ناجح إبراهيم

تحدث عن الخطوط الحمراء وأدان الحظر المفروض عليهم

نحن ننحت الصخر بأظافرنا في مصر

علي عبد العال

صحفي مصري/ القاهرة

[email protected]

منذ خروج قادتها من السجون المصرية والجماعة الإسلامية تسعى جاهدة لملء مقعدها بين القوى السياسية الفاعلة في البلاد، وعلى الرغم من قلة الوسائل المتاحة وتواضع الإمكانات، استطاعت الجماعة أن تعود وبقوة إلى واجهة المشهد السياسي بمعارك أثارت جدلاً سواء داخل الحركة الإسلامية (اتهامهم الإخوان بمحاولة اغتيال عبد الناصر) أو في الساحة السياسية عموماً (كما في معركتهم مع أقباط المهجر).

وخلال لقائنا معه خاض الدكتور ناجح إبراهيم ـ منظر الجماعة الإسلامية ورئيس تحرير موقعها الرسمي ـ غمار العديد من القضايا الجدالية بين الجماعة والعديد من القوى في مصر، ولم يستطع خلال ذلك أن يخفي المرارة البادية من حديثه حول مواقف واتجاهات هذه القوى من جماعته، التي لم تشجع مبادرتهم لوقف العنف، ولم يجدوا منها يداً للعون، بل تهكم بعض قادتها لخروجهم متسائلين عن أسبابه.          

مصر تمتلك طاقات عظيمة محنطة في متحف الحظر

دكتور ناجح.. هل يقتصر نشاط "الجماعة الإسلامية" على ممارسة جانب إعلامي من خلال موقع على شبكة الإنترنت؟ ألا تفكرون في وسائل أخرى تطلون من خلالها على المجتمع؟

"الجماعة الإسلامية" جماعة دعوية تربوية، تحمل الفكر الإسلامي الوسطي وتختزن رصيداً من التجارب والخبرات، ولها تاريخ طويل في الدعوة والعمل الاجتماعي والسياسي. ومازالت كل أبواب ووسائل الدعوة وكافة مجالات الإصلاح في حسباننا.. ولكننا اليوم نعمل من خلال الوسائل المتاحة، وكل ما نملكه هو موقعنا على الانترنت، فقد حيل بيننا وبين سائر الوسائل الأخرى، حتى مجرد ظهورنا في الفضائيات لم يتح لنا، بل إن التليفزيون المصري سجل معنا منذ عام تقريبا حلقات حول المبادرة ولكنها لم تر النور.

ونحن في شوق لتواصل أكبر مع الناس واهتمام أكثر بقضاياهم، والعودة مرة أخرى لمساجدنا، والتواصل مع الشباب لننقل إليهم ما فهمناه من كتاب الله وسنة رسوله، وتجاربنا وخبراتنا في الدعوة والعمل للإسلام.

ونحن لا نريد ذلك لمجرد الظهور، أو لنقول أننا عدنا إلى الساحة، أو لتسلط الأضواء علينا، كلا والله.. ولكننا نحب الدعوة إلى الله ولا نستطيع العيش بدونها، ونريد خدمة ديننا وأمتنا والدفاع عن ثوابتنا في هذه الظروف الدقيقة. وإنني حزين لأن مصر تمتلك طاقات دعوية وتربوية عظيمة ولكنها محنطة في متحف الحظر والمنع، في الوقت الذي يصول فيه ويجول أصحاب الأفكار العلمانية واليسارية المخالفة للإسلام.

يقول البعض: لماذا لا تحاولون إنشاء قناة فضائية، مثل غيركم؟ وأقول: بالإضافة إلي الحظر المضروب على هذه الوسائل بالنسبة لنا، هناك نقطة أخرى وهي الإمكانيات التي تحتاجها مثل هذه الوسائل، ولا تنس أن معظم أبناء الجماعة مازالوا يصارعون بشتى السبل لتوفير حياة كريمة لهم ولأسرهم في ظل تجاهل تام من أجهزة الدولة ومؤسساتها، ولامبالاة من رجال الأعمال الذين يستطيعون تشغيل هؤلاء في مؤسساتهم.

باختصار نحن في هذه المرحلة نسبح ضد التيار وننحت في الصخر بأظافرنا.. وهذه الإطلالة الإعلامية التي نقوم بها من خلال الانترنت ما هي إلا ثقب نتنفس من خلاله.. نحاول أن نكون على مقربة من الأحداث وأن ندلي بالرأي الإسلامي من وجهة نظرنا في القضايا المطروحة، ونسأل الله تعالى لهذا الثقب الصغير أن يتسع.

لو خلي بين الشعوب وإرادتها لاختارت الإسلام

فكرة إنشاء حزب سياسي، كيف ترونها، وما مدى صلاحيتها بالنسبة لمرحلتكم الحالية؟

في الواقع، أنا لا أرى جدوى لإنشاء حزب سياسي لنا أو لأحد من الحركة الإسلامية بمصر في الوقت الراهن.. فالمناخ السياسي لا يسمح بقيام أحزاب سياسية فعالة، فضلاً عن أحزاب ذات طابع إسلامي. والقانون المصري أصبح يحول بين قيام أحزاب لها صبغة إسلامية، أو حتى إصلاحية ذات ميول إسلامية. كما أن معظم الأحزاب الموجودة على الساحة هي أحزاب ورقية ليس لها أي تواجد أو أثر حقيقي في المجتمع. والأحزاب ذات الطابع الإسلامي مازالت أوراقها محنطة في أدراج لجنة الأحزاب، منذ سنوات طويلة، وأرى أنها لن تخرج أبداً.. إلا أن يشاء الله شيئاً.

ففكرة إنشاء حزب سياسي ليست مطروحة على أجندتنا في المرحلة الحالية، وليس من أولوياتنا.. إننا نرى الأجدى والأولى لنا الانشغال بالدعوة، والأخذ بأيدي الناس إلى الله، وتعليمهم دينهم وتربيتهم على وسطية الإسلام وسماحته. أما الانشغال بالسياسة ومعاركها فذلك سيصرفنا بعيداً عن أهدافنا وغايتنا، وليس لدينا وقت أو جهد كي نضيعه فيما يسمى بالعمل السياسي الحالي، الذي يستنزف الطاقات بغير طائل حقيقي ودون فائدة.. وأولى بنا أن نستثمر طاقاتنا في الدعوة والتربية وصنع الخير للناس.

وأود أن أضيف أن الحركة الإسلامية في مصر ـ في الوقت الراهن ـ لن تصل إلى الحكم سواء عن الطريق السياسي أو غيره، سلماً أو حرباً. وإذا وصلت أجبرت على تركه، وتجارب الصومال والسودان وأفغانستان وغزة ليست منا ببعيد.. فالنظام الدولي الذي تقوده أمريكا لن يسمح بقيام دولة إسلامية في مصر، على الأقل في المدى القريب، وإسرائيل تدعم ذلك دعما قويا. لكن هذا لا يعني أن الحركة الإسلامية غير مقبولة على المستوى الشعبي.. كلا.. فشعوبنا تتوق إلى الإسلام عقيدة وشريعة ومنهاج حياة، ولو خلى بينها وبين إرادتها الحرة لاختارت أن تحكم بالإسلام.. وأن يحكمها من يتمسك به تمسكاً حقيقيا سواء كان من الحركات أو من غيرها.

ثوابتنا لم تتغير ولم تتبدل

لاحظ البعض تغيراً وليناً في خطابكم الجديد، ما أسباب ذلك ؟ وماذا تهدفون؟

من الطبيعي أن يحدث تغير في خطابنا.. فالتغير سنة من السنن الكونية.. والجمود على أسلوب واحد ولغة واحدة في ظل حركة الكون وأحداثه المتغيرة لا يمت للحكمة بصلة. وهل خطاب الشباب في العشرين هو نفس خطابهم على مشارف الستين؟. وهل خطاب الحرب والصدام مشابه لخطاب الصلح والمصالحة ؟. نعم هناك تغير في خطابنا ولكنه نحو الأفضل والأصوب والأكثر إنصافا، بعيداً عن الأحكام المسبقة.

لقد صرنا أكثر انفتاحا على غيرنا، وصارت نظرتنا لكل الأمور أكثر اتزانا، وصارت أحكامنا أكثر إنصافا، وصار تفكيرنا أكثر عمقاً، وصرنا نقيس الناس بحسناتهم وسيئاتهم. ونرى أن هناك ألواناً متعددة بين الأبيض والأسود، ونرى أن المسلم قد يوالي من جهة طاعته لله سبحانه، ويعادي من جهة معصيته، فلا يوالي على الإطلاق ولا يعادي على الإطلاق. وأصبحت نظرتنا إلى الناس أكثر رحمة. فالفرق بين خطابنا بالأمس وخطاب اليوم هو ذات الفارق بين خطاب المراهقة وخطاب الرشد.

نعم تغير خطابنا ولكن ثوابتنا لم تتغير.. فمازلنا نبتغي مرضات الله في كل قول وعمل، ومازلنا ندرك دورنا تجاه أمتنا ومجتمعنا المصري والإسلامي. ولن نفارق مهمة الدعوة إلى الله قدر استطاعتنا، ومازلنا نسعى لتعبيد الناس لربهم، ومازلنا ملتزمين بهداية أنفسنا والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بضوابطه الشرعية، ومازال الجهاد في سبيل الله لصد الغزاة عن أوطاننا فريضة نؤمن بها. ومازال الكتاب والسنة دستورنا وميثاقنا، ومازال فهم السلف الصالح للدين هو الأساس الذي نبني عليه مسيرتنا، ومازال علماء الدين الأثبات الثقات هم هداتنا إلى طريق الحق.

فلا ضير إذاً أن يتغير خطابنا، وأن يكون ليناً في مواضع اللين وشديدا في مواضع الشدة، وأن يكون خطابنا في الصلح مناسبا للمصالحة وألا يشابه خطابنا في الحرب، وإلا عدنا إلى الحرب والصدام من جديد، فالكلمة هي بداية الحرب. وهذه كلها تمثل الحكمة التي أورثتنا إياها خبرات السنين وسنوات السجن وتجارب الصدام، ثم أخيراً خبرات المراجعة.

لا وجود لقوى سياسية حقيقية في مصر

كيف رأيتم استجابة القوى السياسية والثقافية والمجتمع بشكل عام في مصر مع تغير خطابكم ورغبتكم في الانفتاح؟

لقد كنا نتمنى أن نرى بالفعل استجابة لما طرحناه من مبادرة تاريخية حقنت دماء أبناء وطننا وحفظت أمن البلاد واستقرارها.. لكن – للأسف – بعد مرور أكثر من عشر سنوات لم نجد أي استجابة مما تسميه بالقوى السياسية والثقافية في المجتمع. ذلك أنه في الحقيقة لا يوجد قوى سياسية حقيقية في مصر، اللهم إلا كيانات هشة لا وجود لها في الشارع ولا أثر. أما عن القوى الثقافية، فأكثرها يميل للفكر اليساري، وهو فكر لا يرحب بوجود تيار إسلامي. لكن هناك عدد كبير من المفكرين والباحثين رحب بمبادرتنا ترحيبا ً كبيرا ً ومنهم بعض المفكرين الإسلاميين مثل: د. سليم العوا، ود. القرضاوي، والمستشار البشري، وأ/ فهمي هويدي، ود.عصام العريان، وأ/ جمال سلطان، ود. رفعت سيد أحمد، د.عبد الصبور شاهين، ود.عبد العظيم المطعني.

ومفكرين آخرين منهم على سبيل المثال لا الحصر: أ/ مكرم محمد أحمد، ود. ضياء رشوان، ود. عبد المنعم سعيد، وأ/ عبد اللطيف المناوي، ود.حسن أبو طالب، .. ومن اليساريين، أ/ نبيل الهلالي وآخرين.

وأقوى تشجيع لقيته شخصيا ً كان من د.سليم العوا الذي حاول قدر جهده التعريف بالمبادرة في كل المؤتمرات التي حضرها. وأول تشجيع لقيناه كان من أ/مكرم ، الذي عرف الناس بالمبادرة عن طريق مجلة "المصور". أما أول الصحفيين الذين أيدوها وكتبوا عنها فهو د. ضياء رشوان .. ومحمد صلاح بجريدة "الحياة".

أما مواقف الحركة الإسلامية فكانت أقل من المستوى، وبعضها اتسم بالشماتة، والبعض الآخر كان موقفه منطلقا من نظرية المؤامرة معتبراً أن المبادرة هي مؤامرة عليه وعلي حركته لضربها. وبعض هؤلاء يطرحون سؤالا ًعجيباً مفاده لماذا خرجت الجماعة بعد 24سنة سجنا ً، و16اعتقالا ً، وبعد انتهاء مدد الحكم عليهم بسنوات. ونحن نقول لهم: "ما هو الموعد المناسب لخروجنا إذا ً حتى لا تظنوا أننا خرجنا لننافسكم؟". وبالرغم من ذلك فإنني أعذر الجميع، فقد حيل بيننا وبين لقائهم وتعريفهم بمبادرتنا على وجه صحيح، ولم يطلعوا على كتب المبادرة وأدبياتها، ولو حدث ذلك لكان التفاعل أفضل وأحسن.

المشكلة أن كل الناس تتحدث عن المبادرة وتتناول أفكارها في المؤتمرات المختلفة ماعدا الذين صنعوها، وهذا والله شيء عجيب. وعلي أية حال، فقد قمنا بواجبنا، وما يمليه علينا ديننا وضميرنا، وراجعنا أنفسنا بشجاعة لم يتجاسر علي مثلها غيرنا سواء داخل الحركة أو خارجها. ويكفينا فخرا ًأن يسجل التاريخ في صفحاته مبادرتنا الشجاعة، وأن يسجل على قوى كثيرة في المجتمع عدم تجاوبها.

كل الإسلاميين في الخطوط الحمراء سواء

ما الخطوط الحمراء التي خرجتم من السجون، بشرط عدم الاقتراب منها؟

الخطوط الحمراء ليست من نصيبنا وحدنا فكل الإسلاميين فيها سواء، ولكن الأمر في حالتنا أكثر حساسية، وخطوطنا أكثر من غيرنا من الإسلاميين.. ووضعنا يختلف. فقد خرجنا للتو من صراع مع الدولة راح ضحيته آلاف القتلى والجرحى، ونفذ حكم الإعدام بمائة أخ، ولدينا 12 محكوم بالإعدم من محاكم عسكرية، وأكثر من 120 بأحكام لم تنته منذ التسعينات. كل هذا أملى على الدولة أن تضع لنا خطوطا حمراء إضافية أكثر من غيرنا.

وقد وضعنا للجماعة خطوطاً حمراء لا نتجاوزها، أهمها : منع الصدام المسلح مع الدولة أو مقدماته منعا باتا، أو عودة الجناح العسكري مرة أخرى، ولا ضير في ذلك.. فرحم الله عبداً كان صادقا مع نفسه والآخرين. ولا يعني ذلك أن نداهن في الحق أو نسكت على باطل أو أن ننصر ظالماً.

وهذه الخطوط التي ألزمنا بها أنفسنا تنطلق من أسس شرعية وواقعية، أضف إلى ذلك أن الوفاء بالعهد يلزمنا أيضا. ومن أمثلة الخطوط الحمراء المفروضة علينا: عدم الظهور بالفضائيات، وعدم الخطابة والدروس في المساجد، وخطوط أخرى يعلمها القاصي والداني.

رسائل للأقباط

تابعنا موقفكم من الأحداث التي جرت بين مسلمين وأقباط ، ورفضكم الإستقواء على الدولة بالخارج، أين الخلل ـ بنظركم ـ في جدلية المسألة الطائفية في مصر؟ وتفسيركم لما يجري؟

قبل الحديث عن المسألة الطائفية، أحب أن أوضح الحقائق التالية:

أولا: نحن لا نرضى بالظلم لأي أحد سواء كان مسلما أو غير مسلم، فالله تعالى حرم الظلم على عباده وجعله بينهم محرما، وعلينا أن نرفض ونستنكر الظلم حتى لو وقع من أحدنا، فما أنزلت الكتب ولا أرسلت الرسل ولا جاء الإسلام إلا لإقامة العدل.

ثانيا : لم ينل أقباط مصر حقوقهم كاملة في عصر من العصور إلا في ظل التطبيق الصحيح للشريعة وتحت حكم الإسلام. ولعل المنصفين من الأقباط يشهدون بذلك.. وقد كان الفتح الإسلامي منقذا لهم من الاضطهاد والإبادة الجماعية التي كانوا يتعرضون لها على أيدي الرومان الذين يخالفونهم فقط في المذهب.

ثالثا : معظم الأحداث التي وقعت مؤخراً بين المسلمين والأقباط لم تكن تحمل صبغة طائفية، بل مشكلات عادية بين مواطنين مصريين، ولكن بعض المغرضين في المهجر كانوا يقدمونها بصورة طائفية لتحقيق أغراض سياسية معينة.

رابعا : على الأقباط أن يتذكروا أن أمريكا دولة علمانية تتاجر بورقتهم فقط لتوجيه سياسة مصر الداخلية والخارجية بما يخدم مصالحها ومصالح إسرائيل وليس مصالح الأقباط.

خامساً: على الأقباط أن يتذكروا جيدا كلمة د.مصطفي الفقي ( الذي يتغطى بأمريكا فهو عريان) وعليهم أن يتذكروا أن أمريكا لن تستطيع احتلال مصر، وإذا حدث ذلك ـ لا قدر الله ـ فسيكون الأقباط أول الخاسرين.

سادسا: على أقباط مصر أن يتذكروا أن نصارى أمريكا بروتستانت وهم أرثوذكس، وعليهم أن يستعيدوا الخبرة التاريخية الأليمة حينما احتل الرومان الكاثوليك مصر وأذاقوهم ويلات العذاب بإجبارهم على ترك مذهبهم. وعليهم أن يتذكروا أن الحملة الفرنسية الكاثوليكية مكثت ثلاث سنوات فقط في مصر وأصاب الأقباط قلق شديد من توسعها في بناء الكنائس الكاثوليكية، حتى استجاروا بالسلطان العثماني ليمنعهم من ذلك.

سابعا : معظم أقباط المهجر لا يبحثون عن مصلحة أقباط مصر ولكنهم يسعون فقط لتحقيق مصالح شخصية وبيزنس لهم، وهم يقيمون علاقات وثيقة بالموساد والاستخبارات الأمريكية.

ثامنا : مصر لن تنقسم إلى دولتين مهما كانت، ولن تكون فيها دولة كدولة الأكراد بالعراق أو جنوب السودان، على الأقباط أن يدركوا ذلك جيداً. وعليهم ألا يغتروا بدعوات المهجر وألا ينخدعوا بالوعود الأمريكية، ومكانتهم في وطنهم مصر ومع إخوانهم المسلمين وتحت لواء الإسلام مع حرية عقيدتهم وشعائرهم أشرف وأكرم من أن يهتفوا داخل وخارج الكنائس بدعوة بوش لاحتلال مصر وإنقاذهم . لو أن الأقباط أدركوا ذلك لحلت كل المشاكل أو معظمها على الأقل.

اتهمتم الإخوان بمحاولة اغتيال عبد الناصر، فلماذا في هذا التوقيت؟ وهل في المسألة غزل للناصريين أو قوى أخرى في الدولة ؟ أم تصفية حسابات مع الجماعة؟

لم أستغرب كثيرا أن يثير مقالي حول عبد الناصر كل هذا الجدال، وأن تنتقده بصورة لاذعة بعض التيارات التي يفترض أن تكون ردود أفعالها أكثر حكمة ونضوجا. ذلك رغم أنني حاولت جاهدا في المقال أن أقدم للشباب العربي نظرة منصفة عن هذا الرجل، فقد ذكرت خمسة وعشرين سلبية لعبد الناصر، مقابل ثلاث عشرة إيجابية فقط. ويؤسفني أن أقول إن العقل العربي مازال يعيش في مرحلة المراهقة الفكرية، ومازالت تستهويه العواطف والكلمات الحماسية، وإن مناخنا الثقافي لم يصل بعد لمرحلة النضج والاكتمال.

فما حدث من تفاعلات حول المقال - في تقديري- ليس عيبا فيه بقدر ما هو عيب في منهجية تفكيرنا وطريقة تصورنا وتقييمنا. لقد جاء المقال بصورته ليكون كاشفا عن المأساة الفكرية التي تعاني منها التيارات المعاصرة، التي لا تقبل أن يخالفها أحد الرأي. لقد كنت أتمنى أن أجد من يخالفني في الرأي، ولكن بطريقة مهذبة خالية من الإسفاف، حتى نعلم شبابنا كيف يختلفون، وكيف أن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية. لكن للأسف لم أجد ذلك، وإنما وجدت من يتهمني بمغازلة الناصريين تارة، وبممالأة السلطة تارة أخرى، وكلها حيل أصحاب الحجج الواهية.. إذ لو كان لأحدهم حجة لنازل الرأي بالرأي والكلمة بالكلمة.

وما قلته قاله من قبل قادة كبار في الإخوان مثل فريد عبد الخالق، وهو يعد بعد الأستاذ التلمساني في المكانة، وقاله أ/احمد رائف، وقاله أحمد عادل كمال المؤرخ المعروف الذي كان مسئولا عن الجناح الخاص بالقاهرة الكبرى، وآخرين، ولكي تهدأ النفوس أحب أن أقول: إنني لم أتعود أن أكتب بقلمي كلمة لغير وجه الله تعالى، ولم أتعود أن أكتب غير ما يرضيه، وليس هناك كلمة واحدة في كتاباتي سطرتها مغازلة لأحد أو ممالأة، اللهم إلا أن تكون بيانا للحق، حتى وإن كرهه الكثيرون. ثم أين هؤلاء الناصريون الذين أغازلهم، لقد ولى زمانهم وانقضى، وما عادوا يملكون لأنفسهم شيئا فضلا عن أن يملكوا لغيرهم.

إنني كتبت هذه الكلمات شهادة للتاريخ، وتعليما للشباب ألا تدفعهم الخصومة مع أحد أن يغمطوه حقا من حقوقه.. ولا يدفعهم حب أحد لأن يعظموه ويقدسوه على حساب الحق.

بعد عودته من ألمانيا، ما مصير الدكتور عبد الآخر حماد في هيكلية الجماعة؟ هل سيناط به دوراً من بين المهام؟ أم أن هذا غير مسموح به؟

الشيخ عبد الآخر من العلماء والدعاة الكبار، وكان له باع كبير في تعليم وتربية الأخوة في الصعيد منذ السبعينات، وهو حاصل على بكالوريوس العلوم السياسية من جامعة القاهرة، وليسانس الحقوق، ويحمل الدكتوراه في الشريعة. وكان له مسجد شهير بألمانيا يخطب ويدرس فيه حتى حضوره لمصر، وكان يتناوب الفتوى مع الشيخ أسامة حافظ على موقع الجماعة. والشيخ لا يقل مكانة عن أحد من مجلس شورى الجماعة، وهو أوسع مني علماً، ولو أراد أن يكون واحداً منهم لكان ذلك ميسوراً، ولكنه عزف عن المناصب التنظيمية، وكان يرضى أن يقوده تلميذ تلميذه في أسيوط وغيرها.  حتى في السجون كان يزهد في أي موقع إداري، ليتفرغ بالكلية لتعليم العلم والدعوة والتربية، ولولا ضغوط الأخوة المتواصلة عليه بالخارج ما قبل أن يكون عضواً بمجلس شورى الجماعة.

فالشيخ عبد الآخر لا يحب المناصب أو الظهور، ولكنه يحب التفرغ الكامل لعشقه الأوحد: الدعوة والتربية وتعليم الناس.. وهو رجل متواضع، خفيض الصوت، لا يرى نفسه.. ويكره العنف. وقد حاول في الثمانينات تحويل مسار الجماعة بعيداً عن الصدام مع الدولة، لكن الظروف كانت أكبر منه، ولذا فقد كان من الطبيعي أن يكون من أوائل المؤيدين للمبادرة.

أما ماذا سيفعل في الأيام المقبلة؟ فالإجابة ستحدد في ظل المسموح والممنوع على دعاة الجماعة، وفي ظل المساحة المتاحة، وليس أمامه سوى الاستمرار في الفتيا والكتابة بالموقع، كما كان يفعل في ألمانيا.

الحكومة أوفت بعهدها للعائدين من الخارج

وماذا عن قيادات أخرى مازالت في الخارج؟ هل من جهود تبذلونها من أجل عودتهم؟

هذا الملف من أفضل الملفات التي أنجزتها المبادرة، لقد كان هناك مئات من الهاربين من الاعتقال من أبناء الجماعة في بلدان شتي مثل البوسنة وأفغانستان واليمن والسودان والسعودية ودول أوروبا. وكان يعيشون في قلق دائم وتوتر مستمر، وكانوا يريدون العودة لمصر بشرط ألا يحدث لهم مكروه أو يقدموا لمحاكمات أو يعذبوا. وبعد خروج الأخوة من السجون تم تعيين الشيخ (محمد يس) مسئولا ً عن هذا الملف الهام، ونجح في إعادة مئات الأخوة الهاربين إلي بيوتهم وأهلهم سالمين دون أن يصابوا بأذى أو يتعرضوا لمضايقات. منهم من قضي فترة بسيطة بالاعتقال دون محاكمة أو تعذيب، وبعضهم كان معرضا ً للقتل في بلادهم مثل البوسنة أو أفغانستان، وهؤلاء كان لهم عطاء عظيم في الجهاد الإسلامي بالبوسنة وأفغانستان والشيشان ونحوها.. ولهم بطولات خارقة ولكن لم يحن الوقت بعد لحكايتها، وهذه القصص تمثل جزءا ً بسيطا ًمن بذل وتضحيات وجهاد أخوة الجماعة في ميادين القتال الإسلامية، وبعضهم كان في هيئة أركان الحرب بالبوسنة، وبعضهم كان صديقا ً للرئيس علي عزت بيجو فيتش ومساعدا له في الحرب، وكان رحمه الله يعرف قيمة المقاتلين العرب وخاصة المصريين وبأسهم في القتال. ولا يعرف قيمة هذا الملف وما بذل فيه من جهد سوي هؤلاء الأخوة، ومن قبض عليه منهم قبل المبادرة.. فهؤلاء كان يقبض عليهم ليعودوا فيحدث لهم ما لا يخطر علي بال، ثم يقدمون لمحاكمات استثنائية مثل العائدون من ألبانيا، والعائدون من أفغانستان. وأحكامها إما الإعدام أو المؤبد، فضلا ً عن تركه أولاده وأسرته في البلاد.. وبعضهم ترك أسرته بأفغانستان ثم قامت الطائرات الأمريكية بدك منازلهم ليقتل أولاده جميعا ًمع زوجته فلا يبقي له في الحياة شيئا ً.. وهذا حدث مع أولاد المرحوم أحمد النجار.

وأود أن أنبه علي أمر هام أننا لا نسعى وراء أحد ليعود إلي مصر، ولا نطلب من أحد ذلك، ولكن الشيخ محمد يس يتحرك فقط لمن يريد العودة ويطلب منه صراحة، وبعد التوسط لدي الأجهزة المعنية يصارحه بأنه قد يعتقل لمدة شهر أو شهرين، حتى يأتي علي بصيرة من أمره.. فهو المستفيد في المقام الأول. والدليل علي ذلك أن هناك أخوة كثيرين ما زالوا في أوروبا وغيرها لم نفاتحهم يوما ً، ولم نفاتح الشيخ عبد الآخر في عودته إلا بعد أن طلب ذلك مرارا ً، بعد عودة زوجته وبناته لمصر ليلتحقوا بالجامعة، فوجد الشيخ أن حياته في ألمانيا بدون أسرته لا معنى لها وحينها طلب العودة. ومهما قلت في أهمية هذا الملف في جمع أسر هؤلاء بعد تمزق فلن أوفيه حقه.. وبعض الأولاد لم تكن لهم شهادات ميلاد ولا أوراق ثبوتية.. ولكن كل ذلك تيسر بعد مجهودات بذلها مخلصون وجنود مجهولون. ولا يقل الفرج الكبير الذي حدث لهؤلاء عن الفرج الكبير الذي حدث للمعتقلين في مصر.. وبعضهم عاد للعمل أو للزيارة في البلد الذي عاد منه.. فبعضهم متزوج من مسلمات أجنبيات خاصة من البوسنة وبعضهم له أعمال في ألمانيا.

ويعتبر د/ محمود طه وهو أستاذ في الكيمياء بألمانيا أول من تمت تسوية موقفه بطريقة مشرفة وآمنة.. وهو من قيادي الجماعة وأولاده حاصلون على الجنسية الألمانية.. وكلما نجحت حالة شجعت غيرها وهكذا.. وهو يزور ألمانيا مع أسرته بين الحين والآخر ثم يعود لمصر بلا مضايقات، وقد كان هؤلاء الأخوة لا يثقون في البداية بنية الحكومة المصرية ويخافون أن تغدر بهم بعد عودتهم .. فلما رأوا أنها تفي بعهدها مع العائدين تشجعوا واحدا وراء الآخر.. وكلما عاد واحد ورأى بنفسه التغيير الذي طرأ على تعامل الأمن المصري مع هذا الملف حكي لغيره وهكذا.