يا جبل ما يهزك ريح

عندما زرنا المعارضة السورية في واحدة من العواصم الغربية، قبيل اندلاع ثورة الكرامة والحرية في شامة الدنيا، صدمنا من واقع هذه المعارضة التي توصف بأنها ليبرالية أو يسارية أو.. أو.. إلخ، صدمنا من تفاهة اهتماماتهم كما تألمنا لسوء العلاقات الاجتماعية بينهم، وأنا هنا لا أعمم، وما ينبغي لي ذلك، فثمة أشخاص محترمون ومتمسكون بمبادئهم وأخلاقهم... إلا أن الغالبية من أوساط المعارضة كانت الغيبة والنميمة والكيد والاتهامات المتبادلة متفشية فيما بينهم بشكل مخيف.... ناهيك عن اتهامات العمالة لهذه الجهة أو تلك، والارتباطات الرخيصة (للأجهزة) المختلفة... والحديث المبالغ فيه عن المبالغ التي يقبضها فلان وعلان... إلى آخر هذه المعزوفة من (البهدلات) التي يندى لها الجبين...

وصدقاً لو أردت أن أحصي الاتهامات المتبادلة بينهم لسوّدت منها صفحات ذات طول وعرض... إلا أن هذا ليس هدف هذه المقالة... وإذا يسّر الله لي فرصة قادمة فسوف أقصّ عليكم العجب العجاب من سلوكيات بعض نخب هذه المعارضة.

بذلنا جهداً جهيداً، بمعاونة بعض المخلصين منهم، حتى استطعنا أن نعقد لقاءات تجمع أكثرهم بعد تمنّع العديد منهم إذ لا يمكن أن يجمعه سقف واحد مع فلان أو علان.. ولكن المولى عز وجل كلّل جهودنا غير القليلة (بالنجاح) والتقينا معظمهم على اختلاف آرائهم ومعتقداتهم وتوجهاتهم، إلا أنهم (أجمعوا) على أمر بارز هو كيل المديح لنا "فأنتم في جماعة الإخوان المسلمين الجهة الوحيدة في المعارضة السورية كلها –التي بقيت على الرغم من الهجرة والتشرد والكيد الذي يستهدفكم- فقد بقيتم متماسكين ثابتين على مبادئكم متسامين عن العمالة لهذه الجهة أو تلك، وبقيت أيديكم نظيفة من (المساعدات) التي تبذلها الأجهزة المختلفة بسخاء مريب، ولم تحابوا الدول والحكومات، كما نأيتم بأنفسكم عن كل ما يلطّخ نزاهتكم ونظافة أيديكم وضمائركم ومعتقداتكم، وأنتم الوحيدون الذين وقفتم وقفة الرجال أمام طغيان الديكتاتور حافظ أسد وزبانيته من الطائفيين والمتسلقين والمنتفعين الذين أذلوا شامة الدنيا أيما إذلال حتى كادوا يحولون شعب سورية الأبي إلى قطيع من العبيد الذين يتلذذون بالسجود والركوع لبائع الجولان الغدار الذي غدر (بأعز) أصدقائه وأقرب رفاقه".

لم نتمالك أنفسنا أمام هذا السيل الجارف من المديح والثناء والإطراء إلا أن (نفرمل) اندفاعهم الذي أخجلنا فعلاً لا قولاً.

فاتني أن أذكر أن هدف زيارتنا إلى تلك العاصمة الغربية ولقاء أقطاب المعارضة السورية هو تحريك ماء القضية السورية الذي كان راكداً بشكل موجع حتى النخاع.

استطعنا بفضل الله تعالى وتوفيقه أن نتوصل معهم إلى عدد من النقاط والأهداف والمشاريع التي تبعث الهمة في نفوس أهلنا في سورية للتصدي للذل والهوان العجيبين اللذين يمارسهما ديكتاتور الشام الذي هلك فيما بعد.

إلا أن (المفرح) الذي يدعو إلى الفخر والاعتزاز أن الأحداث في سورية قد تجاوزت زيارتنا (التاريخية) وما تمخض عنها من اتفاقات وتفاهمات:

فقد نفق الديكتاتور وجاء جروه الغر، وتفجرت الثورة الشامخة المبرأة من كل ما يشين، ووضعنا كتفنا مع أكتاف المخلصين لحمل أعباء هذه الثورة المفخرة التي ترصع جبين الدهر بآيات العز والسؤدد.. ولكن المدهش والمؤلم الذي يمضّ كل حرّ، هو الحملة المسعورة التي تستهدف جماعة الإخوان المسلمين والتي يساهم في كثير من افتراءاتها وتخرصاتها بعض تلك (النخب) من آنفي الذكر... وليس كلهم، من الذين أيقظتهم الثورة من سباتٍ ينافس نومة أهل الكهف، وقد استلوا ألسنة حداداً لا تخاف في الباطل والافتراء والبهتان لومة لائم.

وما ينقضي العجب من قدرة هذه (النخب) على القفز من النقيض إلى نقيضه:

فمن كون الإخوان المسلمين (الجماعة الطاهرة النظيفة) يوم التقيناهم سابقاً، إلى كون الجماعة (الفاعل التارك) التي تركب موجة الثورة لمآرب وغايات خاصة إلى آخر المعزوفة التي يعفّ القلم عن ذكرها وملاطخة قذرها.

أجد نفسي - للإنصاف -  أن أكرر: أن هذه الأوصاف السلبية لا تعمّم على جميع النخب التي قابلناها في تلك العاصمة الغربية، فبعضهم ما يزال على موقفه الشريف من الجماعة والثناء عليها..

أما نحن، فإننا نقول لأولئك المتطاولين على الجماعة: يا جبل ما يهزك ريح... كما نؤمن بأنهم حتى لو استمروا في موقفهم العدائي غير المبرر هذا من الافتراءات والبهتان، فلن يتمكنوا من حجب شمس الإخوان التي تشرق بإذن ربها على ربوع الشام ومآذنها ومساجدها وفضائها الرحيب الوسيع..

وسوم: العدد 841