب ما تحمل ليس كقراءات سطحية ولكن باعتبار علاقتها بالجدلية الاجتماعية بطبقات تحمل الدين. تنظر إليه كرأسمال رمزي وتتصارع من اجل احتكاره. وترين كيف أن في الإسلام تتعدد الأطراف الاجتماعية للدين. الكل يريد أن يتحدث باسمه نظرا لرأسماله الرمزي.. بالنسبة لي لا يوجد دين إسلامي في المطلق لم يفهمه الناس.
إذا رجعنا إلي القرآن والسنة فلا نجد شيئا واضحا أو مبادئ تثبت كيف يمكن للدولة أن تكون، ما عدا بعض المبادئ مثل وأمرهم شوري بينهم ...أريد أن أقول أن ذلك أيضا تأويل. هناك فرق فقط في التأويل المهيمن والمهيمن عليه.بين التأويل الماضي وبين تأويل الحاضر بين تأويل رفعته طبــــقات اجتماعية معينة وطبقات أخري ما يسميه Weber ـ . ـ the Target حاملي التأويل ،حاملي les postes religieux، حاملي الأخلاق الدينية النظرية من اجل الأخلاق الدينية العملية .فعلم الكلام شيء والفقهاء شيء والطبقات الأرستقراطية الفلاحون شيء.
فالكل يعد مؤمنا والكل يعد حاملا للدين بطرق مغايرة.


قلت لا توجد بالضبط أسس نظرية تستند إلي مرجعية دينية حقيقية عندما نقول دولة قائمة علي الدين فهذه الدولة غير موجودة في الواقع؟

إذا قامت الدولة تاريخيا علي أن الإسلام هو دين ودولة يمكن أن نعتبر أن الإسلام هو دين ودولة. ويمكن أن لا نعد ذلك قدرا محتوما وبالتالي محكوما علينا أن نكون كذلك. ولكن إذا كان ذلك التصور تاريخي وينتسب إلي التقليد فهو إذن التأويل المهيمن. وهذا هو الذي اعتبره اليوم واعتبرته في الماضي التفسير العام والمهيمن في الثقافة العربية الإسلامية. فنحن لا نستطيع أن نقنع أحدا أن الإسلام ليس دينا ودولة لان هذا ينتسب إلي التأويل التاريخي. وأنت تعرفين أن محمد (ص) وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي كانوا رجال دين ورجال دولة، فهل أنهم كانوا يخضعون الدين لهم أو لا فهذه فوارق تدخل في إطار هل أن الحاكم ينتسب إلي الكهنة أو هو في الآن نفسه كاهن وحاكم. هذه النماذج الثلاثة أساسية في العلاقة مع الدين. لكن
أنا لا يهمني هل أن القران والسنة ليست فيها نظرية دينية هذا قاله عبد الرازق ولكن ما يهمني هو:ما الذي يمنع المجتمع العربي الإسلامي اليوم أن يكون علمانيا، بان يميز بين الدين والدولة، بان يكون له تصور مع الآخرين ليس مبنيا علي الجهاد وتصور بأنه نموذج يمكن الإقتداء به وهو نموذج الماضي أيضا. المهم هو ما الذي جعل من الحضارة العربية الإسلامية منذ القرن التاسع عشر استثناء بالنسبة إلي الحضارات الأخري فكلها تصالحت مع الغرب وتصالحت مع خيار الحداثة، كلها أصبحت ديمقراطية كلها استطاعت أن تتقدم، ربما باستثناء إفريقيا السوداء. لكن علي المستوي الاقتصادي اليوم وضعنا اسوأ من اقتصاد إفريقيا السوداء حسب تقرير الأمم المتحدة للتنمية الخاص بالدول العربية.

بين بونابرت وبوش

في كتابك الأخير قمت بمقارنة بين حملة بونابرت علي مصر واحتلال بوش للعراق فما هي أوجه العلاقة حسب رأيك؟
 

قمت في الكتاب بمقاربة تاريخيّة بين الإطار التاريخي لحملة نابليون والتي من خلالها تعرف العرب علي الحداثة لأوّل مرّة ـ الحداثة بمفهومها العسكري والثقافي وقد كان الجبرتي واضحا في ذلك في كتابه عجائب الآثار . وكتابي هو عبارة عن مقارنة فترتين ما بين 1798و 2004. فالإطار العام الذي طرحت فيه القضيّة هو الاستثناء الإسلامي ولكن إذا أردنا أن نضيف نوعيّة المقارنة فنا بليون هو ابن الثورة الفرنسيّة والانوار بينما بوش هو ابن المحافظين الجدد، بونابرت كان يؤمن بأن قيم الحداثة ينبغي توزيعها بينما بوش يؤمن بأن الديمقراطيّة فقط عمليّة إجرائية انتخابيّة كما يعتبرها Champuter في كتابه الاشتراكية والرأسماليّة والديمقراطيّة (1949). وهنا يمكن أن نستشف عديد الفوارق بين حملة نابليون وحملة بوش. فإذا كان الإطار لم يتغيّر فإنّ السياسة العربيّة منذ ذلك الوقت لم تتغيّر، فالسياسة العربيّة مبنيّة دائما ـ أكان المستعمر هنا غائبا ـ مبنيّة علي التسلّط. ويحكي الجبرتي أنّه لما قدم نابليون إلي مصر لأوّل مرّة أصبحت حقوق الأقليات معترفا بها، ولما خرج نابليون كان المصريون يعانون من تسلط العسكر التركي إلي درجة أنّهم كانوا يذكرون بخير الوجود الفرنسي. وخلاصة القول أنه منذ أكثر من قرن ترزح البلدان العربيّة الإسلاميّة والإسلام بصفة عامّة تحت هيمنة نظم تسلطية غير قادرة علي إنتاج الحداثة وحتي إنتاج التقدم الاقتصادي والتقني البسيط.كما أن محاولات الإصلاح تأتي دائما تحت تأثير خارجي ويفرض، كما تفرض اليوم تحولات من الخارج لأنّه لم يبق العالم العربي كما هو لما كنّا نتصوّر أن يعيد تحديث سبب صحيح بدون حملة نابليون يري ذلك في بعض البلدان العربيّة الإسلاميّة التي لم تعرف الاستعمار فوضعها أسوأ من البلدان التي عرفت الاستعمار.
بعد دخول الأمريكان إلي العراق واحتلاله حصلت أشياء رمزية مثل إحراق المكتبة الوطنيّة وسرق تراث المتاحف.. يقول إدوارد سعيد وكأنّه يقصد من ذلك مسح تاريخ العراق الذي يمتدّ لسبعة آلاف سنة بهدف استبداله بقيم جديدة وحضارة جديدة: تمسح
مجتمعا وتضع مجتمعا آخر مكانه؟


ما العلاقة مع حملة بونابرت إذا كانت لهذه الحملة من إيجابيات فما وجه العلاقة؟

حرق المكتبة لم يكن مبرمجا لم يتفطنوا لذلك وأنا أشاطرك أنّه كان نوعا من الغطرسة الأمريكيّة التي كانت تعتبر نفسها قادرة علي بناء بلد جديد من الصفر وهو شيء لا يمكن تصوّره وهو شيء يدخل في إطار نشوة الانتصار ذهبت بهم إلي القيام بهذه الأخطاء والتي ظهرت اليوم بأنّها أخطاء جسيمة لكن أنا أرجع كتاب الاستثناء الإسلامي هو كتاب من طرف مثقف نقدي يعتبر أن إشكاله هو نقد ثقافته من الدّاخل ولا يرمي الكرة علي الآخرين، وهو ليس مثقفا يشتغل فقط حول صراع الحضارات في الخارج ولا يري مشاكله هو التي يعيشها فأنا أنتقد الاستثناء الإسلامي من داخل الثقافة العربيّة الإسلامية وأري أن العرب والمسلمين يريدون البقاء في هذا الاستثناء ويطوّرونه ويتبجّحون به وتقرأ أن كلّ من يتحدّث عن
الإسلام والثقافة العربيّة الإسلاميّة بوصفها هكذا ولا يمكن فهمها كذا ولا يمكن أن تخضع هكذا... هذا ليـــــس اتهـــاما فالحضارة العربيّة الإسلامية تريد البقاء في هذا الاستثناء وترفض القيام بالإصلاحات الجوهريّة التي تصالحها مع العصر.


في كتابك قلت أنّ هناك ثلاثة أنواع من الأصوليين: الأولي بدأت مع الحداثة
والثانية التي حصلت مع مقاومة الاستعمار ولكن في أيّ مكان تضع الأصوليّة
المتهمة بأحداث 11 سبتمبر في أمريكا؟

 

بالطّبع العديد من الأشياء قيلت علي أحداث 11 سبتمبر وما بعد هذه الأحدث من ذلك قضية الاستثناء الإيديولوجي التي أفردت لها فصلا كاملا في كتابي. وهذا الاستثناء الأخير هو الذي جعل من الأصولية الإسلامية مختلفة عن الأصولية التي كانت سائدة مثلا في أمريكا في ق 17 أو في ألمانيا، أو حتّي في أنكلترا فيما يسمي بالبروتاستنية والتي كانت فقط مرحلة صغيرة من تاريخ تلك المجتمعات ساعدت في مجال ما وفي مرحلة ما علي إنشاء الحداثة. ففي الاستثناء الإسلامي الأصولية دائمة وانتصرت علي الأفكار التنويرية في القرن العشرين، وعلي القومية الوطنية والقومية العربية وانتهت فيما سمي بالإرهاب. كيف ذلك؟ هناك 3 نماذج في الأصولية.الأوّل كان نموذج الأفغاني وعبده الذي استمر إلي حد ما إلي حدود رشيد رضا هذا النموذج كان يريد الرّجوع إلي الإسلام الصّافي وبالطّبع بين قوسين إلي أسطورة الإسلام بما أن التدوين كما نعرفه نحن تم في القرن الثالث الهجري عن الإسلام الصّافي. تصوّري أنّني الآن أحداثك عن تونس في ق 17 واعتبر أنّ التدوين سيكون تأويل للماضي فهذا بناء بني فيما بعد وأوّل كتب مثلا في الحديث ترجع إلي قرن ونصف بعد وفاة الرّسول (ص ) ـ الأصولية الأولي كانت تريد الرجوع إلي الإسلام الصّافي وكان تصوّرها هو الآتي: الغرب تقدّم لأنّه ابتعد عن الكنيسة ونحن تخلّفنا لأنّنا ابتعدنا عن الإسلام وهذا هو السؤال الذي كان قد طرحه شكيب أرسلان لماذا تقدّم الغرب وتخلّف المسلمون.
وكان هذا النموذج يتأرجح بين الاجتهاد والجهاد. الاجتهاد في مجال الفقه بطرح سؤال كيف نستطيع أن نجعل من الإسلام إسلاما يتصالح مع العصر آنذاك أي في القرن التاسع عشر كما يقول محمّد عبده روح العصر والزمان.لكن هذه الأصوليّة كانت في علاقة جدلية بين الأصولية والإصلاح الديني وكان العدو هو التخلف والتقاليد الدينية. فعندما نقرأ الكواكبي ونقده ومحمّد عبده ونقده للتقليد الديني وشكيب أرسلان فأنت تري أشياء الناس اليوم غير قادرين علي قولها وفيما بعد كان النقاش متمركزا حول الجهاد والاجتهاد. أما الأصوليّة الثانية فكانت عند اختيار الجهاد عوضا عن الاجتهاد، وعوضا عن النضال ضد التخلف تحميل المسؤوليّة إلي الطاغوت.
وكانت هذه مرحلة الحركات الإسلاميّة. والمرحلة الثالثة التي نعرفها، هي التي تحوّل الجهاد من الوطني إلي المحلّي إلي العالمي، وتحوّل الهدف من الطّاغوت الداخلي إلي الطاغوت العالمي وتحوّل أيضا طرق الصراع من طريقة تكوين الأحزاب السياسية وغير ذلك إلي الإرهاب الفردي أو المنظم في جماعات محدودة وبطرق جديدة
كالانتحار. هذا هو ما انتهت إليه الأصوليّة من تصوّر كان يمكن ربما أن يساعد كما ساعد البروتستانت في إنتاج الحداثة إلي ما نحن فيه اليوم وهذا الاستثناء لا نجده في أيّ حضارة أيضا.
لو نخرج من الإطار المحلّي إلي العالمي وننوه بكون جميع المفكرين في العالم استنكروا الأحداث باعتبار أن المستهدفين مدنيون وأبرياء. فهذه البــــراءة التي وضــــعت كمبرّر للاستنكار تجعلنا نتساءل لماذا لا يعمّم مبدأ البراءة علي أبرياء العالم فالفلسطينيون الأبرياء والأفارقة أبرياء، والعـــراقيين أبــرياء... هذا ما يسميه كانط La Citoyennet‚ Cosmopolite المواطنة العالمية وما يسميه هابرماس في هذا الاتجاه، أنا أتّفق علي أنه لا يمكن علي المستوي الأخلاقي من زاوية ما يسمي بالمواطنة الكونيّة بمعني أن نفس القيم يجب أن تعمّم لكن أنت تعلمين أيضا أنّ هنالك نوعين من الدول، الدّول التي لا تحترم إطلاقا هذه القيم وهناك دول نظرا لتاريخها ونظرا للعديد من الأســـباب تحاول أن
تنســــق وتربــط بين الخضوع لهذه النمـــــاذج ومصـــــالح الـــدولة الضيقة، لأنّ كـــــما يقول نيتشهّ كــلّ الدول des monstres froids وحوش باردة لكن لنكن حذرين فمفهوم القانون والأخلاق فوق الدوّل، لكن لا نعتبر أنّ الدوّل كل الدول تطيق هذه القوانين بنفس الدرجة وعلي كلّ فان الدول العربيّة والإسلاميّة تطبقها بأقل بكثير ممّا تطبقها الدّول الغربية.


لماذا تدين العرب مع أن الدّول الغربيّة هي التي كرّست هذا الفصل ألان غريش مثلا يقول بأنّ معظم المظالم الكبري ضد الإنسانيّة في العالم حصلت في الدول الديمقراطية ابتداء من إبادة اليهود إلي الحرب العالمية الأولي والثانية ومأساة فلسطين التي تسّبب بها الغرب؟


ألان غريش هو صحفي في فرنسا ويلعب دور مثقف في بلاده بمعني أنه ينتقد ثقافته
.

أنا لست مثقفا متجوّلا انتقـــــد اليابان وإيطاليا. أنا مثقف في هذه المدينة، في الثقافـــة العربيّة الإسلاميّة وهذا يعني أن أنتقد ثقافتي مــــن الداخل فلو كان غريش تونسيا أو عربيا إسلاميا لكان ا نتقد الثقافة المهيمنة كمــــا قال أدرنو النقد هو نقد الذات نقد الثقافة من الداخل.

فالمثقفون الأمريكان والفرنسيون ينتقدون أوّلا ثقافتهم من الدّاخل ونحن نبقي علي كل عيوبنا.... فلو كان ادوارد سعيد مثلا يعيش في مصر ويتحلّي بنفس القيم لمّا أضـــــاع وقته في انتقاد التغطية الإعلاميّة في أمريكا Covering Islam ولانتقد التغطية الصحفية المصرية. فالمهم من أيّ موقع تتكلّم أنت وما هو موقعك.
أنا لست مثقفا off shore أنتّقد الحضارات الأخري أو أتّحدث عن أشياء ليست في بلدي وإنما في بلدان أخري بل أنا مرتبط بالمدينة وبالثقافة العربية الإسلامية المهيمنة ودوري هو نقدها من الدّاخل نقدا راديكاليا وجذريا.


الأنظمة السياسيّة العربيّة أحاديّة وديكتاتوريّة ومن بين التفسيرات المعتمدة أنّ الغرب يمنع أن تكون هناك ديمقراطيّة في هذه الدول؟
 

ذلك خطأ خصوصا مع ظهور نظرية الشرق الأوسط الكبير. بالنسبة لتونس والمغرب والجزائر نجد أنّ أوروبا تدفع باتجاه إتحادها وتكوين طرف مشترك ونحن غير قادرين علي القيام بذلك. ربما كانوا في السابق يفعلون ذلك أما اليوم نري أنّ الأمريكان والأوروبيين فهموا بعدما حدث في11 سبتمبر2001 وما يحدث في مدريد وفي غيره أنّ أصل الدّاء يعود لسببين: الديكتاتوريّة في الدول العربيّة الإسلاميّة والتصوّر التقليدي للدين والمحافظة الدينيّة. كنّا نتهمهم بأنّهم لا يريدون أن نصبح ديمقراطيين ولمّا طالبوا هم بذلك قلنا بأنّه تدخّل في الشؤون الداخليّة. نحن جرّبنا التحديث من فوق ولم ينجح وجرّبنا الديمقراطيّة منذ الستينات فلم تنجح.
في كلّ مرّة كان هناك من يمنعنا من ذلك، أما اليوم فمن المؤسف جدا أن نكون في تحدينا أن تفرض الديمقراطيّة علينا من الخارج. أنت تقولين لا يريدون أن نصبح ديمقراطيين. بالضبط مثل القضيّة الفلسطينيّة الإسرائيليّة كان الإسرائيليون يقولون بأنّ الفلسطينيين لا يريدون السلم لمّا أصبح الفلسطينيون يريدون ذلك ظهر بالكاشف أنّ إسرائيل هي التي ترفض ونحن بنفس الشيء كنّا نقول منذ خمسين سنة أنّ الغرب لا يريدنا أن نصبح ديمقراطيين ولمّا أصبح يطالبنا بذلك ظهر بالكاشف أنّنا لا نريد.
عند دخول الأمريكيين إلي العراق أوّل شيء قاموا به ـ وهذا ربّما يعارض الكلام الذي قلته ـ هو أنّهم كرّسوا التقسيمات الداخليّة عوضا عن دولة كانت ديكتاتوريّة لكنّها كانت موّحدة كرّسوا الطائفيّة ( أكراد، سنّة، شيعة...) وحتّي بذروا فكرة التقسيم الجغرافي للعراق وهذا لا يتماشي مع التبريرات التي تعللوا بها لدخول هذا البلد واحتلاله.
هذه الاثنيات لم يخلقها الأمريكيون. فأنا أتساءل كيف نفسر أن كل الحضارات تتخلص من اثنيات غذاها الاستعمار لكن وجدها وعندما انسحب بقيت طاغية في بلداننا
.

فكيف نفسر أن كل المجتمعات تنتقل من العلاقات العشائرية والطائفية والقبلية وأصبحت علاقات مبنية علي الفرد وعلي الفردية بصفة عامة والانتساب إلي المجتمع المدني بينما في المجتمعات العربية والإسلامية يستمر الإنسان في اعتبار نفسه ابن قبــيلة أو جهة أكثر مما يري نفسه مواطنا.
هذا الاستثناء الاجتماعي في الثقافة العربية الإسلامية مبني علي ثلاثة أنواع من التمييز الاثني (أكراد وبشتون وغيرهم)، الطائفي (مسلم أو غير مسلم ) أو انقسامات في داخل الإسلام بين سنة وشيعة وإسماعيلية، واختلاف حتي داخل السنة ... هذا ليس مسؤولا عنه الأمريكان بل مجتمع يبدأ في فقدان التقليد ويعيد إنتاجه من جديد خوفا من أن يفقد هويته.


كيف الخروج إذن من هذا الاستثناء؟
 

تتمثل الحلول حسب تصوري في الخروج من الاستثناء الاقتصادي بالمرور من الاقتصاد
المبني علي النهب منذ العصر الوسيط إلي الدولة الريعية أو شبه الريعية إلي اقتصاد مبني علي الإنتاج والعمل علي التنمية. واجتماعيا بالخروج من المجتمع المبني علي التميزات إلي مجتمع مدني مبني علي الطبقات الوسطي وعلي انتماء إلي علاقات وارتباطات حديثة مبنية علي المدنية.وعلي المستوي الثقافي ينبغي أن ينتج كما أنتج اليابان وغيره نوع من التركيب.
علي المستوي السياسي ينبغي أن يدمقرط نظمه علي المســـــتوي الإيديولوجي عليه أن يتخلي عن الجهاد نهائيا ولا ندخل حتي في تفاسير الاجتهاد إن كان بالعــــقل أم لا. والعنف في العلاقات السياسة سواء داخليا أو خارجيا ممنوع من زاوية
الثقافة.

لا يمــــكن أن ننظر إلي الجهاد بأية طريقة كانت لأننا نحن هم الخاسرون، خاصة وان العــرب ليست لهم إمكانية إنتاج ولو خرطوش.
الاستثناء التيولوجي هام جدا فعلي الإسلام أن يصــــالح نفسه مع الديانات الأخرى وان لا يبقي الاستثناء تيولوجي أي مبني علي أن الديانات الأخري محرفة وأن الإسلام هو الدين الوحيد والأخير والجامع. لدرجة أن قليلا من المسلمين يقرأون العهد القديم والعهد الجديد باعتبار أن هذه الكتب محرفة فلماذا نحن إذن نقرأها ما دام لدينا الأصل.عليهم أن يكفوا عن ذلك وان يتصالحوا مع الديانات الأخري.
رأيي الخاص هو أن نقوم بذلك عن طريق عمل تنويري. أنا لست من مدرسة محمد عبده التي تذهب إلي حدود محمد الطالبي. أنا لا انتسب إلي هذه المدرسة ولا أقول أن القران يقول كذا ولا يمكن تأويله في إطار الحداثة.. هذا عمل المصلحين الدينيين.
أنا رجل اجتماع أدرس الأشياء من خارج محاولة إعادة التأويل لكي يصبح النص القرآني مألوفا لأنه أصبح غريبا في هذا العالم، أنا رجل اؤمن بثقافة الأنوار وبالحوار مع كل الإطراف. لا انتسب إلي ثقافة تصفية المعارضات التي تختلف معنا بما فيها الأطراف الإسلامية. وأقدم في الاستثناء السياسي حل آخر
.