حكمت صالح

حكمت صالح

حوار : محمد صالح حمزة

حكمت صالح

من قبل أن تصاب بمصيبة الاحتلال كان لنا لقاء مع أحد بلابل  الرافدين الصداحة.. بلد البطولة والرجولة حيث يُسقى الاحتلال الغاشم كؤوس الموت الزؤام في كل شارع وعند كل منعطف وتحت كل نخلة  و من الموصل بالتحديد التقينا الأديب – ذائع الصيت في 

في موطنه، متواضعه في غيره، على الرغم من خدمته الجليلة للعربية وأدبها .. الشاعر المتميز الأستاذ: حكمت صالح جرجيس السيد وهب:

ـ من مواليد الموصل بالعراق: 14/4/1365هـ-14/3/1946م.

ـ أنهى مراحل دراسته في الموصل (الابتدائيّة.. المتوسّطة.. الإعداديّة).

ـ تخرّج في قسم اللغة العربية، كليّة الآداب، جامعة الموصل 1970.

ـ أوفد مع البعثة التدريسية العراقيّة للتدريس في الجزائر في إطار حملة التعريب، فاستقرّ في المعهد التكنولوجي بالمحمّديّة (وهران) 1970-1972.

ـ شارك خلالها بقسط من النشاط الأدبي على صعيد الصّحافة والإذاعة والأماسي.

ـ عاد بعدها ليواصل عمله مدرّساً في العراق.

ـ ماجستير أدب عربيّ من كليّة الآداب، جامعة الموصل 1996 (الصّورة الفنيّة في شعر البردّونيّ).

ـ أقام معرضين لقصائده وكتبه (جامعة الموصل/نيسان 1974، نيسان 1995).

ـ نشر بحدود 150 قصيدة في الصحف والمجلاّت العراقية والعربيّة منذ 1968.

ـ له ثلاثون كتاباً (بضمنها 14 ديوان شعر) ما بين منشور ومعدّ للنشر.

ـ وله مجموعة كتب أخرى قيد الإنجاز.

ـ أكثر من 30 ناقداً وأستاذاً جامعياً كتبوا عن نتاجاته.

ـ شارك في العديد من المؤتمرات والنّدوات الأدبيّة داخل وخارج العراق.

ـ اعتاد أن يُقيم أماسي شعريّة في مساجد الموصل لا سيّما في رمضان.

ـ ترجمت بعض أشعاره إلى أكثر من لغة.

ـ عضو اتحاد الأدباء في العراق.

ـ عضو اتّحاد الأدباء العرب.

ـ له مشاركة جادّة في التّعريف بالأدب الإسلامي المعاصر ونشره.

إنتاجاتكم: كتب ـ دراسات ـ دواوين شعر ـ مقالات.. المطبوع منها والمخطوط.

الكتب المطبوعة:

ـ "الحبّ للأرض والإنسان": ديوان شعر، جامعة الموصل، المركز الثقافي الاجتماعي، 1975.

ـ "نحو آفاق شعر إسلامي معاصر": دراسة وشعر، مؤسّسة الرسالة، بيروت، ثلاث طبعات، 1979، 1983، 1988.

ـ "دراسة فنيّة في شعر الإمام الشّافعي" طبعتان: أ. مطبعة الزهراء الحديثة، الموصل، 1984. ب. دار عالم الكتب، بيروت، 1984.

ـ "أغاريد المسلم الصّغير": أناشيد للأطفال، وقصائد عن الطّفولة.

ـ "أحفاد الرّسول e ": أبيات مثاني وتراجم 24 شخصيّة إسلامية (الكوكبة الأولى).

ـ "من المؤمنين رجال": أبيات مثاني، 32 شخصيّة إسلاميّة، (الكوكبة الأولى).

ـ نافذة على الأدب الإسلامي" نُضّد في المؤسّسة العربية للتأليف والترجمة والنّشر، بيروت، 1984.

 

الكتب المخطوطة

[الدّواوين الشّعرية]

ـ حيّ على الفلاح.

ـ الفرار إلى الله.

ـ "أحفاد الرّسول e ".

ـ على عتبات الجنّة السّمراء" (قصائد إسلاميّة إلى أفريقيا).

ـ "الإبحار في ماء الوضوء": (قصائد إلهيّة).

ـ الأمطار السّوداء": (في الحرب والحصار).

ـ "بطاقة إلى شاطئ الذّكريات": (قصائد غزلية).

ـ "نقاط على أبجديّات الحنين": (في الغربة والحنين).ـ "رحلة الدّفوف والمرايا": (تأمّلات في النّفس الإنسانيّة/في الحياة والموت).

ـ "عودة أنهار الشّمس": (في الشّهادة.. والفقر.. وقضايا أخرى).

 

[في الإبداع النّثري]

ـ "في انتظار المهرجان": (5 قصص قصيرة).

ـ "الطّريق إلى بيت المقدس": (سيناريو فلم عن حياة صلاح الدّين الأيوبي).

 

[الدّراسات]

سلسلة: دراسات في الأدب الإسلامي:

ـ "المنظور الإسلامي في التّنظير الشّعري".

ـ "الرّمانة الحجرية": (قراءة في ديوان الشّاعر المغربي محمد علي الربّاوي).

ـ "الطّبيعة في ديوان: إنّها الصّحوة" (للشاعر محمود مفلح).

ـ "آسام": قراءة في قصيدة محمود مفلح.

ـ "معجم شعراء الإسلام" ج/1، عصر صدر الإسلام، تراجم أكثر من 200 شاعر.

 

سلسلة الاغتراب في الأدب العربي:

ـ "الاغتراب في عالم السّجون".

ـ اغتراب الشّعراء السّود في الأدب العربي".

ـ "الغربة والحنين في الشّعر العربي".

ـ "هديل الحمام": (ما قاله الشّعراء المغتربون في مناجاة الحمام).

 

سلسلة: قراءات في الذّات الأدبيّة:

ـ "الإيقاع في تشكيل الصّورة": (إضاءات 58 مقطعاً من دواوين الشّاعر).

ـ ما بعد النّص": (قراءة ثانية لعدد من أعمال الشّاعر).

ـ "رحلة العمر في عالم الشّاعر": (دليل إبداع الشّاعر).

ـ "الجذور": (ورسائل في الشّعر الإسلامي المعاصر، متبادلة مع الدّكتور عماد الدّين خليل).

ـ "ديوان الرّسائل": مجموعة لمراسلات الشاعر مع المعنيّين بالأدب، منذ سنة 1970).

ـ "أضواء على قصائد ديوان: "نقاط على أبجديّات الحنين": (ملحق بالدّيوان).

ـ "أضواء على الجنّة السّمراء": (ملحق بالدّيوان).

 

[كتب أخرى]

ـ "الصّورة الفنيّة في شعر عبد الله البردوني/رسالة ماجستير.

 ـ"مواقف وتأمّلات في الشّعر الجاهلي": (عن الموت ومتعلّقاته).

ـ "الولوج إلى عالم الخفاء": (عن الجنّ والشّياطين في التراث المأثور).

ـ "إعراب سورة يوسف".

ـ "معجم شعراء السّجون".

ـ "الطّيور في الشّعر العربي".

ـ "الفقه الإسلامي والقانون الرّوماني": (دراسة مقارنة).

 

 

الإنتاج الذي تعتزّون به أكثر من غيره.. ولماذا؟

إنّ مجمل إبداعي الشّعريّ ودراساتي الأدبيّة التي أحرص أن أراها مطبوعة قبل غيرها (قبل أن أُسلّم الأمانة!)، تلك التي تصطبغ بالرّؤية الإسلامية بشكل أوضح من غيرها، لأنّها تمثّل المرفأ الذي انتهيتُ إليه، وشاركتُ منذ البدايات بحمل لوائه والدّعوة إليه.. عسى أن تكون هذه الأعمال نوافذ لي في عالم البرزخ تطلّ على ساحات المغفرة وواحات الرّضوان بإذن الله.

على صعيد الأعمال المطبوعة أذكر: "نحو آفاق شعر إسلامي معاصر".. "دراسة فنية في شعر الإمام الشّافعي".. "أغاريد المسلم الصّغير"..

أمّا على صعيد الأعمال المخطوطة ـ أو التي هي قيد الطّبع ـ ، فالشّعريّة منها: "الفرار إلى الله".. "حيّ على الفلاح"، كذلك ديوان "على عتبات الجنّة السّمراء" الذي يضمّ قصائد إسلاميّة إلى أفريقيا.. وديوان "الإبحار في ماء الوضوء".

أما الدّراسات فأخصّ منها [وهي بحدود 20 كتاباً] كتاب: "نافذة على الأدب الإسلامي" [نُضِّد من قِبل المؤسسة العربيّة للتأليف والترجمة والنّشر، بيروت منذ 1984].. كتاب عن التنظير الشعري في المنظور الإسلامي.. الطبيعة في ديوان "إنّها الصّحوة".. "آسام" دراستان عن محمود مفلح.. قراءة في ديوان الرّمانة الحجريّة" لمحمد علي الربّاوي.. الخ.

*  *  *  *

العمل الحالي

بعد خدمة ربع قرن في إطار التّدريس الثّانوي، حصلت على إجازة دراسيّة (بصفة متميّز) لأواصل الدّراسات العليا [ماجستير لمدّة سنتين (1965/1966م) عن الصّورة الفنيّة في شعر عبد الله البردوني" كليّة الآداب ـ جامعة الموصل].. هذا فضلاً عن حرفة ثانية كان آخرها (فرّان).

 

س/ نبذة عن مجالات العمل السابقة

أجد هذه المناسبة فرصة لكي أجتزئ مقطعاً من مقال كتبه الأخ والصّديق.. الأستاذ والزّميل (عماد الدّين خليل) تحت عنوان "حكمت صالح/ الشّاعر والإنسان (رؤية انطباعيّة)"، وأنا أعتبر هذه الشّهادة ـ أعتبرها وثيقة صادرة عن أديب/وناقد/و(مؤرّخ) عاش عن قرب واحتوى تجربتي الحياتية والأدبية على مدى أكثر من ربع قرن، من علاقة حميمة وصادقة ـ ومعذرة للقارئ عن الإطالة في الحديث عن الذّات: يقول الدّكتور (عماد الدّين خليل): "..لطالما تملّكتني الدّهشة لهذا الرّجل (الصّابر).. (المكافح) الذي يواصل الكتابة، ويمزج الليل بالنّهار بالرّغم من كلّ هذه العوائق التي تكاد تصيب أعماله بالاختناق..

".... ذهبية هذه اليد التي تُكافح على أكثر من جبهة، كنتُ أقول له: ولكنك يا حكمت لم تتلقّ حتّى الآن الأجر المادّي أو المعنوي الذي يجيء مكافئاً لما تقدّمه؛ ويكفي أن تحتسب كلماتك لله! . ولا أدري إنْ كنتُ أمنحه العزاء بعبارتي هذه.. ولكنّي كنتُ أعرف يقيناً أنّه (يملك صبراً قلّ نظيره بين الرّجال).. لقد عمل ـ إلى جانب حِرفة الكتابة والتّدريس ـ نجّاراً.. بقّالاً.. وصانع تحفيّات كهربائيّة.. وبنّاءً.. وسائق تكسي.. وتاجر متنقّلاً.. ـ وهو يمتلك الاستعداد لأن يشتغل في عشرات من المهن الأخرى.. لكنّه سيظلّ يحلم باليوم الذي يتفرّغ فيه للكتابة، وبالظّروف المواتية التي تُتيح لأعماله المحتسِبة.. أعماله التي جاوزت العشرين عدداً ـ أن ترى النّور...

"إنّ (حكمت صالح) لم يأخذ قسطه كاملاً، لم يأخذ ولا عِشر معشار ما يستحقّه...." [أيلول 1993].

*  *  *  *

 

س/ آمال عزمتم على تحقيقها: ماذا تحقّق منها، وما الذي لم يتحقّق بعد؟

ج/ اعتدّتُ أن أُعيد في رسائلي أنّنا محاصرون بحيّز الزّمن، وأنّ الطّموح أكبر بكثير من محدوديّة الطّاقة، وتلك إحدى أكبر المعضلات التي أُعاني منها ـ بالرّغم من غزارة كتاباتي مقارنة مع الوقت المخصّص لها ـ جوار المسلك الوظيفي.. ومتطلّبات الحياة المعيشيّة، والهموم اليوميّة. وإذا كان في بيت  المتنبّي في النّفوس الكبار وتعب الأجسام شيءٌ من السلوة، فإنّ في قول الشّاعر: "تجري الرّياح بما لا تشتهي السّفن" عزاءً للطّموحات غير المتحقّقة [في بقيّة مقال الدّكتور عماد الدّين خليل ـ ما يغني عن الاستطراد في هذا الباب].

وإذا كان ولابدّ من تفصيلات لبعض زوايا الطّموح فأقول ـ مع مراعاة الاختصار [والحديث في هذا المجال قد يطول أكثر ممّا تستوعب هذه العُجالة ـ].

ـ حينما كنتُ أعملُ في الجزائر مدرّساً (70-1972) كانت تطلّعاتي تسعى أن يشقّ النصّ الشعري في دائرة التيار الإسلامي ـ طريقة ليُحقّق هويته، وليفرض نفسه في ساحات المعاصَرَة ـ وليكون البديل للركام الشّعري الجانح أو الذي يتقوقع داخل شرنقة الذّاتية، أو الذي يسبر أغوار التّشاؤم ويلوذ بالعويل.. أو الذي يسفح نفسه على عتبات الابتذال المجانيّ في العاطفة الرّخيصة..

إذا استثنينا شعر الأرض المحتلّة بعد نكسة حزيران، فإنّ الساحة الأدبيّة كانت تغصّ بتأوّهات الضّياع ـ والمتبقّي من ذلك الركام كان يقتسم اليسار واليمين في إطاري الواقعيّة الاشتراكية والوجوديّة.

ومن هنا كانت همومي الأدبيّة تتمحور حول "أسلمة" الشّعر ـ إذا جاز لي استعمال هذا المصطلح، فكتبتُ إلى الدّكتور عماد الدّين خليل، وهو في "الموصل" رسالة مطوّلة ـ استقرّت بعد ذلك في كتابي "نحو آفاق شعر إسلامي معاصر" وواصلت ـ عمليّاً ـ نشر مجموعة من القصائد التي تصدر عن رؤية إسلامية في الجزائر، وباريس.. الخ. ودعوتُ في كتابي المذكور إلى عقد مؤتمر أو مهرجان للشعر الإسلامي المعاصر، على غرار ملتقى التّعرف على الفكر الإسلامي الذي اعتادت الدّوائر الثقافيّة أن تعقده في الجزائر سنويّاً وبشكل دوري. وما زلتُ أحثّ الخطى في سبيل ترسيخ هذا اللون/البديل من الشّعر العربي ـ وتتضافر جهودي مع جهود الدّكتور عماد الدّين خليل في السّاحة الأدبيّة حتّى تجاوبت الأصوات المخلصة في أقطار الوطن العربي وهذا لا يعني تفرّدنا في الريادة.. فقد سبقنا الشاعر وليد الأعظمي في العراق.. وقبله الناقد محمد قطب في مصر، والأديب المرحوم نجيب الكيلاني.. وكانت هناك صحيفة "الشّهاب" البيروتية التي تبنّت المحاولات الشّعريّة الواعدة.

أقول كانت الأصوات الشّعرية في أواخر السّتينات وأوائل السّبعينات مبعثرة وانفرادية.. غير أنّها في الثّمانينات ـ وخلال ما يقرب من عشر سنوات ـ قطعت مسيرة الشّعر الإسلامي المعاصر طفرة في إثبات الوجود.. أما في التّسعينات ـ أو النّصف الأول منها ـ فقد أصبحت المبادرة في الساحة الأدبيّة بيد الطّليعة من شعراء الصّحوة الإسلامية على امتداد الوطن العربي.. وهي ما زالت تحثّ خطاها لتقدّم البديل.. فقد أصدِرت كتب تضمّ ببلوغرافيات للدواوين.. وللشعراء الإسلاميين. وأصبحت للأدب الإسلامي مجلاّته المتخصّصة.. وصحفه.. وكراسي جامعيّة.. ورسائل وأطروحات جامعيّة أيضاً. وندوات ومؤتمرات عالمية.. الخ. [ومعذرة لكل من شارك في تجسيد هذا التّيار ولم تتسع هذه العجالة بذكره من المبدعين والمنظّرين.. وهم كثيرون جداً لا سيّما المغاربة منهم] لعلّ هذا أعزّ ما يمكن الإشارة إليه من المتحقّق.

على أنّنا نطمح إلى المرحلة الثانية.. وهي مرحلة اختراق اللغة، للتّعرف والتلاقي على صعيد الترجمة مع آداب الشّعوب التي تجتمع على كلمة التّوحيد.

} فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ { (الرعد:17).

********

 

س/ السّاحة الأدبيّة تعجّ بأدعياء الأدب، ورافعي راية الحداثة، كيف تنظرون إلى هذا الواقع.. وماذا تقولون لهؤلاء؟

ج/ لقد تلقّف بعض أدبائنا الذي يدّعون حمل مشعل الطليعة والمستقبليّة في السّاحة العربية ـ تلقفوا لفظة (مودرن) على أنها (مودة العصر).. في حين أسدل الغرب على "الحداثة" أستار التجاوز إلى "ما بعد الحداثة" ـ هكذا تصل إلينا "الستوكات" و"الدّامج" من الأفكار الغربيّة ـ تبحث عن مناخ ملائم لنموّها بيننا، لكن تربتنا غير صالحة لنموّ مثل تلك الأحواش.. إنّ لنا خصوصيّتنا الحضاريّة التي ترفض زراعة الأفكار المغايرة لتلافيف أدمغتنا. قد نتخيّل واحداً من رجال الأبقار (الكابوي) من تكساس يحدو بقافلة من الإبل على مشارف الجزيرة العربيّة أو حول واحاتها في عمق الصّحراء! في نجد والحجاز وفي الإحساء أو تهامة.. في صحراء الربع الخالي أو سيناء.. الخ لكنّنا محالٌ علينا أن نتخيّل الغرب يُمارس تجاربه المختبريّة على الشّعب العربي والشّعوب الإسلاميّة، ويوظّف آخر ما توصّلت إليه الهندسة الوراثيّة وعمليات زراعة الأعضاء! كيف سيفكّر الدّماغ الغربي ـ لو افترضنا جدلاً ـ بعد أن يُزرع في جمجمة عربية!؟ كيف سينبض القلب الغربيّ بعد أن يُزرع في صدر عربيّ؟! كيف ستتنفّس رئتان غربيّتان فيه؟! كيف سترى عينان غربيّتان بعد أن تزرعا في محجرين عربيّين؟! وكيف ستجري الدّماء الغربيّة في الشّرايين العربيّة.. وكيف ستعمل الجملة العصبيّة الغربية في مسالك العروق العربيّة؟!.. كيف.. وكيف؟!... وأخيراً ما نوعيّة الجنس الذي سيتولّد عن استبدال الجينات الغربيّة بالجينات العربيّة، وما نوع صفاته الوراثيّة؟! هذا الهجين المسخ لا يمكن أن يستوعبه حتّى الخيال العلمي ولا حتّى (أفلام الكرتون/أو الصّور المتحرّكة)!.

منذ أكثر من أربعة عشر قرناً حسم القرآن هذه المسألة حين خاطب الكافرين } لَكُمْ دِينُكُم ولِيَ   دِينْ { (الكافرون:6) بهذه الكلمات الأربع، أوجزت البلاغة القرآنية الخصوصيّة الحضاريّة.. والأصالة الفكريّة..

واليوم نوفّر على أنفسنا عناء (الجدل البيزنطي) فنقول للغرب هناك؛ ولأذنابه هنا: } لَكُمْ دِينُكُم ولِيَ دِينْ {.

فإن أبى هؤلاء [الـ"هنا"] إلاّ الأخذ بأيدينا.. فسنكتفي بأن نقول لهم: "صحّ النّوم!" الحداثة في الغرب لم تعد حديثة، ولقد فاتكم قطارها!.. وما تستوردون من بضاعتها ليس أكثر من "ستوك"!.

قد يعترض علينا معلّق: لكنّنا نسافر بالطائرة.. نركب القطار.. نقتني السّيارة.. في بيوتنا الغسالة الكهربائيّة.. الفرن الغازي.. المذياع.. المسجّل.. التّلفاز.. الفيديو.. ونستعمل الهاتف والتلكس.. وفي دوائرنا الحاسوب.. حروف الطّباعة العربيّة تصنع في معامل الغرب.. حتّى المصحف الشّريف في أجود طبعاته يُنفّذ في ألمانيا وغير ألمانيا.. الخ.

ونجيب بأنّ هذا الواقع لا يتعارض مع ما ذهبنا إليه.. إن ما قدّمناه من معلومات وأحكام آنفاً ليست من بنات أفكارنا، وإنّما هي شهادات وتحذيرات الغربيين أنفسهم: أوربيين وأمريكان وروس.   } وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا { (يوسف:26). فصدقت شهادته، فنقلناها ـ هنا ـ عنهم.

وعليه يجب أن نفرّق بين الاتجاهات الفكريّة والفنيّة والأدبيّة من جهة، وبين التّطوّر الصناعي والتّقدّم العلمي من جهة ثانية ـ إنّنا لا نكتفي باستعمال وسائل الاتصال والمواصلات الحديثة فحسب، وإنّما علينا أن نصنعها بأيدينا، ونطوّرها بعقولنا. ليس علينا أن نكتفي بأن نكون مستهلكين للمنتجات العصرية، بل علينا أن نكون مصنّعين لها.. نسعى إلى تطويرها. إنّ المواكبة وحدها لا تحقّق طموحاتنا وإنّما علينا أن نُبادر ونضيف، أمّا أن نستورد الأفكار الجانحة وتخيّلات الهلوسة الناجمة عن ظروف موضوعيّة مغايرة، فهذا ما نُحذّر منه.

وأمّا دعوتنا إلى العالمية ورأينا في قضيّة الانفتاح على العالم؛ فإنّ لها تفصيلات أخرى؛ تُضاف إلى تفصيلات وجهة نظرنا في كيفيّة التّطور الفنيّ والأدبي. ولكلّ ذلك مقام آخر.

*  *  *  *

 

أعداء الإسلام يتّهمون الإسلاميين باحتكار الحقيقة.. وبالتالي نفي الآخر. كيف تردّون على هذه الفرية؟ وما هو حكم الإسلام تجاه الرّأي الآخر؟

قال تعالى مخاطباً رسوله الأكرم  : ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) (آل عمران:64).

إنّ من يقرأ هذه الآية الكريمة ومثيلاتها لا يُمكنه أن يتّهم الإسلام، وبالتالي الإسلاميين، بالتّقوقع والانغلاق على الذّات أوّلاً. ثمّ إنّ الأمر بفتح الحوار البنّاء من خلال "الكلمة/السّواء" بين الطّرفين منهج "علميّ/موضوعي" باصطلاحاتنا المعاصرة.. فكيف يكون إعلان الحقيقة إذن؟.. وكيف يتمّ تعميمها؟ إنّ (الدّعوة) بالحكمة والموعظة الحسنة فرض عين على كلّ من يحمل في ذخيرته شيئاً من العلم والمعرفة.. ومن يتقاعس عنها أو يحجر عليها يأثم في نظر الإسلام..

وقد شبّه القرآن الكريم العلماء غير العاملين ( كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ) في معرض حديثة عن بني إسرائيل الذين حملوا التّوراة ثمّ لم يحملوها وصريحة هي الآية القرآنيّة: ( يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ ) (الأنفال:6) وباب الجدال مفتوح في الإسلام ( وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) (النحل:125).

ليس مهمّا أن يتّهم المتّهِمون، ويفتري المفترون ـ طالما نحن نتملك قناعاتنا ومقوّمات سلامتنا الفكريّة. وعدم الاكتراث بمثل هذا النّفر الضّال لا يعني ـ بالضّرورة ـ "نفي الآخر".

إنّ أوّل ما نزل من الوحي الكريم ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ { (العلق:1) وحين قال: ( الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ) (العلق:4) لم يقل: "علّم الإسلاميّين ما لم يعلموا"!.. بل قال: ( عَلَّمَ الأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ { (العلق:5).

وكيف يتّهم الإسلام وممثّلوه "باحتكار الحقيقة"!.

إنّ ملكيّة الآخر للحقيقة ليست هي المعضلة في نظر الإسلام، * * ** اعتراضه ينصبّ على كيفيّة التعامل معها؛ وكيفيّة تصريفها. وإن كان ولابدّ من مثال لتوضيح القصد فنذكر الجمعيّات الاستشراقيّة في الغرب. إنّ مستشرقاً مثل (جولد زيهير) يمتلك من المعارف الإسلاميّة ما لا يمتلك عشر معشاره كثير ممّن يُعِدّون أنفسهم في عِداد المثقّفين الذين يعتنقون الإسلام عقيدة وفكراً.. كيف تعامل (جولد زيهير) مع الإسلام بحصيلته المعرفيّة؟!

إنّه وظّفها ـ وبخبث ـ للطّعن في العقيدة والشّريعة.. وعرف كيف يسعى بدهائه لأن يزرق السّم في العسل.. فجاءت صفحات كتابه "العقيدة والشّريعة في الإسلام" لا تدع بين الشبهة والشّبهة فسحة إلاّ لشبهة.

*  *  *  *

ماذا يجول في خاطركم، وتودّون أن تقولوه للقارئ؟

في الحقيقة هناك الكثير الكثير ممّا نودّ قوله، لكنّنا محكومون بالمحدوديّة.. ولكثرة ما يجول في الخاطر، ارتأينا أن يكون جوابنا على هذا السّؤال تمهيداً مهماً للسّؤال الأهم (التالي/ حول المرحلة...).. وسنلخّص في هذا التّمهيد قصّة الواقع الحضاري للغرب المتدهور:

بعد حرب 1945 العالميّة، أدّى التّطور التّقني الهائل إلى فصل المادة عن الرّوح.. والفكر عن الدّين.. والعلم عن الإيمان، الأمر الذي عقَّد أزمة الإنسان المعاصر في الغرب، فراح يسعى إلى تنميط حياته، ونمذجة بشريّته، فلم يعد الإنسان أكثر من رقم مبرمج في جداول العقول الإلكترونيّة ومخطّطاتها البيانيّة. والتَفَتَ إلى الطّبيعة والكون، فعمل جاهداً على إدخال الإراثة الحيوية؛ وتسخير البكتيريا في المختبر لتصنيع الغذاء، بُغية تحجيم دور الزّراعة في مواجهة التّصحّر والانفجار السّكاني الهائل..

من هنا أحسّ الإنسان في الغرب بتفرّده في هذا الكون الفسيح، فألّه نفسه، وشرك معه إنسانه الآلي. واستمدّ قناعته من مغالطات الغرور والتّعالي: "عبادة الله تنفي حريّة الإنسان، وعبادة الذّات تُحقّق للإنسان حريّته!".

هكذا تضخّمت لديه غريزة التّمرّد والتّدمير، فلوّث البيئة.. بالمفاعلات وفضلاتها.. إلخ. ممّا أدّى إلى خرق في طبقة الأوزون، فازدادت سخونة القشرة الأرضيّة.. وكان ذوبان الجليد، وتمدّد المياه بالحرارة، وارتفاع مستوى البحار.. الخ.

تسابق في بناء المفاعلات الذّريّة.. طوّر أسلحة الدّمار الشّامل.. سخّر أشعّة ليزر.. أنذر بحرب النّجوم ـ فظهرت جليّة ملامح التّدهور الحضاري وبوادر السّقوط.

هذه الجولة التي اختصرت قصّة الحضارة التكنولوجيّة المعاصرة بعيدة عن موضوعنا، ولكن ليس كلَّ البعد.. إنّها في مقدّمة الأسباب التي أدّت إلى التّفكير في واقعنا العربي والصّحوة الإسلامية الجديدة.

²  ²  ²

الأمّة العربية والإسلاميّة تمرّ بمرحلة غاية في الدّقة والخطورة.. كيف تنظرون إلى ذلك.. وما هو في رأيكم الدّاء.. وما هو الدّواء؟

تعلم الحضارة الغربيّة التي تنزف اليوم دماً ـ علم اليقين ـ أنّ "الإسلام"؛ بلا منازع؛ هو البديل المرشّح؛ الأكثر جدارة لقيادة دفّة الحضارة في الحقبة القادمة، ولتصحيح مسيرة الإنسانيّة.. لما يمتلك من قدرات "علميّة/وأخلاقيّة".. جبارة.. "ماديّة/وروحيّة" هائلة!.

عليه فإنّ قوى الاستكبار العالمي [متمثّلة بالصّهيونيّة.. والصّليبيّة.. والماسونيّة.. بالاستعمار والامبرياليّة] ـ راحت مجتمعة تستهدف الإسلام في عقر داره [مؤتمر شرم الشّيخ في مصر، منتصف آذار 1996 صورة من صور ذلك الغزو]. غير أنّ الإسلام متجذّر في أرض الله، والتاريخ يوثّق هذه الحقيقة، فقد سبق وأن فشلت الزندقة والشّعوبية ثمّ الصّليبيّة في اجتثاث جذور الإسلام، بعد أن قيّض الله لهذه الأمّة رجالاتٍ شهد لهم أعداؤهم قبل أصدقائهم بالصّلاحيّة والصّلاح.

هكذا راحت قوى الاستكبار العالمي تضع المخطّطات؛ وتُبرم البروتوكولات؛ وتحيك الدّسائس، وتشتري الضّمائر الرّخيصة للإسراع في إخماد جذوة الصّحوة الإسلاميّة الجديدة. تجنّد كلّ إمكاناتها: الماديّة والتّقنيّة، الفكريّة والإعلاميّة ـ لإظهار الإسلام بالمظهر الدّيناصوري للإرهاب العالمي! وتناقلت دوائر الإعلام ووكالات الأنباء الغربية التّصدي العلماني لـ (الأصوليين)!.. هذا المصطلح الذي روّجته الدوائر المشبوهة في الغرب. في حين أسدلت ستائرها على سياسة "الوزن بمكياليين" وأغمضت عينيها عن الجرائم البشعة في البوسنة والشيشان وغيرها، فضلاً عن فلسطين.

لكنّ العقل المسلم يُعيد اليوم تشكيله الجديد.. يقرأ التاريخ بعين.. ويتفحّص الخرائط بالعين الأخرى.. وهو يُرتّل في سريرته } أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ { (الأنبياء:105) وفي علانيته: أن "لا غالبَ إلاَّ الله".

من هذا الوعي راحت القصيدة الإسلاميّة تصوّر المنحى البيانيّ للنّقلة الحضاريّة الواعدة:

"فإنّنا على اسمه تعالى

نُعيد للأكوان تشكيلاتها الجديدة لتغدو الحياة في عالمنا

سعيدة.. سعيدة.. سعيدة".

 

أفراد العائلة: وهل يحمل أحد منهم نفس اهتماماتكم..وطريقة تفكيركم، ومنظاركم للحياة بشكل عام؟

بنت الخال: هند محمّد: (م1960) ربّة بيت.. تقرأ وتكتب، باحة المنزل ميدان اهتمامها.. في المطبخ تُعدّ من اللاشيء أشياء متنوّعة.. تعتزّ بمؤازرة رجل قد يصل بين العشاء والفجر بالوضوء ذاته. فهي ـ بالتالي ـ تشارك بنفس الاهتمامات؛ ولكن على طريقتها الخاصة، ومحتسبة أجرها على الله تعالى.

ـ أنهار: (م1975) (علم الحياة/بايولوجي) تمتلك كفاءات طيّبة تجمع بين الاختصاص وحقول عدّة: اللغة.. الرياضيات.. الثقافة العامة... الخ.

فرات: (م1979).. جناحي الأوّل؛ المرفرف دائماً أمام فتحة فرن "اللحم بعجين" لساعة أو ساعتين بعد منتصف الليل؛ استجابة للضرورة المعيشيّة المُلجِئة، الأمر الذي زاحم فرص المذاكرة المدرسيّة لديه.

ومع ذلك اعتاد مؤخّراً أن يواظب على تلقّي دروس يوميّة في تلاوة القرآن الكريم ما بين المغرب والعشاء.. في جامع الحيّ المجاور.. مع باقات من الصّبية الذين يتحلّقون في واحات الذّكر الحكيم.

ـ فنار: (م1980).. هوايتها ـ كأختها الكبرى ـ المطالعة.. تُحاول أن تُثبت وجودها بالمذاكرة والدّراسة..

ـ سُراة: (م1983).. الجناح الثاني؛ المرفرف في أرجاء "المطعم الصّغير".. يُغالبه النّعاس أحياناً فينزوي في العمق. هوايته قراءة القرآن بشغف.

ـ أقمار: (م1983).. تؤأم أخيها..

ـ أسحار (م كانون2 1995): آخر العنقود..