خداع الضمائر فنّ : يتعثّر فيه المبتدئ ، ويجيده المتمرّس !

قال أحدهم : قد تخدع بعض الناس ، كلّ الوقت ، وقد تخدع كلّ الناس ، بعض الوقت .. لكن لايمكن ، أن تخدع كلّ الناس ، كلّ الوقت !

 أنواع الخداع كثيرة ، منها : الخداع الإعلامي ، والسياسي ، والمالي ..  ومنها : الخداع الاجتماعي .. ومنها خداع الحاكم لشعبه .. ومنها خداع الرئيس لمرؤوسيه ، وخداع المرؤوس لرؤسائه .. ومنها خداع الجاسوس ، لمن يتجسّس عليهم .. ومنها خداع الرجل لزوجه ،  وخداع المرأة لزوجها .. وهكذا !

وقد يسمّى المخادع خَبّاً ، كما ورد ، في قول عمر بن الخطاب : لستّ خَبّاً ، ولا الخّبّ يَخدعني!

لكن ، أصعبُ أنواع الخداع ، خداعُ النفس ، أو الضمير؛ فهذا فنّ صعب ، شديد التعقيد ، لايجيده إلاّ المتمرّسون فيه !

نماذج قديمة ، متكرّرة ، عبر العصور :

 قال الله ، عزّ وجلّ ، عن المنافقين :

(يُخادعون الله والذين آمنوا وما يَخدعون إلاّ أنفسَهم وما يَشعرون) .

وهذا أمر بدهي ، لأن مخادعة الله ، العليم بذات الصدور، هي مخادعة للنفس ، أو للضمير!

نموذج حديث ، يمثّل نمطاً ، يضمّ ألوف البشر:

محسوبون على العلماء ، يحبّون أن يُخدَعوا ، كي يَخدعوا أنفسهم ، بما يُخدعون به !

هذا النمط من الناس موجود ، في سائر الدول ، التي تحكمها أنظمة حكم مستبدّة ، وهي الدول ، التي تضمّ شعوباً ، تنتمي أكثريتها إلى الإسلام ! فالمنافق المحسوب ، على علماء الشرع ، يحبّ أن يَسمع ، من الحاكم المستبدّ ، كلاماً ، يوحي بأنه مسلم مؤمن .. كما يحبّ أن يرى هذا الحاكمَ، المستبدّ الظالم ، يؤدّي بعض الصلوات ، ويصوم ، أو يتظاهر بالصوم ، ويؤدّي العمرة ، مرتدياً لباس الإحرام.. يحبّ هذا المحسوب، على علماء الشرع ، أن يرى حاكمه ، يظهر بهذه المظاهر، التي تعكس صورة رجل مسلم ، وذلك ؛ لتكون له حجّة ، أمام الناس ، بأنه يلتفّ ، حول حاكم مسلم مؤمن ، وأنه يؤدّي واجب الطاعة ، التي أُمِر بها ، لهذا الحاكم ، برغم كون الحاكم ، خائناً لدينه ووطنه وأمّته ، خاضعاً لأمر أعداء الأمّة ، الذين يثبّتون له كرسيه ، الذي نصّبوه عليه ، دون أن ينال ثقة شعبه، بل ؛ ربّما كانت أكثرية شعبه تمقته، وتتمنّى الخلاص ، منه ومن حكمه!

ولا يكتفي المنافقُ ، المحسوب على علماء الشرع ، بهذا النوع من الخداع ، بل يتسلّح به ، ليقابل به ربّ العالمين ، يوم القيامة ، وهو مستحضر في ذهنه ، الآية الكريمة : ( وماشهدنا إلاّ بما علِمنا وما كنّا للغيب حافظين) .. دون أن يكلف (الشيخُ الجليل) خاطره ، بالنظر، إلى أفعال حاكمه السيّئة ، وقراراته ، السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، الفاسدة ، أو الإجرامية ، بحقّ دينه وشعبه أمّته  .. كما لا يكلف خاطره ، بالنظر، إلى خنوع حاكمه ، لأعداء أمّته ، وتسخير مقدّرات دولته، وممتلكات شعبه ، لهؤلاء الأعداء! فهو ليس بحاجة ، إلى معرفة مساوئ حاكمه، مادام قد اطلع على المحاسن ، التي يتظاهر بها الحاكم ، رياء ، والتي تشفع له ، عند الناس في الدنيا ، وعند الله في الآخرة !

وسوم: العدد 864