قراءة في آخر إحصائية للفلسطينيين في الوطن والشتات

أصدر الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء في رام الله إحصائية 2019 للفلسطينيين في الوطن والشتات ، حدد فيها عددهم ب حوالى 3 ، 15مليون نسمة . ومن هذه الإحصائية يظهر أن عددهم في الوطن يزيد على 7 ملايين ، وبه يكونون أكثر من عدد اليهود البالغ   6, 6 ملايين . وتبين الإحصائية أن عدد الفلسطينيين في  مجالهم الجغرافي الأول ، أي الأردن وسوريا ولبنان حوالى 13 مليونا ، وهذا يكشف حقيقة وطنية مبشرة توضح أن الفلسطينيين لم يبتعدوا عن الفضاء الإقليمي لوطنهم القومي، وأنهم حاضرون في قلبه وقرب  حدوده ، وتفجع هذه الحقيقة الإسرائيليين الذين لم يقلعوا منذ 1948 عن وهم إزالة الفلسطينيين من جغرافية المنطقة وتاريخها ، ومن آخر تعريات هذا الوهم ، أو الهذيان الضحل ، ما كشف في آب الفائت عن خطة إسرائيلية لتهجير مواطني غزة الذين تحاصرهم إسرائيل وتضيق عليهم معيشتهم حتى الاختناق . ال 3 1مليونا تجهر بحقيقة أن اليهود في المنطقة  أقل من نصف الفلسطينيين إذا أضفنا إلى ال13بقية الفلسطينيين الذين يعيشون في الدول العربية ، وأكثرهم في الإمارات وقطر وبلاد الحرمين حيث يزيد عددهم في الدول الثلاث على 800 ألف . لم نقرأ حتى اللحظة ردات  الفعل الإسرائيلية على الإحصائية الجديدة ، ولا نشك في أنهم علموا بها قبل إصدارها . والمؤكد أنهم سيواصلون دفن رؤوسهم في الرمل ، وسيواصلون الهذيان بأن الفلسطينيين قد يختفون من المنطقة بقدرة ما خارجة عن قوانين الطبيعة ، أو بالهجرة الطوعية ، أو بالتهجير القهري الذي حاولوه سالفا ، وأخفقوا فيه أكبر الإخفاق . ومن الإسرائيليين  قلة واعية حذرة  تحث على حل الدولتين إنقاذا ليهودية إسرائيل من دولة الأمر الواقع الثنائية القومية التي ستنتهي حتما في سنوات قريبة بأغلبية فلسطينية ساحقة وأقلية يهودية مسحوقة عددا . وهذه القلة لا أحد في إسرائيل يهتم بصوتها وتحذيراتها المنذرة ، فما زالت القوى السياسية والعسكرية المسيطرة فيها تثق بأن القوة العسكرية ستأتي بالحل للمآل الانهياري الذي تنحوه إسرائيل مسرعة ؛ مجسدا في تضاؤل عدد سكانها اليهود إزاء تزايد عدد الفلسطينيين المتسارع في فلسطين وفي المنطقة . وتهديد نتنياهو ومنافسيه في الانتخابات الإسرائيلية بتدمير غزة في أي حرب جديدة صورة من صور توهم الحل بالقوة العسكرية التي ينذر إخفاقها ماضيا بإخفاقها قادما . ومن الحقائق الراسخة أن أي قوة بشرية عددية يرتفع منسوب تأثيرها بارتفاع منسوب تفعيلها تفعيلا صحيحا يوظفها صوب غايات محددة واضحة ينعقد العزم الصادق على بلوغها ، وفي الحالة الفلسطينية الغاية هي العودة إلى الوطن ، وإزاحة وطأة الهيمنة الإسرائيلية  عليه . ولا أحد في الساحة الفلسطينية يهتم عمليا بهذا التفعيل الذي دعا إدوارد سعيد ياسر عرفات فور تطبيق أوسلو في 1994 للقيام به دون أي استجابة لدعوته . فالسلطة الفلسطينية ، وتخصيصا منظمة التحرير ، هي التي يفترض أن تقوم بهذا التفعيل إلا أن المنظمة التي اختزلت في السلطة الإدارية للضفة وغزة انحبس كل هم مسئوليها  في البقاء في مناصبهم والحفاظ على مكاسبهم الشخصية ، وفي مغالبة حماس وتمني الانتصار عليها ، واسترداد غزة أو تحريرها من حماس مثلما يقول بعضهم مغفلين عمدا أن معركتهم الحقيقية في الضفة التي يندفع الاستيطان في التهام أراضيها ، واضطهاد مواطنيها وتدمير حياتهم . وإذا كانت منظمة التحرير عاجزة عن تفعيل قوى الفلسطينيين في الوطن وفي المنطقة فهي عن تفعيل قواهم في العالم أشد عجزا وتقصيرا  . من يستطيع الإشارة إلى إنجاز واحد لها بين فلسطينيي الشتات ؟!  وعلى النقيض ، تصدت  دائما لجهودهم لتنظيم أنفسهم خوفا من أن يسعوا لتكوين بديل تمثيلي مضاد لها .  ولمنظمة التحرير أو السلطة  سفارات في العالم أكثر من إسرائيل ، وما من إنجاز دبلوماسي يترجم إلى إنجاز سياسي وطني فلسطيني لأي سفارة من هذه السفارات . في دولة صغيرة هي هندوراس ، في أميركا الوسطى ، سفارة فلسطينية و54 ألف فلسطيني ، ولم تفعل هذه السفارة ، وهذا العدد الكبير نسبيا حسب صغر هذه الدولة ؛ أي شيء لمنع فتحها مكتبا تجاريا في القدس ذا صفة دبلوماسية تمهيدا لنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس . وبعد كل ضربة  دبلوماسية لصالح إسرائيل  تنطلق الإدانات من مسئولي المنظمة  والسلطة لمن وجه هذه الضربة ، وأن العمل يجري لإيقافها ، أي بعد موات الأوان ولا نقول بعد فواته ، واستحالة تراجع الدولة التي وجهتها عنها . العدد الكبير للفلسطينيين ينقصه قيادة وطنية كبيرة عقلا وإرادة وإخلاصا لتوظفه نحو الهدف التاريخي لهذا الشعب ، أي العودة إلى وطنه .

وسوم: العدد 842