في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة .. "النساء شقائق الرجال"

يصادف اليوم 25/ 11 / اليوم الذي اختارته الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ 1999 محطة إنسانية جماعية لمقاومة كل أشكال العنف والاستغلال ضد المرأة ..

وإنها لدعوة كريمة تلك التي أعلن عنها محمد رسول الله منذ 1400 عام " ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم "

في متابعتنا لمصداقية الجمعية العامة للأمم المتحدة والدول النافذة فيها ، ندرك حقيقة حجم النفاق والادعاء الدولي على مستوى الممارسة في نصرة قضايا المرأة وفي التصدي لمنهجية العدوان عليها ..

وإنه لمن الاستخفاف بالعقول ، والاستهزاء بالقلوب أن تعلن الجمعية العامة للأمم المتحدة يوما عالميا لمناهضة العنف ضد المرأة ، وجل الذين يشغلون مقاعدها من ممارسي الجريمة ، ورعاتها ، وداعمي مرتكبيها .

وبقليل من التأمل ندرك أن العدوان الهمجي على الشقيق اللطيف الناعم إنما يتم على مستويين جماعي وفردي ، وعلى خلفيتين سياسة واجتماعية ..

فأما ما يقع على المستوى الفردي الاجتماعي فكل العقلاء يعلمون أنه من الممكن تجاوزه والحد منه ثم استئصاله بالتثقيف والتهذيب والتعليم والتشريع بالقوانين الرادعة والزاجرة ..

وإنما العقدة التي تستعصي على المواجهة والحل هي ما يتم على المستوى الجماعي ، على المستوى الذي ترعاه الدول والحكومات المتسندة على مقاعد الجمعية العامة ، وفي مجلس أمنها ، والمنتدية على منابرها ، والمشاركة في صنع قراراتها وإقرار سياساتها متعددة المعايير . على مقاعد الجمعية العامة مندوبو كثير من الحكومات التي جعلت من أساسيات سلوكها في التصدي لمخالفاتها من النساء على المستوى السياسي وغيره أن تردعهن بالعدوان الجسدي عليهن ، وممارسة ما لا يستحسن ذكره بحقهن من هتك واغتصاب ..

يعلم كل الأدعياء الذين يحتفلون باليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة حجم العدوان الذي تمارسه حكومات لها مقاعدها على منابر الجمعية العامة ، وتعلم حجم هذه الممارسات وطبيعتها وفظاعتها ؛ ونجاة رعاتها من المستبدين والطغاة عل كل خطوط الطول والعرض على أديم المسكونة من المساءلة وحرمان ضحاياهم من العدل الذي هو قوام الحياة الإنسانية في كل الشرائع وتحت كل العناوين ..

تعلم أي امرأة يخطر لها أن تنغمس في العمل العام في محيطها وبيئتها ما يترصدها به الظالمون من عدوان وظلم وهتك لا يعتد فيه العدوان على حياتها أمرا مذكورا ؛ جرائم تغص به عشرات الألوف من الوثائق والشواهد لمجرمين ما زالوا يستقبلون بالتبجيل والاحترام ، وما زالوا يشار إليهم بلقب رئيس ووزير ..

من عجب أن تصبح الفتاة الأفغانية " ملالا " أنموذجا عالميا للضحايا مع تعاطفنا الكامل مع قضيتها ، وينسى القابعون وراء ستار الإنسانية الكتيم نماذج من آلاف الضحايا من العراقيات والسوريات والمصريات مما تندى لهول الفظائع التي نزلت بهن غرائز الوحوش في الغابات ..

وإلى جانب الممارسات المنهجية والمستنكرة في العدوان على المرأة ، والموثقة في سلوك حكام وحكومات مسيطرة ومدعومة ومعترف بها دوليا حتى اليوم ...والاعتراف بها لا يقل توحشا ولا إرهابا عن الاعتراف بأي تنظيم إرهابي مقيت يضرب الأبرياء حول العالم ، يجب أن نذكر السلوكيات الفردية الشائنة للمتجلببين بجلباب السلطة بشتى أنواعها ممن دأبوا على التحرش بكل النساء اللواتي تصل أيديهم إليهن .. سياسيون ورجال إعلام وأعمال وفنانون ومخرجون سينمائيون فرضوا على المرأة أن تدفع من جسدها مقابل العبور .. وهذا الممثل الأمريكي كوسبي يسلم عليكم ..

هذه الجرائم المشتهرة والمتسلسلة أولى بالمواجهة والإدانة ، من سلوك فردي بشري منفلت وعابر ؛ مهما قلنا من ضرورة التصدي لكل أشكال العدوان الفردي الهمجي وصوره ومصادره ..سواء تجلبب بجلباب الدين أو التقاليد أو الثقافة أو القوة الإبرائية اجتماعية كانت أو اقتصادية ..

في اليوم العالمي لمناهضة كل أنواع العنف ضد المرأة ..

نعلن إدانتنا ورفضنا لكل أشكال العنف الممنهج والمنظم الجماعي والفردي ضد المرأة ولاسيما ذلك الذي يمارسه الطغاة والمستبدون وأدواتهم ..

كما نؤكد تقديرنا واحترامنا لكل النساء من ضحايا هذا العنف ، ونطالب المجتمعات كافة أن تقف إجلالا واحتراما لهؤلاء العفيفات الطاهرات ، وألا تصطف مع الطغاة في طوابير إدانتهن والتنديد بهن وازدرائهن والتضييق عليهن ..

ولا بد أن نستطرد فندين في السياق نفسه كل التفسيرات الهمجية التي عملت خلال سياقات مصنعة للتوظيف . لقد بشر الإسلام بتحرير الإنسان ، ودعا إلى الحد من دائرة العبودية بما شرع من قربات وكفارات ، وتعامل المسلمون الأوائل مع الظاهرة كأمر واقع ثم فتح الله على الإنسانية فتم تجاوز هذا الواقع لخير جميع البشر ..واقع لا يسعى للردة إليه إلا مغموص أو مطموس

نعلن في الوقت نفسه رفضنا وإدانتنا واستنكارنا كل التفسيرات والتبريرات التي تشرعن لأي شكل من أشكال العنف ضد المرأة باسم الإسلام الدين والشريعة . ونحن ندرك أن لكل النصوص الشرعية الإسلامية من قرآن وسنة مرجعيتها ومنهجها في التلقي والفهم والتفسير . ونحفظ أنه " ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة ولا غلاما قط " وأنه يكفينا من هذا الحديث القدوة الحسنة التي دعانا كتاب ربنا إليها .

وفي الختام ندين اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بالطغاة المجرمين المستبدين وحكوماتهم من الذين يمنهجون سلوك العدوان على المرأة ويشرعنونه ... ونطالب بمواقف إنسانية أكثر حسما وجدية وموضوعية في التصدي للجريمة بحق ، والأخذ على أيدي المجرمين من الطغاة والمستبدين ..

وإنما النساء شقائق الرجال .

قال أهل اللغة : الشقيق ما اشتق طولا ، وليس ما قُدّ عرضا . لأن القدّ عرضا قد يحتمل بعض الجنف . وطبيعة الخلق الرباني تأباه .

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 852