سحابة في الحب (3)

سحابة في الحب (3)

المأمون الهلالي

[email protected]

مَطلعُ الحُبِّ شَوقٌ مُترَدِّدٌ ؛ لا دافِعَ لِخَطَراتِهِ وإنْ ضَعُفتْ ، فإذا استحكمَتْ بادَرَ المُشتاقُ إلى المُلتقَى واقتحَمَ كلَّ عَقَبَةٍ حتَّى يُوافِيَ رَغِيبَتَهُ ، قالَ مِهيارٌ الديلمِيُّ:

دعانِي الشَّوقُ يَزأرُ بي إليكمْ

فسِرْتُ مُلِبيًّا والدَّهرُ يَخسَا

يَخسَا : يَخسَأ

.............

والشوقُ طَمَاعةٌ في سَلوَةٍ أو شَهوةٍ ، فإنِ التقتِ الروحانِ أوَّلاً فلِقاءُ الجسمَينِ آخِرًا سَلوةٌ ؛ يَتآنسُ المُتحابَّانِ في ظِلِّها ، وليس للشهوةِ طيشٌ ساعَتئذٍ، وإن لم تلتقِ الروحانِ قبلُ فاللِّقاءُ بعدُ شَهوةٌ غالِبةٌ ؛ لا شَوقٌ في إثرِها ولا بَهجةٌ ، قال الحكمُ بنُ أبي الصلتِ:

غيرَ أنَّ اللقاءَ في الحُلمِ أشفَى

لِجَوَى الشوقِ عندَ أهلِ الحُلومِ

فتلاقِي الأرواحِ ألطَفُ مَعنًى

في المُصافاةِ مِن تلاقِي الجُسُومِ

جَوَى الشوقِ : شِدَّتُهُ وحُزنُه.

أهلِ الحُلومِ: أهلِ العقلِ والأناةِ وضبطِ النفس.

.............

وفضِيلةُ الشوقِ أنه يُحيي في الفؤادِ أنبَلَ ما في الحُبِّ مِن مَواجِيدَ ؛ كألَمِ الفِراقِ وأمَلِ الوِصالِ وعُلُوِّ الهِمَّةِ ، وكلما فاضَتِ المواجيدُ انسكبتْ في عَمَلٍ أو قولٍ ، يَبرَأُ المُحِبُّ بإذاعَتِهِ ويَهْنِأ الحَبيبُ بلَذاذتِهِ ولو لم يكن مُزَيَّنًا ، قال عنترةُ بنُ شدَّادٍ بعدَ وُقوفِهِ على طَلَلٍ:

وقفتُ بهِ والشَّوقُ يَكتبُ أسطرًا

بأَقلامِ دَمعِي في رُسُومِ جَناني

رُسُومِ جَناني : آثارِ قلبي : ما بَقِيَ منه سَلِيمًا.

..............

"غادةُ بنتُ شبيرٍ" نَدِيَّةُ التطرِيبِ ، غنَّتْ "اغتراب" على مقامِ الحجازِ وكشَفَتِ الغِطاءَ عن شَغَفِ المُشتاقِ النائي عن حبيبَه.

ــــــــــ

حُرِّرَتِ السحابةُ لِأربعَ عشرةَ ليلةً خلتْ مِن شُباطَ عامَ أربعةَ عشرَ وألفَينِ.