أمران مهمان لنصرة الثورة

عابدة فضيل المؤيد العظم

بابان عظيمان للجهاد

"الوقت" و"الكلمة"

عابدة فضيل المؤيد العظم

أولاً- الجهاد بالوقت

هل رأيتم كيف يمر اليوم خلف اليوم والشهر تلو الشهر فلا نكاد نبدأ عاماً حتى نجد أنفسنا نودعه من جديد؟

فصرت كلما مر يوم أعجب من سرعة انصرامه، وتضيق ساعاته عن تنفيذ ما عزمت عليه فيه؛ وإنني لا أكاد أستيقظ حتى يحل المساء، فلما جئت أشتكي من ضيق الوقت وجدت الناس سبقوني إلى مثله من الشكوى، فتيقنت أنها علامة من علامات الساعة.

ليس الوقت الذي ضاق وإنما البركة هي التي نُزعت منه؛ فيطوي الليل النهار والنهار الليل، والأسبوع الأسبوع... وأصبحت الواجبات الضرورية أكبر من الأوقات، حتى الطفل الصغير –على قلة مسؤولياته- يفتقد السعة فيه؛ فيأتي من المدرسة ليأكل ويكتب وظائفه وإذا بالليل قد أقبل! فينام ولا يجد وقتاً للعب أو اللهو إلا ساعات معدودة آخر الأسبوع.


ولقد ساهم ازدحام الأعباء وكثرتها وتنوعها في صعوبة استثمار الوقت وتنظيمه، وضيق الأوقات مد مفهوم "الجهاد" ووسعه إلى ضرورة "الجهاد بالوقت" لمن أراد النصر.

فإذا أردتم كسب هذه المعركة المصيرية، والتخلص من هذا النظام المجرم، فعليكم الجهاد بوقتكم الثمين، بل بأكثر أوقاتكم.

وفي هذا العصر "عصر السرعة" نحتاج لإجراءات سريعة جادة فنحن في سباق مع الزمن، وإن لم نسرع في التنفيذ غلبنا عدونا وعلا علينا بدهائه وفجوره وقوة عدته.

وإن التضحية بالوقت من أعظم الجهاد؛ ذلك أن الوقت هو الحياة، وهو الإنجاز وهو طريق النجاح، فإذا ضحى به المرء يكون قد قدم نفسه للآخرين ونسي حظه منها، وهذا ما يفعله المجاهدون في الساحات، ولا يريدون أجراً ولا شكوراً سوى القربة إلى الله وإحقاق العدل.

فإذا أردتم المساهمة في هذه المعركة المصيرية الطويلة، فعليكم الجهاد بوقتكم الثمين، فالثورة تحتاج للعمل والتخطيط والسفر والإغاثة والتعريف بالقضية وجمع الأموال... وكله يتضمن "الجهاد بالوقت" وأضرب مثلاً:


1- الأطباء الذين تركوا وظائفهم العالية ورواتبهم الكبيرة، ودخلوا سوريا لإجراء العمليات وإسعاف المصابين، والحفاظ على أعضائهم من البتر.


2- ربات البيوت اللاتي تفرغن لإنشاء المطابخ والمشاغل، وصرفن الأوقات المخصصة لأزواجهن وأولادهن في خدمة المنكوبين وتأمين السكن لهم، وجمع الملابس القديمة وتنظيفها وترتيبها.


3- الهيئات التعلمية التي أخذ العاملون عليها إجازات بلا رواتب وقاموا بتأمين مدارس وكتب وجمعوا الصغار المشردين فيها ليفقهوا العلم ويتربوا على القيم والخلق.

هذه القضية؛ وإني لست أبتدع نوعاً من الجهاد جديداً؛ ولكني أُفصّل في القضية؛ وإن الجهاد بالوقت جزء من الجهاد بالمال وجزء من الجهاد بالنفس، وهذا من بلاغة القرآن حيث ذكر كلمتين فيهما الكثير من المعاني، وإن "الجهاد بالوقت" يجمع بين الجهاد بالمال والجهاد بالنفس:

وأما المال؛ فحين يتفرغ المرء للثورة يترك التكسب، ويعمل مجاناً في سد ثغرة مهمة جداً، فكأنه جاهد بماله ودفعه للثورة.

وأما النفس؛ فإن العمل في أي شأن من شؤون الثورة جهاد، والمرء حين يتفرغ لله فيطبب الناس أو يغيثهم بالطعام... يكون وكأنه جاهد بنفسه؛ خاصة وأن مثله أصبح ملاحقاً ومصنفاً مع الإرهابيين، ومعرضاً للقتل شأنه شأن الجندي المجاهد في الساحة! والله المستعان.

ثانياً- ومن أنواع الجهاد الجهاد بالكلمة

وإن من أعظم الجهاد "كلمة حق عند سلطان جائر"، ولو وقف العلماء والدعاة والمشايخ في سوريا وقفة كبرى حاسمة وأرشدوا الشباب وقادوهم ووحدوا كلمتهم لتغيرت أشياء كثيرة.

ولا تستهينوا بقوة الكلمة وعمق تأثيرها؛ إن الأقلام كالقذائف تنطلق بقوة فتخترق العقول وتفجر الأفكار القديمة السلبية، وتبين الحقائق وتنشرها، فَتُصوّب بها الواقع، وترشد الحيران. والأقلام تُعّرف الشعوب بأمجادها القديمة، وتدفعها لرفض الذل والخنوع في حاضرها، وتسوقها لطلب العز والعلو مجدداً، والقلم يفضح كذب محاور الشر ويبين مكرهم. ويحذر من المخططات الغربية والمؤمرات على الدين، ويوضح للشعوب الأساليب الشريرة (من تغيير التركيبة السكانية وجعل المسلمين أقليات مضطهدة)، والقلم ينبه الناس للخطر الأكبر "الشيعة" ولأذنابهم.

والقلم ينقل معاناة المنكوبين بصدق وشفافية، وبالتفاصيل الصغيرة المهمة، لعلها تأخذ بجوانب قلوب المسلمين فيسمعون صوت الحق ويتفاعلون وينصرون الثورة بكل سبيل؛ ذلك أن فطرة الناس تميل إلى الخير، والإيمان والعطاء مستقر في أعماق كل نفس -مهما طغت عليها المادة، واستهوتها الحياة- فإذا وصل صوت المساكين والمظلومين إلى شغاف القلب فتح المرء جيبه وتصدق عليهم.

وإن "الجهاد بالكلمة" في متناول كل فرد مع عصر الاتصالات، فيكتب ما يشاء وقت يشاء، وينشره على الصفحات بلا قيود ولا شروط، ومن لم يمتلك القدرة أو الموهبة فليشارك المقالات الجيدة، ويساهم بنشرها على صفحات الانترنت والواتس آب، أو يتكلم عنها ويرشد الناس إليها. وطرق الخير كثيرة ونسأل الله أن يرشدنا إليها، ويجعلها سيفاً قاطعاً في وجه الخائنين والمتأمرين وأعدائنا أعداء الفضيلة والدين.