التجربة الإيرانية (الواقع والمآلات)

د. عبد الستار الراوي

مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية

-الحلقة الأولى-

تسعى حاكمية الفقيه إلى تثبيت النظام الإلهي في الأرض، وبسط العدالة بين الناس، وإنقاذ المستضعفين في العالم من شرور الطغاة وظلامة المستكبرين!!

هكذا وصف الإمام الخميني مشروعه السياسي، قبل أربعين عاماً، وبهذا المنطق "الأممي" يواصل منظرو الولاية الدينية نداءاتهم اليوم، فيدعون العالمين: أهل المشرق وسواد الغرب، إلى إقامة "الجنة الإيرانية" على جغرافية الأرض الخضراء من إندونيسيا إلى الدار البيضاء، وهو شعار الثورة وسلاحها العتيد الذي تلوّح به طهران من حين لحين.

هذا هو مشروع المرشد الأول، وهو ما يعمل عليه السيد علي خامنئي، كلاهما يسعى إلى إخضاع الكون كله لسلطته وحده، بوصفه حاكماً إلهيّاً، ونائباً لإمام الزمان الغائب، وجامعاً للكمالات الإلهية، فولايته العالمية التي يبشر المسلمين بدخول جنتها، تتمسك بمبدأ الوصاية الكونية على جميع المسلمين أينما كانوا، فالاعتقاد بالولاية من تمام الإيمان. ومن يخرج عليها، أو يعارضها، يعد هرطقياً مجدفاً بحق الإمام القائد ومرتداً عن الدين القويم.

 وقد جرى تأكيد مطلقات الولاية الميتافيزيائية وقداستها الإلهية، أثناء الحراك السياسي 2009 الذي شهدته العاصمة والمدن الإيرانية الأخرى تحت عنوان (الثورة الخضراء)، فقد حكم على المتظاهرين بالكفر والردة والهرطقة لتطاولهم على المقام الإلهي للمرشد المعظم، حيث يحرم على كل مسلم معارضة الفقيه القائد.

فليس ثمة حقوق لمواطني الولاية، غير واجبات تنفذ، وأوامر تطاع، ومصير معلوم بالرجم حتى الموت، لكل من يملك رأيًا معارضاً، أو يتبنى فكراً حرّاً مفارقاً... وليس ثمة من يؤمن أو يعتقد أن حماية تجربة شخصية مثل "ولاية الفقيه" تمتلك قانوناً مطلقاً يصادر حرية الإنسان ؛ ويجيز منع حرية التعبير ويرمي مخالفيه بالزندقة ويحكم على معارضيه بالموت.

فالقيم الحقيقية، لـ "ولاية الفقيه" تتعزز بقوة واحدة فقط هي "العلم" ومنح "حرية الفكر" للآراء المعارضة ومواجهتها بالحوار وبالمنطق العقلاني، وبالفهم الصحيح للشريعة ومقاصدها، ولو كان المسلمون في صدر الإسلام يذبحون كل مخالف لهم لما كان لغيرهم وجود بين المسلمين اليوم.

وقد برهنت السنوات السبع والثلاثون الفائتة من عمر التجربة الدينية على أن "ولاية الفقيه" خلافًا لما روّجته الإعلاميات الإيرانية، أو اعتقده مريدوها، أو أملوا في أيامها الأولى، ليست أكثر من زهرة نبات الخروع، تنمو وتذبل وتسقط أوراقها واحدة إثر أخرى، إنها في كل الأحوال، مجرد ثورة من المراسيم والطقوس والنداءات التعبوية الصاخبة.

فهي التجربة التي حاولت فرض نموذجها الأيديولوجي على الوطن العربي، عن طريق تصدير الثورة المسلحة؛ فدشّنت أيامها الأولى بالحرب مع العراق، وعادت عام 2003مرة أخرى بالمقاصد والغايات ذاتها، لتجعل من الأقطار العربية قواعد تصدير لثورتها؛ فتشعل الحرائق في لبنان والعراق وسورية واليمن، وتنطلق منها في تنفيذ مشروعها السياسي ضد أمن وسلامة الخليج العربي، بحثاً عن "مجال حيوي" توسيعاً لرقعة "ولايتها السياسية".

في ذات الوقت الذي توجّه سخطها الدموي المحموم ضد شعب الأحواز، فتعلق المشانق لسحق صوت الحرية في عبادان والمحمرة، ومطاردة القوى الوطنية الإيرانية وتستمر تراجيديا الثورة الإلهية في إنزال الموت بالثوار والشعراء والأطفال.

ولاية الفقيه : تنبثق عن تصور ميتافيزيائي كلي يرى بأن من حق الفقيه الإيراني أن يتمتع بـ(ولاية) عامة تخضع لها كل الموجودات الثابتة والمتحركة على سطح الأرض، وسلطة مطلقة على جميع البلاد والعباد، بوصفه "الوصي" و"القائم" على شؤون المسلمين الذي ادّخرته العناية الإلهية في غيبة إمام الزمان.

وقد أكد الدستور الإيراني في مادته الثانية هذه الوصاية، فنص على "ولاية الأمر والأمة لفقيه"، إن هذا التصور الكلي لدور الفقيه وصلاحياته العامة روحيّاً ودنيويّاً، يجعله: حجة مطلقة، ومصدر السلطات، نائباً لله، والوصي الأوحد على الإسلام والمسلمين، حاكماً متألهاً، ناطقاً باسم السماء، يدّعي لآرائه: "العصمة"، ولاجتهاداته: "اليقين"، ولأحكامه: "الكمال"، ولتقديراته: "الإطلاق والضرورة".

وبموجب المواد (٥٧، ١٠٧، ١١٢) من الدستور أيضاً: فإنه المصدر الأعلى للسلطات الثلاث: التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، وهو القائد الأعلى للجيش والمسؤول الأوحد عن تعيين الضباط وعزلهم، وهو القادر على إلغاء السلطة وتغيير كل قرار أو حكم قضائي، أو تقديم من يشاء للمحاكمة، انطلاقاً من كون الأحكام تابعة له، وليس العكس، فهو فوق الأحكام والقانون.

إزاء ذلك يصبح "الفقيه" الآمر الناهي في أي "موقف" أو "قرار"، أو "رأي" وعلى مختلف الأصعدة: السياسة، والاقتصادية، والاجتماعية، والدينية. فهو إمام الزمان، وإمام الدين معاً، وتنتهي بين يديه كل الحدود، وببركاته تنهض الحياة.

وتقدم (الولاية المطلقة) التي لا حدود لسلطتها ولا نهاية لصلاحياتها على طبق اللاهوت السياسي بقصد تكريس مصالح وامتيازات الطبقة الثيوقراطية الحاكمة، وتوطيد سلطاتها، وقبل كل شيء إحكام قبضتها على المجتمع "لبثّ الهلع في قلوب الناس".

فهذه النظرية بكل فصولها النظرية وتدابيرها العملية لم تتخط دائرة التأويلات السياسية، أراد كاتبها، إقامة دولة مترامية الأطراف ذات طابع كوني، بدعاوى "قدسية الفقيه"، "الحاكم العادل" الذي أراد أن يرى الإيرانيون فيه (صورة الله على الأرض).. ومن أجل هذه الغاية، ابتدع حملة اللاهوت السياسي، ذرائع لاحقة تعزز سطوتهم على رقاب مسلمي إيران، فزعموا أن "الولاية" حجة ربانية، وأحكامها نافذة لا تقبل النقض أو المراجعة.

فالولاية مكتفية بذاتها، مبررة لوجودها، اقتضت حكمة السماء قيامها، ليست بحاجة إلى أحد سوى مرشدها الأول، الوكيل عن الله في الأرض لا عن جماهير المسلمين، إن هذا التصور الشامل لـ(الحاكمية المتألهة) يفضي بالضرورة إلى (كلية مطلقة) تنحل معها كافة الجزئيات والشذرات والتفاصيل، لتصبح ولاية تكوينية (ما فوق بشرية) تخضع لسلطانها كل الموجودات الكونية، مما يفضي إلى ولاية جبرية قاهرة، يتحول الإنسان تحت حاكميتها إلى رقم رياضي فارغ (صفر على جهة الشمال)، فالقهر الجبري، يصادر إرادة الكائن الإنساني، وينفي عنه حرية الرأي ويمنع الاعتراف بالآخرين، ويلغي كافة أشكال الحرية الإنسانية.

 وإزاء ذلك فولاية الفقيه - في نصوصها الفكرية وتجربتها التطبيقية- جدلية ميتابشرية، الهدف منها إقرار (الحق المقدس) بتمكين رجل الدين من الانفراد بالسلطة، والهيمنة على الحكم، عن طريق إعادة إنتاج نظرية (التفويض الإلهي) تمنح المرشد الأعلى (الحق المقدس) في التشريع والتطبيق بحيث يتحطم مبدأ المساءلة بين الحاكم والشعب، ومن ثم تكفير كل من لا يؤمن بهذه الولاية للفقيه أو يشكك بقدسية قراراتها.

وفي مقابل صفة (القداسة) التي أضيفت على التجربة الإيرانية وعلى مرشدها الإلهي، فقد تم إقصاء "النسبية" و"العقلانية" و"العلمية" و"الديمقراطية"، فيما أيقظت "الولاية" بخطابها التعبوي النداءات الطائفية وشعارات الإثارة والتحريض، بعد أن اعتبرت نفسها التجربة الوحيدة المعبرة عن روح الإسلام، وما عداها من تجارب الأمم والشعوب الأخرى، تجارب كافرة ودخيلة!! في ذات الوقت الذي تشهر فيه "الولاية" سلاحها العنصري بوجه كل الشعوب غير الإيرانية (غير الفارسية)، بهدف استلاب هويتها القومية وسحق تراثها الحضاري، فضلاً عن امتلاء قادتها بالأحلام التوسّعية السوداء تحت شعار "الحرب المقدسة" لإقامة "دولة العدل العالمية" التي تبتدئ صفحتها الأولى صوب بغداد، فيكون العراق وأقطار الخليج العربي واحداً من أقاليمها الرئيسة بزعم: "الأقربون أولى بالمعروف"!!

وهو ما أفصحت عنه الصفحات اللاحقة منذ سنة 1980 وما تلاها، فكانت حرب الثماني سنوات "واحدة من احتجاجات الثيوقراطية ضد العراق تعبيراً عن ذاتها المضطربة والعاجزة عن إقامة علاقة سوية مع الجوار، وباحتلال العراق عام 2003 أصبح "الغزو المسلح" و"العدوان المتعمد" جزءاً من بنيتها الأيديولوجية لشق الطريق أمام أحزاب ولاية الفقيه وميليشياتها الدموية في العراق وسورية ولبنان والبحرين واليمن، فعملت على تنظيم صفوفها وعلى تعبئة قواها لتمكينها من بسط سيطرة طهران على المنطقة العربية؛ وكانت اللحظة الفارقة في تاريخ الثورة الإيرانية بحلول عام 2011 تنتقل إيران من مرحلة الحرب الناعمة إلى مرحلة الاختراق الفاضح؛ فقد حاولت توظيف الحراك الشعبي في تونس ومصر لصالح أيديولوجية ولاية الفقيه تحت شعار (الصحوة الإسلامية) بدعوى أن ما جرى في قلب القاهرة وفي شوارع العاصمة التونسية إنما هو صدى للثورة الخمينية واستلهاماً لأفكار قائدها، وفي مقابل هذه الأغاليط الفاضحة ؛ تجاوزت طهران في السنة ذاتها حلقة التدخل في الشؤون الوطنية للدول الإقليمية إلى القيام بعمليات مسلحة خارج حدودها؛ كما حدث في سورية عشية الحراك الشعبي ضد النظام، إذ كانت ومازالت قوات فيلق القدس ومعها حزب الله ومليشيات ولاية الفقيه الأخرى إحدى أبرز أدوات الدفاع عن بشار الأسد عن طريق مطاردة واغتيال المعارضين، وقمع الانتفاضة الشعبية باستعمال جميع أنواع الأسلحة.

وحصل الأمر نفسه حيال الاعتصام السلمي في العراق أواخر 2012، عندما شارك فيلق القدس قوات الحكومة وميلشياتها في جرائم الإبادة الجماعية للسكان المدنيين في مجزرة الفلوجة والحويجة ودخول قواتها المسلحة النظامية بمختلف تشكيلاتها برفقة مرتزقتها من المليشيات السوداء، لتباشر ارتكاب جرائم التطهير المذهبي.

ولاتزال قوات الجمهورية الإلهية تفتح نيرانها حتى لحظة كتابة هذه السطور من الفلوجة إلى حلب ومن ديالى إلى دير الزور تحت دعاوى مضللة"!!

وإذ تفعل حاكمية ولاية الفقيه ذلك كله، فإنها تصر على مغادرة الزمان التاريخي وتقودها خطاها المثقلة بأوهام الدولة الكونية، إلى الأعماق الواطئة فتقذف نفسها وتجربتها خارج العصر والتاريخ.

إن إرادة الثيوقراطية وذرائعها وأهدافها في: (إشعال الحروب، وزرع الفتن، وتشويه مقاصد الشريعة، وتحطيم المحبة في القلوب، وإطفاء أنوار العقل)، ولا يمكن لهذه الإرادة المغامرة إلا أن تكون شريرة مناهضة عن عمد وإصرار لكل فضائل الإسلام وأخلاقيات الأمم، تقف على النقيض تماماً من الإرادة العامة؛ حيث إرادة الشعوب، وقوانين الحياة والحرية والمستقبل.

فالإرادة العامة إرادة الشعوب هي مشيئة الحقيقة الدائمة، إجماعها لم يضلل أحداً في الماضي، ولن يضلل أحداً اليوم وفي المستقبل، لأنها وحدها القادرة على حكم العقل، واستيعاب فقه الدين وقوانين العلم، وشروط الحياة، وحركة التاريخ.

لذلك فإن الولاية التي لم تعد تصغي إلا لانفعالات وجدانها السياسي، ومعتقداتها الفظّة لا يمكن أن نضعها في النهاية إلا في خانة مناهضة الجنس البشري، وفي دائرة الزراية الدائمة، التي يستحقها كل من يحاول أن يقفز فوق أماني الشعوب ويسحق حقوقها الثابتة، ويحرف عقيدتها، ويلقي بجحيم الحرب فتيانها وأطفالها.

وليس لمثل هذه الظاهرة "الميتابشرية" من فرصة أمام المستقبل وقوانين التأريخ إلا ضرورة حتمية واحدة، يفرضها مبدأ "تراكم الظلم".

تحت قوقعة الدكتاتورية المؤلهة وفي ظل إرهابها وحربها العدوانية، تتشكل المقاومة الثورية التي تنمو نضالاتها في إيران كل يوم، لن تقبل أغلال الولاية إلى ما لا نهاية، وسوف تصل مهماتها إلى التغيير الحتمي طلبًا للحرية، والسلام، وتحقيقًا للعدالة المفتقدة، وإقراراً لمبدأ حسن الجوار والتعايش السلمي مع الأمم والشعوب الأخرى.

إن الحكمة الإنسانية تسعى لازدهار العقل والحرية، وتدعو لسيادة الفضائل الأخلاقية بين الأمم والشعوب وتنشد المحبة والسلم في العالم، وتؤمن أيضًا بأن "ولاية" الفقيه، نظرية دينية ؛ قد تصلح لحكم إيران، لكنها لا تملك أي مسوغ أخلاقي لفرض نموذجها على الشعوب الأخرى.

إن ولاية الفقيه بمطلقاتها الثيوقراطية اللاتاريخية تعد في نظر القوى الوطنية الإيرانية ظاهرة طارئة؛ على الحياة الإنسانية وعلى عصرنا،  تريد أن تعود بالإسلام والمسلمين إلى عصر ما قبل الكتابة وإلى ما وراء الواقع والحياة، عالم الجهل والظلمات وأحجية السيمياء، لا يمكن لمثل هذه الظاهرة المدججة بالسلاح والأساطير إلا أن تتهاوى أمام العقل والحكمة والسلام.

______________

الحلقة الأولى: من كتاب: التجربة الإيرانية (الواقع والمآلات) بقلم الدكتور عبد الستار الراوي.

التجربة الإيرانية (الواقع والمآلات)

الحلقة الثانية

تشكيل الحكومة الإسلامية

 الأدلة والضرورات

أولاً: مفهوم الحكومة الإسلامية

إن أهم قضية طرحها الخميني، هي اختلاف الحكومة الإسلامية حول أشكال الحكومات القائمة، الجمهورية والملكية، أو من حيث المضمون، الديمقراطية أو الاستبدادية.

ويعرف هذه الحكومة بالشكل التالي: "الحكومة الإسلامية ليست كأي نوع من أنماط الحكومات الموجودة، هي مثلاً ليست استبدادية، وإنما هي مشروطة، وبالطبع ليست مشروطة بالمعنى المتعارف عليه هذه الأيام، حيث يكون وضع القوانين تابعًا لآراء الأشخاص والأكثرية، وإنما هي مشروطة من ناحية الحكام يكونون مقيدين في التنفيذ والإدارة بمجموعة من الشروط التي حددها القرآن الكريم والسنة الشريفة.

ثانياً: ضرورة الحكومة الإسلامية.

يعتبر الخميني "ولاية الفقيه" فكرة علمية واضحة، قد لا تحتاج إلى برهان، بمعنى أن من عرف الإسلام أحكاماً وقواعد يرى بداهتها (1). وإذا أوحى كاتب "الولاية" بأن مشروعه السياسي لدولـة "العدل" القادمة لا يحتاج إلى بيان حجة، أو إقامة برهان على "واقعية النموذج الإيراني" المرتقب، فإنه يضع أمامنا مطولة إنشائية، تدور عباراتها حول نقطة محورية ثابتة هي "الولاية" وضرورة العمل على قيامها، وبدلاً من أن يشرع في بيان الحجج العقلية واستنباط البراهين الرصينة، وما يتوفر من الأدلة النقلية المؤكدة التي من شأنها دعم مشروعه السياسي، يلجأ إلى تأويل روايات ضعيفة ومتهافتة السند، هي في الأصل موضع خلاف بين فقهــاء وعلماء الإمامية، تأييد هذه المسألة بهذا الصـدد مقدمــات لاهوتيــة لا علاقة لها بموضوعه، فإنه يلوذ بالوعظ الخطابي.

 فالإسلام دين المجاهدين الذين يريدون الحق والعدل، دين الذين يطالبون بالحرية والاستقلال(1) عبر هذه الإنشائية السياسية يقفز إلى نتيجة عائمة لا مقدمات لها، وهي "تأسيس حكومة تضمن لهم سعادتهم في حياة إنسانية كريمة "(2).

فولاية الفقيه رغم أنها اعتبارية أي وظيفة أساسية عملية، فإنها خلافة تكوينية تخضع لولاياتها وسيطرتها جميع ذرات الكون "لا يبلغ مقام الإمام فيها ملك مقرب ولا نبي مرسل".

ويمكن ملاحظة ما يلي:

1- أن الحكومة الإسلامية التي بشّر بها الخميني لم تخل من بعض الجوانب الميتافيزيائية التي قد لا يؤمن بها كل الناس، ومن ثم فهو يوظف بعناية التراث (الصفوي) في هذا الجانب بالذات.

2- تبدو ولاية الفقيه أسطورة أكثر من كونها نظاماً سياسياً وضعياً، رغم تأكيدات الكاتب أن الولاية التي ينشدها لمجتمع الإسلام القادم (فكرة علمية واضحة)، ثم يعتبرها من ناحية أخرى، خلافة مطلقة تخضع لولاياتها جميع ذرات الكون.

3- يركز الخميني على (الحكومة)، أكثر من تركيزه على دور الشعوب الإسلامية، أو النظم الإسلامية وفلسفتها الاجتماعية، وهو بهذا يتجه إلى الشكل، ويفارِق المضمون.

4- إن الخميني يذهب في تقديره لمقام الأئمة ذلك المذهب التقليدي عند الإيرانيين والذي يراه كل من عداهم مغرقاً في الغلو ومسرفاً في التطرف؛ لأنه مذهب يفضل فيه الأئمة على الرسل والأنبياء.

5- وإزاء النصوص الفائتة وتحليل أصولها وأهدافها، تجيء قضية أخرى في موضوع (الحكومة)، حيث يميز الخميني بين ما هو بـ(سلطة حقيقية) في الدولة وبين "الأمور التنظيمية" في الوظائف والإدارة بجهاز الدولة، ثم يقرر أن السلطة كل السلطة للفقهاء ورجال الدين الذي يمكنهم أن يستعينوا في الأمور التنظيمية بمن عدا الفقهاء من ذوي الاختصاص، وأن ذوي الاختصاص هؤلاء مهما بلغ علمهم في علوم الدنيا فإنه لا سلطان لهم في الحكومة الإسلامية، وما هم إلا "عمال" عند الفقهاء.

6- فالمطلوب عنده هو "تشكيل حكومة إسلامية" يقودها الفقهاء العدول([1]).

وعلينا أن نستفيد من ذوي الاختصاص العلمي والفني فيما يتعلق بالإدارة العليا للدولة وبشؤون بسط العدالة وتوفير الأمن، وإقرار الروابط الاجتماعية العادلة والقضاء والحكم بين الناس بالعدل، فذلك هو ما يختص به الفقيه([2]).

7- إن تولي الفقيه لأمور الناس، هو انصياع لأمر الله وأداء للوظيفة الشرعية الواجبة([3])، ذلك أن الفقيه هو (وصي النبي وفي عصر الغيبة يكون هو إمام المسلمين وقائدهم والقاضي بينهم بالقسط دون سواه([4]).

فالفقهاء هم الحجة على الناس كما كان الرسول r حجة الله عليهم  وكل ما كان يناط بالنبي فقط أناطه الأئمة بالفقهاء من بعدهم، فهم المرجع في جميع الأمور إليهم، فوضت إليهم ؛ سياسة الحكومة، وفي الولاية على الناس([5]).

وكما كانت الحاكمية للنبي والأئمة، فالحاكمية موجودة لدى الفقيه، والقيّم على الشعب بأسره لا تختلف مهمته عن القيّم على الصغار([6]).

تلك هي رؤية الخميني لطبيعة السلطة السياسية في المجتمع والتي تحولت في إيران عام 1979 إلى فلسفة حكم الدولة الجديدة، وذلك عندما أضيفت موادها في الدستور الإسلامي بجمهورية إيران الصادر في 15/11/1979.

لقد أقرّ الدستور وصاية الفقهاء على الأمة وانفرادهم بالسلطة العليا في الدولة وهيمنتهم على أجهزة القرار والتنفيذ الخاصة بشؤون الحكم في السلم والحرب.

فلآية الله الخميني ولاية الأمر وكافة المسؤوليات الناشئة عنها، إذ هو القائد، وفي حالة غيابه يتكون مجلس قيادة من ثلاثة أو خمسة من الفقهاء والمجتهدين (المراجع) ([7]).

والمحافظة على الدستور يتولاها مجلس من الفقهاء يعينهم الإمام الوصي. وللإمام الوصي سلطات تعيين رأس الجهاز القضائي، والقيادة.. كما يكرس الدستور فكرة الطائفية في (الإمامة) رغم تعدد المذاهب في إيران، فينص على أنه ينطلق من قاعدة: "ولاية الأمر والإمامة المستمرة" ([8]). كما ينص الدستور على أن "الدين الرسمي لإيران هو الإسلام والمذهب الجعفري الإثني عشري.. وهذه المادة غير قابلة للتغيير إلى الأبد([9]).

 

ثالثاً: ضرورة استمرار تنفيذ الأحكام.

"كان ضرورياً وجود حكومة فيها مزايا السلطة المنفذة المدبرة، فقد ثبت بضرورة الشرع والعقل أن ما كان ضرورياً أيام الرسول r وفي عهد الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب t من وجود الحكومة، لا يزال ضرورياً إلى يومنا هذا " ([10]).

والسيد الخميني هنا يميل إلى استعمال المنطق الأرسطي عن طريق توظيف مقولاته في القياس للاحتجاج على آرائه، والبرهنة على إلزامها، على أنه لم يلجأ إلى المنطق الصوري إلا هروباً من الواقع، ذلك أن ضرورة وجود "الحكومة" في كل زمان ومكان لاستمرار تنفيذ الأحكام الشرعية الإسلامية حسب مبدأ الوجوب الإسلامي، يقتضي الحاجة إلى إقامة "الحكومة" قائمة على (الشورى) وعلى مبدأ الإجماع، الذي ينظر إلى الحكومة أو الدولة نظرة مصلحية دنيوية، يجوز محاسبة إمامها أو قائدها الأعلى، وينبغي استبداله أو تغييره إذا أوقع ضرراً بمصالح الأمة، أو تخطى حدوده الوظيفية أو الشرعية، والإمامة بعد هذا كله أداة لسياسة الناس والسهر على مصالحهم الدنيوية والدينية، وهو أمر يصادر دعوى عصمة ووصاية "الفقيه" ويلغي هيمنته الأيديولوجية، باعتبار أن الحاكم واحد من سواد الناس، بشر من لحم ودم، نصبته الجماهير المسلمة بإرادتها، وعليه فإنه ليس وحيا منزلاً، أو كائناً متألّهاً، يجوز على الحاكم ما يجوز على بني جنسه من البشر، يجوز عليه السهو والغفلة والخطأ، ويمكن محاسبته إذا خرج على إرادة الأمة، بل يمكن إسقاط ولايته بذات الإرادة التي جعلته حاكماً عليها، أي أن الحاكمية نسبية وليست صكّاً أبدياً، ينطبق عليها المقياس البشري المحض([11]).

وإذا افترضنا جدلاً مبدأ الضرورة للحكومة كما يراها الخميني، فإنّ الدولة التي يتحدث عنها ويسعى إلى إقامتها ينبغي أن تكون جامعة للشروط الأساسية في كونها دولة للمسلمين عامة في أنحاء العالم، وأن تكون عادلة، تجتمع في ظلّها المدارس الفقهية جميعها.

وعلى النقيض من ذلك وضع الخميني شرطاً حتميّاً على تبنّي (مذهب بعينه) وأكد عليه في دستور الجمهورية الإسلامية، بعبارة (وهذه المادة غير قابلة للتغيير إلى الأبد)!!

وهذا الأمر يقضي بنزع الصفة الإسلامية العالمية عن الولاية، لأنها قيدت حركة الاجتهاد داخل الدولة ببعد مذهبي واحد. وينصرف القيد الفقهي إلى الحاكم نفسه، الذي يفترض به أن يكون عادلاً، في حين أنه تعمد أن يقدم الفرع على الأصل. أي أنه جعل الأولوية للسلطة المذهبية وليس الإسلام، فاختزل العام بـ(الخاص). ومثل هذه السلطة أو الحكومة أو الدولة، لا بد أن تكون منكفئة على نفسها طبقاً لأحاديتها الفقهية. والدليل المباشر المعروف لدى كل من أقام أو عرف إيران بأن الجمهورية الإسلامية ومنذ قيامها وحتى اليوم، لم تسمح لأصحاب الفقه الإسلامي الآخر ببناء مسجد يقيمون فيه الصلاة الجامعة، وكان الدبلوماسيون العرب والمسلمون في عاصمة الجمهورية الإسلامية يؤدون فرض الجمعة في زاوية تابعة لسفارة المملكة العربية السعودية.

ولذلك فإن الواقع المتعين في الحياة هو الجواب الكافي على أحادية النظرية الخمينية، وهو المنهج المذهبي ذاته الذي كرسه وزاد عليه السيد خامنئي. الذي توصف ولايته بأنها تتخطى الحدود الجغرافية، وتعبر القارات الخمس، بوصفه إمام المسلمين كافة. هذه هي المسافة الضوئية بين الكلاميات والوقائع. فلا يزال المرشد الأعلى يعتقد أن من حقه أن يتدخل في شأن هذا البلد أو ذاك، انطلاقاً من نظرية ولاية الفقيه التي يجب أن يخضع لها البشر والشجر وذرات الكون.

يجب أن تكون العدالة في الفقه الإسلامي معبرة، قولاً وعملاً في شخص قائد الدولة، وفي بشرية الحاكم الأعلى، بوصفه يمثل إرادة الجماهير وصفوتها، والحاكم العادل هو المدرك لمصالح المسلمين الذي يستقي حركة الدولة من (الحق الشعبي) وليس من نظرية (الحق الإلهي) التي لجأ إليها السيد الخميني من خلال تفسير التشيع الإثني عشري، تفسيراً ذاتياً بدعوى الاجتهاد، وبغير العقد والعهد الذي عبّر عنهما المسلمون في بيعتهم للخليفة علي بن أبي طالب وللخلفاء الثلاثة السابقين عليه، بغير هذين الشرطين لا تعقد الإمامة، ولا تقام السلطة، ويترتب على العقد والعهد إبطال جميع الولايات كما الإمامات التي قفز أصحابها إلى الحكم عن طريق غير شرعي، بالتآمر والاغتصاب، عنوة وقهراً، لأنها لم تخول شعبياً في تمثيل إرادة الأمة أو في ممارسة سلطاتها.

رابعاً: الأحكام المالية.

ثمة شذرات متناثرة يقدمها الكاتب الإيراني في موضوع الأحكام المالية، فتبدو كأن الأساس النظري لاقتصاد الإسلام يقوم بكافة قطاعاته على (الخمس) فقط. يقول الخميني:

1- الخمس: يتعلق بعائدات الشخص، وهي ضريبة يجب أن تستوفى من قبل الدولة لتصرف على شؤون البلد([12]).

2- الضرائب: يجب أن تستوفى طبقا للأحكام الإسلامية بشكل كامل دون زيادة دينار أو نقص دينار([13]).

إن ضريبة الخمس وبموجب الأحكام الإسلامية ليس لها طابع تصاعدي، فالضرائب التصاعدية لا وجود لها في أحكام الإسلام الحالية، من جهة أخرى فإن الخمس يخص عائدات الأفراد وليس الرواتب التي يتقاضونها، كما لا وجود للإعفاء في قانون الخمس. ولا تشمل الضرائب في الفقه الإسلامي الإرث إذ يعتبر ذلك خلافاً للشرع، مع ذلك فإن قانون جمهورية إيران الإسلامية أول حكومة إسلامية جعلت الضرائب على العائدات قانوناً تصاعدياً، أي أنها ترتفع من 18% إلى 70% وفي ظل جمهورية الفقيه أيضاً، تحتم على المواطنين أن يدفعوا بدلاً من 20% (الخمس الشرعي) 35% - 70% ومن الناحية الشرعية تعتبر كل زيادة عن نسبة 20% نهباً لأموال الناس وبيت مال حرام([14]).

علماً بأنه لا يوجد دليل واحد على أن الخميني أو الحكومة أو المجلس قد اعترض على هذه الإجراءات، في الوقت الذي يعتبر من الناحية الشرعية كل من يخالف أحكام الشرع أو نصوص القرآن الصريحة محاربًا لله وللرسول.

وحول الموضوع ذاته، فإنّ الخميني يقول ما نصٍّه: (الضرائب المالية التي شرعها الإسلام ليس فيها ما يدل على أنها خصّصت لسد رمق الفقراء، وإنما هي تدل على أن تشريعها كان من أجل نفقات دولة كبرى(! ونقض هذا الادعاء لا يتعين في تعميمات الفقيه، أو تناقضه وإنما من خلال وقائع التاريخ والتراث الإسلامي([15]).

إن كلمة دولة أو حكومة لم ترد إطلاقاً في نصوص الأخماس والزكاة لا بالعبارة ولا بالإشارة إن نصوص القرآن والسنة تدل بوضوح لا غموض فيه على أن الضرائب المالية تؤول للفقراء والمساكين،  [المعارج: 24- 25].

والحصر هنا بالفقراء والمساكين لا بنفقات دولة ذات سيادة كما ادّعى السيد الخميني.

ثبت من خلال الوقائع الموثقة أن النبي r وصحبه كانوا يأخذون الحقوق المالية من الموسرين والأغنياء ويردونها على الفقراء.

من ناحية أخرى كان السيد الخميني قد ذكر: (إن الدستور الإسلامي لم يأت من أجل بلد معين كي تكون له رسوم جمركية، فرسوم الجمارك ليست ضرورية للبلد، بل لها أضرار كثيرة ولا بد من إلغائها. ولكن لا توجد أيه أدلة حتى عام 2015 تشير إلى أن إيران في ظل ولاية الفقيه قد ألغت هذا القانون) ([16]).

وأيّاً كان الأمر فإن وضع الأحكام المالية في مثل هذه الدائرة الضيقة، يعطي القارئ إحساساً بافتقار الإسلام إلى نظام مالي خاص به. ذلك أن الفقيه لم يعط نظرية تفصيلية أو يقدم منهجاً محدداً يعالج فيه قضايا البناء الاجتماعي والتركيب الطبقي وملكية وسائل الإنتاج وسياسة الأجور وعلاقة الفلاح بالأرض، والعامل بالمصنع، كل ذلك تجاوزه الخميني([17]). باستثناء وقفاته عند بعض النظريات الشرعية مثل: تحريم الربا‍، وإقامة بنوك بلا فوائد، وبعض القرارات العامة: مثل تأميم المصارف وشركات التأمين.

إنّ الحاكمية الإلهية على هذا النحو التي يقدمها كاتب الولاية تبدو في رأي الكثيرين فكرة ساذجة، تعبر عن منهج وصفي محدود، وهي واحدة من المغالطات التي سبق أن حذر من مغبة الوقوع فيها المفكر الإيراني (علي شريعتي) الذي يرى أن فلسفة الحكم في الإسلام التي يقدمها البعض، بحاجة إلى تحليل وتطوير، وإعادة صياغة بوصفها نظرية اجتماعية واقتصادية لمجتمع إسلامي، حتى تتحول من الشعار إلى التطبيق([18]).

خامساً: أحكام الدفاع: "وأحكام الجهاد والدفاع عن حياض أوطان المسلمين لضمان استقلال وكرامة الأمة، دلالة أخرى على ضرورة تشكيل الحكومة، مما يوجب الإعداد والاستعداد والتأهب التام حتى وقت السلم " ([19]).

ويعتقد الخميني "بأن عدم التزام المسلمين بالآية {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} هو الذي يسَّرَ لحفنة من اليهود احتلال أراضينا، وتخريب مسجدنا الأقصى وإحراقه، من غير أن يقابل ذلك بأية مقاومة، وكل ذلك تم كنتيجة حتمية لتقاعس المسلمين عن تنفيذ حكم الله " ([20]).

ويبدو هنا كما في معظم أجزاء الولاية بأن كاتبها مولع بالسّببية الميكانيكية، وبالمنهج النقلي المباشر الذي يفصل الظاهرة عن ظروفها الإنسانية والاجتماعية، ويعزل منطق العلاقات المتبادلة بين الظاهرات.

وإذا كنا نسلم بالإطار النظري لمقدمته الأولى التي تقضي بضرورة أحكام الجهاد، فإنه من الصعب علينا قبول تنظيراته الخاصة في تصدير الثورة، أو إصراره على استمرار الحرب مع العراق تحت شعار؛ "جهاد من أجل الله " ([21]).

-المراجع-

(1) الإمام الخميني. ولاية الفقيه. القاهرة 1979. ص8.

(1) الولاية ص11.

(2) الولاية ص20.

([1]) الولاية ص7.

([2]) الولاية ص10 – 12.

([3]) الولاية ص11، وانظر الدكتور محمد عمارة. الفكر القائد في الثورة الإيرانية ص43.

([4]) الولاية ص149.

([5]) الولاية ص133 – 134.

([6]) الولاية ص54.

([7]) الولاية ص75 – 77.

([8]) الولاية ص78.

([9]) الولاية ص80.

([10]) الولاية ص49 – 51.

([11]) الدستور الإسلامي للجمهورية الإسلامية في إيران. طبع دار الشهيد قم 1979. المواد 5، 57، 107.

([12]) الدستور الإسلامي (مصدر سابق) المادة 107.

([13]) المصدر السابق، المادة الثانية.

([14]) المصدر أعلاه المادة 12.

([15]) الولاية ص19. وانظر أيضا الولاية ص42 – 43.

([16]) عبدالستار الراوي، العقل والحرية. بيروت 1980، ص401 – 415.

([17]) الولاية ص34.

([18]) الولاية ص34.

([19]) راجع إيران على مفترق طريق المصير ص17. مركز البحوث والمعلومات بغداد 1982.

([20]) راجع محمد جواد مغنية. الخميني والدولة الإسلامية. بيروت 1979 ص59 – 60.

([21]) راجع الامام الخميني. الولاية مصدر سابق 33 وكشف الأسرار ص266.

وانظر:  الدكتور حسن حنفي. ولاية الفقيه (المقدمة). وعبدالستار الراوي، مقدمة في الفكر الإيراني المعاصر بغداد 1982 ص41 – 43.

وسوم: العدد 759