"الشبكة العلمائية الدمشقية".. القصة الكاملة من النشأة حتى التفكك 1

الحلقة الأولى

في دمشق، أرض التناقضات، بإمكانك الخروج من مقام رأس الحسين في الجامع الأموي، لتتجه يمينًا نحو بابٍ يقودك إلى مقام السيدة رقية، وإذا اتجهت يسارًا، فإن الباب سيوصلك إلى حي النقّاشات حيث قبر معاوية بن أبي سفيان، ولو مررت إلى جانب نهر ابنه يزيد الذي جفّ منذ زمن في منطقة الصالحية ستجد الناس هناك يقصدون قبر الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي داخل مسجده الشهير تاركين وراء ظهورهم قبر شيخ الإسلام ابن تيمية الذي انمحى أثره أو كاد في منطقة البرامكة تحديدًا في جامعة دمشق حيث يجتمع الأقوام من كل حدب وصوب. كان المشهد على سطح الأرض لا يقل تناقضا عن باطنها، خصومة جلية وتناحر يصل حدّ العداوة، دينيا بين الشيخ الأكبر "بن عربي" وشيخ الإسلام "بن تيمية" على حراسة الدين ومنطلقاته العقدية، وتناحر سياسي لازالت مشاهده قائمة بين معاوية والحسين على منظومة مُلك المسلمين؛ مشهد سيظل متكررا في دمشق: تشابه وتقارب في ظاهر المباني، واختلاف وتباعد في باطن المعاني.

بالقرب من كل هذا؛ حيث تقبع كلية الشريعة على جسر الرئيس الفاصل بينها وبين فندق الفورسيزون كان الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي يخرج من محاضرات العقيدة التي يدرِّس بها درّة كتبه "كبرى اليقينيات الكونية" متجها إلى مسجد الإيمان، يلقي هنالك درسه الأسبوعي "شرح رياض الصالحين" قبل أن يعود إلى بيته في حي ركن الدين، حيث ما زال ورثة الشيخ ابن عربي حول مقامه، يحملون تركته، أقربهم مسجد الشيخ عبد الغني النابلسي، وأبعدهم مسجد أبو النور وفيه يمارس أتباعه الطقوس الصوفية النقشبندية، بجانب معهده الذي يدرّس العلوم الشرعية، مشابها بمبناه "معهد الفتح الإسلامي"، البعيد طريقًا وطريقةً، والمتصارع معه على تصدّر المعاهد الشرعية، والذي أسسه صالح الفرفور تلميذ علامة دمشق والمحدث الأكبر بدر الدين الحسني، بجانب زميله ومعاصره عبد الكريم الرفاعي، الذي يسمى باسمه المسجد الذي لا تخطئه العين في مدخل تنظيم كفرسوسة، الحي الدمشقي الراقي، في شبكة "علمائية" للنخبة الدينية الدمشقية السنية، والتي لا تقل تعقيدًا عن شوارع دمشق وحاراتها القديمة، ومؤكدة أضدادها ما بين المبنى والمعنى.

اليوم؛ لم يبقَ من الشبكة ظاهريًّا شيءٌ مما كان عليه؛ اغتيل البوطي في مسجده، وتغير اسم مسجد عبد الكريم الرفاعي ليصبح مسجد كفرسوسة الكبير بعد نفي آل الرفاعي خارج سوريا إلى تركيا، وتحالف الخصماء في "معهد الفتح الإسلامي" و"مجمع أبو النور" بجانب "مجمع (حوزة) السيدة رقية" الشيعي ليشكّلوا "جامعة بلاد الشام" تحت مظلة وزارة التعليم العالي ووزارة الأوقاف، في اختلال بدا جوهريا لديناميات الشبكة وعلاقاتها مع المجتمع والسلطة، حيث يأتي كل ذلك ضمن الاختلالات الكبرى التي أحدثتها ثورة آذار 2011 السورية. أما باطنيًّا فالشروخ والانقسامات والامتدادت عقّدت الشبكة ووسّعتها من ناحيتين: ناحية جغرافية؛ لا خارج دمشق وحسب، بل خارج سورية حاملة بذور الشبكة الأولى وانقساماتها. وناحية وظيفية؛ إذ أصبح حراس الدين إغاثيين ومفاوضين سياسيين وحتى قادة عسكريين بجانب وظيفتهم الدينية والاجتماعية الأساسية.

في هذا التحقيق وبالاعتماد على المقابلات والرصد الميداني بجانب الأدبيات والبيانات يحاول موقع ميدان تحديد العناصر الفاعلة في هذه الشبكة وتفكيك علاقاتها معًا، ورصد ما طرأ عليها من تفرعات وانقسامات، ثم محاولة فهم دينامياتها الداخلية وعلاقاتها وصولًا لاستشراف مستقبلها المرتبط بالضرورة بمستقبل سوريا اجتماعيًّا وسياسيًّا؛ بما تمثله وتحمله من رمزية دينية وأهمية ومكانة اجتماعية.

*العرّابون* 

عشيةَ إصدار فرنسا العفوَ عن المحكومين بالإعدام عامَ 1937 عاد الشيخ الإصلاحي محمد كامل القصاب إلى سوريا بعد 17 عامًا من النفي والحكم بالإعدام لمعاداته فرنسا وتجييشه لمعركة ميسلون، مع معاصِرَيه بدر الدين الحسني وعلي الدقر، لم يكن قصاب مؤسسُ "المدرسة الكاملية" المعروفُ بهمَّته المتقدّة بعد عودته من منفاه متقبِّلًا الفرقةَ الحاصلة في صفِّ علماء دمشق ولا سكوتَهم تجاه إجراءات الانتداب الفرنسي على الأراضي السورية[1].

وبجهودٍ عملية -كما هو المعهود عنه- حاول الشيخُ الإصلاحي توحيدَ الكلمةِ والجهر بها عن طريق جمعِ المشايخ التقليديين مع "الشباب المتعلمين" تحت اسم "جمعية العلماء"، وكان أحد إنجازات هذه الجمعية هو إقناع الرئيس السوري تاج الدين الحسني بتأسيس أوَّل ثانوية عامة في دمشق، إلا أن إنجاز "جمعية العلماء" الأهم كان قبل ذلك بأربع سنوات؛ أي عام 1938 تحديدًا يومَ نظّمتْ "مؤتمرَ العلماء"، الذي جمع 100 عالم من سوريا ولبنان وفلسطين والعراق[2].

متجاوزًا الحظ الشخصي وساعيًا لتوحيد التيارات حرص الشيخ المجاهد قصاب أن تشارك كل الأسماء الدينية الدمشقية الفاعلة؛ فقد ضمّ المؤتمر آنذاك في قائمة مشاركيه من المشايخ التقليديين الشيخ البارز علي الدقر مؤسس جمعية الغراء أقوى الجمعيات الإسلامية في دمشق رغم التنافس بينه وبين قصاب، وكذلك ضمت الناشطين الشباب الذين كانوا يستعدون وقتها لتأسيس الفرع السوري لجماعة الإخوان المسلمين وعلى رأسهم مؤسس الجماعة ومراقبها الأول مصطفى السباعي، إضافة إلى مصطفى الزرقا ومحمد الحامد ومعروف الدواليبي[2]، جاء البيان النهائي للمؤتمر متوقعا، فقد أكد على ضرورة تعزيز العلاقات بين العلماء والجمعيات الإسلامية ومنظمات الشباب المتعلم[أ]. في هذا السياق، يؤكد الباحث توماس بيريه أن الذي جمع تلك التيارات في "مؤتمر العلماء" كان الوساطة الثقافية للشيخ قصاب متكئة على الخوف المشترك من نوايا وإجراءات الفرنسيين التي سعت للعلمنة الفجة للدولة والمجتمع.

ومع موت الشيخ المعمر القصاب عام 1954 ماتت معه "جمعية العلماء"، وأدى انسحاب العدو الفرنسي الجامع عام 1946؛ إلى خفوت بريق الأسباب الجاذبة بين كلٍّ من المشيخة والشباب المتعلم، فانطلقوا بتأسيس أذرعهم السياسيةِ المنفصلةِ؛ "رابطة العلماء" للمشيخة، و"الإخوان المسلمين" للشباب المتعلمين حسب وصف بيريه[2].

ببدلته الأنيقة ذات الثلاث قطع وشاربه الرقيق ومشاركته بالنشر والسياسية ومقالاته الحديثة وأفكاره غير التقليدية كان السباعي -الشاب المتعلم- تمثيلًا للداعية لا الشيخ؛ أي: المفكر والناشط الإسلامي، لا المحافظ التقليدي، في تمايز تنبأ به قصّاب، والذي بدأ يتجلّى بأدوات العمل والمطالب السياسية من ناحية والتصورات من ناحية أخرى، وانعكاسًا لهذ التمايز الفعلي، بدأ المستوى الثاني من العمل والأفكار يظهر عيانًا بتبلور رؤية وطنية على مستوى سوريا كلّها للإخوان مقابل تشظٍ قطريٍ للمنظمات السياسية العلمائية حسب بيريه[2]، وبحث عن الحقوق والإصلاحات السياسية الجوهرية للدولة (الديمقراطية والانتخابات وآلية الحكم على سبيل المثال) لدى الإخوان مقابل مطالب فئوية دينية وأخلاقية وتعليمية (إسلامية الدولة وسماح/ منع الحجاب وتعديلات المناهج وقانون الأحوال الشخصية على سبيل المثال)، المستوى الذي سيسيطر على الحقبة القادمة وما بعدها. 

*الآباء المؤسسون.. صراع الوجود* 

بسحنة إسلامية تقليدية وبهيئة مشيخية يقف أحمد كفتارو مؤسس مجمع أبي النور ومفتي سورية لأكثر من ربع قرن، بصفٍّ واحد في صورة نادرة مع مصطفى السباعي المراقب العام الأول للإخوان السوريين بنظرته الحادة. كان السباعي وكفتارو تجسيدًا حقيقيًّا للتيارات الإسلامية –الإخوان والإسلاميون التقليديون- المسيطرة على المشهد السوري في تلك الفترة، التياران اللذان توازيا ولم يلتقيا بعد مؤتمر جمعية العلماء إلا في 17/ 5/ 1957 يومَ فُتح باب الانتخابات على مقعد في المجلس النيابي السوري، وترشّح "رياض المالكي[ب]" ممثلًا عن حزب البعث والتجمع القومي بخلفيتيه الشيوعية العلمانية، الأمر الذي أرهب مشايخ دمشق وجمعهم لاختيار منافسٍ للمالكي، للمرة الأولى - وربما الأخيرة - تنتخب المشيخة ممثلًا عنها من الإخوان "السباعي" لتدعمه في انتخابات سياسية[3] [4].

آنذاك انقسم الشارع الدمشقي إلى قسمين: إسلامي متماسك بكل تياراته بوجه الشيوعيين الباحثين عن منصب سياسيي. دعم كل مشايخ دمشق من منابرهم مرشحهم ضد حزب البعث باستثناء وحيد شق هذا الإجماع؛ فعلى مقربة من دمشق آنذاك وفي قلبها وبمسجد أبي النور قُرب المنبر وتحديدًا على يمين المحراب كان المشهد معكوسًا بخصومٍ متحالفين، حيث يجلس كفتارو واعظًا وعلى يمينه رياض المالكي مرشح الشيوعيين، نعم؛ اختار كفتارو "رجلُ الدين التقدمي"[ج] [5] [6] شقَّ الصفِّ المشيخي والتشويش على الشارع الدمشقي، مقابل حلفاء أكثر قوة مستقبلًا[7].

خسر السباعي حينَها الانتخابات في أكبر معركة انتخابية مقابل فوز المالكي وبدء حزب البعث بالسيطرة على زمام الأمور في الدولة، لم يكن خسران السباعي مقتصرًا على المستوى السياسي وحسب بل كان بداية شرخٍ حقيقي لكلمة مشيخة دمشق، شرخ يؤسس له كفتارو الذي وصفه السباعي فيما بعد بـ "شيطان يتظلّم"[د].

عام 1963 وتحديدًا بعد وصول حزب البعث إلى السلطة، أُقيل أبو اليسر عابدين مفتي الجمهورية حينَئذٍ وفُتح باب الانتخاب، فأجمع علماء دمشق على ترشيح شيخ الميدان: "حسن حبنكة الميداني" لكن الإجماع لم يكتمل للمرة الثانية في صف الشيوخ التقليديين؛ إذ أعلن كفتارو ترشيحَ نفسه مقابل الميداني، وفاز بفارق صوت واحد محتكرا منصب مفتي سوريا لـ 40 سنة قادمة، في واقعة لا ينساها له مشايخ دمشق.

وبإقالة أبي اليسر، وتعيين كفتارو أُعلنت نهاية محاولة المأسسة التي طمح لها العلماء والمشايخ؛ فلا الدولة جعلت العلماء والمشايخ والقائمين على المساجد موظفين عندها، ولا هي سمحت لهم ببناء هرمية علمية-مهنية تسمح بتعريف المشيخة وتحديد مراتبها واحتكار المعرفة الدينية؛ مما أدى إلى تفرق هذه الفئة وانقسامها إلى عشرات من المجموعات المشيخية المتنافسة والمختلفة في قربها من مركز النظام الحاكم[8].

في صبيحة (25/4/1967م) استيقظ المجتمع السوري على مقالٍ غريب نشرته مجلة (جيش الشعب) الصادرة عن إدارة التوجيه المعنوي للجيش والقوات المسلحة، للكاتب (إبراهيم خلاص)، عنوان " الطريق لخلق إنساننا العربي الجديد"، ورد فيه: "لسنا بحاجة إلى إنسان يصلي ويركع خاشعاً ذليلاً، بل نحن بحاجة إلى إنسان اشتراكي ثائر.. إن الطريق الوحيدة هي خلق الإنسان الاشتراكي العربي الجديد الذي يؤمن أنّ الله والأديان والإقطاع والرأسمال والاستعمار والمتخمين وكل القيم التي سادت المجتمع السابق ليست إلا دمى محنطة في متحف التاريخ"، كلمات استنهضت كوامن الغضب في الشارع السوري وفي نفوس الصف المشيخي الناقم على البعثيين وسياستهم، وما كان من رابطة علماء دمشق إلا أن اتخذت موقفا مجابهًا مع سلطة البعث وبدأت بالتنديد والتجييش على منابرها، فسارع النظام السوري آنذاك إلى عزل عدة خطباء؛ كالشيخ حسن حبنكة ومحمد فؤاد شميس ومحمد عوض وعبد الكريم الرفاعي وأبو الفرج الصلاحي وغيرهم ، فاتفق مَن بقي من العلماء على أن تبقى منابر المعزولين خاليةً، لكن مفتي الجمهورية كفتارو باغتهم بتعيين خطباء من جماعته نكاية برابطة العلماء[9]، محاولًا التمايز عن علماء دمشق لا بعدم أخذه عن شيخهم جميعًا بدر الدين الحسني فحسب، بل بوقوفه خصمًا في وجههم أمام كل حراكٍ بين العلماء والسلطة.

وما بين حراسة الدين وحفظ الدنيا رَسَمَ الصراعُ العلمائي في هذه المرحلة المشهدَ بانقساماتٍ لم تؤسس لكل ما بعدها من تناحر الفرقاءِ فقط؛ بل رسمت حدودًا واضحة لتطور المجتمع العلمائي ووسائله في التعامل مع التحديث والمأسسة المترافقين مع تأسيس الدولة، والذي كان أبرز مظاهره تأسيس الثانويات الشرعية ثم كلية الشريعة عام 1954 والتحول التدريجي – الموازي – من الإجازات الشرعية بالمتون وحلقات العلم في المساجد إلى دبلومات بالمناهج الخاصة التي يضعها مؤسسو المعاهد الشرعية الجديدة، الملتفة عادة حول مؤسسيها وجماعاتهم، وعلى رأسها:

معهد الدعوة والإرشاد، المشهور باسم معهد أبو النور، عام 1975، الذي أسسه كفتارو، شيخ الطريقة النقشبنديّة، ومعهد الفتح الإسلامي، الذي أسسه صالح الفرفور عام 1956، ومعهد التوجيه الإسلامي، الذي شكل مع "مجلس القراء" في حي الميدان ما سيتعارف عليه باسم "جماعة الميدان"، الملتفة حول شيخها الثائر حسن حبنكة الميداني، في حين انطلقت جماعة "زيد"، كمحاولة للتعامل مع "علمنة" حزب البعث للمجتمع، بوصفها حركة تربوية وتعليمية بين خريجي الجامعات العلمية والتطبيقية في شبكة من المساجد التي قادها عبد الكريم الرفاعي[2]؛ صراع أفقي داخل المجتمع العلمائي سيبدو صغيرًا أمام الصراع العمودي الأكبر الذي تحملت عبأه وخسارته الكبرى جماعة الإخوان المسلمين في وجه الدولة، والذي كان السبب الرئيس لإعادة تشكل المجتمع العلمائي الصغير والمجتمع السوري الكبير، بتأسيسه على قواعد جديدة: "قواعد حماة"، المجزرة التي قتل بها النظام السوري أربعين ألف مدني عام 1982.

*سؤال المعركة* 

في آذار/مارس 1980 استقبل حافظ الأسد قيادات الجماعات التعليمية في دمشق؛ للتعبير عن غضبه من مشاركة بعض أتباعهم في الانتفاضة المسلحة بين الإخوان المسلمين والنظام، ومنحهم مسؤولية التفاوض مع المجموعات المسلحة؛ إذ كانت "الطليعة المقاتلة" المنشقة عن الإخوان قد بدأت قبل ذلك بعام حراكًا عنيفًا مسلحًا ضد النظام، على أن دور العلماء كان ثانويًا في الأزمة نفسِها، إلا أن مساهمتهم بصعود الأحداث لا يمكن تجاهله؛ فقد كانوا المعلمين الأساسيين لـ"جيل الصحوة" الذي انتفض بوجه البعث، وهم الذين ولدوا المتمردين روحيا، وأحيانا بيولوجيا؛ مثل الشيخين أحمد إكبازلي، ومحمد الحجار..

لم يكن النظام واثقًا من كلِّ قيادات الجماعات التعليمية في دمشق؛ حيث كانت مواقفها متباينة؛ ففي حين كانت جماعة الميدان وريثة الشيخ الثائر حبنكة الميداني هي الأكثر انخراطًا من بين هذا الطيف في المعركة ما أدى إلى اندثارها ككيان كامل مع بقاء بعض الشخصيات الكبيرة سنًّا، كانت جماعة زيد تتبنى موقف "لننتظر ونرَ"؛ إذ لم يُرد الصف الأول من الجماعة معارضة النظام بشكل مفتوح، ولا الدفاع عنه كذلك، ورغم أن عقوبة من يسأل شيخه عن موقفه من الطليعة المقاتلة كان الطرد من الجماعة فإن هذا لم يمنع الصف الثاني من قيادة زيد بالتأثير على بعض شباب الجماعة للانضمام إلى "الطليعة المقاتلة" الأمر الذي أدى إلى توجّه الجماعة إلى المنفى بأمر من الأسد.

ولم يكتفِ كفتارو بالاصطفاف الصلب إلى جانب الأسد في معركته مع الإخوان، بل سارع بملء الفراغ الذي خلّفه نفي جماعة زيد من منابر المساجد، بما يملكه من سلطة دينية بوصفه مفتي الجمهورية، وكحال كفتارو كان صالح الفرفور، الذي اشتُهر بِحثِّه أبناءه على الانتساب لحزب البعث في الأيام الأولى لتأسيسه، كان أقرب في موقفه إلى الأسد منه إلى الإخوان المسلمين، وهذا ما دفع بيريه لوصف "كفتارو والفرفور" بالـ "المقاولين الفرعيين" المنفصلين عن وزارة الأوقاف وبيروقراطيتها، وبالوقت ذاته هم تابعون لسلطة الأسد وسيطرته والمكلفين بإدارة المجال الديني، الموقف الذي سيُفقدهم شيئا من مصداقيتهم لدى فئة واسعة من المجتمع بما سيمهد لصعود لاعب جديد سيتصدر الساحة الدينية لمدة قد تصل لثلاثة عقود، بما دفع بيريه لوصفه بـ"كاهن القصر الرئاسي"، لا بخلفيته العلمي..

وسوم: العدد 789