ألا ساء ما يحكمون!

د. عبدالله بن أحمد الفَيْفي

رُؤى ثقافيّة 100

أ. د. عبد الله بن أحمد الفَيْفي

[email protected]

يقول (الشيخ عبدالحميد كشك، رحمه الله)(1) في إحدى خُطبه، منتقدًا (الدكتورة نوال السعداوي): «رحم الله زمانًا كانت المرأة فيه لا تخرج إلّا ثلاث مرّات، الأُولى من رحم أُمّها، والثانية إلى بيت زوجها، والثالثة محمولة إلى قبرها!»  وهو يرى أن هذا هو الوضع المثاليّ للمرأة في الحياة وفي المجتمع، وأن تلك هي الصورة المُثْلَى، المَرْضِيَّة من ربّ العالمين.  مع أنها صورةٌ، الحيوانُ أعلى منها مكانةً واحترامًا. ولسان حاله يكاد يقول: «ويا ليتها لا تخرج الخروج الأوّل من رحم أُمِّها أصلًا؛ لكيلا يحمل الرجال عبء حملها على الخروجَين الآخرَين، أو دفنها حيَّةً قبل الممات.» وهو الفكر نفسه الذي كانت عليه العرب قُبيل الإسلام. أيّام وصف القرآن حالهم: «وإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَى، ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وهُوَ كَظِيمٌ؛ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ، أَ يُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ، أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ؟  أَلَا ساءَ ما يَحْكُمُون!»  هذا الفكر ظلّ في الرؤوس، يتشرَّبه الطفل منذ النعومة، فما ينفكّ عنه، وإنْ تعلَّم وترقَّى ظاهريًّا. يظلّ يعتقد أن عادات مجتمعه، وما وجد عليه آباءه، وما بُرمِج به دماغه، فيه تكمن قوانينُ الكون، وإرادة خالقه. هذا، وإننا لا ندري متى كان ذلك الزمان الخيالي الذي يشير إليه الشيخ، ويحنّ إليه؟ اللهمّ إلّا ذلك الزمان الجاهلي المشار إليه في الآية الكريمة. مع أنه حتى في ذلك الزمان إنما كان حُلمًا نظريًّا لدى بعض المرضَى في عقولهم ونفوسهم من أجلاف العرب، مستحيلَ التطبيق واقعيًّا، إلّا وَأْدًا، أو ما يشبه الوَأْد. ولكن كيف يلبَّس ذلك لبوس الدِّين دائمًا؟ إن (عائشة، رضي الله عنها)، مثلًا، لم تعترف بهذا الفقه الجاهلي العجيب، وهي بالتأكيد لم تتلقّ (فقه الخروجات الثلاثة: من رحم أُمّها، وإلى بيت زوجها، وإلى قبرها) عن رسول الله قط. ولا فعلتْ ذلك كذلك الصالحاتُ النباهاتُ من نساء المسلمين. وإنما هي ظِلال الوَأْد الجاهلي نفسه، تتلوَّن صورُها، ويُحتال لتلبيسها عباءة الدِّين على مرّ العصور، والدِّين منها براء، بل هي ضدّ منهاجه القويم وفلسفته وعدله، إلّا لدى مَن يُصِرّون على إلقاء تشوُّهاتهم الذهنيَّة على دِين الله تعالى.

وما مِن جديد؛ فلقد حَدَثَ مثل هذا في سنن الأوّلين من أتباع الأديان عبر الدهور. ذلك أن الشكّ في إنسانيّة المرأة، والموقف العنصري منها في النصرانيّة، على سبيل المثال، إنما جاء كذلك مستندًا على مواقف الكنيسة من المرأة. ذلك الموقف الذاهب حسب مؤتمر (ماكون)، في القرن الخامس عشر، إلى أن المرأة حطبُ جهنم، لأنها بلا روح، واستثنى منهنّ جميعًا (مريم العذراء)، فقط لا غير؛ لكونها أُمّ (المسيح بن مريم)! مع أن (البابا فرانسوا) قد نُسِب إليه مؤخَّرًا تصريحٌ بأن الكنيسة لم تَعُد تعتقد في الجحيم، وكذا القول بأن قِصّة آدم وحوّاء مجرّد أُسطورة، مشيرًا إلى أن (جهنّم) ينبغي أن يُنظر إليها كتقنية أدبيّة، كما في قِصَّة آدم وحواء، فهي مجرّد كناية عن الروح المعزولة، والتي ستتّحد في نهاية المطاف، على غرار جميع النفوس، في محبّة الله!(2)  وهذا دِين جديد، أمّا القديم، فكان شيئًا آخر تمامًا. كان يذهب، تارةً، ووفقًا للكتاب المقدس، إلى أن شهادة مئة امرأة بشهادة رجل واحد، حسب العهد القديم. تخيَّلوا: مئة امرأة لا يعدلن إلّا رجلّا واحدًا! يا لهذا «السوبرمان»، ويا له من فارقٍ فلكيٍّ بين الجنسَين! أمّا حسب العهد الجديد، فإن عليها أن تَخْرَس في الكنيسة، وأن تكون خاضعةً، خادمةً، لزوجها. وأن خير ما تتعلَّمه المرأة «السكوت والخضوع للرجل»! وأنْ ليس الرجل من المرأة، بل المرأة من الرجل، وهو تاج رأسها. وتكفيها جريرةً أنها أغوته للخروج من الفردوس، فقد اقترفت إثمًا أبديًّا مبينًا وخطيئة لا تُغتفر! وأن على المرأة إمّا أن تغطِّي شَعرها أو أن تحلقه نهائيًّا. استنادًا إلى ما ورد في (الإنجيل)(3): «فأُريد... كذلك أَنَّ النِّسَاءَ يُزَيِّنَّ ذَوَاتهنَّ بِلِبَاسِ الحِشْمَةِ، مَعَ وَرَعٍ وتَعَقُّل، لا بضَفَائِرَ أَوْ ذَهَبٍ أَوْ لآلِئَ أَوْ مَلاَبِسَ كَثِيرَةِ الثَّمَنِ، بَلْ كَمَا يَلِيقُ بِنِسَاءٍ مُتَعَاهِدَاتٍ بِتَقْوَى اللهِ بِأَعْمَال صَالِحَةٍ. لِتَتَعَلَّمِ المَرْأَةُ بِسُكُوتٍ في كُلِّ خُضُوعٍ. ولكِنْ لَسْتُ آذَنُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُعَلِّمَ ولا تَتَسَلَّطَ عَلَى الرَّجُلِ، بَلْ تَكُونُ فِي سُكُوتٍ، لأَنَّ آدَمَ جُبِلَ أَوَّلًا ثُمَّ حَوَّاءُ، وآدَمُ لَمْ يُغْوَ، لكِنَّ المَرْأَةَ أُغْوِيَتْ فَحَصَلَتْ في التَّعَدِّي. ولكِنَّها سَتَخْلُصُ بِوِلاَدَةِ الأَوْلاَدِ، إِنْ ثَبَتْنَ في الإِيمَانِ والمَحَبَّةِ والقَدَاسَةِ مَعَ التَّعَقُّلِ.» «وأُرِيدُ أَنْ تَعْلَمُوا أَنَّ رَأْسَ كُلِّ رَجُل هُوَ الْمَسِيحُ، وأَمَّا رَأْسُ المَرْأَةِ فَهُوَ الرَّجُلُ، ورَأْسُ المَسِيحِ هُوَ اللهُ. كُلُّ رَجُل يُصَلِّي أَوْ يَتَنَبَّأُ ولَهُ عَلَى رَأْسِهِ شَيْءٌ، يَشِينُ رَأْسَهُ. وأَمَّا كُلُّ امْرَأَةٍ تُصَلِّي أَوْ تَتَنَبَّأُ ورَأْسُهَا غَيْرُ مُغُطَّى، فَتَشِينُ رَأْسَهَا، لأَنَّهَا والمَحْلُوقَةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ بِعَيْنِهِ. إِذِ المَرْأَةُ، إِنْ كَانَتْ لا تَتَغَطَّى، فَلْيُقَصَّ شَعَرُها. وإِنْ كَانَ قَبِيحًا بِالمَرْأَةِ أَنْ تُقَصَّ أَوْ تُحْلَقَ، فَلْتَتَغَطَّ. فَإِنَّ الرَّجُلَ لا يَنْبَغِي أَنْ يُغَطِّيَ رَأْسَهُ لِكَوْنِهِ صُورَةَ اللهِ ومَجْدَهُ. وأَمَّا المَرْأَةُ فَهِيَ مَجْدُ الرَّجُلِ. لأَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ مِنَ المَرْأَةِ، بَلِ المَرْأَةُ مِنَ الرَّجُلِ. ولأَنَّ الرَّجُلَ لَمْ يُخْلَقْ مِنْ أَجْلِ المَرْأَةِ، بَلِ المَرْأَةُ مِنْ أَجْلِ الرَّجُلِ. لِهذَا يَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ أَنْ يَكُونَ لَهَا سُلْطَانٌ عَلَى رَأْسِهَا، مِنْ أَجْلِ المَلاَئِكَةِ...». وكذلك ما ورد في «العهد القديم/ التوراة»(4): «وكَانَتِ الحَيَّةُ أَحْيَلَ جَمِيعِ حَيَوَانَاتِ البَرِّيَّةِ الَّتِي عَمِلَهَا الرَّبُّ الإِلهُ، فَقَالَتْ لِلْمَرْأَةِ: «أَحَقًّا قَالَ اللهُ لا تَأْكُلا مِنْ كُلِّ شَجَرِ الْجَنَّةِ؟» فَقَالَتِ المَرْأَةُ لِلْحَيَّةِ: «مِنْ ثَمَرِ شَجَرِ الجَنَّةِ نَأْكُلُ، وأَمَّا ثَمَرُ الشَّجَرَةِ الَّتِي في وَسَطِ الْجَنَّةِ، فَقَالَ اللهُ: لا تَأْكُلا مِنْهُ ولا تَمَسَّاهُ لِئَلَّا تَمُوتَا». فَقَالَتِ الْحَيَّةُ لِلْمَرْأَةِ: «لَنْ تَمُوتَا! بَلِ اللهُ عَالِمٌ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلانِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وتَكُونَانِ كاللهِ عَارِفَيْنِ الخَيْرَ وَالشَّرَّ». فَرَأَتِ المَرْأَةُ أَنَّ الشَّجَرَةَ جَيِّدَةٌ لِلأَكْلِ، وأَنَّهَا بَهِجَةٌ لِلْعُيُونِ، وأَنَّ الشَّجَرَةَ شَهِيَّةٌ لِلنَّظَرِ. فَأَخَذَتْ مِنْ ثَمَرِهَا وأَكَلَتْ، وأَعْطَتْ رَجُلَهَا أَيْضًا مَعَهَا فَأَكَلَ. فَانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وعَلِمَا أَنَّهُمَا عُرْيَانَانِ. فَخَاطَا أَوْرَاقَ تِينٍ وصَنَعَا لأَنْفُسِهِمَا مَآزِرَ. وسَمِعَا صَوْتَ الرَّبِّ الإِلهِ مَاشِيًا في الجَنَّةِ عِنْدَ هُبُوبِ رِيحِ النَّهَارِ، فَاخْتَبَأَ آدَمُ وامْرَأَتُهُ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ الإِلهِ في وَسَطِ شَجَرِ الجَنَّةِ. فَنَادَى الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَقَالَ لَهُ: «أَيْنَ أَنْتَ؟!». فَقَالَ: «سَمِعْتُ صَوْتَكَ في الجَنَّةِ فَخَشِيتُ، لأَنِّي عُرْيَانٌ فَاخْتَبَأْتُ». فَقَالَ: «مَنْ أَعْلَمَكَ أَنَّكَ عُرْيَانٌ؟ هَلْ أَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ أَنْ لا تَأْكُلَ مِنْهَا؟» فَقَالَ آدَمُ: «المَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي هِيَ أَعْطَتْنِي مِنَ الشَّجَرَةِ فَأَكَلْتُ». فَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ لِلْمَرْأَةِ: «مَا هذَا الَّذِي فَعَلْتِ؟» فَقَالَتِ المَرْأَةُ: «الحَيَّةُ غَرَّتْنِي فَأَكَلْتُ». فَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ لِلْحَيَّةِ: «لأَنَّكِ فَعَلْتِ هذَا، مَلْعُونَةٌ أَنْتِ مِنْ جَمِيعِ البَهَائِمِ ومِنْ جَمِيعِ وُحُوشِ البَرِّيَّةِ. عَلَى بَطْنِكِ تَسْعَيْنَ وتُرَابًا تَأْكُلِينَ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكِ. وأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وبَيْنَ المَرْأَةِ، وبَيْنَ نَسْلِكِ ونَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ، وأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ». وقَالَ لِلْمَرْأَةِ: «تَكْثِيرًا أُكَثِّرُ أَتْعَابَ حَبَلِكِ، بِالْوَجَعِ تَلِدِينَ أَوْلاَدًا. وإِلَى رَجُلِكِ يَكُونُ اشْتِيَاقُكِ وهُوَ يَسُودُ عَلَيْكِ».»

وتارةً أخرى، كان يحدث ذلك الاضطهاد للمرأة اتِّباعًا لبقايا موروثات اجتماعيّة، إغريقيّة أو رومانية أو غيرهما، كانت لا ترى المرأة إلّا شرًّا في الحياة، وإنْ كانت شرًّا لا بُدّ منه! 

هكذا كان يُنظر إلى المرأة في الأُمم السالفة، وكذا في (أوربا) إلى القرن التاسع عشر.  كلّ هذا، على الرُّغم من أن المرأة غالبًا هي أقرب إلى الإنسانيّة والخيريَّة من الرجل؛ ذلك لأنها نبع العواطف والأُمومة والحُبّ والحنان. وستَلحظ، لو أنصفتَ، أن المرأة، ومهما كانت، هي أدنى إلى التعقُّل، وأسهل رجوعًا إلى الحقّ، وأميل إلى مشاعر البِرّ والخير والجمال من الرجال؛ بسبب تلك العواطف النبيلة الفطريّة فيها. ولذا ما كان الله ليَكِلَ الأُمومة إلّا إلى نفسٍ تحمل تلك الخصال. وما شَذَّت عن هذا امرأةٌ إلّا تكون قد خرجت عن طبيعتها، بصورةٍ أو بأخرى. غير أن الأُنثى، من جميع المخلوقات، حمّالة الأسى في المسيرة الوجوديّة عمومًا، وإنْ نُظر إليها نظرة تقديسٍ في بعض الحِقَب من تاريخ البشريّة. يقع هذا حتى في عالم الحيوان؛ فإن الذَّكَر يلقِّح أُنثاه، ويستمتع معها جنسيًّا، ثم- غيرَ آبِهٍ لشيءٍ بعد إفراغ شهوته- ينطلق للبحث عن ثانيةٍ وثالثةٍ ورابعةٍ، لتتحمَّل هي تبعات تلك اللحظات العابرة، من حَملٍ، وولادةٍ، وإرضاعٍ، وحمايةٍ لأطفالها، ورعايةٍ، ومعاناةٍ طويلةٍ تهدِّد حياتها. ولذلك كان حَقُّ الأُمومة، حسب الشريعة الإسلاميّة، لا يقارَن بحَقِّ الأُبوّة.

ومَن شاء معرفة تاريخ المرأة في بعض المجتمعات الأوربيّة، وما جاورها، كـ(روسيا)، فليقرأ «رحلة ابن فضلان»، (-312هـ= 924م)، حيث وصف أنه كان لبعض ملوكهم أربعون امرأة، لفراشه فقط. وكان إذا مات سيّدٌ، لا بُدّ أن تُقتل إحدى نسائه معه وتُحرَق، بعد ممارسات طقوسيَّة بذيئة، وفي غاية الوحشيَّة والبشاعة، لا يمكن ذِكرها هاهنا، مراعاة للذوق العامّ وضرورات النشر(5). وهي شواهد على موقع المرأة بين تاريخنا وتاريخهم، الذي تُقلَب عادةً حقائقه وأصوله، ليصوَّر الحقُّ باطلًا والباطلُ حقًّا، والعدلُ ظلمًا والظلمُ عدلًا ومساواة.

               

 (1) على موقع (اليوتيوب): 

">

(2) موقع فبراير (http://www.febrayer.com)، الجمعة 3 يناير 2014. 

(3) الكتاب المقّدس، العهد الجديد، رسالة بولس الرسول الأولى إلى تيموثاوس، الأصحاح الثاني، العبارات 9- 15؛ رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس، الأصحاح الحادي عشر، العبارات 3- 10.

(4) سِفر التكوين، الإصحاح الثالث، العبارات 1- 16.

(5) ومثل هذه الأفكار حول المرأة بعد فراق زوجها، بالطلاق أو بالوفاة، تسرّبت إلى مجتمعات أخرى، ومنها بعض المجتمعات الإسلاميّة، وأُدخلت تحت ذريعة «العِدَّة»، الواردة في (القرآن الكريم)، في قوله تعالى: «والَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ ويَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وعَشْرًا، فإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ في أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْروفِ، واللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير»، (سورة البقرة: الآية 234). حيث تلحظ أحيانًا المبالغات في التضييق على المرأة تضييقًا شديدًا بعد وفاة زوجها، حتى لقد سمعنا عمّن يُفتي، مثلًا، بحرمة مشاهدة المرأة التلفاز خلال فترة العِدَّة. وهي أفكار عجيبة، لا تخلو من تلك الأمراض الجاهليّة في النظرة إلى المرأة. ذلك أن الحكمة من العِدّة في الإسلام تبدو واضحة، وهي: التأكّد من عدم وجود حمل، ولعلّه روعي في ذلك أيضًا اعتزال الرجال، وفاءً من المرأة لزوجها وحِدادًا عليه. أمّا أن تُسجن، بل تُحجب عن الحياة، بحُجّة العِدَّة، فلا يُعرف له أصل، ولا معنى فيه، وما أنزل الله به من سلطان. ومردّ المبالغة فيه إنما هو إلى بعض تلك الأفكار البدائيّة عن المرأة، حيث كانت المرأة تُقتل بعد زوجها، أو تُحرق، أو تُفعل بها كلتا الجريمتين، كما ذكر (ابن فضلان) عن بعض مجتمعات (أوربا) القديمة. والحرق ما زال ممارسًا لدى البراهمة في (الهند).-[الكاتب: أ.د/عبدالله بن أحمد الفيفي، عنوان الموضوع: «ألا ساء ما يحكمون!»، المصدر: صحيفة «الراي» الكويتية، الثلاثاء1 أبريل 2014، ص27].