القيم التربوية والتعليمية في ضوء الإسلام

يجدُ النَّاشئُ في بساتين التربية والتعليم  حلواه التي تطيب له في نشاطاته المختلفة ، وحيويته المتدفقة ، حلوى روحية وفكرية تغذي سلوكه بالتهذيب ، وتهيئُ له أصول تنمية شخصيته ، وتفتح منافذ عقله وتطلعاته على المفاهيم القويمة ، والآراء السديدة ، وتمنحه قدرًا معقولا منها ... ليُعدَّ نفسَه للمزيد . وإذا كانت الأناشيد إحدى وسائل الأنشطة الطلابية ، حيثُ لها مكانتُها في الاحتفالات المدرسية ، كما في حلبات الإلقاء والتعبير ، والأداء الاستعراضي ، وفي المواقف الترحيبية ... وغير ذلك فإن شُعب النشاط الأخرى لاتقل أهمية عن هذا المجال ، وبها جميعا تتكامل عملية استيعاب وتطوير مواهب وقدرات الطلاب ، وتحرك في أعماق نفوسهم العواملَ التي تثيرُ الوعيَ ، وتدفع إلى العمل الجاد ، ومحاور الأنشطة الثقافية والتوعوية والعلمية والاجتماعية ، وهي التي تتعامل الفكر ونوازع النفس ، وتنزل بالطالب إلى الميادين الأدبية بمختلف فنونها ، فإنها تتداخل مع الأناشيد ، وتتفاعل مع معانيها ومقاصدها لصياغة السلوك الأسمى والأرقى للطالب . إضافة إلى الأنشطة الأخرى من كشفية ورياضية وهي تتعامل مع الجسم مباشرة ... تندرج جميعُها لتساعد على تشكيل مقوِّمات النشأة الصالحة الواعية ، وتحرر الطلاب من عقد الخجل والخوف والانعزال ، وتبعدهم عن مساوئ الضغوط النفسية ، وتقودهم إلى مواطن التفاعل الاجتماعي الموزون ، من غير انفعالات أو تشنجات أو عدوانية وتؤدي بهم برامجُها إلى منحِهم الثِّقة بأنفسهم ، ليختاروا رغباتهم الأثيرة في ظلِّ رعاية مدرسيَّةٍ  لاتخطئُ الاستفادة من كلِّ الإمكانيات المتاحة ، ومن شمولية مقاصد النشاط وارتباطه أصلا بمفاهيم السلوك ، وأثره على وجدان ومشاعر الطلاب ، وتوظيف مهاراتهم وإبداعاتهم لِما ترتقبه بلادهُم منهم ، وهذا يؤكد ضرورة تقويم إنتاجية عمليات النشاط الطلابي في بيئة المكاسب الاجتماعية الإيجابية للطلاب ، وليجدوا ثمراتها بين أيديهم في حُسن تصرُّفِهم ، وأخذهم بالسلوك النظيف القويم من خلال تعرُّفِهم على المعطيات الاجتماعية المألوفة بحيوية واهتمام . ثم ليقفوا بشجاعة ووعي لمواجهة الجديد ... الجديد في كل منعطفاته الجميلة والقبيحة ، لدرء الأخطار التي تهدِّدُ السلوك والفكر على حدٍّ سواء . ومن هنا يشعرون بأهمية ومكانة تربيتهم على قواعد عقيدتهم الإسلامية الصَّافية ، وأصالتهم الرَّاسخة  على القيم النبيلة والمآثر السامية ، والسَّجايا الغالية كالإيثار وحب الخير والأعمال التطوعية ، وإقبالهم على المشاركة الفاعلة فيها ، ولتكون أوقات فراغهم مجالا رحبا لجلائل الأعمال ، وتفعيل مكارم الأخلاق . ومنطلقا إلى كلِّ مغنىً يُعتدُّ بقيمته في إدارة ساعات الليل والنهار التي لن يسميها هؤلاء أوقات فراغ ــ بعد اليوم ــ فإن طلب العلم ، ومزاولة الأنشطة الكريمة ، ومؤاخاة مصادر التَّعلُّم بحكمة واتِّزان ، ومجالسة أهل القيم العلمية والفكرية ، وورود منابع المعرفة  ... كلُّها مكوِّنات للرقيِّ بالنَّفسِ ، وتشذيب هندسة سيرتها الأولى في مراحل الصِّبا واليفاعة ، وذلك بصنع القوالب السلوكية التي لاتنأى عن مرامي مجتمع فاضل كريم . يستحسنُها ــ الناشئ ــ وهو يوظِّفُ ربيعَ صِباه ، وعنفوان شبابِه للرقي بذاته وبوطنه وأمته ، ولا يتقبَّل المسالك المجهولة التي يرتادها المفلسون والمترهلون الذين يجدون مُتَنَفَّسَهُم المستَوحَى من الضياع والخسران .

وإذا كانت البيئة التعليمية هي التي تحتضنُ النشاط الطلابي ، فإن التداخل بين المناهج المدرسية والبرامج اللاصفِّيَّة حاضر في تلك البيئة ، وبينهما رواد التربية والتعليم من المعلمين والمشرفين وسائر جهات الاختصاص في هذا المجال الحيوي . وإذا أُريد للنشاط الطلابي أن يُؤتي ثماره ، ويصل بالطلاب إلى أهدافه القيِّمة على امتداد المساحات التعليمية ، فلا بدَّ من معرفة مكانة العلم بالدرجة الأولى ، ومكانة المعلم الواعي المخلص ، ثم العلاقة الحميمة بين هذه الركائز ، وبين قدرة النشاط المدرسي على تقديم بعض الصياغات في تنشئة الشباب المأمول.

من خلال تجربتي لأكثر من أربعين سنة في التعليم ، وفي مزاولة العديد من الأنشطة مع أبنائنا الناشئين ، لايعروني شك أبدا في أنهم أهل لحالات الارتقاء ، ويستحقون عرق الجبين وتعب اليمين ــ كما يُقال ــ والشَّاذ منهم في هذا السوق الأثير لاقيمة له ، بل ربما يُرجَى له أوبةٌ لوعيه ، وتقويم لشأنه ،  بطريقة أو أخرى . ولا يستطيع هذا المغاير لزملائه أن يوقفَ مسيرة الأسباب التي تسدِّدُ خطوات السائرين على مدارج عملية الرقي بالتربية والتعليم ، ومن هذه الأسباب : المعلمون الذين يجب أن يخرجوا من محيط محدودية عطاءاتهم ، فنجاح عملهم التربوي التعليمي لايكون بمجرد تقديم المادة المنهجية لطلابهم خلال وقتها المحدد ، وتنتهي مهمتهم عندها . بل  يجب أن يوقدوا شعلة الإيثار في جوانحهم ، ويحوِّلوها إلى توقُّدٍ في روح الطالب وفكره ، وأن يحسنوا استغلال حالة الاعتمال والتَّوثُّب في نفس الطالب ، وهو يرى أن التكافؤ بين العمل الوظيفي البحت لمعلمه ، وبين توليد عمليات أُخرى سامية وراقية بل ومقدسة في بعض الوجوه لدى الطلاب ... لامكان له في بيئته التعليمية ، وربما قرأ هذا العنوان أُولئك الذين شبَّهوا المعلم بالشَّمعة التي تحترق ، ولكنها لاتُضيءُ  ، أو بالشجرة المثمرة الظليلة ولكنها حرََمَت الناس من ثمرها وظلها بطريقة ما !!

إنَّ الإيثار المحمود شرعا ومنطقا ذو نتائج وثمار ، وتفسيره عند أصحاب الوجدان الحي ، وأصحاب الثقة بالله الذي لايضيع لعبد عنده مثقال ذرة من جهد أو بذل ، فَلْتكن ثقة معلمينا بربهم كبيرة ، ولْيدَّخرْ كلٌّ منهم عند الله جهذا فائضا على الجهد الوظيفي المأجور ــ أصلا ــ عند الله ، إنَّ هذا الإيثار عند الله مع النية الصادقة التي لايشوبُها حبُّ السُّمعة ، ولا يطمسُها حبُّ الظهور ، ولا يبعثرُها زيفُ الرياء ... لهو الأمانة المحفوظة ، والتي تعزِّزُ المسيرة التربوية التعليمية ، وتُغني شُعب النشاط المدرسي بالقيم والمفاهيم التي يستجليها الطلاب في برامج ذلك النشاط .

أجل ... يجب أن يَغنَى تعليمُنا بهذه الروح ، وتتبلور الرعاية له على هذا الأساس ، والتَّواني ــ هنا ــ نكوص وتراجع عن الأخذ بالقيم ، وعن تأدية الحقوق . إنَّ المتواني امرؤٌ لم يطق حمل الأمانة ، وربما دعكتْهُ التأملاتُ الخاطئة أو المنحرفةُ أو القاصرة في عمله الوظيفي . ومن هنا يكون ضياع الرُّؤى الوضيئة ، وكساد بيادر المهارات والمواهب والقدرات التي منحها الله سبحانه وتعالى للأبناء في هذه المراحل من العمر . فالتخيُّلات الباردة ، والتثاؤُب العريض يرتدَّان بالإنسان إلى الوراء ، ونحن في زمن يتقدم فيه غيرُنا بقوة وشجاعة إلى الأمام . وهذه الصِّفات ليست من مآثر آبائنا وأجدادِنا ، ولا هي من تعاليم دسننا الإسلامي الحنيف ، ولا نجد حرجا ــ هنا ــ لذكر المآثر والتعاليم لأولئك الرجال الأبرار  ــ فنحن مضطرون الآن لذكرها ــ حيثُ الأوامر الربانية التي صاغت مجتمعنا الأول هي وحدها القادرة على صياغة مجتمعنا الفاضل من جديد في الجانب التعليمي ، وفي كل جوانب الحياة الأخرى ، وليس في غيرها أبدا نجاح لنا ولأبنائنا . لقد شهد غيرُنا لنا بهذه الميزة ، يقول أحد مفكري الغرب : ( ظلَّتْ أوروبا نحو ألف سنة تنظر إلى الفن الإسلامي كأنه أُعجوبة من الأعاجيب ) . إنَّ للعلم سوقا رائجة عند الناس ، وله سوقه الرائجة عند الله مكانة وثوابا ، ومهما خبَّأ المستقبل من نقرات على لوحات مفاتيح التقنيات ، فلن يُفاجأ الإنسان المؤمن بالله ، الآخذ بناصية العلم الشرعي والكوني ، اليقظ في محراب التَّقوى بأيَّةِ معلومة جديدة أو عجيبة أخذت مكانها ومكانتها في هذه القرية العالمية مهما صغرت وتقاربت أبعادُها .  لأن دعوة ديننا الإسلامي لطلب العلم تحمل معها قدرتَها المطلقة على استيعاب كل جديد وعجيب ، ريقول تبارك وتعالى : ( ألا يعلمُ مَن خلق ، وهو اللطيف الخبير ) ، ولقد سجد العلم في محراب الإيمان بالله قديما وحديثا ، واستقطبت حركة الإسلام العلمية مفكرين وعلماء من مختلف الجنسيات والملل ، وسجدوا لله في محراب معرفتهم ، إذعانا لقدرة الله ، وخوفا من الله ، لأنهم علموا ، يقول سبحانه : ( إنَّما يخشى اللهَ من عبادِه العلماءُ ) ، ويقول جلَّ شأنُه : ( وفوق كلِّ ذي علمٍ عليم ) . من أجل ذلك كانت السعادة تغمر قلوب المعلمين من سلفنا الصالح ، وهم يؤدُّون واجب التربية والتعليم لأبناء الأمة بكلِّ مالديهم من خبرات وتجارب ، ومن رجاحة عقل وقوة إيمان . منهم مصعب بن عمير رضي الله عنه وهو يتوجه إلى المدينة المنورة معلما ومرشدا , ومنهم معاذ بن جبل رضي الله عنه وهو يشدُّ الرحال إلى اليمن معلما وقاضيا ، ومنه جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وهو يركب البحر إلى الحبشة هاديا ومدافعا عن الحق ... لم يكن الراتب يحرك مشاعرهم أو يثري عطاءاتهم ، ولم يكن حب الشهرة والجاه والمنصب يبعث فيهم الحيوية والنشاط ، وإنما هو الوفاء والإيثار وإنكار الذَّات ، وإنما هي النوايا الصادقة والسجايا الحميدة قدَّمتهم أمثلة تُحتَذَى للتاريخ ، وسيرا لاتفنى مع مرور الأيام . وهنا يكمنُ سرُّ التوفيق الذي رافق الحقبَ الكريمة من عمر أمتنا ، فكبر قَدْرُها ، وسمت مكانتها بين الأمم ، في حين أشاع حبُّ التَّعلُّم بين مختلف شرائح المجتمع حالة نادرة لم تُعهدْ من قبلُ عند غيره من المجتمعات العالمية ، ونعمة إشاعة العلم على هذا النحو تؤكد إيجابية حالات التغيير إلى الأسمى والأرقى ، تلك التي قدَّمها منهجُ النُّبوَّةِ إلى أبناء المسلمين ، وغير المسلمين على وجه المعمورة .

إنَّ طلبَ العلم فريضةٌ على كل مسلم ذكرا كان أم أُنثى كبيرا أو صغيرا ، ففيه استثمار للقدرات ، وتوجيه للطاقات ، وتفعيل للمواهب ، وكلُّ هذه يأتي بها المعلمون ، وهذه هي بيئة التعليم الناجحة الموفقة بمشيئة الله ، ويقابلها البيئة الثانية التي تفتقد إلى تلك المقومات التي وجدناها في البيئة الأولى ، فهي بيئة الجهل والتَّذمر والتخبط والتَّرهل على نهار غير مشمس ولا مشرق بأيِّ أمل . وكأن تلك البيئة منفى لمَن قيَّدوا عقولَهم وطموحاتهم ببغض أصول المصالحة مع أسرار النهضة والحضارة والعمران التي يشهدُها العالم الإنساني اليوم ، وتشهدها بلادنا العربية والإسلامية بفضل من الله وتوفيقه . ولا قيمة لحضارة من غير علم يسجد في محراب الحق تبارك وتعالى ، ونعوذ بالله من علم لاينفع . روى النسائي والحاكم عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في بعض دعائِه : ( اللهم انفعني بما علَّمتني ، وعلِّمْني ما ينفعُني ، وارزقني علما ينفعني ) وفي رواية أبي هريرة رضي الله عنه زيادة ( وزدني علما ) رواه الترمذي .

هذا العرض عن أهمية العلم والتعلم ، وقد استُهلَّ بالنشاط الطلابي اللاصفِّي  ليس توهةً على أبواب انفساح إضاءات اندياح المعارف العلمية في هذا العصر ، أو على أبواب ثورة المعلومات ــ كما يقولون ــ وإنَّما لابدَّ منه كإطلالة وثيقة الصلة بعموم البيئة التعليمية تربيةً وعلمًـا ونشاطا وسلوكا ... لغرس عوامل النَّماء الحيَّة ، وتخطِّي ذبول وَقْدِ المشاعر في صدور أهل العلم ( معلمين وطلاب ) ، ليُعادَ إليهم الفرحُ الروحي المتأجج في قلوبهم ، الذي يتلمَّسه كلُّ صادق بَـرٍّ ، وكلُّ جَوعانٍ إلى رؤيةِ مشاعل العلم تضيءُ كلَّ بيتٍ وحارةٍ ، وكلَّ قرية ومدينة ، وهذا هو المجدُ العلمي الذي يُبرزُ المواهب ويُنمِّيها ، ويقف عند القدرات ويرقى بها ، ويرفعُ ألوية التوعية التعليمية والفكرية . لقد كتب الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الولاة في الأمصار : ( أما بعد : فعلموا أولادَكم السباحة والفروسية ، وروُّوهم ماسار من المثل ، وحسُنَ من الشعر ) . ليشتدَّ أزرُ الناشئين بأسباب الرفعة والقوة ، ويؤهلُهم بهذه الأنشطة إلى مقامات الرجال في مستقبلهم ، ولقد رأى الفضلُ بن زيد ... ابنَ أعرابية ، فأعجبه مافيه من قوة الجسم وحُسْن المنطق وسرعة البديهة ، فسأل كيف ربَّت هذه الأعرابية ابنَها ؟! فكان جوابُها : ( أتمَّ خمسَ سنوات فأسلمتُه إلى المؤدب ــ أي المعلم ــ فحفَّظه القرآن فتلاه ، وعلَّمه الشعر فرواه ، ورغب في مفاخرة قومه ، وطلبَ مآثرَ آبائِه وأجدادِه ، فلما بلغ الحلم حملتْه أعناق الخيل فتمرَّس وتفرَّسَ ، ولبس السلاح ، ومشى بين بيوت الحيِّ ، وأصغى إلى صوتِ الصَّارخ ) . أجل هذه هي الهداية القويمة التي منحتْها فطرتُها لها ، فأحسنتْ تفعيلَ أسباب الإيمان بالله ، وأسباب العمل والقوة والنشاط في سلوك ولدِها ...  وهي أمورٌ تدعو لضبطِ تربيتنا وتعليمنا لأولادنا وطلابنا على هذا النحو . وتندرج في هذا المنهج كلُّ مقومات النشأة الصالحة الواعية  ، فيشعر الأبناء بين أهليهم ومعلميهم بالجرأة الأدبية ، وباتِّزان الشخصية ، وبالقدرة على ترجمة مايعتمل في صدورهم إلى أداء صالح ، وسلوك قويم ، وإنتاج نافع . وهم متبصِّرون بكلِّ مايؤدي بصحتهم الروحية والنفسية والجسدية ، فينأون عنه ويحذرون منه ، آخذين بما استحلى وسما في عقيدتهم الإسلامية ، وبما جلَّ قَدْرُه من إرشاد معلميهم ، فعند ذلك تأتي النتائج طيبةً يانعةً من مناهج التربية والتعليم ، ومن برامج الأنشطة المدرسية ، وبهذا يتفوَّقون ويحرزون قصبَ السَّبقِ في ميادين التسابق والمساهمات العلمية والثقافية . فيخرج الناجحُ منهم إلى جنَّة مستقبلِه غيرَ كاسف البال ، ولا حزين الفؤاد ، كغيره من الذين شذُّوا فابتعدوا عن إشراقات المناهج وتألُّق البرامج ، ويومها يستحق هذا المتميز الشكر والتقدير والإكرام من مدرسته ، ومن وجهاء الحيِّ في حارته ، ومن قادة بلده ، يؤكد حجة الإسلام الإمام الغزالي رحمه الله على : ( أنَّ الصَّبيَّ إذا ظهرَ منه خُلُقٌ جميلٌ ، وفعلٌ محمودٌ ، فإنه ينبغي أن يُكرمَ عليه ، ويُجازَى عليه بما يفرح به ، ويُمدح أمامَ الناس على الخُلُق الكريم ، والفعل الحميد ) . فشهادات الشكر والتقدير ، والجوائز العينية ، وما في هذه الأبواب أمورٌ تُستحسنُ  لإشعار الناشئ بالاهتمام والعطف والمودة ، فتراه وقد تألَّقَ وجهُه بالبشر والفرح ، وفاضت نفسًه بالمسرة والغبطة ، وكأن هذه الأمارات تدلل على أنه صاحب الفوز والسَّبق في مجتمعه المدرسي وقد قدَّم فرائد النَّفائس . روى ابنُ عمر رضي الله عنهما : ( أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سبَّقَ بين الخيلِ وأعطى السَّابقَ ) رواه أحمد .

إنَّ حضور هذه الاهتمامات بالطلاب لبناء شخصياتهم ، ومدِّها بعناصر التطوير والتقويم ، تدفع إلى اجتماع عواطفهم في عاطفة واحدة يُغنيها ويُؤلقها حبُّهم لمستقبلٍ نضرٍ كريم ، يرسمُه لهم معلموهم من خلال التَّكيُّفِ مع البيئة الخِصبةِ المعطاء ، فلا تخطفهم يدُ الضياع ، ولا يلوي مسيرتهم المباركة عنفوان التَّفلُّت ، وإنَّما تسلم يفاعتُهم وتنطلق على ميادين الازدهار ، كما لايساور رواد التربية والتعليم القلق والحيرة في شأنهم ، مع وفرة المادة التوجيهية والعلمية والسلوكية .

وفي الختام يجب على أولياء أمور الطلاب وعلى التربويين و المعلمين أن لايتوانوا حِيال بذل المزيد من الجهود والإيثار والمثابرة ، وعليهم أن يُشعِروا طلابَهم بأهمية أعمارِهم ، وضرورة الاهتمام بمناهج التربية والتعليم وبرامج الأنشطة الكريمة ، وأن يُفاخروا بتفوُّقِهم وتألُّقِهم في مناهجهم وبرامجهم ، حتى يوقن الطلاب بأن طَلَبَ المعالي لايتحقق إلا بالسهر والمواظبة بين أحضان هذه الكتب ، وآفاق تلك الأنشطة . وأن مزاولة الأنشطة ليست للتسلية وتضييع الأوقات ، وإنما هي إحدى دعائم التنسيق الناجح بينها وبين المناهج المدرسية ، والحياة العملية ، كما على المعلمين أن يحسنوا في إيجاد نوع من سلطة الاحترام المتبادل القادر على تغليب المنطق والخُلُق الحسن على ماسواهما من تصرفات شائنة ، لحل المشاكل التي قد تقفز على مناضد المقاعد المدرسية لسبب من الأسباب . لكيلا تُفسدَ الأهواءُ قوة العطاء وحبكة الاندماج الإيجابي في الأداء التعليمي . كما عليهم أن يضحُّوا ولو بجزء من أوقاتهم عن قناعة ورضا لأجل إتمام معاني الحرص على قدسية التعليم ، فلا وجود لوقت ضائع ، أو لوقت هامشي ، وإنها لَمهام وإنجازات ومآثر ... إذا تحقق حضورُها فقد أفلح العالم والمتعلم ، وفاز المجتمع . وإن لم يتحقق شيءٌ من ذلك فقد خسر الجميع مزية السعي نحو السعادة التي تُرجَى للمجتمع وللأمة بل وللإنسانية . يقول الله سبحانه وتعالى : ( وقل اعملوا فسيرى اللهُ عملَكم ورسولُه والمؤمنون ) 105 / سورة التوبة .

وسوم: العدد 840