فإن نُهزم فهزّامون قدما ...تأساء وتعزية

وهذه أبيات عشرة من روائع الشعر العربي في الاعتذار عن مصائب الدهر ، وتقلب الأيام ، وتبدل الأقوام من عزهم ذلا ، ومن إقبالهم إدبارا ، ومن انتصارهم هزيمة.. وبلغ من احتفاء ديوان الشعر العربي بهذه الأبيات أنك تجدها قد نسبت إلى الكثيرين ، فنسبت إلى فروة بن مسيك بن الحارث صحابي يماني ، كما نسبت إلى ذي الأصبع العدواني / جاهلي صاحب : لله الحي لامن عدوان كانوا حية الأرض .كما نسبت إلى مالك بن عمران الأسدي وإلى الفرزدق وإلى غيرهم ..

وقد احتفت بهذه الأبيات دواوين الشعر العربي ، وكتب الأدب ، واللغة ، والنحو ، والتاريخ والحديث والفقه كل طائفة تستشهد منها ببيت أو أبيات .

ورويت الأبيات في تلك الكتب متفرقة فقوم رووا بيتين وثلاثة وخمسة وقد جمعت أطرافها فما زادت على عشرة كما اقتبستها لكم هنا .

وأقرب ما روي في هذه الأبيات إنها قيلت في واقعة (الرزم) وهي واقعة جرت بين مراد وهمدان وقد ظفرت فيها همدان فأكثروا القتلى في مراد ، وكان سيد همدان يومها الأجدع بن مالك ، فكانت هذه الأبيات تأساء وتعزية واعتذارا .

ثم ذهبت مثلا شرودا في التاريخ يتأسى بها كل من نزلت به نازلة أ، و عضته الأيام بنابها . حتى قيل إن سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنه تأسى بها  يوم كربلاء.

وحسبك بهذا إن صح ....

واستشهد بالأبيات ورواها أو بعضها أبو تمام والبحتري في حماستيهما ، وابن سعد في الطبقات ، وابن عبد ربه في العقد ، وابن قتيبة الدينوري ، وابن حزم الأندلسي ، وابن حجر العسقلاني والشريف المرتضى وغيرهم كثير ..

وقلنا والأبيات في التأساء والتعزية والاعتذار عن تقلب الزمان حتى ليقول الشاعر : فإن تنزل بنا هزيمة واحدة فقد كنا الهزامين قدما على حد قول من قال ، نحن الكرام السابقون إلى العلا قبلا وبعدا .  وإن نهزم فهزيمة لا تدخل القلوب ولا تنزل بالنفوس وقد علمنا أن ما من فرة لنا إلا وتتبعها كرة وكرات فنحن الكرارون ولن نكون أبدا الفرارين .

وما إن طبنا جبن

وإن ما نزل بنا لم ينزل عن جبن ولا عن ضعف ولا عنا تخاذل ، فلم يكن الجبن علتنا ولكنها تصاريف الدهر وتقلب الأيام .. فاعتبروا يا أولي الأبصار ..

ثم يأتي هذا البيت الشرود السائر الذي ما تزال تسير به الركبان ..

فقل للشامتين بنا أفيقوا ... سيلقى الشامتون كما لقينا

وهذا البيت الأكثر سيرورة على مر الزمان ، من بين الأبيات العشر . وأوضحه أن هؤلاء الشامتين من بني العمومة والخؤولة وتكاد القارعة تنزل بهم أو تحل قريبا من دراهم وأكثرهم لا يشعرون ..

ثم تدور بقية الأبيات على حقيقة أن الأيام دول ، وأن الدهر لا يرفع كلكله على قوم حتى ينيخ به على آخرين..وأن سبيل الموت غاية كل حي ..

أبيات من معين الحكمة ، وتمام الموعظة ، وحسن التأساء والتعزية وإن لم تكن أنت وولدك وبنتك قد حفظت فما حفظت ..

كان سيدنا عمر رضي الله عنه يقول : وعليكم بالشعر أي احفظوه فإنه ديوان العرب ..

وما أجمله من ديوان ...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 863