أبجدية القيد الأخير
يسري الغول
الرسالة وصلت.. كان هذا أول ما راودني، وأنا أتابع أوبريت "أبجدية القيد الأخير" التي دعاني إليها الصديق أحمد النبيه، مدير عام مؤسسة الشام للإنتاج الفني.
فلقد نجح هؤلاء الشبان في الترويج لقضية الأسرى بطريقة جديدة ومغايرة عما عهدته اللغة التعبوية السابقة لقضايا الوطن السليب؛ فبعد أن أرهقتنا كلاسيكية الأطروحات الثورية التي لم يكن لها تأثير حقيقي تجاه قضايانا الإنسانية، كان هناك توجه مشروع وناضج نحو الفنون البصرية والتشكيلية والمسرحية، لدعم القضية الوطنية بطريقة إنسانية دون أدلجتها أو إلباسها أيٍ من أثواب الحزبية أو التنظيرية.
ولقد عمل هؤلاء الشبان على مطولة شعرية تتحدث عن حياة الأسير بدءاً من اعتقاله حتى الإفراج عنه بقصائد ملهبة ومؤثرة، وأذكر أن الإخوة في المؤسسة قد عقدوا مجموعة من اللقاءات، التي تم عرضها كأوبريت فني ومسرحي قوي ومترابط دفع الجميع للتصفيق أكثر من مرة لجمهور الشعراء والممثلين. كما قامت بعض الفضائيات بنقل الحدث مباشرة كالجزيرة مباشر، الأمر الذي جعل انتشار العمل سريعاً في الأروقة والدروب.
وهنا يجب أن يتكلل دور المؤسسة بإعادة عرض الأوبريت أكثر من مرة لما له من أهمية في الترويج لقضية الأسرى. كما وجب على المؤسسة الرسمية أن تدعم مثل تلك الفعاليات لإنجاح دورها في الترويج لقضايانا، وأهم أنواع الدعم في هذا السياق هو طباعة المطولة الشعرية في كتاب يوزع على المكتبات والجامعات والمؤسسات الثقافية المنتشرة في ربوع الوطن ومشاركة الكتاب بمعارض الكتب الدولية حيث أن صوت الثقافة هو السلاح الناجع والقوي في مواجهة المحتل دبلوماسياً وفكرياً، فلا يمكن لأحد أن يغفل دور الأدب في الترويج للقضايا الإنسانية. فما زلنا حتى اليوم نقرأ لوولي سونيكا وتولستوي وبلزاك والبرتو مورافيا يتحدثون عن الحرب العالمية وعن الاضطهاد العرقي في إفريقيا وقضايا أخرى.
لقد نجح الأوبريت الفني "أبجدية القيد الأخير" بشكل كبير. فالموسيقى التصويرية والأداء المسرحي للشعراء والممثلين كان مؤثراً بشكل مفاجئ، حيث أسرت الأحداث ولغتها الفنية والموسيقية جمهور المشاهدين فحركت المشاعر الفياضة لتجعل من الدموع حكاية لبعض النسوة اللواتي حضرن لأن لهن حكايات مؤلمة مع الأسر والاعتقال الذي منع عنهن رؤية الأزواج والأبناء. ونجح الأوبريت حين جعل من كل شاعر مشارك بتلك المطولة يخرج ليصدح بمقطع من أبياته التي نظمها من أجل من قدموا الغالي والنفيس ليبقى الوطن عزيزاً وكريماً كترنيمة لا نِد لها.
ولا يفوتني هنا، أن أعرج على الدبكة الشعبية التي تعتبر أحد أهم أنواع الفولكلور الشعبي الفلسطيني، والتي جاءت كانتصار لتحرير المعتقل (المُفترض في الأوبريت) من الأسر لتقول، بأن الفن الفلسطيني جزء لا يتجرأ من كينونة وهوية الدولة المغتصبة. ولعل هذا جزء مهم في مواجهة المحتل الذي يحاول الترويج للدبكة والحَطة من أنها جزء من الحضارة اليهودية.
أيها الشباب، الفنانون والشعراء والكتاب والأدباء والموسيقيين والمسرحيين استمروا، فبكم تحلوا الحياة.
