رسالة إلى المهجرين ..من مهجّر أربعين سنة ..

في مطلع القرن القمري سنة 1400 هجرية كان قد مضى على خروجنا من وطننا مجرد أشهر . كنا متفائلين بحديث المجدد الذي يجدد على رأس كل مائة عام . ويجب أن نظل متفائلين .

كلما أغمضت عينيّ بت على أمل من الله . وكلما فتحتهما مع كل صباح فتحتهما على أمل . وعندما أقول : الأمل بالله فهذا يعني أن أتفاءل مع ضعف وسائلي ، وقلة حيلتي ، وانقطاع أسبابي . وعندما أقول : الأمل بالله فهذا يعني أن أستفرغ وسعي وجهدي وطاقتي . وأنا إنسان لا أفهم ذكر الله ترداد لفظ وإنما أفهمه التزاما لنهج ، واتباعا لسنن . وإذا كان للسوريين اليوم أن يستغفروا ربهم فسيكون عليهم أن يبادروا إلى اتباع سننه فهذا هو استغفارهم  الذي به بإذن الله ينتصرون. 

في سني الاغتراب الطويل وقد نزلت بلادا وعاشرت عبادا كان يلازمني دائما شعوران ، إيجابي وسلبي . ...

الأول أنني كنت دائما  استشعر كرامة الناس الذين أعيش بينهم . وفضلهم السابغ . ويدهم السابقة . وتفضلهم عليّ في كل شيء . حتى في جرعة الاكسجين أملأ بها رئتي من فضاء وطنهم . . فهؤلاء الناس الذين يستضيفونني لا يد لهم في أمري الذي أنا فيه، وهم في أصل أمرهم وفرعه متفضلون . وكل ما تتحدث عنه كتب الأخلاق من حقوق هي حقوق فضل وتفضل ومروءة وليس حقوق استنجاز . صحيح أن الإنسان مهما أعطي تطلع إلى المزيد، ولكننا تربينا على أن لحسة الملح عند الحر تنفع فبقينا شاكرين .

والشعور الثاني الذي ما يزال وسيظل يلازمني هو أن كل ما أنا فيه من غربة وكربة وتضييق سواء على المستوى النفسي أو على المستوى الواقعي العملي إنما سببه الظالم المستبد حبيب الفناء عدو الحياة . هذا الظالم المستبد هو الذي اغتصب حقي في هواء بلادي وشمسها ، هو الذي سلبني حريتي ، هو الذي لاحقني وهددني بالاعتقال ، واعتقل الكثير من إخواني وقتلهم ، هو الذي يقوم منذ عشر سنوات بتقتيل السوريين وتدمير بلادهم ، هو الذي أجلب عليهم المحتلين الروسي والإيراني هو الذي قصفهم بالصواريخ والبراميل والسارين والكلور والارتجاجي والفراغي ..

فكلما اشتد على السوريين موقف ، أو ضاق عليهم أمر فضده يجب أن يهتفوا ، وصوره يجب أن يحرقوا ، حتى لا يظلموا ويكونون من حيث لا يدرون عونا للظالمين على أنفسهم . فيقطعوا أيمانهم بشمائلهم . لم أخطئ مرة في هذا ، وكنت  كلما حزبني أمر،  أو لزني فرد ، أو عبس في وجه زمان أو مكان أو إنسان  أستنزل سخط الله وغضبه ولعنته على الذي كان السبب الأول لما أنا فيه .

في علم النفس حالة مرضية يسمونها " التحويل " تعبر عنها العامة بالقول " الذي لا يقدر على حماته ينتقم من مراته " عدونا الأول ...عدونا السابع والسبعون هو بشار الأسد وحليفاه الروسي والإيراني وعليهم يجب أن يكون الغضب ، ومنهم يجب أن يتم الاستنجاز وصورهم وراياتهم هي التي يجب أن تحرق..وكل ما عدا ذلك فهو عدوان جهل ، أو عدوان  تشبيح .

أما حقوق الأخوة ، وحسن الظن فإنما بالرفق تذكر ، وبالشكر تستدام وتستزاد ..

اللهم عليك بمن عادى إنسانا في وطنه وضيق عليه في عيشه وآذاه وهجره ..

وقد حفظت :

لا تعادِ الناس في أوطانهم ..قلما يرعى غريب الوطن 

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 840