علاقة متوسط عمر الإنسان بالقدر

تواصل معي كثيرون بطرق عديدة حول علاقة متوسط عمر الإنسان بالقدر، والحقيقة أن القدر أكثر الموضوعات التي ثار ويثور حولها الجدل في كل زمان، وعندي كتاب مطبوع حول القدر تعرضت فيه لآيات القرآن الكريم ذات الصلة بالقدر، ومن يتأمل تلك الآيات بتدبر يجد أن القدر لا يسلب حرية الإنسان، فالفكر الإسلامي يرفض الجبرية جملة وتفصيلاً لأنها تسقط مسؤولية الإنسان وتخلق مفاسد لا حصر لها. ولقد خلق الله أسباب الخير وأسباب الشر ابتلاءً للناس في هذه الحياة، وأوجد بإرادته وحكمته عوامل التقدم وعوامل التأخر لمن شاء من الناس أن يتقدم أو يتأخر، والمؤمن مأمور بمعانقة أسباب الصحة والعلم والغنى والهداية والخير والقوة والنصر، ووظيفة القدر هنا هي التيسير لا التسيير، حيث يُيسّر الله طريق الخير للخيّرين الذين أرادوا اليُسرى، وييسر طريق الشر للأشرار الذين ساروا في طريق العُسرى، كما جاء في سورة (الليل)؛ بمعنى أن من سلك طريق الخير فإنه قد جسّد حريته وحقق مشيئة الله الشرعية في ذات الوقت، ومن سار في طريق الشر فقد جسّد اختياره وحقّق مشيئة الله الكونية في خلق الخير والشر، وفي كل الأحوال فإن الإنسان لا يخرج من مشيئة الله ولا يفقد مشيئته في آن واحد، وهو مطالب بأن يفر من قدر الله في المرض إلى قدر الله في الصحة، ومطالب بأن يدافع أقدار الله في الضعف بأقدار الله في القوة، ولأن الأسباب من قدر الله فإن من أخذوا بأسباب الصحة قد صحّوا وطالت أعمارهم كانوا مسلمين أو غيرهم، ومن جانبوا تلك الأسباب داهمتهم العلل وربما أودت بهم إلى الموت. أما الحالات الشاذة التي تختلف النتائج فيها عن المقدمات فإنها درس من الله للناس حتى لا يتعلقوا بالأسباب تعلق من يعتقد أنها تملك الضر والنفع بذاتها؛ إذ  تصبح أنداداً لله في هذه الحالة. ومن المعلوم أن الإنسان إن فقد حريته واختياره فلا ثواب إن أحسن ولا عقاب إن أساء.

وسوم: العدد 842